4 دقائق قراءة

لا مكان للكراهية: ثماني سنوات من احتضان الأردنيين للاجئين السوريين

عمان- خلافاً لغيره من دول الجوار السوري التي عرفت وما تزال خطاب كراهية وسياسات ضد اللاجئين السوريين، يبرز موقف الأردن، على الصعيدين الرسمي والشعبي. 


14 نوفمبر 2019

 

حياة الدبيس وندى أبو قورة

عمان- خلافاً لغيره من دول الجوار السوري التي عرفت وما تزال خطاب كراهية وسياسات ضد اللاجئين السوريين، يبرز موقف الأردن، على الصعيدين الرسمي والشعبي. 

ويحتل الأردن المرتبة الثالثة، بعد تركيا ولبنان على التوالي، في عدد السوريين الذي يستضيفهم على أراضيه، والذي يزيد عن مليون مواطن سوري، 654 ألفاً منهم مسجلين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بحسب أحدث بياناتها في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي. إلا أن العلاقة بين المواطنين الأردنيين واللاجئين السوريين، وبعد أكثر من ثماني سنوات على بدء اللجوء السوري ما تزال تتميز بقيامها على أساس الاحتضان والتسامح بشكل عام. وهو ما يمكن إرجاعه، ابتداء، بحسب ما قال الشاب إبراهيم الخالدي، من محافظة المفرق الأردنية لـ”سوريا على طول”، إلى “الرابط التاريخي بين البلدين، وما يندرج في سياقه من صلة الدم وامتداد العشائر بين شعبيهما”.

ورغم تأثر الأردن بالأزمات الاقتصادية التي تضرب المنطقة، وارتفاع نسبة البطالة بين مواطنيه لا سيما الشباب منهم، والتي بلغت ذروتها في الربع الثاني من العام الحالي، وقدرت بـ19.2%، وفق تقرير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، فإن “ورقة اللاجئين” لم يتم استغلالها أردنياً بخلاف الحال في  لبنان وتركيا. 

ففي تركيا، شكل اللاجئون السوريون أحد أهم موضوعات الحملات الدعائية لمرشحي حزب الشعب الجمهوري (المعارض) وحزب العدالة والتنمية (الحاكم)، في الانتخابات البلدية التركية، ولاسيما في مدينة اسطنبول، في حزيران/يونيو الماضي. وهو ما أدى، إلى جانب عوامل أخرى سياسية واقتصادية، إلى تعالي الأصوات المناهضة للاجئين في هناك.

أما في لبنان، فيبدو كما لو أن “المجتمع بكل أطيافه وعلى جميع الصعد قد تلوث بداء العنصرية”، على حد وصف علي الحمصي اللاجئ إلى لبنان. إذ كان العام 2019 “نقطة فارقة في تصاعد الخطاب التحريضي ضد اللاجئين والمطالبة بطردهم من البلاد”، وفقاً لما قال لـ”سوريا على طول” في تموز/يوليو الماضي. 

شعبٌ مضياف

في شوارع العاصمة عمان وأسواقها، أصبحت اللهجات السورية واليمنية والليبية التي تختلط بلهجات الأردنيين أمراً مألوفاً. إذ استقبل الأردن منذ ربيع 2011 عدة موجات لجوء من تلك الدول.

قبل ذلك، كما أشارت جمانة المساعيد، مواطنة من محافظة المفرق، “رحب الأردنيون بالعراقيين”. مضيفة أن “تاريخ الأردنيين في استقبال غيرهم يعود إلى أزمنة بعيدة، إذ يعيش فيه مهاجرون قدامى من الشركس والشيشان”.

وإذا كانت سمة الأردنيين استقبال الضيف واحتضان اللاجئ، فإن الأولى أن “يرحبوا بالسوريين”، برأي المساعيد، إذ “تربط الشعبين علاقات قرابة ما قبل تقسيم الحدود [وفق اتفاقية سايكس بيكو]، عدا عن العلاقات التجارية بين الجانبين، والحدود المفتوحة لكلا الشعبين قبل اندلاع أحداث سوريا”.

كل ذلك أسهم في نزع فتيل “العنصرية” التي قد تطال اللاجئين في بلد آخر، والسماح للسوريين بتأمين حياة كريمة عبر العمل في مجالات شتى في القطاع الخاص.

ومن ثم، فإنه على الرغم مما يحمله اللجوء السوري من تأثير ضاغط على اقتصاد الأردن وبنيته التحتية، بالتزامن مع “تراجع الاستجابة الدولية لمتطلبات اللاجئين إلى 20% في العام الحالي”، بحسب ما ذكر الباحث والمحلل الاقتصادي حسام عايش لـ”سوريا على طول، فإن هناك “تناغماً بين الأردنيين والسوريين”.

“وجود منضبط”

أسباب أخرى غير تلك المرتبطة بطبيعة الشعب الأردني، كما لفت عايش، تفسّر أيضاً تفرّد الأردن في علاقاته مع اللاجئين السوريين.

ففي تركيا، وإلى جانب استخدام الحكومة هناك ملف اللاجئين السوريين لتهديد أوروبا، واستثماره للحصول على عوائد وامتيازات كانت قد تراجعت في الآونة الأخيرة، فإن الاختلاط المباشر بين الأتراك والسوريين بلغتين مختلفتين “خلق أجواءً من عدم التفاهم” برأي الباحث الأردني. فيما تبرز في لبنان “الخشية من تغيير التركيبة السكانية”.

أما  في الأردن، فإن “توزع السوريين على المحافظات الأردنية وفي المخيمات بطريقة غير مؤذية، ووجودهم المنضبط عموماً” شكلا عاملاً إيجابياً آخر، بحسب عايش.

وفيما قد تظهر مواقف سلبية في قطاع المهن والحرف، “نتيجة ارتفاع المنافسة بين المهنيين والمتعطلين عن العمل الأردنيين، وبين نظرائهم السوريين، ما خلق نوعاً من الاحتكاك والحساسية بين الطرفين”، برأي عايش، إلا أن هذه المواقف والحساسية “ظلت محصورة ضمن هذه الحدود”.

دور الحكومة والمنظمات الدولية

مع تشديدها على أن الأردن “تجاوز مرحلة الحساسية أو التنافس بين السوريين والأردنيين على الوظائف أو غيرها”، قدمت المساعيد جانباً جميلاً من العلاقة المشتركة بين أبناء الشعبين في محافظة المفرق قريباً من الحدود مع سوريا، والتي تضمّ مخيم الزعتري، أحد أكبر مخيمات اللاجئين.

وكما روت، فقد خلقت المنظمات المعنية بشؤون اللاجئين “فرص عمل مشتركة لشباب البلدين” في المحافظة. وهو ما انعكس على القطاع الخاص، إذ إن “اللاجئ السوري يعلم حرفته للأردني، وما إن يبدأ الأردني مشروعاً تجارياً أو حرفياً خاصاً به حتى يشغّل عدداً من اللاجئين السوريين في مشروعه”.

وتستهدف كثير من المنظمات الدولية في الأردن بمشاريعها الأردنيين والسوريين في الوقت ذاته. وتتنوع مجالاتها بين الدعم النفسي والاجتماعي، وتمكين المرأة، وكذلك دعم وتمويل المشاريع الصغيرة، كما هي حال مشروع “مكاني”، على سبيل المثال.

فإلى جانب خدماته في الدعم النفسي، “يسهم البرنامج في الدمج بين الأردنيين والسوريين، ونقل الثقافات بين الطرفين، من خلال اختلاطهم في البرامج والندوات، أو على هامشها”، كما ذكرت عيدة أبو هليلة، إحدى العاملات في البرنامج، لـ”سوريا على طول”.

كذلك “خلقت المنظمات فرص عمل للأردنيين والسوريين، ودعمت المشاريع الصغيرة للنساء الأردنيات والسوريات، عدا عن استهداف الطرفين في جلسات التوعية والتمكين والدورات”، بحسب ما قالت المرشدة النفسية سبأ الزيود لـ”سوريا على طول”.

كذلك، لعبت الحكومة الأردنية دوراً محورياً في احتواء اللاجئين السوريين. إذ رغم ضعف الاستجابة الدولية لمتطلبات الإنفاق على الوجود السوري، وتراجع التمويل، فإنها لم تجبر اللاجئين على العودة بعد إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين، وترويج حكومة دمشق لما تسميه “عودة آمنة”. 

فمنذ إعادة فتح الحدود في آب/أغسطس 2018، لم يتجاوز عدد اللاجئين السوريين الذين غادروا الأردن 35 ألف نسمة، بحسب أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

 

تم إنجاز هذا التقرير ضمن مشروع مؤسسة سوريا على طول “ربط المجتمعات من خلال التشارك المهني” والذي ينفذ بالشراكة مع برنامج “دايركت إيد” التابع للسفارة الأسترالية في عمان.

شارك هذا المقال