6 دقائق قراءة

كوميدي سوري: الألم أرهق الناس… والكوميديا ​​يمكن أن تخفف هذا الألم

في الأيام الأولى، كان هناك عدد قليل من المعدّات الثمينة، كاميرات فيديو محمولة، وعدد قليل من حاملات الكاميرا، استخدمت المصابيح الأمامية التي أخذت من السيارات بمثابة عاكسات الضوء، وكان التصوير يتم في شوارع حلب الشرقية المدمرة.


20 مارس 2019

في الأيام الأولى، كان هناك عدد قليل من المعدّات الثمينة، كاميرات فيديو محمولة، وعدد قليل من حاملات الكاميرا، استخدمت المصابيح الأمامية التي أخذت من السيارات بمثابة عاكسات الضوء، وكان التصوير يتم في شوارع حلب الشرقية المدمرة.

قال الممثل السوري ومنتج الكوميديا ​ يامن نور “في بعض الأحيان، الناس تقتل في نفس الشارع حيث كنا نعمل، وكان يتوجب علينا تأجيل التصوير لعدة أيام”.

وشارك الممثل البالغ من العمر ٤٢ عاماً، في إنتاج العرض الكوميدي ​”​وتر” في عام ٢٠١٤، أثناء سنوات الحرب التي دمرت مسقط رأسه.

ورغم سوداويته في بعض الأحيان، فإن بدايات “وتر” كانت تعكس حس الفكاهة “المتأصل” لدى أهالي حلب، حيث قال نور إن اللهجة الثقيلة المميزة للمدينة أعطتها طابعاً خاصاً.

وظهر ذلك الطابع – وعدد قليل من لهجات حلب الأخرى المبالغ بها – خلال العرض، حيث أصبحت شوارع حلب الشرقية، المدمرة والمليئة بآثار الرصاص، خلفية للوحات الفكاهية السوداوية حول أسعار المواد الغذائية وفصائل المعارضة.

ترك نور تلك الشوارع في عام ،٢٠١٦ بحثاً عن حياة آمنة في مكان آخر. وبعد بضعة أشهر، شاهد الحصار المحكم والحملة العسكرية على المدينة والتي انتهت بعودتها لسيطرة الحكومة، إلا أن نور واصل العروض الكوميدية​ المميزة في المنفى.

ومن تركيا، يقوم فريق “وتر” بإنتاج لوحات كوميدية من الاستوديو الذي يديره سوريون، حيث حصلوا على ترخيص رسمي في أواخر العام الماضي، ويعمل الفريق أيضاً على فيلم يتناول الآثار النفسية بعد الخروج من المعتقل، ويأملون في عرضه ضمن المهرجانات القادمة.

وبحسب نور، فإن حسّ الفكاهة كان شريان الحياة في الحرب والمنفى.

وقال للصحافية آلاء نصار من سوريا على طول “هناك ما يكفي من الألم الذي أرهق الناس”.

“أما الكوميديا ​​فيمكن أن تخفف هذا الألم”.

كيف بدأت العمل في حلب ومن أين جاءت الفكرة؟ هل كان لديك أي خبرة سابقة في التمثيل أو الإخراج؟

كنا لا نزال في حلب، وكان هناك العديد من الصحفيين والناشطين الذين كانوا يغطون جرائم الأسد في سوريا، حتى في بداية المظاهرات، حاولنا تغطية ذلك، لكننا لم نرَ أنفسنا في هذا المجال، ولم نتمكن من حمل السلاح، ولم نتمكن أيضاً من استخدام كاميراتنا لتغطية الدم والمجازر، لذلك اتجهنا نحو الفن.

بدأنا بتشكيل فريق صغير، كانوا جميعهم جدد في هذا المجال دون خبرة سابقة.

بالنسبة لي كان لديّ عدد من تجارب التمثيل البسيطة على المسرح، عروض للأطفال قبل الثورة، كما أنني أحمل شهادة في الفنون التطبيقية.

لم أكن أقف أمام الكاميرا عادة، كنت وراءها دائماً.

ما الذي جعلك تختار اللوحات الكوميدية لإيصال رسالتك؟

لم نتجول بين الناس لنقول “تعالوا، انظروا ماذا يحدث لنا” لماذا نفعل ذلك؟ حتى نعيش المأساة مرة أخرى؟

كانت الكوميديا الخيار الأسهل بالنسبة لنا، وكان لدينا جمهور من الطرفين: موالون للحكومة السورية بالإضافة إلى المعارضة، كلاهما يشاهدنا لأننا نتحدث عن آلام الناس.

لم تعد البلاد قادرة على تحمل الفن الذي يتحدث عن هذا الألم – الألم الذي أرهق الناس – كان هناك ما يكفي منه، أما الكوميديا ​​فيمكن أن تخفف هذا الألم، لوحة كوميدية مدتها ثلاث دقائق يمكن أن تخفف من آلام اللجوء مثلاً.

نتحدث عن أي معاناة خلال الثورة السورية وداخل سوريا، وقد يتمكن شخص ما، في دقيقتين أو ثلاث دقائق، أو ١٠ كحد أقصى، من القيام بذلك، بينما يحتاج إنتاج الدراما إلى الكثير من التمويل، فهي تحتاج إلى معدات تصوير وفريق ضخم.

لوحة لوتر عن الرشوة عام ٢٠١٧” مفتاحك للحصول على المساعدة”. تصوير:يوتيوب

ما هي الصعوبات التي واجهتك في عملك خلال فترة إقامتك في حلب؟

في البداية، كانت الجودة الفنية لأعمالنا متدنية، وكنا نقوم بحيلة للإضاءة الجيدة: استخدمنا العاكسات الموجودة في مقدمة السيارة لتعكس ضوء الشمس أثناء التصوير.

وكنا نستعير المعدات، كان لدينا كاميرا صغيرة، ولكن بعد ذلك واجهتنا صعوبات عندما تعين علينا تكرار مشهد مرة أو مرتين، لذلك اضطررنا إلى استعارة بعض الكاميرات من الأصدقاء الذين آمنوا بمشروعنا.

بعد ذلك تمكنّا من تأمين المعدات – العاكسات الخفيفة، الكاميرات الاحترافية – التي وصلتنا إلى سوريا من تركيا، وتمكنّا من مواصلة التصوير.

كان عملنا حسّاساً، لأنه لم يكن بإمكاننا التجول وتمثيل الكوميديا ​​في الشارع، حيث يقتل الناس، وعلى مدار الساعة كانت هناك طائرات حربية وتفجيرات، وطوال اليوم كان هناك أناس يذهبون إلى الخطوط الأمامية للقتال، ويعودون إلى بيوتهم.

وكان أصعب شيء هو القيام بالأعمال الكوميدية، وتمثيل الكوميديا ​​وسط كل هذه الظروف الصعبة.

كان هناك شارع اعتدنا أن نصوّر فيه واتخذناه كموقع لتصوير ما يقارب ٧٠٪ من مشاهدنا، وفي بعض الأحيان، يقتل الناس في الشارع نفسه، ويتعين علينا تأجيل التصوير لعدة أيام قبل أن نتمكن من إنهاء التصوير هناك.

ما هي المواضيع التي تركز عليها لوحاتك بشكل خاص؟ هل تختلف هذه المواضيع اختلافًا كبيراً عما ركزت عليه أثناء التصوير تحت الحصار في حلب؟

هناك فرق كبير بين ما نغطيه الآن، مقارنة بالأشياء التي قمنا بتغطيتها خلال فترة وجودنا في حلب.

في حلب، على سبيل المثال، تحدثنا عن فساد بعض فصائل المعارضة، وتحدثنا عن جرائم النظام، وعن مصالح المواطنين، كانت تلك الأشياء تشغل بال الناس.

فيديو ترويجي لموسم عام ٢٠١٥ من برنامج “وتر” محظور في سوريا، تم تصويره في شرق حلب.

 

ولكن الآن، الأمور تغيرت كثيراً، اليوم، ينصب التركيز الأكبر على السوريين الذين يعيشون في البلدان المجاورة [مثل تركيا ولبنان والأردن]، لذلك – على سبيل المثال – نتحدث عن أوراق الإقامة، والقضايا التي تواجه السوريين في هذه البلدان.

هناك بعض الموضوعات المهمة التي نتحدث عنها، مثل المعتقلين، نقوم حالياً بإنتاج فيلم سنعرضه في المهرجانات، وهو بعيد جداً عن الكوميديا.

بالنسبة للوحات الكوميدية التي نقوم بتصويرها في الوقت الحالي، يمكننا القول إنها تتعلق بأشياء تهم المواطنين السوريين، نحن نحاول تسليط الضوء على القضايا المركزية التي تؤثر على السوريين في البلدان التي لجؤوا إليها.

ذكرت أن حلب لديها حسّ النكتة الذي يختلف عن دمشق، كيف ذلك؟

بالطبع، هناك فرق كبير، حتى في اللهجة، لهجة حلب لها شخصيتها الخاصة، لديها الكثير من الكلمات والعبارات المستعارة من التركية لأن حلب قريبة جداً من الحدود التركية.

أعتقد أن حلب لديها حسّ النكتة الأكبر في سوريا، أما بالنسبة لـ “كوميديا ​​دمشق” التي تراها على التلفزيون السوري، فهي في الواقع “كوميديا ​​معيارية” وليست حسّ النكتة الدمشقية المحلية الحقيقية، “الكوميديا ​​المعيارية” هي الكوميديا ​​التي ينتجها النظام السوري، وليست معروفة فقط بين السوريين، بل في جميع الدول العربية.

أما بالنسبة لحسّ النكتة في حلب، أو المفردات التي نستخدمها لإنتاج لوحة كوميدية، أعتقد أن هذا أصبح أكثر انتشاراً خلال السنوات الثماني الماضية، أي منذ انطلاقة الثورة، لقد تلقينا العديد من الأسئلة من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يسألوننا عن بعض الكلمات في اللهجة الحلبية.

إن النظام هو من روج لفكرة الـ”كوميديا ​​المعيارية”، لذلك عندما بدأت الكوميديا ​​الحلبية في الانتشار لأول مرة، لسوء الحظ، كان هناك بعض الأشخاص ممن سخروا من لهجة أهالي حلب، بالرغم من حقيقة أن حلب هي مدينة عريقة ومهد للثقافة، حلب أعطت للعالم العديد من الأسماء الكبيرة في المجال الفني، حتى الأسماء التي تحمل ثقلاً في العالم العربي بالمجمل.

أردنا أن يرى الناس أن حس النكتة في حلب ليست مجرد كلمات وألفاظ سيئة، حلب موطن للفن والثقافة، لقد تمكنا من إيصال هذه الفكرة إلى الناس.

كيف تساعد برامج الكوميديا، كبرنامجكم، السوريين في الشتات على التأقلم بعيدا عن الوطن؟

لا أعتقد أن الموضوعات المتناولة في اللوحات الخاصة بنا ترتبط بالضرورة باللاجئين، أو كيف يتأقلم اللاجئون مع الحياة بعيداً عن سوريا، إنها موجّهة أكثر للجيل الجديد، فعندما يرون أنه لا يزال هناك أشخاص ينتجون كوميديا، وأنه لا يزال هناك أشخاص يعملون حتى خارج سوريا، فإن هذا قد يعطيهم دافع وطاقة إيجابية.

كان هناك قدر كبير من الدمار والدماء في سوريا، ومع ذلك، يشعر الناس بالسعادة كوننا التزمنا بالكوميديا، وأننا نناقش قضايانا بروح الدعابة.

هناك العديد من الشباب العرب يناقشون هذه الأحداث باستخدام أسلوب ساخر بعد الثورات التي حدثت في العالم العربي، ما دام الناس مضطهدين، ستبقى الكوميديا قائمة، وطالما هناك تعليقات لا فائدة منها من القادة العرب، سيكون هناك بالتأكيد كوميديا.

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال