6 دقائق قراءة

“لم يبق شيء”: أهالي خربة غزالة يعودون إلى ديارهم بعد خمس سنوات من الإبعاد ليجدونها مدمرة

شارع في خربة غزالة، الأسبوع الماضي. تصوير: خربة غزالة. للمرة […]


25 يوليو 2018

شارع في خربة غزالة، الأسبوع الماضي. تصوير: خربة غزالة.

للمرة الأولى منذ ما يقارب الخمس سنوات، يتجول شادي أبو رامي في منزله المحترق في بلدة خربة غزالة بالقرب من الحدود السورية الأردنية.

تعرض منزل أبو رامي للسرقة، فلم يتبق شيء من الأثاث أو الإلكترونيات أو كل ما هو قيم. كما اقتلع اللصوص الأبواب الخشبية والنوافذ من غرف النوم وغرف الضيوف، وهناك شقوق عميقة في الجدران حيث اخترقت الشظايا أسلاك النحاس وقضبان الرصاص الموجودة خلفها.

قال الأب البالغ من العمر ٤١ عاما “بصراحة، لا أعرف حتى من أين سأبدأ في الإصلاح. كل ما تبقى هنا هو الجدران”.

وفي الحي ذاته، لم يكن جيران أبو رامي أفضل حالاً. حيث دُمرت العديد من المنازل- إما من القصف أو الأعمال التخريبية- كما تم نهب تلك التي بقيت سليمة.

قالت مصادر على الأرض أن المئات من سكان خربة غزالة بدأوا بالعودة إلى منازلهم المهجورة في نهاية الأسبوع الماضي بعد أن سمحت الحكومة للنازحين السوريين بالدخول إلى المدينة للمرة الأولى منذ حوالي خمس سنوات.

ولكن مع استمرار المفاوضات المغلقة بين المعارضة وممثلي الحكومة حول مستقبل خربة غزالة، يواجه العائدون الآن صعوبة البدء من نقطة الصفر في بلدة محترقة تفتقر حتى إلى البنية التحتية الأساسية، بما فيها المياه والكهرباء.

قال أبو رامي لسوريا على طول “كل شيء مختلف- من الشوارع إلى المنازل”، ويصف مشهد الدمار هناك وكأنه “مأخوذ من فيلم”.

وكانت آخر مرة رأى فيها أبو رامي منزله في عام ٢٠١٣، عندما وصلت معارك عنيفة بين المعارضة وجنود الحكومة إلى أطراف خربة غزالة. وعندما استهدفت الطائرات الحربية مواقع المعارضة داخل البلدة واستعد جنود الحكومة لشن الهجوم، فر جميع سكان خربة غزالة البالغ عددهم ٤٠ ألف تقريباً في غضون أيام.

ويتذكر أبو رامي الأحداث قائلا “اعتقدنا أننا سنخرج بضعة أيام حتى تنتهي المعركة، ثم نعود مرة أخرى”.

لكن “للأسف، تحولت بضعة الأيام إلى خمس سنوات”.

خربة غزالة، الأسبوع الماضي. تصوير: أحد أهالي البلدة وطلب عدم ذكر اسمه.

وبعد خروج جميع سكان خربة غزالة تقريبا، حوّلت الحكومة السورية المدينة ذات الموقع الاستراتيجي- التي تقع على طول الطريق الرئيسي الذي يربط مدينة درعا المجاورة بدمشق- إلى مساكن لقواتها.

ومع سقوط خربة غزالة بيد قوات الحكومة وتمركزها فيها، ظهرت سواتر ترابية وخنادق كبيرة على مشارف المدينة أثناء تحرك القوات الحكومية فيها. ولم يتمكن المدنيون مثل أبو رامي من سماع أي أخبار من داخل البلدة لعدة سنوات.

وعوضا عن ذلك، أخذ السكان في الاعتماد على صور الأقمار الصناعية- التي يتم تحديثها كل بضعة أشهر في تطبيقات مجانية مثل Google Earth- ليتخطّوا خطوط الحكومة ويروا الأحياء التي عاشوا فيها طوال حياتهم، بحسب ما ذكرته سوريا على طول في عام ٢٠١٦.

وأوضح السكان أنه في ذلك الوقت كان هذا هو السبيل الوحيد لمعرفة ما إذا كان المنزل قد تضرر أو تمت تسويته.

وفي منتصف حزيران، شنت الحكومة وحلفاؤها هجوما جويا وبريًا كبيرا على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في جنوب غرب البلاد. وفي غضون أسابيع، استعادت القوات الموالية للحكومة تقريبا كامل محافظتي درعا والقنيطرة من خلال مزيج من القوة العسكرية واتفاقات المصالحة التي تتم بوساطة محلية.

ومع هزيمة المعارضة في محافظة درعا، لم تعد جبهات القتال النشطة تفصل عشرات الآلاف من سكان خربة غزالة عن منازلهم.

وبالنسبة لأبي رامي، أصبح بإمكانه القيام برحلة قصيرة ليصل إلى منزله.  

“الطريق إلى المنزل”

في صباح الأربعاء، اتصل أحد أقارب أبو رامي ليخبره بأن الحكومة السورية تسمح بزيارة خربة غزالة.

قال أبو رامي “أخبرني أن الطريق إلى المنزل أصبح مفتوحا. وأنهم سيسمحون لنا بزيارة المنزل”.

ركب أبو رامي دراجته النارية وغادر الشقة التي استأجرها مع عائلته في قرية الغارية المجاورة، على بعد ١٠ كيلومترات من خربة غزالة.

وقام أبو رامي بزيارة البلدة إلى جانب المئات من السكان، وعاد أبو رامي يوم الأربعاء بعد ثلاث ساعات، وهو الحد الذي فرضته سلطات الحكومة المحلية هناك، بحسب ما قاله لسوريا على طول.

وبعد ظهر الأربعاء، انتشرت صور ومقاطع فيديو للمباني المدمرة والمنازل المنهوبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للمعارضة. وفي تسجيل فيديو تمت مشاركته مع سوريا على طول، يدخل أحد العائدين إلى منزله ليجد حجارة البناء محترقة وقد تم تجريدها من القضبان المعدنية والأسلاك النحاسية.

 

قال الرجل من وراء الكاميرا “أخذوا كل شيء- لم يبق شيء”.

وفي حين عاد العديد من سكان خربة غزالة إلى منازلهم المحروقة، وجد آخرون منازلهم وقد تحولت إلى حطام.

وتم تدمير ما يصل إلى ١٢٠ منزلاً و٣٠ مزرعة في خربة غزالة، وفقاً لصفحة خربة غزالة المؤيدة للمعارضة على الفيسبوك، وهي صفحة إعلامية تضم ناشطين من درعا.

وقال الأهالي والناشطون لسوريا على طول أن البنية التحتية مدمرة أيضا. حيث لا يوجد مياه جارية أو كهرباء، ولا مستشفيات أو مدارس في البلدة.

وبالنسبة للكثيرين، ليس هناك ما يمكن العودة إليه.

“لا شيء مضمون”

عاد مصطفى صلاح أبو حمزة، معلم جغرافيا يبلغ من العمر ٤١ عاماً، إلى حيه في خربة غزالة لزيارة أنقاض منزله الذي قُصف.

قال أبو حمزة لسوريا على طول “ذهبت إلى البيت، وكنت أعلم ماذا سأجد هناك. فقد أراني أحد الأقارب صوراً لمنزلي على الإنترنت- وتمت تسويته بالأرض”.

يقع منزل أبو حمزة في خربة غزالة، في الحي الغربي للمدينة، بالقرب من الطريق الدولي السريع، وهو موقع لمعارك عنيفة دارت بين المعارضة وقوات الحكومة خلال معركة عام ٢٠١٣ من أجل السيطرة على المدينة.

قال أبو حمزة “لقد دُمرت كل بيوت الحي. والمنازل التي لم تتدمر تماماً، أصبحت على أقل تقدير غير صالحة للعيش”.

وأوضح أبو حمزة لسوريا على طول أنه غير مستعد حتى الآن للنظر في خيار العودة إلى خربة غزالة بشكل دائم. حيث أن إعادة بناء منزله أمر صعب من الناحية المالية دون تعويض أو مساعدة من الحكومة، كما أن عدم التوصل إلى حل سياسي نهائي يجعل الانتقال إلى هناك مخاطرة كبيرة.

وتواصلت سوريا على طول مع العديد من الناشطين ومسؤولي المعارضة في درعا ممن لديهم اطلاع على المفاوضات الجارية بشأن مستقبل خربة غزالة. ووصفوا المفاوضات الجارية- والمغلقة – بشكل مختصر.

وبسبب عدم التأكد مما يمكن أن ينتج عن المفاوضات يشعر السكان بتردد عند التفكير بالعودة، حيث أكدوا أن الافتقار إلى حل سياسي ملموس يجعل الانتقال إلى هناك مخاطرة.

وأكد أبو حمزة “حتى لو كان منزلي لا يزال قائماً، فلن أعود قبل الإعلان عن اتفاقية هناك. ربما ينقلبون غدا ويهجرون الجميع مجددا، لا شيء مضمون حتى الآن”.

تأمين الأساسيات

لم يجرؤ أحمد الحاج علي، أحد سكان خربة غزالة، على أن يكون من بين أول العائدين إلى مسقط رأسه يوم الأربعاء الماضي. حيث انتظر الشاب البالغ من العمر ٢٤ عاماً يوما كاملا قبل أن يتسلل إلى المدينة مع مجموعة من أقاربه النساء.

قال الحاج علي إن التحرك في المدينة صعب للغاية. الطرق مليئة بالحفر كما أن الأعشاب الطويلة تنمو في الشقوق الموجودة في الطرقات.

وأضاف “البيوت التي لم تُدمر حُرقت، والتي لم تحرق تعرضت للسرقة”.

وتابع الحاج علي، لسوريا على طول، أنه عندما رأى منزله خر على الأرض ساجدا. التهمت النيران نصف المنزل وسرق اللصوص كل شيء “حتى النوافذ والأبواب”.

إلا أن الحاج علي هو أحد العائدين الأوفر حظاً إلى خربة غزالة. فعلى الرغم من تعرض منزله للسرقة، فإن العائلة تعمل بشكل فعلي على إعادة تأسيس حياتها في البلدة. وفي نهاية الأسبوع، بدأوا في إزالة القمامة والحطام الذي تجمع داخل منزلهم وتنظيف آثار الحريق من على الجدران.

وبالنسبة للعائدين إلى خربة غزالة فإن الحل السياسي لم يكتمل بعد، كما أن البنية التحتية شبه معدومة. لكن العائلات، مثل الحاج علي، تعمل على تأمين الأساسيات لإعادة بناء ما كان يسمى في السابق منزلاً.

ويوضح الحاج علي “سنعيش جميعنا في نصف المنزل بينما نصلح النصف الآخر. بعد ذلك سنضع الأبواب والنوافذ ونعمل على السباكة “.

ويختم قائلا “لحسن الحظ، حصلنا على المال لإعادة البناء”.

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال