6 دقائق قراءة

كيف تؤثر الأزمة اللبنانية على سوريا؟

عمان - في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نزل آلاف المتظاهرين اللبنانيين إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من الفساد والمحسوبية والطائفية السياسية والوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد.


12 ديسمبر 2019

وليد النوفل وروهان أدفاني

عمان – في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نزل آلاف المتظاهرين اللبنانيين إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من الفساد والمحسوبية والطائفية السياسية والوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد.

في أعقاب ذلك، أغلقت البنوك اللبنانية أبوابها لمدة أسبوعين تقريباً، في ظل مخاوف من مسارعة المودعين إلى سحب أموالهم. وبعد فتح أبوابها ثم العودة إلى الإغلاق مجدداً لمدة أسبوع، أعيد فتح البنوك في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أمام عدد كبير من العملاء الذين يسعون إلى سحب أموالهم، في مقابل قيود فرضتها البنوك تتعلق بالحد الأعلى للأموال المتاح سحبها.

وعلى الرغم من أن الليرة اللبنانية مربوطة بالدولار الأميركي، منذ العام 1997، بسعر صرف يبلغ 1507.5 ليرة للدولار، فقد ارتفع سعر الصرف في السوق السوداء إلى أكثر 2000 ليرة للدولار. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن لبنان يقترب من “الانهيار المالي”، بدأت تظهر في سوريا الآثار المتأتية عن ذلك نتيجة الارتباط بين البلدين على أكثر من مستوى. 

الاعتماد السوري على اقتصاد لبنان

نتيجة الروابط الوثيقة بين الاقتصادين السوري واللبناني، تسهم الأزمة المالية المتواصلة في لبنان في تعزيز الاتجاه نحو كارثة اقتصادية في سوريا. في هذا السياق، يمكن إلى حد كبير تفسير التغير الأخير في قيمة الليرة السورية التي تجاوزت 900 ليرة للدولار مطلع كانون الأول/ديسمبر الحالي، بما يحدث في لبنان. 

إذ يظهر اعتماد الاقتصاد السوري على لبنان من حقيقة أنه يمثل سوقاً للمنتجات السورية، ومصدراً لتحويلات العمالة السورية المقيمة هناك، إضافة إلى كون مركزاً لرأس المال والمستوردين السوريين، وبحيث تؤثر الأزمة المالية اللبنانية المتفاقمة على هذه المجالات الثلاثة.

انخفاض الصادرات السورية

في العام 2010 الذي سبق اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، بلغت قيمة الصادرات السورية إلى لبنان، بحسب بيانات مرصد الترابط الاقتصادي (OEC)، حوالي 375 مليون دولار، في مقابل ما قيمته 132 مليون دولار في العام 2017. 

وعلى الرغم من كون هذه البيانات لا تشمل قيمة التهريب والنشاط الاقتصادي في السوق السوداء، يظل صحيحاً أن الانخفاض في الصادرات إلى لبنان قد أدى إلى خسائر مالية كبيرة نسبياً للخزينة السورية، بحسب الخبير الاقتصادي يونس الكريم، لاسيما مع كون لبنان من الدول القليلة التي لا تلتزم بالعقوبات الدولية المفروضة على دمشق.

وعلى الرغم من أن لبنان تعرض لضغوط اقتصادية مستمرة بسبب سنوات من الفساد والنمو الوهمي للاقتصاد الذي تحفزه القروض الائتمانية والتقشف، فإن اندلاع الاحتجاجات الشعبية أخيراً، وإغلاق البنوك واتساع المخاوف من انهيار اقتصادي، تسببت جميعها في هروب جزء كبير من رؤوس الأموال إلى الخارج، وبما تقدر قيمته، بحسب اقتصاديين وحقوقيين لبنانيين، بحوالي 800 مليون دولار خلال الفترة بين 15 تشرين الأول/ أكتوبر و7 تشرين الثاني/ نوفمبر وحدها. 

بالنتيجة، أدى ذلك صعوبة تدفق البضائع من سوريا إلى لبنان، بما يضيف مزيداً من الضغوط على الليرة السورية.

تحويلات العاملين السوريين

على امتداد السنوات الماضية، شكلت حوالات السوريين المقيمين في لبنان مصدراً للعملة الصعبة، وتأمين سبل عيش كثير من السكان داخل سوريا، على نحو يفوق في أهميته الصادرات إلى حد كبير. ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، كان هناك ما يقارب 300 ألف سوري يعملون في لبنان قبل اندلاع الثورة السورية في العام 2011. بينما يعيش هناك اليوم ما يقارب 1.5 مليون سوري، مع عدم توفر أرقام عن عدد العاملين ضمنهم.

وبحسب صحيفة “الوطن” الموالية للحكومة السورية، شكلت الحوالات المالية نسبة 19% من الإيرادات العامة في العام 2016، بارتفاع نسبته 2% عن العام 2011. فيما قدر المجلس النرويجي للاجئين نسبة الحوالات القادمة من لبنان في العام 2015 بحوالي 17% من إجمالي الحوالات إلى سوريا، بما يجعل لبنان ثاني أكبر مصدر للحوالات بعد السعودية. وهو ما يعني أن أي تغييرات في الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان ستكون لها آثار بعيدة المدى في سوريا.

وقد أثرت الاحتجاجات الشعبية والخوف من الانهيار المالي في لبنان على تدفق التحويلات المالية إلى سوريا بطريقتين رئيستين:

أولاً، قد يؤدي التباطؤ الشديد في النشاط الاقتصادي في لبنان إلى خفض مداخيل العمال السوريين، لاسيما مع هروب رؤوس الأموال إلى خارج لبنان وتقييد سحب الودائع من البنوك.

إذ مع توقف الاقتصاد، سيشعر العمال السوريون في لبنان بآثار الأزمة في جميع القطاعات، وفي قطاع الإنشاءات على وجه الخصوص. إذ يستثمر غالبية الأثرياء اللبنانيين في قطاع العقارات، وأي تباطؤ في القطاع سينعكس بشكل حاد على العمال السوريين الذي يشكلون حوالي 70-80% من مجموع عمال الإنشاءات في لبنان.

ثانياً، تواجه العديد من السوريين في لبنان صعوبة في تحويل أموال إلى قاربهم داخل سوريا. وكان التحويل يتم عادة من خلال شركات الصرافة الرسمية، ووسطاء غير رسميين، وأقارب، وغيرهم. لكن منذ اندلاع الاحتجاجات في لبنان وإغلاق البنوك في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصبح استخدام هذه الآليات أكثر صعوبة.

إذ امتنعت بعض شركات تحويل الأموال عن قبول الليرة اللبنانية، مصرة بدلاً من ذلك على استلامها قيمة التحويل بالدولار الأميركي. وهو ما يجبر العمال السوريين على استبدال الليرة اللبنانية بالدولار بحسب أسعار السوق السوداء.

زاد الأمر صعوبة دفع بعض أجور العمال السوريين بالليرة اللبنانية، ما يقلل في نهاية المطاف من قيمة دخلهم، خاصة عندما يقومون بتحويل ما يملكون إلى دولارات. ووفقاً لرئيس الاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين في لبنان، كاسترو عبدالله، فإن “أزمة النقد في لبنان يدفع ثمنها العمال الأجانب المهاجرون والفقراء”، إذ يخسرون ما بين 30-40% من رواتبهم عند تحويل أموال إلى عائلاتهم، نتيجة عملية التحويل إلى دولار.

رؤوس الأموال السورية

تاريخياً، شكل القطاع المصرفي اللبناني ملاذاً لرأس المال السوري. إذ منذ إنهاء الاتحاد الجمركي السوري-اللبناني في آذار/ مارس 1950، وتبني سوريا لاحقاً سياسة تنموية “اشتراكية” قائمة على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، أصبحت بيروت مركزاً أكثر أهمية لرجال الأعمال السوريين لإجراء معاملاتهم الاقتصادية.

بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011، تنامى اعتماد سوريا على لبنان لتمويل الواردات الحيوية، للالتفاف على العقوبات العقوبات الدولية المفروضة على دمشق. 

هكذا، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة اللبنانية، وتواجه البلاد عجزاً عن تأمين الدولار، ارتفعت تكلفة تأمين المستوردين ورجال الأعمال السوريين للعملة الصعبة لتمويل عمليات الاستيراد. وهو ما يؤدي إلى زيادة الضغط على قيمة الليرة السورية، إضافة إلى ارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية.

إذ أجبرت القيود التي فرضها البنك المركزي اللبناني على تمويل الواردات عدداً كبيراً من المستوردين السوريين في لبنان على الحصول على دولارات من السوق السورية، ما زاد من انخفاض قيمة الليرة السورية. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى تحديد جمعية مصارف لبنان (ABL) الحد الأعلى لقيمة السحوبات النقدية بـ1000 دولار أسبوعياً، فإنه حتى المستوردين السوريين الذين لديهم حسابات مصرفية بالدولار لم يعد بإمكانهم الوصول إلى المبالغ اللازمة لتمويل وارداتهم.

وقال مصدر مقرب من رجال الأعمال السوريين في لبنان، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن “كل السوريين الذين يعيشون في لبنان أصبحت أموالهم عالقة في البنوك اللبنانية”. ولأن المناطق السورية التي تسيطر عليها الحكومة تعتمد على الواردات من لبنان بشكل أكبر من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فقد ظهر تباين في تأثير الأزمة اللبنانية على سوريا ككل. وقد يكون هذا أحد أسباب تداول الدولار، في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بسعر 740 ليرة سورية في حلب ودمشق الخاضعتين لسيطرة الحكومة، في مقابل 715 ليرة في إدلب التي تسيطر عليها فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام.

ورغم أن الأثرياء السوريين والمنتمين إلى الطبقة الوسطى يحتفظون بأموال أيضاً في دبي أو تركيا أو الأردن، يظل حوالي 80% منهم، بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، يحتفظون بأموالهم في لبنان.

وأضاف المصدر القريب من رجال الأعمال إنه “حتى التجار المتواجدون داخل سوريا تأثروا بالأزمة اللبنانية”.

إذ نظراً لضعف الليرة السورية، فإن الشركات السورية غالباً ما تقوم بأعمالها بالدولار في لبنان. لكن بسبب الصعوبات المالية هناك “صار العديد من الأشخاص الذين يمارسون أعمالهم في لبنان مدينين لأشخاص داخل سوريا، لأنه كان من المفترض بهم، ببساطة، تحويل الأموال من حساب إلى آخر”. لكن بعد أن أصبحت عمليات نقل الأموال الآن “غير ممكنة، فإن ذلك يشكل ضغطاً كبيراً على نظام التعاملات المالية بأكمله”.

حتى الشركات الصغيرة لن تنجو

بالإضافة إلى المستوردين والشركات الكبيرة التي تواجه صعوبة في تأمين الدولارات لمعاملاتها التجارية، تعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة في سوريا من ضغوط شديدة بسبب الأحداث الأخيرة في لبنان، كما شرح الشاب الدمشقي علي، في حديث إلى “سوريا على طول”، شريطة عدم الإفصاح عن هويته.

كان علي قد ترك وظيفته مؤخراً لتأسيس شركة اتصالات من الباطن، بغية التمكن من قضاء مزيد من الوقت في المنزل لرعاية شقيقته المريضة. ورغم ارتفاع تكلفة المعدات اللازمة لمشروعه، نتيجة ضعف الليرة السورية خصوصاً، فقد قرر المضي في مشروعه. وكان يملك خيار استلام المعدات التي اشتراها من اليابان في دبي أو بيروت. وقد اختار الأخيرة بحكم قربها الجغرافي.

لكن مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان، بقيت المعدات في الجمارك اللبنانية. وزاد الطين بلة أن ترتب عليه دفع “رسوم كبيرة” عن كل يوم تبقى فيه المعدات في مطار بيروت. وقد اضطر لدفع 1000 دولار حتى الآن. لكن مع التدهور المتسارع في قيمة الليرة السورية، فقد تضخم هذا المبلغ، وبما يمثل عبئاً إضافياً غير متوقع.

على نحو مماثل تتأثر العديد من الشركات السورية التي تعتمد على استيراد المواد الخام أو المعدات عبر مرفأ بيروت. إذ عادة ما تبقى الحاويات هناك لأسابيع، فيما يجهد المستوردون لأجل سداد الرسوم. فيما تفرض سلطات الميناء رسوماً على الشركات لتخزين حاوياتها. وحتى إن كانت هذه الشركات تملك الأموال اللازمة، فإنها لا تستطيع إجراء التحويلات في الوقت المحدد.

بالنسبة للعديد من الشركات في سوريا التي تعتمد على لبنان، زادت الأحداث هناك من مخاطر الأعمال بشكل كبير. فيما لا يعرف علي، حتى الآن، متى يمكنه البدء بمزاولة نشاطه التجاري.

شارك هذا المقال