7 دقائق قراءة

للذكور فقط: أبواب تخصص “الإعلام” موصدة أمام الإناث في إدلب

تسهم التدريبات الإعلامية المقدمة من منظمات المجتمع المدني في صقل مهارات المشاركات، لكنها لا تغنيهنّ عن التعليم الجامعي. في إدلب تُحرم العديد من النساء من حقهنّ في دراسة تخصص الإعلام بجامعة إدلب


9 ديسمبر 2022

إدلب- مع إعلان افتتاح كلية العلوم السياسية والإعلام في جامعة إدلب، التابعة لحكومة الإنقاذ، شمال غرب سوريا، للعام الدراسي 2022-2023، في أيلول/ سبتمبر 2022، أصيبت إيمان حمادة (اسم مستعار) بخيبة أمل، لحرمان الإناث هذا التخصص.

وعزا الدكتور عادل حديدي، عميد كلية الإعلام والسياسة في جامعة إدلب، سبب عدم قبول الإناث إلى “عدم توفر البنية التحتية اللازمة لتخصيص قسم خاص بالإناث”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، حيث تمنع حكومة الإنقاذ الاختلاط بين الجنسين في جامعة إدلب بكل تخصصاتها.

حرمان الإناث من دراسة الإعلام في الكلية “المستحدثة” هي الصدمة الثانية التي تتلقاها إيمان، 27 عاماً، المقيمة في مدينة إدلب، بعد صدمتها الأولى، عام 2013، عندما حال رفض والدها وخطيبها دون تحقيق حلمها في دراسة الإعلام بجامعة دمشق، بداعي عدم السفر لوحدها، فالتحقت بجامعة حلب فرع إدلب، التابعة للنظام، ودرست عاماً واحداً في تخصص الأدب الإنجليزي، قبل أن تسيطر المعارضة على المنطقة، لتستكمل تعليمها، عام 2016، في جامعة إدلب، التابعة للإنقاذ، التي تم افتتاحها عام 2015، تحت إشراف الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

تتمثل أحد الخيارات أمام إيمان بدراسة الإعلام في إحدى الجامعات الخاصة المنتشرة في شمال غرب سوريا، وهو خارج قدرتها المالية، أو الالتحاق بكلية الإعلام في جامعة حلب، بمدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي، لكن هذا يعني “قطع مسافة 100 كيلو متر عن مكان إقامتي، وهو خيار صعب خاصة مع التزاماتي المنزلية تجاه أطفالي الأربعة”.

تختصر قصة إيمان واقع الفتيات والنساء الراغبات في دراسة تخصص “الصحافة والإعلام” شمال غرب سوريا، اللاتي يواجهن عقبات رسمية ومجتمعية، تتمثل في الأولى باقتصار التخصص على الذكور، وفي الثانية على رفض الأهل والمجتمع خوض النساء في هذا المجال.

قبل تخصيص مقاعد الإعلام في جامعة إدلب للذكور، حرمت الطالبات من الدراسة في المعهد التقاني للإعلام التابع للجامعة. إذ بعد إتاحة الفرصة لنحو 25 طالبة، عام 2017، تخرّج منهنّ 15 طالبة، اقتصر التعليم في المعهد على الذكور، عام 2018 بقرار من الجامعة من دون توضيح الأسباب، ولم تُقبل دفعات جديدة فيه لكلا الجنسين، ليتم إغلاقه عام 2021 بعد تخريج الطلاب الملتحقين به في السنوات السابقة.

كانت كريمة (اسم مستعار)، 23 عاماً، ضحية قرار منع دخول الإناث للمعهد التقني آنذاك، إذ كانت تنوي، عام 2018، وضع المعهد التقاني للإعلام كرغبة أولى في المفاضلة، لتصطدم بالقرار، لتشعر “بغصّة في قلبي لا يعلم بها إلا الله”، على حد وصفها لـ”سوريا على طول”.

على عكس إيمان، كانت عائلة كريمة “داعمة لرغباتي، لكن الظروف حالت دون تحقيقها”، كما قالت كريمة، المقيمة في إدلب، التي حوّلت مسارها التعليمي إلى دراسة تخصص إدارة الأعمال، وهي على أبواب التخرج حالياً، ولكن “ما زالت أمنيتي أن أدرس الصحافة في الجامعة”.

تعد كلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة إدلب، التي فتحت أبوابها أمام الطلبة الذكور فقط مطلع العام الدراسي الحالي الكلية الوحيدة “الحكومية”، التي تدرس الصحافة والإعلام في مناطق “تحرير الشام”.

التمييز ضد النساء

جاء افتتاح كلية الإعلام والسياسة كنتيجة لـ”التطور الطبيعي للجامعة، ولأجل استيعاب الإعلاميين، الذين غطوا أحداث الثورة السورية منذ انطلاقتها ويستحقون أن يحصلوا على التأهيل الأكاديمي”، كما قال د. حديدي.

في المقابل، حُرمت الطالبات من هذا التخصص، الذي “يستوعب بين 40 إلى 50 طالب سنوياً، وقد يرتفع العدد خلال السنوات القادمة”، بحسب حديدي، مشيراُ إلى أن “الكليات المُحدثة تُفتتح عادة بأعداد قليلة بهدف دراسة موازنة الكلية بشكل جيد، وعدم التسرع في أخذ أعداد كبيرة من الطلاب منذ البداية لتكون الأمور الإدارية والعلمية منضبطة بشكل جيد”.

“تأخير انضمام الفتيات لكلية الإعلام، قرار غير موفق ويحتاج إلى إعادة نظر”، من وجهة نظر الدكتور علاء رجب تباب، مؤسس كلية الإعلام في جامعة حلب الحرة، التابعة للحكومة المؤقتة، في ريف حلب الشمالي، الواقع تحت سيطرة الجيش الوطني (المعارض)، المدعوم من تركيا، وهي جامعة تستقبل الذكور والإناث في التخصص، على عكس إدلب.

وأضاف تباب لـ”سوريا على طول”: “لو كنت صاحب قرار وُخيّرت بين أن نبدأ في تعليم الإعلام للنساء أم الرجال، لقدمت النساء، لضرورة تمكينهنّ في هذا المجال”، معتبراً أن “دراسة الفتيات للإعلام ضرورة وأولوية تربوية وأسرية واجتماعية على الصعيد الحضاري أكثر من كونها ضرورة سياسية”.

في المقابل، استبعد تباب أن يكون إقصاء الإناث عن تخصص الإعلام بسبب الإدارة الأكاديمية، معتبراً أنها “من حيث المبدأ مع تمكين الطالبات إعلامياً”، مستشهداً بقبولهنّ منذ تأسيس معهد الإعلام، لكن نتائج اليوم “هي ردة فعل على إشكاليات أخلاقية جرت في معهد الإعلام من قبل الإدارة السابقة”، بحسب قوله، والتي انتهت باقتصاره على الذكور عام 2018، بعدما طالت اتهامات لإدارة المعهد السابقة بالفساد والتحرش.

ومع ذلك، يجب ألا تكون تلك الحادثة بمثابة “عقدة تشكل مانعاً في تمكين الفتيات، مع ضرورة عدم التساهل في النظر إلى الجانب الأخلاقي للأكاديمي قبل تعيينه”، بحسب تباب.

خيارات محدودة

في عام 2016، افتتحت جامعة حلب الحرة معهداً لدراسة الإعلام بمنطقة الأتارب، في ريف حلب الغربي، التي تبعد 32 كيلو متراً عن مدينة إدلب، وهو واحد من المراكز التعليمية التي نُقلت إلى ريف حلب الشمالي، عام 2019، بعد أن تفردت هيئة تحرير الشام في السيطرة على إدلب.

رغم أن إدارة الجامعة أتاحت لطلبتها مواصلة تعليمهم في مقراتها الجديدة، إلا أن ذلك حرم العديد ممن لا يستطيعون قطع مسافات شاسعة، وخصوصاً الطالبات.

في عام 2021، استحدثت جامعة حلب الحرة كلية الإعلام، التي فتحت أبوابها للطلبة، ذكوراً وإناثاً، المقيمين في مناطق سيطرة الجيش الوطني (المعارض) بريف حلب الشمالي، وهيئة تحرير الشام بإدلب.

نظرياً، تعد كلية الإعلام بجامعة حلب خياراً بديلاً عن جامعة إدلب، خاصة للطالبات اللاتي حرمن من دراسة التخصص في إدلب، إلا  أن “المصاريف العالية للتنقل بين إدلب واعزاز” حرمت ياسمين عرموش من دراسة تخصص الإعلام، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

وكغيرها من الراغبات في دراسة الإعلام، ممن تحدثن لـ”سوريا على طول”، توجهت ياسمين، 28 عاماً، إلى التدريبات الصحفية، التي تنظمها مؤسسات صحفية وتدريبية في إدلب لاكتساب مهارات تدخلها سوق العمل الصحفي. 

ومهما كانت الأسباب وراء إغلاق المعهد التقاني للإعلام وكلية الإعلام في إدلب أمام النساء، فإنه يبقى “قرار كاره للنساء”، من وجهة نظر ياسمين.

جامعة إدلب هي الجامعة “شبه الحكومية” الوحيدة، التي تخدم المنطقة الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، يضاف إليها عدة جامعات خاصة لكنها لا تضم في أقسامها قسم “الصحافة والإعلام”.

كانت بعض الجامعات الخاصة في إدلب تدرّس “الإعلام” في كلياتها، لكنها انتقلت إلى ريف حلب الشمالي أو أغلقت أبوابها نهائياً، ومنها جامعة النهضة (الإنقاذ الدولية سابقاً)، التي افتتحت عام 2018 معهداً للإعلام في مدينة معرة النعمان، لكنها انتقلت إلى اعزاز مطلع عام 2020، بعد سيطرة النظام السوري على المعرة.

وكذلك، افتتحت جامعة أوكسفورد العلمية (الخاصة) قسماً للإعلام في بلدة حارم جنوب إدلب، عام 2017، وادّعت حصولها على اعتراف رسمي من اليمن، لكن بعد أن تبين عدم صحة ادعائها أغلقت أبوابها بشكل كلي عام 2019. 

المجتمع قبل السلطات

بعد صدور نتائج الثانوية العامة، العام الماضي، شعرت ماسة (اسم مستعار)، 18 عاماً، “بفرحة عارمة، عندما علمت بافتتاح كلية الإعلام في إدلب”. قبل أن تعلم أنها مخصصة للذكور فقط، فوجئت ماسة بـ”رفض عائلتي التسجيل في قسم الإعلام”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

عزت عائلة ماسة رفضهم إلى “الخوف من نظرة المجتمع والأقارب”. وعليه “رضيت بنصيبي، وتوجهت إلى كلية التربية في جامعة إدلب”.

لكن، ما تزال ماسة “متعلقة بحب الإعلام والتصوير، وسأحتفظ بمهاراتي في هذا المجال كهواية فقط”، بحسب قولها.

قصة ماسة تتشابه مع ريم، التي تدرس الطب البشري في جامعة إدلب، تلبية لـ”رغبة أهلي، بينما رغبتي دراسة الإعلام”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، لذلك “لست متأقلمة مع الطب، لأنني لا أشعر بالانتماء له”.

بدخول ريم تخصص الطب البشري قتلت رغبتها التي رافقتها “منذ أن كنت في الصف التاسع”، وسمعت برأي أهلها، الذين أخبروها أن “الإعلام ليس له مستقبل”.

عزت الصحفية لمى راجح، عضو شبكة الصحفيات السوريات، سبب رفض الأهالي دراسة بناتهم تخصص الإعلام أو ممارسة الصحافة إلى “تكريس النظام السوري صورة نمطية [سلبية] للصحفيات خلال فترة حكمه، عبر المؤسسات الإعلامية التي يسيطر عليها حزب البعث”، الأمر الذي جعلهم “يخشون انخراطهنّ في المجال الإعلامي، لأن ذلك من شأنه أن يجرهنّ إلى المجال السياسي، والتطبع بمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

واستشهدت راجح بدراستها للتخصص، إذ عندما تخرجت عام 2008، “كان الإعلام الرسمي يرفض تعيين أي صحفية إذا لم يكن والدها أو أخوها عضو قيادة قطرية  أو في الفرقة الرابعة”، لأن النظام يبحث عن “ولاءات سياسية أو عسكرية من قبلها أو من قبل أحد أفراد عائلتها، وهذا كان أحد الأسباب وراء خشية الأهالي على بناتهم”.

كسرت الثورة السورية هذه التابوهات، فـ”كثير من الصحفيات أثبتن جدارتهنّ وخضن العمل بمجالات متعددة، دون تقديم ولاءات”، بحسب راجح، معتبرة أن الصحفية السورية “استطاعت كسر النمطية التي كرسها النظام السوري خلال فترة حكمه”.

بدائل لا تغني عن الجامعة

في ظل حرمانهنّ من التعليم الأكاديمي، تشهد البرامج التدريبية الصحفية إقبالاً ملحوظاً من الإناث في شمال غرب سوريا، كما أوضحت رولا عبد الرزاق، مديرة مشروع تدريب وتمكين النساء في الصحافة المرئية بمنظمة عدل وتمكين، التي تشرف حالياً على تدريب 50 صحفية، نصفهن في المستوى المبتدئ، والنصف الآخر في المستوى المتقدم.

وأوضحت عبد الرزاق في حديثها لـ”سوريا على طول” أن المنظمة أشرفت على تدريب 75 متدربة في مشروع سابق خلال عامي 2021 و2022.

تسهم التدريبات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني في “صقل مهارات المشاركات الإعلامية، لكنها لا تغني عن التعليم الجامعي”، وفقاً لعبد الرزاق، لأن التدريب لا يمكن الاستناد عليه في حال رغبة المشاركة متابعة دراستها أو البحث عن عمل.

إضافة إلى ذلك، لا يوجد حلول جذرية للمنظمات في ظل وجود سلطات الأمر الواقع “لأننا لا نستطيع التأثير عليهم”، وفقاً للمى راجح. وتقتصر جهود المنظمات على “الحلول الإسعافية، التي تتضمن حماية الصحفيات العاملات، من خلال ضمان وجودهنّ في أماكن آمنة”، إضافة إلى “رفع سوية الخطاب الجندري، عبر استهداف الصحفيين والصحفيات في ورشات الصحافة الحساسة للنوع الجندري لرفع جودة الخطاب الإعلامي، وهذا أكثر ما يمكن لتقليص الفجوة”.

من جانبه، شدد الدكتور علاء تباب على ضرورة “مراجعة العائلات السورية وأصحاب القرار تقييم نظرتهم لأولوية الإعلام وضرورته بالنسبة للمرأة على الصعيد الاجتماعي والتربوي”، معتبراً أن “تغييب المرأة عن هذا المجال يعود بآثار كارثية على المجتمع والأسرة التي تشكل المرأة بوابته ونواته في صناعة الإنسان”.

لم تستسلم إيمان حمادة للقيود التي حرمتها من دراسة تخصص الإعلام، فطورت مهاراتها الصحفية ذاتياً، وأنتجت تقارير صحفية لصالح مؤسسات إعلامية، وتتحيّن فرصة لتتويج جهودها بـ”الحصول على شهادة جامعية بتخصص الإعلام. التخصص الذي أحب”.

 

تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع “ضد التمييز”، بدعم من منظمة فري برس أنليميتد (Free Press Unlimited). لا يعكس التقرير بالضرورة آراء المنظمة الداعمة، وتتحمل “سوريا على طول” مسؤولية المعلومات الواردة فيه

شارك هذا المقال