4 دقائق قراءة

“لا حياة اجتماعية” مع استمرار قصف الغوطة الشرقية وحصارها

بينما تفرض قوات النظام السوري حصاراً مدمراً منذ خمس سنوات، […]


18 يناير 2018

بينما تفرض قوات النظام السوري حصاراً مدمراً منذ خمس سنوات، وتشن غارات جوية وقذائف مدفعية على مسقط رأس راتب أبو ياسر شمال شرق دمشق، يجد الشاب البالغ من العمر ٣٢ عاماً متسعاً من الوقت يمضيه مع أصدقائه.

يقول أبو ياسر “كنا نسهر ليلاً ونلعب الورق”، وتضم المجموعة التي يمضي معها أبو ياسر وقته تسعة أصدقاء، في العشرينات والثلاثينيات من أعمارهم، يدخنون الأرجيلة في سهراتهم ويمضون ساعات في الحديث عن السياسة والأحداث الجارية.

وعلى مر السنين، تقلصت المجموعة من تسعة إلى ستة، حيث قتل صديقين من هذه المجموعة جراء القصف وفرّ آخر من الغوطة الشرقية، كما يقول.

ويعيش أبو ياسر، الذي يعمل في مجال الدعم النفسي للأطفال ، في إحدى ضواحي الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة، شمال شرق دمشق التي تسيطر عليها الحكومة، وقد حاصرت قوات النظام الغوطة منذ عام ٢٠١٣، وشددت من حصارها العام الماضي بإغلاق معبر تجاري رئيسي والاستيلاء على شبكة من أنفاق التهريب كانت تعد المنفذ الرئيسي للمواد الغذائية وغيرها من المعونات للغوطة.

وبالنسبة لأبي ياسر، اتخذت الحياة في الغوطة الشرقية إيقاعاً أصبح مألوفاً على مدى خمس سنوات من الحصار، فعلى الرغم من المخاطر اليومية، يقول “هناك روتين بكل شيء بالقصف والحصار والعلاقات الشخصية والاجتماعية”.

إلا أن ارتفاع وتيرة قصف النظام للغوطة الشرقية الذي بدأ في تشرين الثاني أوقف هذا الروتين، فلم تعد الحياة الاجتماعية بالنسبة لأبي ياسر وغيره من الشبان كما كانت داخل الغوطة من قبل، ولم يعد بمقدورهم مغادرة منازلهم بسبب القصف.

يقول خمسة من أهالي الغوطة لسوريا على طول، إن الليالي التي كنا نقضيها ونحن نشرب القهوة مع الأصدقاء أو العائلة حتى منتصف الليل، أصبحنا نقضيها الآن في الملاجئ والأقبية، كما أن الطرق المؤدية لبيوت الأصدقاء في البلدات المجاورة خطيرة جداً، والمقاهي المحلية مغلقة.

وفي دوما، مدينة أبي ياسر في الطرف الشمالي من الغوطة الشرقية، لم يجتمع وأصدقائه للعب الورق لأكثر من أسبوعين.

يقول أبو ياسر عن آخر حملة من القصف “انقطعت عنهم… لم أعد قادراً على الخروج ليلاً لرؤيتهم”.

 

آثار القصف المدفعي في كفر بطنا في كانون الأول. تصوير: مركز الغوطة الإعلامي.

والجدير بالذكر أن الغوطة الشرقية، التي تشكل موطناً لما يقدر بـ٤٠٠ ألف شخص، مدرجة ضمن اتفاق خفض التصعيد، الذي تم التوصل إليه بوساطة إيران وروسيا في أيار الماضي، وينص على إنشاء أربع مناطق وقف إطلاق نار في سوريا.

وعلى الرغم من هذا الاتفاق، فإن عاصفة مستمرة من الغارات الجوية والقصف المدفعي على الغوطة الشرقية تستهدف المنطقة المحاصرة وتزيدها دمارا وخرابا.

وذكرتمنظمة الدفاع المدني السوري، وهي منظمة تطوعية تعمل في مناطق المعارضة، يوم الأحد، أن ١٧٧ من سكان الغوطة الشرقية قتلوا جراء قصف النظام منذ بداية عام ٢٠١٨، ومن بين القتلى ١٥ طفلاً و٣٤ امرأة.

وبدأت موجة القصف الأخيرة بعد أن هاجم فصيل معارض محلي قاعدة عسكرية مدرعة، تسيطر عليها الحكومة، في الجهة الشرقية للغوطة، في أواخر تشرين الثاني. وبالرغم من انخفاض وتيرة الاشتباكات البرية بين المعارضة والنظام منذ ذلك الحين، إلا أن الغارات الجوية والقصف المدفعي لا تظهر أي علامات على ذلك.

وبالنسبة لمهند عبد الملك، شاب من دوما، ٢٩ عاما، متزوج ولديه طفل وحيد، فإن القصف يعني أنه نادراً ما يترك المنزل لرؤية الأصدقاء، خوفاً من التعرض للأذى، وعندما سُئل عما إذا كان لا يزال يخرج للسهر مع الأصدقاء والعائلة – السهرات هي جزء أساسي من الحياة الاجتماعية في سوريا وغيرها من البلدان العربية – ضحك مستغرباً.

يقول عبد الملك رداً على سؤاله عن مقابلة أصدقائه في ظل الحرب إن “سهرتنا غالباً ما تكون في نقل أطفالنا إلى الأقبية”، وأقصى ما نتمنى في الحملة الأخيرة “أن نغمض عيوننا للنوم فقط”.

ومتجر الملابس الذي يعمل فيه عبد الملك – الذي لا يزال مفتوحاً – هو واحد من بين عدد قليل من المنافذ الاجتماعية المتبقية له.

ويوضح قائلاً “نحن مشغولون بتأمين الطعام أو الحطب وحتى سهراتنا باتت للحديث عن الوضع من مات ومن قصف وأين كان موقع الغارة البارحة”.

“ليس لدينا حياة اجتماعية”.

“نسيت كيف ألعب الورق”

اعتاد علي أبو ياسين، البالغ من العمر ٣٢ عاما، قبل الحرب، على الالتقاء بأصدقائه مرتين في الأسبوع للعب كرة القدم والورق، وفي بعض الأحيان، كانوا يتوجهون جنوباً، إلى وسط دمشق، في رحلة نهارية، أما الآن “لا يمكننا أن نخرج بسبب الحصار” بحسب قوله.

يعيش أبو ياسين في دوما ويقضي معظم أيامه خارج المنزل، ويعمل مدرساً في مدرسة ابتدائية محلية، كما يعمل في جمعية خيرية تقدم خدمات اجتماعية، وفي المساء يدرس للحصول على شهادة في المحاسبة عبر جامعة افتراضية.

يقول لسوريا على طول “ليس هناك وقت للزيارات، فأنت تسابق الزمن وتستغل لحظات توقف القصف لتعمل وتدرس”.

وفي مناسبات نادرة عندما يكون لديه الوقت للسهر مع العائلة، يشعر بأن السهرات لم تعد كما كانت عليه من قبل، وبحسب قوله “المشكلة حتى بسهراتنا أو مناسباتنا الاجتماعية، لو حصلت، يكون الحديث عن كيلو السكر بكم؟ كيلو الرز بكم؟”.

وحتى الأشياء التي كانت في السابق جزءاً أساسياً من أي سهرة – كالشاي والسكر والقهوة- أصبحت كماليات، بحسب ما يقول، وذكريات لفترة ما قبل تضييق الحصار على الغوطة، العام الماضي.

يقول أبو ياسين “لا يمكنك تقديم الشاي أو القهوة للضيوف وفي حال أردت مشاهدة مباراة أو فيلم على شاشة التلفزيون، ليس هناك كهرباء”.

إن حملة القصف الأخيرة تعني أنه حتى تلك التجمعات المحدودة باتت ذكريات، فأبو ياسين لم يزر أياً من أفراد عائلته أو أصدقائه منذ أواخر كانون الأول، وفقاً لما يقوله.

ويضيف أبو ياسين، مع قصف القوات الحكومية للمناطق السكنية والأسواق في مدينته، يلجأ للواتساب ​​للحديث مع عائلته وأهله “حتى نطمئن عليهم” رغم أنهم في المدينة ذاتها.

ومرت فترة طويلة على أيام ما قبل الحرب عندما كان أبو ياسين يلعب كرة القدم والورق، حيث يقول أشعر وكأنني “نسيت كيف تلعب كرة القدم، ونسيت كيف ألعب الورق”.

 

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال