5 دقائق قراءة

مبادرة قانونية جديدة  لتوفير الدعم القانوني لعائلات المعتقلين والمفقودين في سوريا

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تم اختطاف أكثر من ٩٥ ألف سوري قسراً في سوريا منذ بداية الثورة السورية والحرب التي أعقبتها عام ٢٠١١، مع حوالي ٨٠ ألف شخص اعتقلوا أو اختفوا قسرياً من قبل الحكومة السورية وفروعها الأمنية، ولا تزال عائلات المفقودين تعيش أعقاب الكارثة!.


غالباً ما تتشابه القصص، وتتكرر عشرات الآلاف من المرات: أشخاص بزيّ رسمي يقتحمون المنزل، أحبّاء يتم أخذهم بعيداً، ثم يعم الصمت.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تم اختطاف أكثر من ٩٥ ألف سوري قسراً في سوريا منذ بداية الثورة السورية والحرب التي أعقبتها عام ٢٠١١، مع حوالي ٨٠ ألف شخص اعتقلوا أو اختفوا قسرياً من قبل الحكومة السورية وفروعها الأمنية، ولا تزال عائلات المفقودين تعيش أعقاب الكارثة!.

وقالت محامية حقوق الإنسان السورية، نورا غازي، التي أطلقت مؤخرا حملة Nophotozone، وهي مبادرة دعم جديدة تركز على قضية المعتقلين في سوريا “هذه العائلات غير مرئية إلى حد ما بالنسبة إلى المجتمع الدولي”.

وأضافت “يتحدث المجتمع الدولي عنهم، عن معاناتهم، ويتحدث عن حلول لقضيتهم، لكن لم يحدث شيء حتى الآن”.

وكانت مبادرة Nophotozone في الأصل فكرة زوجها الراحل، المدافع الفلسطيني – السوري عن حقوق الإنسان ومطور البرمجيات باسل خرطبيل.

اعتقل خرطبيل من قبل المخابرات العسكرية في ١٥ آذار ٢٠١٢، وقضى سنوات، تم نقله فيها من منشأة إلى أخرى، ووضع خلالها في الحبس الانفرادي، ومرّ خرطبيل أيضا على سجن صيدنايا، وهو سجن سيء السمعة وصفته منظمة العفو الدولية مؤخرا بأنه “مسلخ بشري”.

وعاشت غازي سنوات على أمل إطلاق سراح زوجها، لتعرف – في عام ٢٠١٧- أن زوجها قد أُعدم قبل عامين، دون علم عائلته، وفي ١ آب ٢٠١٧، أعلنت غازي خبر وفاة خرطبيل عبر الفيسبوك.

وقالت “كنت عروس الثورة بسببك، وأًصبحت أرملة بسببك، هذه خسارة لسوريا، هذه خسارة لفلسطين، هذه خسارتي”.

وبينما يتحول الحديث بشكل متزايد إلى القضايا الملحة المتعلقة بعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب، بانتظار حل سياسي بعيد المنال، تعيش عائلات المعتقلين معاناة يومية وصدمة على أمل عودتهم يومياً، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفون أي شيء عن أحبائهم.

وحتى الآن، لم تصدر الحكومة السورية سوى شهادات وفاة لعشرة بالمائة من الأشخاص الذين يقدر عددهم بنحو ٨٠ ألف شخص.

وفي مؤتمر “بروكسل الثالث” الدولي، الذي استضافه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، اشتكى ممثلو المجتمع المدني السوري مما اعتبروه عدم اهتمام المجتمع الدولي بطرح قضايا العدالة الانتقالية في قلب الحوار حول سوريا.

وعبرت إحدى المشاركات في المؤتمر، آمنة الخولاني، من منظمة عائلات من أجل الحرية التي تمثل أيضاً عائلات المعتقلين في سوريا، عن استيائها لأنهم “ناضلوا حتى تكون قضية المعتقلين على جدول الأعمال في هذا مؤتمر”.

وهو ما يثير قلق نورا غازي أيضاً، وفي هذه المقابلة التي أجراها توم رولينز من سوريا على طول، تحدثت غازي عن أملها في أن تتمكن مبادرة مثل Nophotozone من إعادة لفت انتباه المجتمع الدولي إلى عشرات الآلاف من الأشخاص الذين اختفوا في المعتقلات، وتزويد عائلاتهم بـ “الاهتمام والتشجيع” الذي تلقته هي بعد إعلان وفاة خرطبيل.

وقالت “أريد أن يتلقى الأشخاص الآخرين الذين عانوا حقاً نفس الاهتمام. نحن لا نتحدث عن ١٠ أشخاص في سوريا، هذه القضية تؤثر على مئات الآلاف من العائلات في سوريا”.

“يجب أن يعرف العالم قضيتهم وأن يكونوا جزءاً من عملية العدالة والمساءلة”.

كانت فكرة مبادرة Nophotozone موجودة لديك ولدى باسل منذ فترة طويلة قبل إعلان وفاته، ما هو الهدف الأصلي منها؟

هذه المنظمة كانت حلم باسل وحلمي.

في Nophotozon، نوفر الدعم القانوني والاستشارة القانونية للمعتقلين وعائلات الذين اختفوا في سوريا ولبنان. إنها منظمة غير سياسية، وتعمل لصالح جميع المعتقلين والمفقودين بغض النظر عن الطرف الذي اعتقلهم أو أخفاهم.

نحن نستهدف النساء لأن معظم الأشخاص المفقودين هم من الذكور. نحن نستهدف النساء السوريات في مجتمعات اللاجئين في لبنان، غالبا في البقاع، من خلال جلسات أسبوعية. نقدم لهم النصح بما يجب عليهم فعله عندما يكون هناك شخص مفقود من العائلة.

ونركز أيضا على التمكين القانوني من خلال زيادة الوعي ببعض المصطلحات القانونية الأساسية، وبعض المعلومات الأساسية- حقوق الإنسان، وحقوق اللاجئين، وحقوق المرأة- وكذلك فيما يتعلق بالاعتقال التعسفي والاختفاء القسري. ونحاول أيضا تأسيس نوع من التواصل بين هؤلاء النساء للعمل على بناء القدرات، حتى يتمكن من تمثيل أنفسهن. نؤمن بأن هؤلاء الأشخاص هم ضحايا بشكل مباشر، لذلك يجب أن يكونوا جزءاً من الحل.

إن إثارة هذه القضية بين المجتمع السوري أمر مهم للغاية، وكذلك المجتمع الدولي. ما هو الاعتقال التعسفي؟ ما هو الاختفاء القسري؟ لماذا هذه القضية هي الأكثر تعقيداً بين جميع القضايا في هذا الصراع؟

أقول هذا دائماً، ولكنني أشعر بأنني محظوظة لأنني حظيت باهتمام المجتمع الدولي، ووسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية الدولية. لذلك أريد أن يكون للأشخاص الآخرين الذين عانوا مثلي نفس الاهتمام. نحن لا نتحدث عن ١٠ أشخاص في سوريا، هذه القضية تؤثر على مئات الآلاف من العائلات في سوريا.

يجب أن يعرف العالم قضيتهم وأن يكونوا جزءاً من عملية العدالة والمساءلة.

ذكرت مسألة “أن يعرف العالم قضيتهم”. برأيك، ماذا منحك الشعور بأن العالم يعرف قضيتك أثناء فترة اعتقال باسل وبعد إعلان وفاته؟

للمصادفة والدي اعتقل تسع مرات، وكان لدي زوج تم احتجازه وإعدامه، وأنا محامية في مجال حقوق الإنسان، متخصصة في مسألة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري.

لذا حصلت على هذا الاهتمام من السفارات، ووسائل الإعلام ومنظمات مختلفة، وذلك ساعدني. شعرت أن الأمور على ما يرام، وأن “هناك أشخاص مهتمون، وسيعتنون بي”. عندما غادرت سوريا في عام ٢٠١٨، كان لدي خيارات للذهاب إلى أوروبا، وهذه فرصة لإيصال صوتي والسفر من مكان لآخر كي أتحدث عن تجربتي الخاصة وعن القضية نفسها.

لا أقول إنني تجاوزت ما حدث. أنا فقط أتعلم كيف أتعايش مع هذا الوضع طوال حياتي. ولكن ما يساعدني هو … إنه نوع من التشجيع. أدركت أنه بسبب هذا الاهتمام، لدي تأثير، ولدي دور لألعبه. لذلك أنا بحاجة إلى أن أكون قوية، وأن أكون مستقرة.

وأشعر أن الآخرين يستحقون هذا النوع من الاهتمام أيضا.

تحدثت عن الطبيعة المعقدة لقضية المعتقلين، أو ربما السياسة المعقدة لها، وعن استجابة المجتمع الدولي. ماذا تقصدين بالضبط؟

كنت في بروكسل وتحدثت هناك عما أسميته “العدالة قصيرة الأمد”. هذه العائلات غير مرئية إلى حد ما بالنسبة إلى المجتمع الدولي. يتحدث المجتمع الدولي عنهم، عن معاناتهم، ويتحدث عن حلول لقضيتهم، لكن لم يحدث شيء حتى الآن.

الأمر لا يتعلق بقضايا في بعض الدول الأوروبية، ولا يتعلق فقط باتهام النظام السوري باعتباره المسؤول عن هذه الجرائم. هذه كلها أمور مهمة للغاية كخطوات نحو العدالة في سوريا، لكننا بحاجة إلى نوع من القرار السياسي الدولي لوقف هذه الانتهاكات، ومعرفة مصير كل هؤلاء الأشخاص- سواء كانوا أحياء أو أموات.

حتى الآن، لا يزال الكثير من الأشخاص محتجزين ومختفين. وغالبية المعتقلين اختفوا بالفعل- لا توجد معلومات حول مكان وجودهم أو مصيرهم أو أسباب اختفائهم.

كان هناك الكثير من الحديث في بروكسل حول إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، وسياسة برامج المساعدات داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا. يصرّ الاتحاد الأوروبي على أن الأموال المخصصة لقضايا مثل إعادة الإعمار يمكن أن تذهب إلى سوريا بمجرد الوصول إلى تسوية سياسية فعلية فيها، أي الانتخابات بشكل أساسي، وما إلى ذلك.

هل تعتقدين أنه أصبح من الصعب الدفاع عن قضية الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري في هذا المناخ السياسي؟

في الواقع، كان مؤتمر بروكسل في غاية الأهمية، كان التصريح الصادر عن فيديريكا موغيريني، الممثل الأعلى لشؤون الأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، بأنه لن يكون هناك إعادة بناء أو عودة بدون انتقال سياسي، أمراً مهما للغاية.

ولكنني آمل أن ينظروا في مسألة تعويض وتأهيل عائلات المعتقلين والمختفين. المسألة ليست فقط أن هذه العائلات تفتقد شخصا ما في العائلة. إن معظمهم من النساء: بحاجة للعمل، ولديهم عقبات في حياتهم في بلدان اللجوء المجاورة- وخاصة في الأردن ولبنان، لديهم معاناتهم، ومعظمهم بدون إقامة قانونية.

إن النساء اللواتي لا يملكن شهادات وفاة لأزواجهن، لا يحصلن على أي مساعدة إنسانية أو طبية.

نحن نتحدث عن الآلاف من هذه العائلات في البلدان المجاورة. لذلك يحتاجون إلى حل الفوري.

يجب على المجتمع الدولي أن ينظر في قضية المعتقلين السوريين والمختفين قبل أي شيئ آخر- من خلال اتخاذ خطوات حقيقية وليس مجرد كلام فقط.

يجب أن يكون لهذا الملف الأولوية بين الملفات التي ينظر فيها المجتمع الدولي، ويعمل على إيجاد حلول لها، قبل الانتقال إلى القضايا الأخرى.

 

ترجمة: سما محمد

شارك هذا المقال