6 دقائق قراءة

لقاء في الصحراء حول مصير مخيم الركبان ينذر بتزايد الضغوط الروسية والسورية

نشرت وسائل الإعلام الحكومية الروسية، الأسبوع الماضي، عرضًا مثيراً للفضول.


نشرت وسائل الإعلام الحكومية الروسية، الأسبوع الماضي، عرضًا مثيراً للفضول.

وبحسب ما ورد، فقد دُعي الدبلوماسيون الأمريكيون للجلوس مع الضباط العسكريين الروس والمسؤولين السوريين لمناقشة مصير ركبان، وهو مخيم مهجور في منطقة نائية على طول الحدود السورية الأردنية.

ولم ترد تفاصيل في الإعلان عن المكان الذي سيعقد فيه الاجتماع المفترض، أو حتى إذا تم إخطار المسؤولين الأميركيين عن الإجتماع في وقت مبكر.

وفي كلتا الحالتين، جرى الاجتماع يوم الثلاثاء. وأظهرت الصور التي نشرتها وكالة “روسيا اليوم”، مسؤولين روس وسوريون يرتدون الزي الرسمي، يجلسون حول طاولات بلاستيكية مرتبة تحت خيمة من القماش في الصحراء.

وتضمن جدول أعمال الاجتماع، الذي حصلت عليه سوريا على طول، مناقشات بين ممثلي الجيش السوري والأجهزة الأمنية، ومسؤولي المصالحة الروسية، وممثلين عن المخيم.

وقال مسؤول عسكري روسي، نقلا عن تقارير وسائل الإعلام المؤيدة للمعارضة يوم الثلاثاء، أن المنظمين قد “دعوا الدبلوماسيين الأمريكيين المتواجدين في الأردن وممثلي القوات الأمريكية المتواجدين في التنف لحضور الاجتماع”، ولكنهم أضافوا بأن الدعوة قد ” تم رفضها”.

وقال أحمد الزغيرة، أحد أعضاء إدارة مخيم الركبان المحلية، لسوريا على طول، صباح يوم الثلاثاء، إن “وفداً من الركبان يحضر” الاجتماع.

ورحب بيان صدر يوم الثلاثاء، من قبل الأمم المتحدة في سوريا “بكل الجهود المبذولة لإيجاد حلول دائمة لسكان الركبان، وكذلك الحوار مع جميع الأطراف المعنية، لزيادة توضيح عملية العودة والانتقال”.

ولم يشر البيان صراحةً إلى اجتماع يوم الثلاثاء، على الرغم من أن متحدثًا باسم الأمم المتحدة، أكد أن ممثلين عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ومبعوث الأمم المتحدة إلى مكتب سوريا، قد حضروا الاجتماع.

وعلى مدار أشهر، ظل حوالي 41 ألف نازح سوري مشردين ومنسيين داخل الركبان، بينما تعمل القوى الدولية لحل التعقيدات التي تواجه مستقبل المخيم، المعروف بموقعه المهمل والمعزول في الصحراء. وتتشارك روسيا والحكومة السورية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى في هذا المأزق، بينما يحاول الأردن والأمم المتحدة الإشراف على العملية من الخطوط الجانبية.

ويقع مخيم الركبان في منطقة قاحلة بين الحدود السورية والأردنية والمعروفة باسم “الساتر الترابي”. وتسيطر قوات المعارضة، المدعومة من التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية المتشدد بقيادة الولايات المتحدة، اسمياً على الركن الذي يبلغ طوله 55 كيلومتراً من الصحراء، والتي تعمل من قاعدة التنف العسكرية على بعد بضعة كيلومترات فقط شرق المخيم.

وخارج هذه المنطقة البالغ طولها 55 كيلومتراً، توجد مساحات شاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، حيث تنتشر القوات الموالية للحكومة، بالإضافة إلى الميليشيات الإيرانية وغيرها من الميليشيات الحليفة، التي تحتفظ بوجودها المستمر.

ويلقي كل جانب باللوم على الآخر بسبب العزلة الطويلة لمخيم الركبان، وحتى الآن، كانت هناك بوادر  ضئيلة للتوصل إلى تسوية، على الرغم من الضغوط المتزايدة من الجانب الروسي على وجه الخصوص للدفع من أجل الوصول إلى نتيجة.

وغالبا كان التفاوض يتم في غرف الاجتماعات البعيدة، في حين ازداد الزخم للعثور على إجابة واضحة في الأشهر الأخيرة.

ويعد اجتماع يوم الثلاثاء آخر المناورات في العملية الدبلوماسية المحيرة لتحديد مصير الركبان، والتي تتم بطريقة غير شفافة وبشكل متعمد، حيث تضمنت اجتماعات مغلقة في عمان، ولغطاً واسع النطاق بشأن “الممرات الإنسانية” التي انشأتها روسيا حالياً حول المخيم – مع القليل من المعلومات المتاحة عن الكيفية التي تأمل بها القوى الدولية المعنية في حل “مسألة” الركبان.

ممرات “إنسانية”

ما كان في السابق شريطًا صحراوياً فارغاً في منطقة تعرف باسم البادية السورية، أصبح الآن عبارة عن سلسلة من المنازل الطينية التي بنتها العائلات النازحة، التي هربت من تقدم مقاتلي تنظيم الدولة بعد عام 2013.

وبالأساس تأمل الكثير من النازحين بالوصول إلى الأردن بحثًا عن الأمان، عبر المعبر الحدودي -المغلق الآن- في الصحراء، إلى أن أدى انفجار سيارة مفخخة مزعوم من قبل التنظيم، بالقرب من المعبر في منتصف عام 2016، إلى الإغلاق التام للحدود.

منذ ذلك الحين، أصبحت المناطق المحيطة على جانبي الحدود، مناطق عسكرية محاطة بالدوريات العسكرية، مع إغلاق الحدود الأردنية في وجه جميع الحالات، باستثناء الحالات الطبية الحرجة.

ويعيش سكان الركبان اليوم في مستوطنة صحراوية بائسة، حيث تعتمد الظروف في كثير من الأحيان على وصول المساعدات النادرة.

وأخذت هذه الظروف منعطفًا سريعًا نحو الأسوأ، في أواخر العام الماضي، حيث تم قطع سلسلة من طرق التهريب الصحراوية فجأة، والتي كانت تزود المخيم بالمؤن و المواد الغذائية والأدوية الحيوية. وأخبر سكان المخيم سوريا على طول، في الأشهر الأخيرة فقط، أن عددا قليلا من الأشياء القيمة كانت لا تزال تصل إلى المخيم، ولكن بأسعار مرتفعة للغاية.

ويشهد المخيم نقصاً حاداً في الإمدادات والمواد الطبية والإنسانية الأساسية، بما في ذلك حليب الأطفال، حيث توفي ما لا يقل عن 12 طفلاً نتيجة للبرودة الشتوية والأمراض التي يمكن الوقاية منها منذ شهر كانون الثاني.

حيث توفي طفلان رضيعان – فاطمة البالغة من العمر أسبوع واحد وعمر البالغ من العمر أسبوعين – في غضون يوم واحد فقط من هذا الشهر، بسبب نقص الإمدادات الطبية، وفقًا لما قاله سكان المخيم لسوريا على طول، في ذلك الوقت.

وقد يكون من غير المفاجئ أن عددا قليلا من الناس يريدون البقاء في هذه الزاوية القاحلة من سوريا. ومع ذلك، فإن طرق الخروج ليست سهلة.

وفي منتصف شباط، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن خطط للإشراف على “ممرات إنسانية” لتسهيل العبور الآمن، لعدد غير معروف من سكان الركبان إلى مناطقهم، التي تسيطر عليها الحكومة الآن في محافظة حمص.

ووفقا لما أعلنته روسيا حينها، سيتم إنشاء حواجز على أطراف الركبان بعد أيام “لاستقبال وتوزيع وتقديم المساعدة اللازمة للنازحين” الراغبين في مغادرة المخيم.

ولكن عددا قليلا من العائلات خرجت من الركبان باتجاه الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة منذ افتتاح “الممرات الإنسانية” الروسية الشهر الماضي.

أعداد “غير دقيقة” للعائدين

أوضح عماد غالي، ناشط إعلامي داخل الركبان، أن الممرات لم تحدث تغييراً كبيراً على أرض الواقع.

وقال لسوريا على طول “بالرغم من فتح المعابر الروسية الشهر الماضي، فإن النظام القديم لمغادرة المخيم ما يزال موجودا” حيث يقوم النازحون بالتنسيق للمصالحة مع السلطات الحكومية على أساس فردي قبل العودة إلى الوطن عبر الصحراء.

وبالنظر إلى الأساس الفردي لحالات العودة، فإن توثيقها أمر صعب.

وفي ظل المؤشرات عن مدى صعوبة جمع معلومات موثوقة، بحثت سوريا على طول عن أعداد العائدين الأخيرة، خلال الأيام القليلة الماضية، حيث قال مصدر داخل الركبان ١٥ أسرة، وقال آخر ١٨٦ شخصاً، بينما أشار مصدر آخر إلى أن العدد وصل إلى ٥٠٠ شخص.

وقال محمود الهليمي، رئيس مكتب إعلام الإدارة المدنية في المخيم، لسوريا على طول، يوم الثلاثاء “جميع الأرقام غير دقيقة. كيف يفترض بمسؤولي المخيم جمع إحصائيات دقيقة حول عدد الأشخاص الذين يخططون للعودة ضمن مساحة ١٥ كم مربعا؟”

وأضاف “إن سلطات المخيم غير مدعومة من قبل هيئات محلية أو دولية. ولسوء الحظ، ليس لديهم الوسائل اللازمة لإجراء عملية التوثيق”

وفي الوقت نفسه، تدعي فصائل المعارضة داخل المنطقة التي يبلغ طولها ٥٥ كم والمحيطة بالركبان أنها ليست مسؤولة عن الشؤون المدنية داخل المخيم نفسه.

وقال سعيد سيف من قوات الشهيد أحمد العبدو، وهي جماعة معارضة تتمركز في المنطقة المحيطة بالمخيم “ليس للفصائل أي دور. المجلس المحلي والإدارة المدنية في المخيم هم المسؤولون عن هذه الأمور”.

إن الأمر الأكثر صعوبة هو العزم على إبقاء السوريين النازحين الذين حوصروا في الصحراء بفعل المصالح الجغرافية السياسية المحيطة بهم.

وخلال عملية تسليم المساعدات الإنسانية الأخيرة إلى المخيم من قبل الأمم المتحدة، والهلال الأحمر العربي السوري، أجرى موظفو الإغاثة التابعون للأمم المتحدة استطلاعاً، يهدف إلى معرفة الأماكن التي سيعود إليها النازحون في حال كان لديهم الرغبة بذلك.

وأعرب ٩٥٪  من المشاركين في استطلاع الرأي داخل الركبان، عن رغبتهم في العودة إلى ديارهم، حيث يريد ٨٣٪ منهم العودة إلى “مسقط رأسهم”، وأعرب النازحون الذين شملهم الاستطلاع … “عن مخاوفهم المتعلقة بالسلامة والأمن في المناطق التي سيعودون إليها”، وفقا لوثيقة صادرة عن الأمم المتحدة، اطلعت عليها سوريا على طول.

“الركبان قضية دولية”

إن النقطة التي تقف في وجه العائدين بشكل خاص- هي أن الأمور على الأرض لم تتغير.

واعتبرت وسائل الإعلام الروسية والسورية الحكومية الاستطلاع دليل على أن القوات المدعومة من الولايات المتحدة في التنف، هي المسؤولة عن التعقيدات المستمرة في الركبان.

وفي تصريحات للصحفيين في وقت سابق من هذا الشهر، زعم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن القوات المدعومة من الولايات المتحدة في التنف كانت تحتجز السوريين النازحين “في المخيم رغما عنهم”.

وقال لافروف “إن عدم السماح للنازحين بمغادرة المخيم واحتجازهم كرهائن، هو إشارة إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى هذا المخيم لمواصلة تبرير وجودها غير المشروع هناك”.

ومن جهة أخرى، قال سعيد سيف من قوات الشهيد أحمد العبدو، إن “الروس يحاولون إظهار الجانب الإيجابي لوجودهم في سوريا”، في حين أن الحكومة السورية “تبحث عن تحقيق نصر سياسي واستغلال عودة السوريين النازحين إلى منازلهم بطريقة تفيدهم”.

وأضاف إن “قضية الركبان هي قضية دولية”.

وفقًا لمحلل وزميل مؤسسة “Century Foundation” آرون لاند، فإن “هناك الكثير من الضجة الإعلامية حول الركبان في وسائل الإعلام، أغلبها جاء من روسيا وسوريا”.

وأضاف أن العديد من السوريين النازحين في الركبان يريدون غالبا العودة إلى ديارهم، لكن وفقا لضمانات معينة.

وقال لسوريا على طول “لا بد أن هناك الكثير من الأشخاص في المخيم ممن يرغبون في العودة إلى ديارهم، إذا علموا أن هناك ضمانات بالعودة الآمنة”، مشيراً إلى مخاوف سكان المخيم من الاعتقال من قبل القوات الموالية للحكومة أو التجنيد في الجيش السوري.

وختم قائلا “سواء كانت روسيا تستطيع تقديم تلك الضمانات أو الحكومة السورية، أو أن أي منهما ترغب في ذلك- تلك قصة أخرى”.

 

شارك في إعداد هذا التقرير : توم رولينز 

 

شارك هذا المقال