4 دقائق قراءة

متطوعة في الدفاع المدني: أريد إنقاذ الأرواح لا البقاء متفرجة

عام 2013. القذائف تنهمر على مدينة درعا، وعبير حامل في […]


4 أغسطس 2016

عام 2013. القذائف تنهمر على مدينة درعا، وعبير حامل في الشهر الثامن، تسرع إلى الشارع، تبحث عن شخص ما لمساعدة زوجها الجريح جراء القصف، والذي كان ينزف على الأرض في منزلهم.

تقول عبير “لم أجد أي شخص، وزوجي بقي ينزف حتى الموت”.

وبعد مرور ثلاث سنوات على تلك الحادثة، لا تزال القذائف تسقط على درعا، ولكن هذه المرة عبير تسرع نحو الناس لمساعدتهم.

وتروي عبير ما حدث معها لمراسة سوريا على طول، إسراء صًدر. وتقول “من الصعب أن ترى شخصا قريبا إلى قلبك يموت أمامك عينيك، وأنت عاجز عن مساعدته”. وتضيف “هذا هو السبب وراء قراري بالانضمام إلى الدفاع المدني”.

تصوير: عبير الثورة.

عبير، أم لخمسة أطفال صغار، وهي واحدة من عشرات النساء في جميع أنحاء سوريا، اللواتي يعملن مسعفات مع الدفاع المدني السوري.

وبالنسبة لعملها كامرأة، جنبا إلى جنب مع الرجال، تقول عبير أنها لا تبالي بما يقوله الناس عنها بعد ألم فقدان زوجها.

وتعتبر أن “الانتقادات من قبل الناس تأتي بسبب الخوف. المجتمع لا يتقبل امرأة في سيارة إسعاف، إنه يعتبر هذا عملا خاصا بالرجال وحدهم، ولكن عند حدوث تفجير، ويكون هناك أنثى مصابة، فإنهم يشعرون بحاجتهم لذلك”.

وأثناء جولاتها في جميع أنحاء محافظة درعا، تعمل عبير على التوعية بشأن الإسعافات الأولية الأساسية، كما تشجع المرأة على المشاركة في المجتمع.

وتدعو “جميع النساء للعمل، والخروج إلى الميدان، وعدم تقييد أنفسهن بالبقاء في المنزل، فالمجتمع بأمس الحاجة لهن”.

ما الذي دفعك للعمل في الدفاع المدني؟

بدأ الأمر عندما كانت مدينتنا تتعرض للقصف، كنت حاملاً في الشهر الثامن، وتعرض زوجي لإصابة بالغة، وأصبحت أركض في الشارع بحثاً عمن يسعفه وأطفالي وحيدين في المنزل والقذائف تتساقط فوق رؤوسنا، لكن لم أجد أي أحد إلى أن نزف زوجي حتى فارق الحياة.

من الصعب أن ترى شخصا عزيزا على قلبك يموت أمامك وأنت عاجز عن مساعدته، ولهذا قررت الالتحاق بالدفاع المدني، لا أريد لأي شخص أن يمر بذات الموقف الذي مررت فيه، وإن حدث ذلك لا أريد أن أكون بموقع المتفرج فقط بل أريد أن أكون منقذة لحياة الناس.

ما هي طبيعة عملك في الدفاع المدني؟

أنا ضمن فريق الإسعاف “القبعات البيضاء”، نقوم بجميع الإسعافات الأولية اللازمة لإنقاذ حياة الجرحى، كما نقوم بحملات توعية للمدنيين لتعريفهم بطرائق التصرف أثناء القصف، وتنبيه الأطفال من مخلفات الحرب، وتحذيرهم من الاقتراب من الألغام والقنابل العنقودية التي لم تنفجر بعد.

وقمنا بعمل دورة تمريض للفتيات تتضمن: إسعافات أولية، حقن عضلي، قياس الضغط والسكري، وكان يرافقنا في كل حملة ممرض مختص يطلع على جميع الأمور.

وسنقوم بمطلع شهر آب بإقامة الدورة في مناطق أخرى، تشتمل على إسعافات أولية، حقن عضلي تحت الجلد، اختبار تحسس، فتح أوردة، وإنعاش رئوي، حيث بات من الضروري في هذا الوضع أن يتواجد مسعف في كل منزل.

عبير تقوم بتدريب نساء في درعا على الإسعافات الأولية. تصوير: عبير الثورة

ما هي أهمية العمل في الدفاع المدني؟ وما الذي أضافه إلى شخصيتك؟

تجربتي في الدفاع المدني جعلتني واثقة من نفسي أكثر وأصبح لدي إرادة بأن أقدم أكثر، ولذلك خضعت لدورة في التمريض وعملت فترة في المستشفيات الميدانية، أصبح لدي خبرة بما يتوجب فعله قبل أن يصل المريض إلى غرفة الإسعاف وبعدها، وما هي الإجراءات اللازم اتخاذها له. سافرت إلى الأردن مرتين لحضور دورات إسعاف، لدي رغبة كبيرة بالتعلم وبأن أكون مسعفة جيدة، وهذا ما جعلني أحتل المرتبة الأولى بين زملائي وزميلاتي في العمل.

كيف توفقين بين عملك ومسؤوليتك كأم؟

أعيش بالقرب من والدي ووالدتي، وعندما أتأخر في العمل يمكث أطفالي عند بيت جدهم، عائلتي هي الداعم الأول لي، تشاركني ابنتي الكبرى، أثناء غيابي المسؤولية على الرغم من صغر سنها فتقوم برعاية إخوتها وتلبية احتياجاتهم، أحياناً أشعر بأنني مقصرة تجاههم، لكنني أحاول دائماً أن ألبي جميع رغباتهم.

أحاول، عندما أغيب لفترات طويلة، أن أعوضهم عن الوقت الذي انقضى وأنا بعيدة عنهم، يدرك أطفالي أهمية عملي في الدفاع المدني وهم سعداء بذلك.

هل واجهت أي صعوبات من المجتمع الذي تعيشين فيه إزاء عملك؟ وكيف تغلبت على هذه الانتقادات؟

لا يتقبل المجتمع أن تكون امرأة في سيارة إسعاف، ويعتبرون هذا العمل خاصا بالذكور، لكن عندما نتعرض للقصف وتكون المصابة أنثى يشعرون بضرورة وجود إمرأة في سيارة الإسعاف، وفي حملات التوعية التي نقوم بها يطلب الأهالي أن يكون العنصر النسائي موجودا لتوعية النساء في منازلهن.

هناك فئة تقول بأنه يتوجب عليّ البقاء في المنزل، وفئة أخرى تثني على عملي وتصفني بالمكافحة، فعملي هو في سبيل أن أكون فاعلة في المجتمع، وفي نفس الوقت، أزود أطفالي باحتياجاتهم، لا أهتم بما يقوله الناس عني لأن (إرضاء الناس غاية لا تدرك) سيجد الناس دوماً شيئا ليتحدثوا فيه مهما فعلت.

لا أحد يستطيع أن يشعر بالألم الذي مررت فيه عندما فقدت زوجي، لم يكن لدي أدنى فكرة عما يجري ولم أجد من يقف إلى جانبي.

دعم عائلتي لي وبالأخص والدي هو الحافز الأكبر لي، تأتي انتقادات الناس أحياناً من باب الخوف عليّ والرغبة في حمايتي؛ فسيارة الدفاع المدني تتوجه لأماكن القصف مما يجعلها عرضة للقصف، ولكن الغالبية لا يعارضون ذلك ويرون أنه في ظل هذه الظروف علينا أن نتغلب على مشاعر الخوف التي لا فائدة ترجى منها ونقدم ما نستطيعه.

هل تشجعين باقي النساء على العمل في الدفاع المدني؟ ما الرسالة التي توجهينها لكل النساء اللواتي فقدن أزواجهن؟

أدعو جميع النساء للعمل والخروج إلى الميدان وعدم تقييد أنفسهن بالبقاء في المنزل فالمجتمع بأمس الحاجة لهن، علينا جميعاً كنساء أن ندرك دورنا الفعال والمسؤولية الأكبر التي تقع علينا بعد الحرب وأن نقدم أبسط الأشياء، علينا أن نقف مع الرجل جنباً إلى جنب لنحقق التوازن في المجتمع.

الظروف التي تمر فيها سوريا ليست حجة للتقاعس والخوف بل هي الدافع الأول للعمل، خسارة من نحب والألم الذي ينجم عنه تحدد طريقة نظرنا للأمور وتضعنا أمام خيارين: إما أن نستسلم ونعيش في الأحزان، أو أن نصنع من هذه اللحظات قوة ننهض فيها ونتابع حياتنا.

 

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال