3 دقائق قراءة

ما هي العدالة “التصالحية” و”التعويضية” و”الانتقالية”؟

على عكس "العدالة الانتقالية"، لاتتضمن العدالة التصالحية محاسبة أو مكاشفة المجرمين، ولا حتى تكريم الضحايا


20 ديسمبر 2020

عمّان –  تسبب استخدام المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، مصطلح “العدالة التصالحية” خلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، في 16 كانون الأول/ديسمبر الحالي، في موجة غضب بين أوساط المواطنين السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد تحديداً. الأمر الذي أجبر مكتب بيدرسون على التراجع عن المصطلح، واصفاً استخدامه بـ”الخطأ الفني غير المقصود”.

إذ خلال تناوله قضية عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، قال بيدرسون في إحاطته إن أعضاء من قائمة “المجتمع المدني” في اللجنة الدستورية -والتي تعرف باسم “الثلث الأوسط” بين وفدي ممثلي النظام وممثلي المعارضة اللذين يشكلان الثلثان الآخران- تقدموا بنقاط تتعلق بعودة اللاجئين الطوعية والكريمة، منها: إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، والآليات الدستورية المستقلة المحايدة ذات الصلة.

لكن بيدرسون أقر لاحقاً في التوضيح الصادر يوم الجمعة الماضي بأن “خطأ فنياً غير مقصود” أدى “إلى وصف بعض أعضاء الثلث الأوسط على أنهم طرحوا نقاطاً خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية تتعلق بالعدالة التصالحية، لكنهم لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية”. مضيفاً أن “البيان الخاص الذي أشارت إليه الإحاطة لم يذكر في الواقع سوى العدالة التعويضية، في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية”.

العدالة التصالحية

تشير “العدالة التصالحية” إلى عملية يشارك فيها الضحية والجاني معاً، وتقوم على مبدأ المصالحة والتصالح بينهما لأجل الوصول إلى “ناتج تصالحي”، وعلى عكس “العدالة الانتقالية”، لاتتضمن العدالة التصالحية محاسبة أو مكاشفة المجرمين، ولا حتى تكريم الضحايا.

وتجري العملية بمساعدة من “ميسر”، يتمثل دوره في أن يدير “بطريقة منصفة ونزيهة” العملية التصالحية، كما يمكن أن تتضمن العملية الوساطة، والمصالحة، والتفاوض بين المحامين والقضاة والتشاور بشأن إصدار الأحكام. 

أما “الناتج التصالحي” الذي تفضي إليه العملية، فهو عبارة عن اتفاق يتوصل إليه الطرفان. وتشمل النواتج التصالحية “برامج مثل التعويض ورد الحقوق والخدمة المجتمعية، بهدف تلبية الاحتياجات والمسؤوليات الفردية والجماعية للأطراف وتحقيق إعادة اندماج الضحية والجاني في المجتمع”.

ونظراً لاستمرار “تطوير عمليات العدالة التصالحية”، يصبح من المستحيل،  وفقاً للأمم المتحدة، منح تعريف شامل ووحيد لهذا المصطلح.

وتستخدم العدالة التصالحية في العديد من الدول مثل فرنسا والمغرب وهولندا وكندا والسويد كجزء من عدالتها الجنائية، لكن ليس كبديل كامل بل تترافق مع “العدالة الجنائية” التي تعتمد العقوبات.

العدالة التعويضية

هي إحدى أنواع العدالة بمفهومها العام. وتعني تعويض الجرحى والمصابين والمتضررين تعويضاً عادلاً بما يتناسب مع الضرر، لكنها لا تشمل المحاسبة والملاحقة القضائية لمرتكبي الانتهاك، أي إنها تقوم فقط على فكرة جبر الضرر بعد تحقيق الاعتراف بوقوع الانتهاكات ضد الضحايا. وهو ما يقربها من “العدالة التصالحية”، كونها لا تفضي إلى محاسبة مرتكبي الانتهاكات. 

العدالة الانتقالية

تعرف “العدالة الانتقالية” بأنها مجموعة التدابير والإجراءات القضائية والقانونية التي تهدف إلى معالجة “إرث ثقيل” من انتهاكات حقوق الإنسان، لأجل تمكين مجتمع ما من الاستقرار والسلم المجتمعي بعد حقبة من الحكم الدكتاتوري أو الحرب الأهلية.

وتقوم العدالة الانتقالية على أربعة أسس، هي: كشف حقيقة الانتهاكات، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات، وتعويض الضحايا والاعتذار لهم، إضافة إلى تطبيق أشكال واسعة من الإصلاح الإداري والمؤسساتي بما يضمن عدم تكرار الانتهاكات.

لذا فإن العدالة الانتقالية تعد الشكل الذي تحتاجه سوريا من أجل الوصول إلى الاستقرار والتعايش السلمي في البلاد.

وقد ظهر مصطلح “العدالة الانتقالية” في تسعينات القرن الماضي، حين قام عدد من الأكاديميين الأميركيين بصياغة المصطلح لأجل وصف الطرق المختلفة التي عالجت بها البلدان مشاكل وصول أنظمة جديدة للسلطة، وكذلك مواجهة الانتهاكات الجسيمة. إلا أن المصطلح كان حينها توصيفياً، إذ لم يكن يشير إلى وجود نهج موحد أو مبادئ مشتركة خاصة به.

لاحقاً تطورت مناهج العدالة الانتقالية. ومنذ أواخر القرن الماضي أصبحت ترتكز على مبادئ حقوق الإنسان والإصرار على أن “انتهاك الحقوق لا يمكن تجاهله”. كذلك ارتبطت العدالة الانتقالية بمجموعة من الآليات، من قبيل: الملاحقات القضائية، وتقصي الحقائق والتحقيقات، وبرامج جبر الضرر، ومبادرات الإصلاح.

ومن أبرز تجارب العدالة الانتقالية تلك التي عرفتها الأرجنتين، وجنوب أفريقيا، والمغرب، وغواتيمالا.

شارك هذا المقال