4 دقائق قراءة

ماذا تعني خطوة هولندا مساءلة دمشق عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان في سوريا؟

في محاولة لاختراق تلك الحصانة الممنوحة لنظام الأسد، تسعى هولندا إلى مثول سوريا أمام أعلى هيئة قضائية عالمية، وهي محكمة العدل الدولية


24 سبتمبر 2020

بيروت- أعلنت هولندا، الأسبوع الماضي، نيتها مساءلة الحكومة السورية عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان أمام محكمة دولية.

خلال الأعوام التسعة الماضية، وثقت منظمات حقوق الإنسان الكثير من انتهاكات التعذيب والإخفاء القسري واستهداف المدنيين التي ارتكبها نظام الأسد. لكن المساءلة عن هذه الجرائم بقيت تتعثر بالمصالح الدولية المتضاربة والتنافس الجيوسياسي. إذ تحصن نظام الأسد بحق النقض (الفيتو) الروسي والصيني في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ما حال دون إحالة “القضية السورية” إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما عرقل هذا الفيتو وجود محكمة خاصة شبيهة بتلك التي تم إنشاؤها للنظر في الجرائم الدولية المرتكبة في كل يوغوسلافيا ورواندا.

الآن، وفي محاولة لاختراق تلك الحصانة الممنوحة لنظام الأسد، تسعى هولندا إلى مثول سوريا أمام أعلى هيئة قضائية عالمية، وهي محكمة العدل الدولية.

ما الذي فعلته هولندا للآن؟

  • في 18 أيلول/سبتمبر، أرسل وزير الخارجية الهولندي، ستيف بلوك، مذكرة دبلوماسية إلى الحكومة السورية تتضمن نية بلاده مساءلة دمشق، استناداً إلى القانون الدولي، عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، لاسيما عمليات التعذيب.
  • تحاجج هولندا بأن نظام الأسد انتهك التزاماته المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والتي صادقت عليها دمشق في العام 2014. وهي تسعى لمثول الحكومة السورية أمام محكمة دولية، ستكون على الأرجح محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا.

خلال الفترة من آذار/مارس 2011  وحتى حزيران/يونيو 2020، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 14,235  حالة وفاة تحت التعذيب في مراكز الاعتقال التابعة لنظام الأسد.

ما هي الخطوات لمثول حكومة دمشق أمام محكمة العدل الدولية؟

  • طلبت هولندا من سوريا الدخول في مفاوضات بشأن انتهاكاتها المفترضة لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
  •  في حالة عدم التوصل إلى تسوية بين الطرفين، يُمكن للسلطات الهولندية طرح القضية للتحكيم.
  • إذا لم ينتج عن التحكيم قرار نهائي، يمكن لهولندا رفع قضية بهذا الشأن أمام محكمة دولية.

وفيما يبقى تطور القضية غير محسوم، فإن الخطوة الهولندية أعادت تسليط الضوء على الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة السورية، وقد تسهم في إضعاف الأصوات المنادية بالتطبيع مع نظام الأسد الذي تسيطر قواته والميليشيات المتحالفة معها على ثلثي الجغرافيا السورية.

ما الفرق بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية؟

  • محكمة العدل الدولية هي محكمة تابعة للأمم المتحدة تفصل في النزاعات بين الدول، ولا تقاضي الأفراد. وهي تتعامل مع الانتهاكات المتعلقة باتفاقيات الأمم المتحدة، ومن ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب.
  • المحكمة الجنائية الدولية، أُنشئت العام 2002 بموجب نظام روما الأساسي. وهي تحاكم الأفراد على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم العدوان. وفي حال لم تستطع المحاكم الوطنية التحقيق في جريمة ما أو لم ترغب في ذلك، يمكن إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي، وهو ما اعترضت عليه روسيا والصين. هذا بالإضافة إلى أن سوريا لم تصادق على نظام روما الأساسي، وبالتالي فإن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها سلطة قضائية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم في الأراضي السورية. مع ذلك، حاول بعض المحامين الرد على الحجة الأخيرة:
    • في أذار/ مارس 2019، تقدم محامون في مجال حقوق الإنسان -ممثلين عن 28 لاجئاً سوريا ًفي الأردن- بطلب للمحكمة الجنائية الدولية لممارسة سلطتها القضائية على عمليات التهجير من سوريا إلى الأردن (كون الأردن عضواً في المحكمة) ومحاكمة بشار الأسد لارتكابه جرائم ضد الإنسانية. وقد تم الاستناد هنا إلى حكم المحكمة الجنائية الدولية بشأن اضطهاد أقلية الروهينغيا من قبل جيش ميانمار (بورما). ففيما لم تنضم ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن بنغلادش عضو فيها. وقد قررت المحكمة أن جزءاً من الجريمة ارتكب في بنغلادش، ما يخولها سلطة قضائية للنظر في جرائم الجيش الميانماري.

الطريق الوعرة نحو المساءلة 

  •  1 آب/أغسطس 2011: تم إنشاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية. وهي مفوّضة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
  • شباط/فبراير 2013: ذكرت لجنة التحقيق الدولية أن المحكمة الجنائية الدولية هي الهيئة الأنسب للمضي في مواجهة الإفلات من العقاب القائم في سوريا.
  • كانون الثاني/يناير 2014: قام المنشق العسكري الذي بات يعرف باسم “قيصر”، بتهريب 28,000 صورة  توثق التعذيب والموت في معتقلات النظام السوري.
  • أيار/مايو 2014: استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
  • كانون الأول/ديسمبر 2016: إنشاء آلية دولية محايدة ومستقلة. وهي على الرغم من عدم قدرتها على المحاكمة، فإنها تسعى إلى جمع الأدلة على الجرائم المرتكبة بموجب القانون الدولي لتستفيد منها محاكم أخرى لديها سلطة قضائية (كالمحاكم الأوروبية التي تنظر في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العابرة للحدود).

مبدأ الولاية القضائية العابرة للحدود

نظراً لاستخدام كل من روسيا والصين حق النقض (الفيتو) بشكل متواصل في مجلس الأمن الدولي، ما يمنع إحالة “القضية السورية” إلى المحكمة الجنائية الدولية أو إنشاء محكمة خاصة لملاحقة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، يجد ضحايا هذه الجرائم، لاسيما المرتكبة من قبل نظام الأسد، بصيص أمل في المحاكم الوطنية. إذ استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية (أو العابرة للحدود)، والذي يعني ممارسة الدولة سلطة قانونية تتجاوز حدودها الجغرافية، يسعى العديد من الدول الأوروبية، خصوصاً فرنسا وألمانيا، إلى إخضاع المسؤولين السوريين للعدالة بالمثول أمام المحاكم الوطنية لهذه الدول. وفيما يلي استعراض لأهم محاولات محاسبة مسؤولين في نظام الأسد عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا أمام محاكم وطنية.

تم نشر أصل هذا التقرير باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال