5 دقائق قراءة

“لا مهرب أمامهم”: بعد المصالحة سكان مدينة التل بالقرب من منازلهم خشية الاعتقالات والتجنيد

كان سعيد الشامي على بعد حوالي 400 كيلومتراً من منزله […]


10 نوفمبر 2017

كان سعيد الشامي على بعد حوالي 400 كيلومتراً من منزله شمال دمشق عندما رزقت زوجته بمولود في شهر أيلول الماضي، بعد أسبوع واحد من اعتقال الشامي، البالغ 32 عاماً، عند حاجز تفتيش تابع للنظام السوري في مدينة التل.

ولم يكن على الشامي تهمة موجهة ضده، فتم تحويله إلى مكتب التجنيد العسكري، ومنه تم إرساله إلى خطوط القتال الأمامية شرق سوريا، رغم إتمامه لخدمة العلم الإلزامية منذ ما يقارب التسع سنوات، ما أدى إلى تدهور وضعه النفسي، بحسب قوله.

وبعد أسابيع قليلة من تواجده على جبهات شرق سوريا، وتحديداً جبهات دير الزور، تواصل الشامي مع ضابط في الجيش السوري، ودفع له مبلغاً مالياً “كرشوة” لنقله من المنطقة الشرقية الخطرة، حيث تدور المعارك بين قوات النظام وتنظيم الدولة، إلى مناطق أقل خطورة، وتمّ نقله إلى القنيطرة جنوب سوريا، التي تبعد حوالي 35 كيلومتراً جنوب غرب منزله في مدينة التل.

وفي القنيطرة أبرم الشامي اتفاقاً آخر مع الضابط المسؤول عنه، يقضي بدفع 50 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 100 دولار أمريكي للضابط شهرياً، مقابل عدم ذهابه للخدمة العسكرية بشكل نهائي، وقال أنه الآن أصبح بإمكانه البقاء مرة أخرى مع عائلته في التل، ولكنه لا يشعر بالأمان في الأماكن العامة ويعيش منعزلاً في منزله.

وأضاف ” لايمكنني أن أغادر منزلي فأي حاجز عسكري أو أي دورية شرطة عسكرية ممكن تعتقلني مرة أخرى”.

التل في تشرين الأول 2017. الصورة من صفحة تنسيقية مدينة التل للثورة السورية.

وكانت قوات المعارضة قد سيطرت على بلدة التل الواقعة شمال دمشق عام 2012، وفي السنوات التي أعقبت ذلك، خضعت المدينة لفترات من الحصار والقصف والتي انتهت في تشرين الثاني 2016 بعد توقيع مقاتلي المعارضة والقادة المحليين اتفاق المصالحة مع النظام.

وغادر ما يقارب ألفي شخص من مقاتلي المعارضة وعائلاتهم المدينة المحاصرة في شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها المعارضة بعد اتفاقية العام الماضي.

وفي الوقت الذي استسلم فيه مقاتلو التل، كان النظام السوري قد أجبر سابقاً خمس مناطق محيطة لمدينة دمشق للخضوع لصفقات إجلاء ممائلة وهي داريا، قدسيا، المعضمية، الهامة، وخان الشيح. وبمجرد صعود مقاتلي التل إلى الباصات ومغادرتهم تعود المنطقة لسيطرة النظام من جديد.

وتعهد مسؤولو النظام كجزء من المصالحة برفع الحصار عن المدينة كلياً والسماح للبضائع بالمرور بحريّة وإعادة الخدمات إليها.

وإلى اليوم لاتزال حواجز النظام تحيط بريف دمشق الشمالي وتنظم حركة الدخول والخروج من وإلى المدينة، وتبدلت دوريات المعارضة التابعة للجيش الحر بدوريات تابعة للنظام وميليشيا درع القلمون الموالي للحكومة.

وحين تم التوصل إلى اتفاق المصالحة العام الماضي، كان أحد شروط المفاوضين والسكان المحليين “عدم اعتقال أي شخص من المطلوبين للاحتياط أو التجنيد الإجباري أو المطلوبين للأفرع الأمنية” بحسب ما أكده أحمد البيانوني، عضو تنسيقية مدينة التل، مضيفاً أن “الاتفاق ينص على إعطاء مهلة ستة أشهر للمتخلفين لتسوية أوضاعهم”.

إلا أنه بعد عام تقريباً من الاتفاق، لا يزال سكان ريف دمشق الشمالي غير قادرين على التحرك بحرية وسط تقارير يومية من الاعتقالات والتجنيد الإلزامي من قبل قوات النظام في المنطقة، وذلك بحسب ما أكده البيانوني وسكان محليون لسوريا على طول.

 مقاتلون درع القلمون في التل،4 تشرين الأول. الصورة من صفحة قوات درع القلمون.

“لا يوجد مهرب “

استولت الفصائل التابعة للجيش الحر على مدينة التل، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة قبل الحرب في عام 2012، وعلى مدى الثلاث سنوات التالية ازداد عدد السكان مع وصول مئات آلاف النازحين من ريف دمشق وحمص، الهاربين من قصف النظام، حتى عُرفت بمدينة المليون نازح، ولايزال معظمهم في مدينة التل إلى الآن.

وفي عام 2013 أبرم النظام وفصائل المعارضة هدنة غير رسمية كانت تحمي إلى حد كبير المدينة من القصف والغارات الجوية، فلم تستهدف فصائل المعارضة مواقع النظام القريبة، في حين لم يتقدم الجيش والميليشيات المتحالفة معه إلى المدينة.

إلا أنه تم خرق الاتفاق في عام 2015 بعد أن اتهمت الحكومة السورية مقاتلي المعارضة بقتل جندي للنظام دخل إلى المدينة.

وبدورها فرضت قوات النظام حصاراً صارماً على مدينة التل، بحسب ما ذكرت سوريا على طول في وقت سابق، شمل حوالي خمسة كيلومترات مربعة من الأراضي الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

وبعد ذلك بدأ مشوار المفاوضات بين ممثلي النظام ولجنة المصالحة المحلية في التل حول وقف إطلاق النار، تخلله توقف في المفاوضات نتيجة قصف النظام ووقوع اشتباك بين فصائل المعارضة وجنود النظام وقوات درع القلمون المتحالفة معها.

وكان سكان المدينة والمفاوضون تواقون لرفع الحصار عن المدينة وإعادة الخدمات إليها، إلا أن مصير مئات المدنيين المطلوبين للخدمة العسكرية في المدينة كان مصدر قلق كبير لهم.

وقال الشامي الذي نزح من مدينته حمص إلى مدينة التل عام 2013 “بالنسبة لي كشاب فإن بند التجنيد أهم بند في الاتفاق”، مضيفاً “أنهيت الخدمة العسكرية قبل تسع سنوات تقريباً ولكن جميع الشباب معرضون لخطر التجنيد”.

ومن جهته صرح البيانوني أن النظام وعد بإعطاء مهلة ستة أشهر للمتخلفين لتسوية أوضاعهم أو الالتحاق بالخدمة العسكرية، وتوعد بعدم إرسال الشباب إلى جبهات القتال، لكن المواطنون الثلاثة الذين تحدثوا إلى سوريا على طول أثناء إعداد هذا التقرير قالوا أن قوات النظام شنت عمليات اعتقال بحق مدنيين وتجنيدهم بشكل تعسفي فور إجلاء قوات المعارضة من المدينة.

وأضاف البيانوني “عند أول فرصة بدؤوا بإرسالهم إلى جبهات دير الزور وشمال حماة”.

كما أن النظام لم يلتزم بوعده بأن قوات الأمن لن تعتقل الشباب للاحتياط ولا الذين أنهوا خدمتهم العسكرية، وأكد البيانوني “وحتى بالنسبة للشباب الذين أنهوا خدمتهم العسكرية  أو المعفيين من الخدمة لا يوجد مهرب لهم “.

وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ووسائل الاعلام التابعة للمعارضة في تقارير لها عمليات اعتقال تعسفية للتجنيد التي حدثت في مدينة التل خلال العام الماضي.

ووثقت تنسيقية مدينة التل عمليات الاعتقال والمداهمات الأمنية في الريف الشمالي من خلال صفحتها على الفيسبوك، ويقدر البيانوني أن ما يقرب 10 إلى 20 شاباً، يتم سوقهم للتجنيد أسبوعياً من خلال مداهمات منازلهم أو اعتقالهم عند حواجز النظام.

أما بالنسبة لكريم، البالغ من العمر 28 عاماً والذي استخدم اسما مستعاراً، فإن الاعتقالات التعسفية شبه اليومية أجبرته على عدم الخروج بعيداً عن منزله.

ويُعفى كريم، الذي يعيش في قرية معربا الصغيرة بالقرب من مدينة التل، من الخدمة الإلزامية بموجب القانون السوري “كابن وحيد”، إلا أن هذا الإعفاء لن يحول دون اعتقاله عند أقرب حاجز للنظام حسب  اعتقاده.

وقال “أنا شخص أحب الخروج من المنزل والتنقل، ولكن منذ 4 أشهر إلى الآن لم أتجاوز مسافة كيلومتر واحد عن بيتي”.

وهذا حال سعيد الشامي، الذي لا يخرج بعيداً عن منزله منذ عودته من دير الزور والقنيطرة، فهو يخشى أن يتم اعتقاله من الشرطة العسكرية وإعادته إلى القنيطرة.

وقال “لم أشارك في هذه الحرب لا مع النظام ولا مع المعارضة، ومع توقيع المصالحة فضلت البقاء في المدينة عن الخروج مع الشباب الذين خرجوا إلى الشمال السوري معتقداً أن بقائي لن يضرّني لأني خادم جيش”.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال