7 دقائق قراءة

“لن يطرقوا باب بيتي”: العنصرية تلطخ التضامن الاجتماعي عقب تفجير بيروت

في بعض الحالات، كانت الجهات اللبنانية الفاعلة تتحفظ على تقديم الدعم لضحايا الانفجار من غير اللبنانيين، مثل اللاجئين السوريين. وهذا ما قد يؤدي إلى تأجيج العداء بين مختلف الفئات


10 سبتمبر 2020

بيروت- كما لو أنها خشبة مسرح يُعزف عليها يومياً أوركسترا من ألوان التوافق والتضامن الشعبي. هكذا بدت شوارع بيروت منذ انفجار المرفأ، في آب/أغسطس الماضي، فالمتطوعون يزيلون الأنقاض، والأطباء يضمدون الجرحى، والمهندسون يشرفون على إصلاح ما دُمّر من المنازل. لكن لا يخلو الأمر من وجود لحن نشاز. فذات صباح، أمام خيمة لتوزيع السلال الغذائية في حي مار مخايل، كان رجلاً يصرخ في وجه شابة سورية، يبدو أنها اقتربت إلى المكان طلباً للمساعدة.

ومع أن معظم المبادرات الشعبية كانت تقدم المساعدات لضحايا الانفجار، بصرف النظر عن جنسيتهم، إلا أنه تم الإبلاغ عن سلوكيات تمييزية تجاه غير المواطنين. إذ بحسب ما ذكرت لـ”سوريا على طول” مسؤولة الإعلام والتواصل في المركز اللبناني لحقوق الإنسان، كريستين مهنا، فقد “شهدنا بعض العنصرية من أفراد أو منظمات كانوا يطلبون من الناس إثبات أنهم لبنانيون لأجل مساعدتهم”.

وفيما يقيم أكثر من 200.000 لاجئ سوري في بيروت والمناطق المتضررة المجاورة، فقد قدمت الأمم المتحدة دعماً فورياً لـ 84.000 شخص “ممن تضرروا من الانفجار، وكانوا بحاجة ماسة للدعم، بما في ذلك لبنانيين ولاجئين ومهاجرين”، كما قالت ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان. أيضاً تم توزيع 4.458 مجموعة مواد مقاومة للعوامل الجوية للذين تضررت منازلهم، بلغت نسبة السوريين المستفيدين منها 25%.

ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة والبنك الدولي، بلغت قيمة فاتورة الأضرار المادية في بيروت 4.6 مليار دولار أميركي، وهناك 152 ألف شخص بحاجة إلى خدمات الحماية، كذلك تضرر 200,000 منزل جراء الانفجار، لحق في 3.000 منها أضرار جسيمة. وقد تم التعهد بحوالي 300 مليون دولار في المؤتمر الدولي للمانحين، بينما قدرت الأمم المتحدة تكلفة المساعدات بـ 344.5 مليون دولار في مناشدتها الآخيرة.

وأوضحت مستشارة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين، ألينا ديكوميتيس، أن “التعهدات ما تزال دون المطلوب، كما يجب أن يصل التمويل على نحو أسرع مما هو عليه حالياً”. إذ بحسب تقديرات المجلس تقدّر الاحتياجات للمساعدة في إيواء المتضررين، خلال الأشهر الثلاثة الأولى بنحو 84.6 مليون دولار، لكن لم يدفع من المبلغ حتى الآن سوى 1.9 مليون دولار. وقالت ديكوميتيس في حديثها إلى “سوريا على طول” بأنهم يقومون بتقدير النقص في المواد اللازمة للإصلاح في الأسابيع المقبلة، معتبرة أنه “ما يزال من الممكن إصلاح المنازل المتضررة جزئياً، لكن التحدي ربما سيكون في الأعمال الأكبر”.

عبد الحميد أحمد عبدالله يقف بجوار جدار مطبخه المتصدع في حي الكرنتينا، 27/08/2020 (سوريا على طول)

من داخل منزله في منطقة الكرنتينا ببيروت، أخبر أحمد عبد الحي (38 عاماً) وهو يحدّق في جدار مطبخه المتصدع “سوريا على طول” بأن عدة منظمات غير حكومية عاينت منزله لتقييم الأضرار. لكن بحسب اللاجئ القادم من دير الزور شرق سوريا، والأب لخمسة أطفال “هاقد مضى عشرون يوماً، وما يزال منزلنا على حاله، لم يتغير شيء. حصلنا فقط على طرود غذائية”. 

ولدى سؤاله إذا ما كان يشعر بوجود تمييز في توزيع المساعدات، هزّ كتفيه قائلاً “البعض يميزون، والبعض لا”.

معادلة الانهيار البنيوي

شارع في الكرنتينا، أحد أكثر الأحياء المتضررة في انفجار مرفأ بيروت 27/08/2020 (سوريا على طول)

أوضحت كارمن جحا، الناشطة والأستاذة المساعدة في قسم العلوم الإدارية في الجامعة الأمريكية ببيروت أن ما حدث “كارثة سياسية تزامنت مع جائحة كورونا وفي خضم الانهيار الاقتصادي والمالي”. وقد فقدت الليرة اللبنانية 78% من قيمتها، كما شهدت سلة الغذاء في تموز/يوليو الماضي تضخماً بلغت نسبته 141% مقارنة بالشهر ذاته في العام 2019.

وحذرت الأمم المتحدة هذا الأسبوع من أن “ما يزيد عن 50% من السكان في لبنان ربما لن يكون بمقدورهم تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية بحلول نهاية عام 2020”. إذ ارتفعت معدلات الفقر المدقع إلى 23%، وكان لانعدام الأمن الغذائي انعكاساً سلبياً عميقاً حتى قبل الانفجار، لا سيما بين الفئات الضعيفة، من قبيل اللاجئين السوريين هناك.

وسعياً للمساهمة في تحقيق استقرار سعر الخبز، شحن برنامج الأغذية العالمي 12,500 طن من الطحين، من أجل التعويض عن صوامع الحبوب المدمرة في المرفأ، والتي تعمل محطة الحاويات فيها جزئياً بنسبة 30%. كما تم توزيع أكثر من 50,000 من وجبات الطعام المطهي منذ الانفجار. لكن رغم أن “متطلبات الأمن الغذائي تلقت أكبر جزء من التمويل، وقد تم تلبية الكثير من الاحتياجات المباشرة” بحسب ديكوميتيس، فإنها حذرت من أن “هذا لا يعني أن الاستجابة الفورية كافية، لاسيما في المجتمعات الأكثر احتياجاً؛ من قبيل اللبنانيين الفقراء جداً، السوريين، والعمال المهاجرين، الذين كانوا يكافحون من قبل لشراء المواد الغذائية”.

مقتل الحراك المجتمعي

مجموعة من المتطوعين يتجولون في شوارع الكرنتينا ويقومون بأعمال الترميم في المنازل المتضررة، 27/8/2020 (سوريا على طول)

في خبايا الصورة المفعمة بالأمل للشباب الذين يحملون المكانس ويزيلون الأنقاض من الشوارع، تكمن حالة من الخلل الوظيفي. إذ “يفترض أن لدى رئاسة مجلس الوزراء وحدة إدارة مخاطر الكوارث، يمولها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على مدى العشرين سنة الماضية، لكنها غير فعالة على الإطلاق”، وفق ما ذكرت كارمن جحا، التي وصفت جهود المتطوعين بأنها “استمرار للحركة الاحتجاجية التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر[2019]”.

وقالت “لقد فزنا في الجولة الأولى: فالمجتمع الدولي يدرك الآن أنه لايمكن تسليم المساعدات للحكومة اللبنانية لما يستشري فيها من فساد”، معتبرة أنه ولأجل تجنب سيناريو مماثل للوضع القائم في سوريا، حيث جعلت المساعدات من المنظمات الحكومية منقذين، يحتاج الناشطون إلى إنشاء آلية عمل لحقوق الإنسان من شأنها إيصال المساعدات إلى الناس.

وكشفت جحا، وهي من المشاركات في المبادرة الشعبية خضة بيروت (Shake Up Beirut)، أنهم يستهدفون الآن “أسطول المنظمات غير الحكومية العنصرية”، التي أنشأها سياسيون لبنانيون. وقد حذرت شبكة سينابس، وهي مؤسسة بحثية، من أن التيارات اللبنانية ستنشر منظمات تتظاهر بأنها شركاء للمجتمع المدني، بينما هي تحاول زرع موالين داخل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية.

وأضافت الشبكة “في بعض الحالات، كانت الجهات اللبنانية الفاعلة تتحفظ على تقديم الدعم لضحايا الانفجار من غير اللبنانيين، مثل اللاجئين السوريين. وهذا ما قد يؤدي إلى تأجيج العداء بين مختلف الفئات”.

واستناداً إلى تقييم وضع 280 عائلة في الكرنتينا، وجد المجلس النرويجي للاجئين أن 30٪ من اللاجئين السوريين الذين شملهم التقييم تعرضوا على الأقل لشكل من أشكال العنف مقارنة بـ 7.64٪ من نظرائهم اللبنانيين. وكان هناك خمسة سوريين من أصل ستة من المشاركين في التقييم تعرضوا للعنف الجسدي، كما تعرض 25 من أصل 28 شخص للعنف اللفظي. 

وقالت ديكوميتيس “هذا النوع من الكوارث يفاقم كل التوترات الكامنة. على أرض الميدان، هناك الكثير من التضامن، ولكن يتخلله بعض الحوادث”، إذ على حدّ تعبيرها “أن تكون ضمن الأقلية في هذا الوقت يعني أن الصور النمطية القائمة أساساً يتم تضخيمها، والتي يبدو أنها تؤثر أيضاً على توزيع المساعدات العينية للمجتمعات المستضعفة”.

وفي هذا السياق، استنكرت صفحة دار المصور، للتصوير الفوتوغرافي، رفض سيدة في خيمة بحي الجميزة تقديم المشروبات الغازية لغير اللبنانيين. وقالت زينب رمضان، منسقة الحماية في المجلس النرويجي للاجئين، إن بعض قادة المجتمع “نصبوا أنفسهم كمنسقين لعمليات التوزيع في المناطق المتضررة، ويقومون بتوزيع المساعدات فقط على مجموعات معينة لها نفس الخلفية السياسية أو الدينية أو الوطنية”. وشهدت زينب حادثة لمنظمة محلية تقوم بتوزيع المواد الغذائية “دون أي معايير استحقاق أو تخطيط مناسب” كما قالت لـ”سوريا على طول”، واستشهدت بحادثة “صراخ رجل لبناني على اللاجئين لإبعادهم قائلاً: إن هذه المساعدات مخصصة للبنانيين فقط”.

وأوضحت رشا الضاوي، مديرة الاتصالات في المجلس النرويجي للاجئين في لبنان، أن مجموعة من الرجال السوريين “لم يجرؤوا على الذهاب إلى موقع توزيع الأغذية، إذ سبق في إحدى المرات أن احتدم شجار مع جيرانهم [اللبنانيين] الذين انهالوا عليهم بالضرب”.

لكن، بالنسبة لحسن غدار، وهو عضو في مبادرة “مواطن لبناني”، يعمل على تنسيق العمل التطوعي في مخيم تقدم فيه عدد من المنظمات غير الحكومية الطعام والعلاج وأعمال الإصلاح، “إذا كان الشخص بحاجة إلى المساعدة، فنحن لا نهتم بالجنسية. داخل بيروت نحن جميعا عائلة واحدة”، كما قال لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أنه لم يلحظ تمييزاً من قبل المنظمات غير الحكومية، بل كان التمييز على المستوى الفردي، إذ “كان البعض يسألني: لماذا تقدم المساعدات للسوريين بينما يستحقها اللبنانيون أكثر؟”.

وقد صادفت زينب عجمي، أخصائية علم النفس في منظمة كافا غير الحكومية لمكافحة الاتجار بالبشر، أثناء قيامها بتقييم احتياجات الناس من منزلٍ إلى آخر، عائلة لبنانية أخبرتها: “إذا كنت تريدين توزيع طرود غذائية للجار السوري فنحن نعتذر تماماً عن أخذ أي شيء منك”.

وأفادت منصة أخبار الساحة، وهي صفحة تغطي أحداث وأخبار المظاهرات في مختلف المناطق اللبنانية بأن رجلاً سورياً صفع في خيمة القوات اللبنانية في مار ميخائيل -وهو حزب سياسي معروف بخطابه المناهض لسوريا- لارتدائه سوار العلم السوري. كذلك تم استجواب امرأة بسبب لهجتها السورية. وفي مقر قيادة القوات اللبنانية في الرميل، أوضح ممثل الحزب نيكولاس أبو عربيد، لـ”سوريا على طول”، أنهم كانوا يساعدون “أبناء وبنات المنطقة، لن نساعد سوريين أو إثيوبيين، نحن لا نفرق بين مسلم أو مسيحي لكن يجب أن يكونوا لبنانيين “.

وتتجذر أصول التمييز ضد الجماعات غير اللبنانية بعمق في البلد، “بسبب عدم المساواة الهيكلية والنظام الطائفي، وهذا ما جعل السوريين والعمال المهاجرين (البنغلاديشيين والأثيوبيين والفلبينيين) لوحدهم في الدفاع عن أنفسهم”، وفقاً لكارمن جحا، التي تربط العنصرية المتغلغلة في لبنان اليوم بـ “الإطار الاقتصادي والقانوني الذي تعامل من خلاله السوريين على مدى عقد من الزمن كما لو أنهم مواطنين من الدرجة الثانية.”

ويقيم ثمانية وثمانون في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان بشكل غير قانوني، مما يجعلهم دائما عرضة للاعتقال. وقالت مهنا: “بسبب حالة الطوارئ في لبنان، تستخدم قوات الأمن هذه السلطة لاعتقال الأشخاص ممن ليس بحوزتهم وثائق قانونية، بما في ذلك اللاجئين السوريين”. وقد ذكرت منصة أخبار الساحة حوادث رفض فيها الجيش اللبناني تقديم المساعدة للعائلات السورية والسريلانكية.

نجيب محمود العبود (52 عاما) اللاجئ من ريف حماة ويعيش في الكرنتينا، يحدق في الشاحنات العسكرية العديدة التي تنقل السلل الغذائية إلى مبناه. قائلاً : “لن يطرقوا باب بيتي”.

هذا التقرير تم نشر أصله في الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال