7 دقائق قراءة

لفرض السلطة أم للحصول على فدية؟.. عمال الإغاثة يواجهون خطر الاختطاف شمال غربي سوريا

الزبائن يشترون الطعام في أحد الشوارع المزدحمة وسط مدينة إدلب، […]


4 نوفمبر 2018

الزبائن يشترون الطعام في أحد الشوارع المزدحمة وسط مدينة إدلب، شمال غرب سوريا في ٢٤ أيلول ٢٠١٨. تصوير: عمر الحاج قدور /AFP.

كان صدام محمد في طريقه إلى منزله بعد صلاة الجمعة، الشهر الماضي، عندما اختفى في أطمة، شمال غربي محافظة إدلب.

اختطف المحمد مدير الفرع المحلي لإحدى المنظمات غير الحكومية في إدلب، التي تقدم خدمات الإسكان والتعليم والخدمات الطبية لآلاف المدنيين، في ١٢ تشرين الأول على يد رجال يعتقد أنهم ينتمون إلى هيئة تحرير الشام، الفصيل الإسلامي المتشدد، بحسب ما قاله مصدر من منظمته، مؤسسة عطاء للإغاثة والتنمية، لسوريا على طول.

ووفقا للمصدر الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية، أن الهيئة اختطفت المحمد بعد نزاع بين المنظمة غير الحكومية ومديرية النازحين، وهي مديرية تابعة لحكومة الإنقاذ السورية التابعة لهيئة تحرير الشام.

وفي المقابل، أنكر المسؤولون في هيئة تحرير الشام أي معلومات تتعلق بالحادثة.

وتم الإفراج عن المحمد لاحقا في ٢٧ تشرين الأول، بعد أسبوعين من اختفائه لأول مرة.

وبسبب حالات الاختطاف المتتالية، علقت منظمات الإغاثة المحلية عملياتها في إدلب، مما أدى إلى تعرض عدد لا يحصى من المدنيين لخطر فقدان الوصول إلى الخدمات الأساسية.

وقصة محمد ليست الوحيدة. حيث أدى الارتفاع الأخير في عمليات الخطف في إدلب إلى زيادة المخاطر التي يواجهها عمال الإغاثة المحليين- والمنظمات التي يعملون لصالحها – في الوقت الذي يقدمون فيه المساعدة إلى ما يقدر بنحو ٣.٥ مليون مدني يقيمون الآن في آخر معاقل المعارضة الرئيسية في سوريا.

بالرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة روسيا وتركيا أدى إلى وقف هجوم للحكومة على المحافظة في منتصف أيلول، إلا أن تعدد الفصائل والظروف الأمنية غير المستقرة التي تسود شمال غربي البلاد تعني أنه لا يمكن لفصيل واحد أن يوقف حالات الخطف والاعتقالات التعسفية من قبل فصائل المعارضة المتعددة والجماعات الإجرامية.

وتؤثر عمليات الاختطاف الأخيرة على المنظمات نفسها بسبب اختفاء العاملين في المجال الإغاثي. حيث علقت منظمتان على الأقل عملهما بشكل مؤقت في الأسابيع الأخيرة وسط تهديدات أمنية، كما أن القضية الحساسة المتمثلة في دفع الفدية – حيث تدفع المنظمات الفدية للمجرمين والفصائل، وبعضهم من الجماعات المتشددة- يمكن أن تشكل تهديدا حقيقا للتمويل الخارجي للمنظمات، وفقا لتحذيرات عمال الإغاثة.

وفي الوقت نفسه، قال عمال الإغاثة المحليون إن انعدام الأمن يجعلهم يتساءلون عما إذا كان عليهم الاستمرار في عملهم.

في السياق ذاته، قال أحمد، وهو عامل إغاثة يبلغ من العمر ٢٥ عاما في مدينة إدلب، لسوريا على طول “هناك خوف كبير بالنسبة لي”، ووصف كيف أن موجة الخطف الأخيرة زادت من مخاوفه بشأن الاستمرار في عمله.

وطلب أحمد، إلى جانب عمال الإغاثة الآخرين في إدلب الذين تم التواصل معهم لإعداد هذا التقرير، أن يتم حجب اسمه الحقيقي خوفا من ملاحقته من قبل الفصائل المحلية.

وأوضح قائلا “إذا شعرت بخطر وشيك، سأترك عملي. فأنا لا أريد أن أفجع أمي”.

“لا يمكننا إحصاؤهم جميعا”

شهدت قمة دبلوماسية استمرت ١١ ساعة في أيلول بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإعلان عن منطقة عازلة على امتداد ١٥-٢٠ كم في جميع أنحاء محافظة إدلب. وجنب الاتفاق إدلب هجوما وشيكا من قبل الحكومة، حيث قال مسؤولو الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية أن الهجوم سيكون كارثيا.

وتشكل غالبية محافظة إدلب والمناطق الحدودية في شرق اللاذقية، وشمال حماة وغرب حلب المناطق القليلة المتبقية تحت سيطرة المعارضة. ويسيطر عدد كبير من فصائل المعارضة على تلك المناطق: بما في ذلك فصائل الجبهة الوطنية لتحرير سوريا المدعومة من تركيا، وكذلك هيئة تحرير الشام، وفصائل صغيرة تابعة لتنظيم القاعدة.

وشهدت المنطقة العازلة المحيطة بإدلب، نوبات من العنف بين فصائل المعارضة والقوات الموالية للحكومة، مما شكل مخاوفاً بشأن عدم استمرار الاتفاق الروسي-التركي. كما أن الاقتتال الداخلي في محافظة إدلب شائع أيضاً.

وقال أحمد دبس، مدير السلامة والأمن في اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية، وهي منظمة غير حكومية تقدم الرعاية الطبية للمدنيين في شمال غرب سوريا إن “الوضع الأمني سيء للغاية، ولا أحد مسؤول عن القضايا الأمنية”.

وأضاف “تسيطر العديد من الفصائل على المنطقة ولا يمكنك التحكم في هذه المناطق [بسبب الفصائل]”.

عمال الإغاثة من مؤسسة عطاء. تصوير: مؤسسة عطاء.

وتسيطر الهيئة على حوالي ٦٠٪ من محافظة إدلب، ولها تأثير محلي كبير من خلال هيئة الحكم التابعة لها، حكومة الإنقاذ السورية.  وانبثقت الجماعة المتشددة عن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ١٨٤ حالة اختطاف واعتقال تعسفي قامت بها الهيئة لوحدها خلال الشهرين الماضيين- بما في ذلك عمال الإغاثة والمحامون وغيرهم من أفراد المجتمع المدني- فيما ارتكبت جماعات إجرامية محلية عددا غير معروف من عمليات الخطف الأخرى بغرض الحصول على فدية.

وفي إحدى الحالات، اختطف علاء علوي، مسعف في شمال حماة، واحتجز بغرض الحصول على فدية قدرها ٢٠٠ ألف دولار على أيدي جماعة مسلحة مجهولة. وعندما لم تتمكن أسرته من دفع المبلغ المطلوب، قيل إن الخاطفين قاموا بتعذيبه وإرسال صور إلى أهله.

ويعمل علوي لصالح الجمعية السورية الخيرية، وهي منظمة تتخذ من باريس مقرا لها وتعمل في إدلب وحماة، وتقدم المساعدات والخدمات الطبية للأيتام المقيمين هناك.

وتم الإفراج عن علوي في وقت لاحق، وأعلنت الجمعية السورية الخيرية عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ورفضت المنظمة التعليق على ما إذا كانت ستقلص عملياتها في إدلب، عندما تواصلت معها سوريا على طول.

ومن الصعب التحقق من العدد الدقيق لحالات الاختطاف التي وقعت في إدلب الأشهر الأخيرة نظرا للطابع السري للعمليات والمفاوضات ودفع الفدية والإفراج عن المختطفين.

وقال مسؤول من مكتب تنسيق الاستجابة، وهي منظمة غير حكومية توثق تقديم الخدمات في شمال سوريا “لا يمكننا إحصاؤهم جميعا”. وتابع قائلا لسوريا على طول “يختلف الأسلوب في كل مرة تحدث فيها عملية اختطاف”.

شارع في إدلب في عام ٢٠١٧. تصوير: مركز إدلب الإعلامي.

خيار مستحيل

تركت عمليات الخطف والاعتقال التعسفي منظمات الإغاثة المحلية أمام خيار مستحيل: إما استخدام مواردها المحدودة لدفع فدية لموظفيها، أو حرمان بعض المدنيين السوريين الأكثر بؤسا من الخدمات التي هم بأمس الحاجة إليها.

ويشكل التعليق المؤقت للعمليات في كل من عطاء والمؤسسة الخيرية السورية الشهر الماضي تهديدا حقيقيا للمدنيين في شمال غرب سوريا، حيث يقيم ما يقدر بـ ٣.٥ مليون مدني- بما في ذلك أكثر من مليون سوري نزحوا إلى الشمال ضمن سلسلة من عمليات الإجلاء القسري التي أتاحت للحكومة السورية استعادة جزء كبير من البلاد منذ عام ٢٠١٦.

وبحسب مصدر من عطاء، أثر تعليق المنظمة المؤقت على حوالي ٤٥٠٠ طالب و ٢٥٠ من موظفي مخيمات النزوح في ريف إدلب الشمالي، بالإضافة إلى ١٥٠ حالة​​ تعالجها عياداتهم يوميا.

في الوقت ذاته، قدمت الجمعية الخيرية السورية الخدمات لما يقارب ال ٢٠٠٠ يتيم عن طريق أكثر من ١٢ سيارة إسعاف و عيادتين قبل أن توقف عملها بشكل مؤقت في أوائل الشهر الماضي، محذرين في وقت لاحق من أن أي تعليق للعمليات قد يؤثر على الآلاف من المدنيين.

وحذر دبس، مدير السلامة والأمن في اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية، من أن عمليات الاختطاف تؤثر على المدنيين لأنه “في الوقت الذي تقرر فيه بعض المنظمات وقف أنشطتها في بعض المناطق، فإن هناك منظمات أخرى قد توقف جميع مهامها في سوريا إذا استمر الوضع على هذا الحال”.

لفرض السلطة أم للحصول على فدية؟

نفى مسؤول في حكومة الإنقاذ لسوريا على طول أي تورط من جانب السلطات المحلية التابعة لهيئة تحرير الشام، على الرغم من الاتهامات الموجهة إليها من قبل العاملين المحليين في المنظمات غير الحكومية.

وعندما سئل عن الخلاف مع عطاء، قال مدير دائرة النازحين التابعة لحكومة الإنقاذ لسوريا على طول إن علاقات جماعته مع عطاء “جيدة للغاية”.

وأضاف الصليبي “الأمور تسير إلى الأمام بشكل جيد وتسعى الإدارة إلى تسوية أي نزاع. وبالنسبة لتعليق المنظمة أعمالها وأثر ذلك على المدنيين … ربما كان هناك خطأ”.

وتابع قائلا “فيما يتعلق باعتقال مدير منظمة عطاء فأنا لا أعرف أي شيء الموضوع”.

وفي الوقت ذاته، يرى عمال الإغاثة على الأرض أن الحوادث، كاختفاء محمد لمدة أسبوعين، هي جزء من جهود واسعة تقوم بها الهيئة ومديرية النازحين التابعة لحكومة الإنقاذ لفرض سلطتهم على المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء إدلب.

وقال مصدر من منظمة العطاء “إن هدف الهيئة هنا لا يكمن في تعليق عمليات المنظمات، بل بالأحرى للضغط عليها من أجل القيام بما تريد- لا سيما المنظمات التي لم تقبل العمل تحت مظلة مديرية النازحين”.

وقال أحمد عامل الإغاثة “عادة، في حالات الاختطاف … يتم اختطاف أولئك الذين لهم دور قيادي داخل المنظمة، أو أولئك الذين هم في موقع حساس. إن الهدف هو الضغط على المنظمة والتأثير على عملها”.

ويرى آخرون أن الخاطفين ربما يبحثون ببساطة عن فدية مالية.

وقال صهيب زكور، الذي يعمل مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في إدلب “نادرا ما يتم خطف أو تهديد عامل في المجال الإغاثي لأنه عامل في المجال الإغاثي”، مضيفا “الخطف هو إما لأغراض مالية أو لأسباب شخصية”.

وبالرغم من إنقاذ إدلب من هجوم شامل- حتى الآن- يواجه عمال الإغاثة والمدنيون هناك بيئة غير مستقرة وغير متوقعة، غالبا ما تفرضها فصائل المعارضة والجماعات الإجرامية.

ومع ذلك يصر البعض على مواصلة عملهم.

وقال زكور “سيكون هناك دائما مخاوف بالنسبة لأولئك الذين يعملون في المجال الإغاثي- سواء كانت من عمليات القصف أو الهجمات”.

“في كلتا الحالتين، لن يمنعنا ذلك من القيام بعملنا”.

 

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال