3 دقائق قراءة

لم يفت الأوان لمواجهة العنصرية ضد السوريين في تركيا وتفكيك خطابها

لم يفت الأوان لمواجهة العنصرية وهزيمتها وتفكيك خطابها بالأدوات القانونية، والتوعية المجتمعية، والمكاشفة، والشفافية في نقل وتداول المعلومات، وقبل كل ذلك الكف عن توظيف هذه القضية واستثمارها في الصراعات السياسية والانتخابية.


3 يونيو 2022

قد تبدو الإشارة إلى حتمية وجود بعض التطرف والعنصرية في كل المجتمعات أمراً مكرراً ورتيباً، لكنها تصلح -على أية حال- لتكون مدخلاً إلى بعض السطور التي تحاول الإضاءة على العنصرية وما يترتب عليها من سلوك عدواني تجاه الضحايا.

نخصُ في حديثنا هذه المرة اللاجئين السوريين في تركيا، الذين يواجهون “عنصرية” في هذا البلد الذي استضافهم لسنوات، حيث تتصاعد العنصرية ويتسّع نطاقها، لدرجة لا يمكن أن تخفي نفسها أو تواري وجهها “القبيح” عن عدسات الإعلام ومساحات الحديث على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن الملفت والموجع أكثر سلوكيات بعض السوريين تجاه أبناء بلدهم من ضحايا “الفعل العنصري”، وتضامنهم “المائع” وكأن في كلامهم التماس عذر للخطاب العنصري المنبوذ، أو يبررون السلوك العدواني الذي صار السوري، أيّ سوري، هدفاً له!.

ما يدفعنا إلى هذه المكاشفة، الواقعة الأخيرة، التي تعرضت فيها امرأة سورية مسنّة للركل على رأسها، من عنصريّ تركيّ مناصر لرئيس حزب النصر، أوميت أوزداغ، أمام عدسة الكاميرا ومن دون أي سبب سوى أن لباسها يكشف عن جنسيتها السورية، غير آبه بأي أثر أو نتيجة لهذا الفعل الإجرامي المستنكر، الذي لاقى استهجاناً ورفضاً كبيرين من المجتمع التركي نفسه، خاصة وأنه معروف عن الأتراك احترام الكبير إلى حدّ القداسة.

تضامناً مع السيدة، نشر الأتراك أكثر من خمسة ملايين تغريدة على تويتر، تستهجن الفعل المشين بحق السيدة السورية وترفضه، بحسب الإعلامي التركي جلال ديمير، تزامن ذلك مع حملة كبيرة لناشطين وإعلاميين سوريين تدين وتستهجن هذا الفعل “الكريه”، الذي استوجب زيارة والي المدينة وزوجته، ومن ثم زيارة نائبه ومسؤولين آخرين، للسيدة الضحية تعبيراً عن التضامن معها وإنصافها.

في غمرة هذا التضامن، يصدمك بعض السوريين بمواقفهم “المائعة”، محاولين إكساءها ثوب الحكمة والترفع، فتبدأ بإدانة ملطّفة للفعل، ثم تستهجن إعادة نشر أو مشاركة فيديو الركلة المنشور، بذريعة أنه ينطوي على إساءة للمرأة نفسها، بحسب أحد أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي حذف منشوره لاحقاً، أو تحذّر الشعبويين أمثالنا ممن يمتطون صهوة وسائل التواصل الاجتماعي من الإساءة للعلاقة بين الشعبين الشقيقين، بحسب رئيس الائتلاف نفسه!.

لا تكمن صدمتنا فقط في تلك التعبيرات الباهتة عن الامتعاض أو الاستهجان للفعل، وإنما كون الفعل العنصري الاجرامي ليس جديداً أو طارئاً، بل جاء تتويجاً لسياق طويل، ممتد لأربع سنوات على الأقل، من التحريض العنصري والخطاب المليء بالكراهية ضد اللاجئين السوريين من قبل قادة سياسيين وشخصيات عامة وصحفيين ووسائل إعلام أسهمت في التجييش والتحريض، فهل كلّف هؤلاء المتنطعين أنفسهم -وهم من يدّعي تمثيل السوريين- عناء التواصل مع هؤلاء السياسيين أو الإعلاميين لتنفيس الاحتقان وتوضيح الحقائق، التي يجهلها أو يتجاهلها معظمهم، عن أسباب اللجوء ومسببيه، وتفنيد الأكاذيب التي يتم ترويجها بشأنهم، وعن التزامات الدولة التركية القانونية بشأن ملف اللاجئين وحقوقهم، التي يوضحها كثير من الحقوقيين والمناصرين الأتراك، فيما يكتفي “ممثلونا” بتنبيهنا وتقريعنا بأن لا ندع للفتنة بين الشعبين الشقيقين سبيلا!.

على هذا النمط، ثمة بعض من السوريين يبدون تعبيرات التشفي بأقرانهم ويلقون باللوم دائماً على الضحية تحت عنوان “ياغريب كن أديب”، وكأن هذا الغريب عبارة عن كائن مسلوب الحقوق، ويتعين عليه أن لا يصرخ ولا يعبر عن ألمه في حال تعرضه لإهانة أو اعتداء أو ركلة على الرأس!.

حسناً، كما أسلفت فالعنصرية موجودة في كل المجتمعات بنسب متفاوتة، وليس من مهامنا كلاجئين أن نعالج هذا الأمر في المجتمعات المضيفة، لأن تلك مهمة الدولة، وبموجب سلطتها وقوانينها عليها مواجهة خطابات الكراهية والسلوك العنصري، بشتى الوسائل والأدوات القانونية والتربوية والتوعوية والمجتمعية، لأنها عندما تفعل -ويجب أن تفعل- فهي تحصّن مجتمعاتها في المقام الأول، وتسبغ الحماية التي التزمت بها على من لاذوا بها في المقام الثاني، وهذا جزء من مسؤولياتها والتزاماتها القانونية الدولية.

وعليه، يتعين على السلطات التركية تشريع وإصدار قانون تجريم العنصرية، بعد أن بات جلياً مستويات العنف بدوافع عنصرية، التي راح ضحيته عشرات السوريين خلال السنوات الأربع الأخيرة، بينما مسارات العدالة وإنصاف هؤلاء الضحايا ما تزال طويلة ومتعرجة.

أما نحن كلاجئين سوريين، يقع علينا جزء من المسؤولية، كأن نمنع بسلوكنا الواعي والمنضبط والقائم على احترام القوانين وعادات وقيم المجتمع المضيف محاولات تأجيج العنصرية، وأن لا نقدم الذرائع من السلوكيات والأفعال المستهجنة اجتماعياً التي يبنى عليها خطابات وسلوكيات عنصرية، أي يجب تفويت فرصة الاستثمار بقضيتنا على الكارهين والعنصريين.

في المقابل، يجب ألا يكون السلوك دونياً راضخاً لغير سلطان القانون وموجباته، وهذا يوجب علينا أن نعيد تنظيم الصفوف، ونعمل على إيجاد هيئات تمثيلية للسوريين على مستوى الولايات، أن تكون هذه الهيئات رشيقة الحركة، تلبي احتياجاتهم ومطالبهم  المحقة، وقادرة على تمثيلهم، وهو ما فشلنا في إنجازه خلال السنوات الماضية، كما يجب الكف عن التعويل على مؤسسات المعارضة الحالية التي ثبت عجزها عن حمل المسؤولية.

لم يفت الأوان لمواجهة العنصرية وهزيمتها وتفكيك خطابها بالأدوات القانونية، والتوعية المجتمعية، والمكاشفة، والشفافية في نقل وتداول المعلومات، وقبل كل ذلك وبعده في الكف عن توظيف هذه القضية واستثمارها في الصراعات السياسية والانتخابية، والتعاطي معها كملف حقوقي وقانوني وإنساني لا أكثر. 

شارك هذا المقال