5 دقائق قراءة

كيف سيؤثر فيروس كورونا على سوريا؟

فيما "تعيش الحكومة حالة من الإنكار" على حد وصف مواطن دمشقي، يتعامل مواطنون مع أخبار "الوباء العالمي" بروح الفكاهة والسخرية، لاسيما إزاء إصرار الحكومة على عدم وجود حالات للمرض في البلاد.


عمان – بنبرة تحمل التهكم، ردّ أحد سكان مدينة دمشق على سؤال “سوريا على طول” بشأن وجود حالات إصابة بفيروس كورونا: “من غير المعقول أن تكون سوريا محصنة ضد فيروس انتشر بشكل واسع في العالم أجمع”.

في الوقت نفسه، تنفي الحكومة السورية بشدة وجود أي حالات إصابة بـ”كورونا” في البلاد، رغم ما ذكرته مصادر أخرى عدة، من قبيل المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن وجود إصابات، كما إعلان دمشق إغلاق حدودها مع الأردن والعراق، وتوقيف رحلاتها الجوية مع إيران.

وفيما “تعيش الحكومة حالة من الإنكار” على حد وصف المواطن الدمشقي الذي طلب عدم الكشف عن هويته، يتعامل مواطنون مع أخبار “الوباء العالمي“، كما صنفته منظمة الصحة العالمية أمس، بروح الفكاهة والسخرية، كما يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما إزاء إصرار الحكومة على عدم وجود حالات للمرض في البلاد.

صورة ساخرة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى كون سوريا واحدة من الدول التي قالت منظمة الصحة العالمية إنها لا تفصح عن حالات الإصابة بفيروس “كورونا” فيها

لكن بعيداً عن روح الفكاهة في التعامل مع الفيروس، فإن وصول الوباء إلى بلد مثل سوريا، يعاني القطاع الصحي فيه شللاً تاماً بعد سنوات من الحرب والعقوبات الاقتصادية، ينذر بتفشٍ كبير للمرض، خصوصاً مع النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.

ومع أن معدل الوفيات بـ”كورونا” منخفضة، إذ تتراوح بين 2 إلى 4 بالمائة، فإن سرعة انتقاله رغم كل الأنظمة الصحية والتجهيزات العالية للحد من انتشاره، على نحو ما حدث في إيطاليا، يزيد من مخاطر انتشاره بشكل أكبر في سوريا، حيث تواصل الحكومة “سياسة الإنكار”، متجاهلة الخطوات الوقائية المبكرة، مثل الفحص الشامل الذي يعد مفتاحاً لاحتواء الفيروس.

عبور الحدود الداخلية والخارجية

تنقسم سوريا، بحسب نفوذ السيطرة العسكرية، إلى ثلاث مناطق رئيسة: مناطق سيطرة القوات الحكومية وسط البلاد وجنوبها، وشمال غرب سوريا التي تتوزع السيطرة فيها بين هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وشمال شرق سوريا الذي يقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية التي يهيمن عليها الأكراد.

وفيما قد يحدّ هذا الفصل العسكري والسياسي، وتبعاً لذلك الجغرافي، من انتقال السوريين بين مناطق النفوذ الثلاثة، ما من شأنه، ولو ظاهرياً، منع انتقال “فيروس كورونا” أيضاً من مناطق سيطرة النظام، التي يشاع عن تسجيلها حالات إصابة بالفيروس، فإن الجهات المعنية في مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا لا تزال متخوفة من تسلل المرض إلى مناطقها عبر المعابر مع دمشق، إضافة إلى الخشية من “تعمد [دمشق] نقل الفيروس إلى مناطقنا”، بحسب ما قال طبيب مخبري في مدينة الباب بريف حلب الشمالي لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه.

فوق ذلك، فإن تداعيات الفيروس المحتملة ستكون أسوأ في المناطق المكتظة بالنازحين في مخيمات شمال غرب سوريا، والتي تضمّ أكثر من مليون نازح، إذ تشكل هذه المخيمات بيئة مثالية للعدوى في ظل تدهور الوضع الإنساني، وتحديداً الخدمات الطبية. لذلك، لا يمكن مواجهة “كورونا” حالياً بأكثر من “حملات توعية عن النظافة الشخصية، وكيفية الوقاية من الفيروس، إضافة إلى توزيع المنشورات التوعوية في المدارس والأماكن العامة”، كما ذكر لـ”سوريا على طول” المتحدث باسم مديرية صحة إدلب، التابعة للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، صفوت شيخوني.

وحتى في المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي في ريف حلب الشمالي، والتي تتميز بإمكانات أفضل من إدلب، فإنه لا تتوافر القدرة على الكشف عن وجود المرض واحتوائه. إذ “لا يمكننا إجراء تحاليل “بي.سي.آر” [PCR] التي تكشف عن الفيروس”، بحسب الطبيب المقيم في مدينة الباب، و”لابد من إرسال هذه التحاليل إلى مستشفيات النظام في مدينة حلب”.

وفيما منعت الحكومة السورية المؤقتة، في 11 آذار/مارس الحالي، دخول البضائع الصينية المستوردة إلى شمال غرب سوريا، فإن “نقابة أطباء الشمال” في ريف حلب الشمالي، طالبت وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة والجهات ذات العلاقة بإغلاق المعابر التجارية مع مناطق سيطرة القوات الحكومية في ريف حلب الشمالي والشرقي.

وبرغم محدودية عدد الأشخاص الذين يتنقلون بين مناطق سيطرة الحكومة والمناطق الأخرى أصلاً، فإن عمليات تهريب الأشخاص والبضائع التي تنشط بين تلك المناطق، من دون اتخاذ أي تدابير وقائية أو فحوصات طبية، قد يسهم في انتقال الفيروس من مناطق الحكومة إلى غيرها. 

في هذا السياق، وفي سبيل حماية مناطقها من “كورونا”، منعت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا الحركة من مناطق الحكومة السورية وإليها. كذلك، أغلقت “الإدارة” معبر سيمالكا الحدودي بين سوريا العراق أمام حاملي جوازات السفر الأوروبية، وفرضت إجراءات مشددة على حركة أهالي المنطقة عبر المعبر.

لكن ما يعدّ عاملاً أكثر خطورة مما سبق على صعيد انتشار “كورونا” في سوريا، هو وجود قوات أجنبية هناك. إذ يقدّر عدد المقاتلين المدعومين من إيران بنحو 50,000 مقاتل، يتوافدون من لبنان وباكستان وأفغانستان وإيران. وبحسب تقرير الميزان العسكري للعام 2020، سجّل الحرس الثوري الإيراني الذي يشرف على أولئك المقاتلين، عدة حالات إصابة بالفيروس، ما قد يزيد احتمالية انتقاله عبر المستشارين العسكريين الإيرانيين، إذا ما استمرت الحركة بين إيران وسوريا، لا سيما وأن إيران على قائمة الدول الأكثر انتشاراً لفيروس كورونا.

كذلك، قد يكون انتشار الجنود والموظفين المدنيين الأتراك في شمال غرب سوريا، وعناصر القوات الحكومية السورية في شمال شرق البلاد أحد العوامل المسببة لانتشار المرض مستقبلاً. لكن الطبيب السوري من مدينة الباب أشار إلى أن “تركيا تتخذ إجراءات مشددة بشأن العبور من وإلى أراضيها، وتمنع دخول أي شخص قد تظهر عليه أعراض مرضية، حتى وإن كانت إنفلونزا موسمية”. مضيفاً أنه “حتى لو كان ارتفاع درجة حرارة الشخص يعود لأسباب أخرى، فإنه معرض للوضع في الحجر الصحي”.

العزلة الاقتصادية: سيف ذو حدين

فيما تتأثر الأسواق المالية العالمية بشدة بـ”فيروس كورونا”، فإن عدم وجود شركات سورية مدرجة في البورصات العالمية قد يخفف من تأثير الفيروس على الاقتصاد السوري، كما قال لـ”سوريا على طول” الدكتور كرم الشعار، كبير الاقتصاديين في القطاع العام بنيوزيلندا والخبير في الاقتصاد السوري. موضحاً أن “بلداً مثل سوريا معزول بشكل أو بآخر عن بقية العالم، ستكون الآثار الاقتصادية للفيروس عليه محدودة للغاية”.

كذلك، فإن الاقتصاد يتأثر بالفيروس، كما أضاف الشعار، وفقاً لعاملين، هما: ثقة المستثمرين والمستهلكين، والصادرات، وهما عاملان غير موجودين في سوريا التي يهيمن على اقتصادها بشار الأسد والدائرة الصغيرة من المقربين منه.

على الرغم من ذلك، فإن انتشار الفيروس عالمياً قد يؤثر على حركة استيراد السلع والحصول على الدولار الأميركي، نظراً لاعتماد سوريا على الواردات الصينية والإيرانية، وهما الدولتان الأكثر تأثراً بـ”كورونا”.

وتستورد سوريا 60٪ من مضاداتها الحيوية من الصين، في مقابل 30% من الهند. ومع خفض العديد من مصنعي المضادات الحيوية الصينيين إنتاجهم أو توقفهم عن الإنتاج، تظهر مخاوف جدية بشأن نقص الأدوية في السوق السورية، بحسب الشعار.

في المقابل، فإنه مع كون الصين تعد المصدّر الأول للتكنولوجيا والمعدات الصناعية والأقمشة إلى سوريا، فإن البلاد لن تتأثر بزيادة تكاليف استيراد هذه المواد، باعتبارها ذات دورة حياة (مدة استهلاك) أطول.

أما بالنسبة لإيران، والتي تعتمد عليها حكومة دمشق في الحصول على النفط الخام والمساعدات المالية، فمن “غير المرجح”، وفقاً للشعار، “أن يتأثر تدفق النفط الإيراني إلى سوريا بالنظر إلى وفرة المعروض في السوق وعدم قدرة إيران على العثور على مشترين آخرين”. بل إن الشحنات إلى سوريا قد تزيد، نتيجة اضطرار إيران إلى استخراج حد أدنى من النفط يومياً لحماية إنتاجية حقولها.

على النقيض من ذلك يبدو مستقبل المساعدات المالية الإيرانية لسوريا، والتي يقدر الشعار قيمتها بنحو 15 مليار دولار سنويا. إذ ستكون هذه المساعدات هي الأكثر تأثراً على المدى المنظور، في ظل مواجهة طهران لكابوس مركب، يتمثل في انخفاض أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية وفيروس كورونا. لاسيما وأن الدعم لدمشق يجب أن يكون بالدولار الأميركي، فيما تعاني إيران انخفاض احتياطي النقد الأجنبي لديها إلى النصف في العام الماضي، بحسب الشعار.

شارك هذا المقال