4 دقائق قراءة

“مجد سوري”: معرض أردني يحتفي بعراقة صناعة النسيج السورية 

يُشيد "مجد سوري"، الذي ربما يُقدَّر له يوماً أن يجول العالم أسوة بمقتنيات أخرى في مجموعة قعوار،  بالإرث الثقافي السوري العريق. وهو يمثل جهداً لا غنى عنه في حماية تراثٍ يحظى بمكانة عالمية من الاندثار في خضم الحرب الجارية.


بقلم ليز موفة

15 فبراير 2021

عمان- منسوجة بخيوط فضية ومذهبة، ومطرزة بألوان زاهية، وذات زخارف بتصاميم متقنة، هي الأثواب المعلقة في معرض “مجد سوري” الذي أفتتح في كانون الأول/ديسمبر الماضي بالعاصمة الأردنية عمان، احتفاء بما يزيد عن أكثر من قرن من صناعة النسيج في سوريا.

القاعة الرئيسة في معرض “مجد سوري”، حيث تُعرض أثواب وسترات نسائية للمناسبات من عدة مناطق في سوريا، 10/ 2/ 2021 (سوريا على طول)

الأثواب التي يضمها المعرض هي جزء من المجموعة الخاصة التي تملكها السيدة وداد قعوار، مصممة الأزياء والهاوية لجمع الأزياء التراثية والقطع الفنية. وكانت قد أسست لذلك “بيت وداد قعوار للثوب العربي (طراز)” الذي يهدف إلى حماية التراث الفلسطيني والأردني والعربي من الاندثار، بحيث يضم البيت حالياً أكبر مجموعة من أثواب بلاد الشام التقليدية على مستوى العالم.

تفاصيل تطريز يزين ثوباً من منطقة القلمون في شمال غرب سوريا، 10/2//2021 (سوريا على طول)

استوحت قعوار فكرة مجموعتها من الملابس التقليدية من المآسي السياسية التي مزقت منطقة بلاد الشام. إذ “حينما تخرجت في الجامعة في العام 1948، كانت بلدي في حالة حرب، والمكان الذي أعيش فيه يعج باللاجئين”، كما تروي السيدة التي تنحدر من أصول فلسطينية لـ”سوريا على طول”. وحينما رأت النساء اللاجئات يبعن مقتنياتهن والمطرزَات التي يملكنها لتأمين معيشتهن، شعرت قعوار بحاجة ملحة “لحفظ  هذه الأشياء لأجيال المستقبل، والحيلولة دون اندثار هذا الفن الجميل المنبثق من الحياة القروية”.

صورة تُظهر تفاصيل زخارف هندسية مطرزة على ثوب، 10/ 2/ 2021 (سوريا على طول)

بداية، تمحورت مجموعة قعوار على منسوجات من الأردن وفلسطين. لكن قبل خمسة عشر عاماً، بدأت بجمع قطع من سوريا خلال زياراتها المتكررة إلى سوق الحميدية بدمشق، كما إلى مدينة حلب بحثاً عن المنسوجات المشغولة شمال البلاد. وبافتنان، تصف المنسوجات المحاكة والمطرزة بأيدي النساء الكرديات من منطقة عفرين، شمال غرب سوريا، مستخدمات تقنيات فريدة. 

من خلال جمع أزياء وقطع فنية من أرجاء سوريا كافة، تؤكد قعوار امتلاكها مجموعة كاملة تمثل جميع المناطق السورية. 

ستائر منسوجة ومطرزة بأسلوب متقن يختص به سكان منطقة عفرين الكردية شمال غرب سوريا، 10/ 2/ 2021 (سوريا على طول) 

“في الذكرى السنوية العاشرة للحرب السورية، أردنا أن نعبر عن أمر واحد على الأقل، هو الاحتفاء بالإبداع الاستثنائي للشعب السوري”، كما قالت لـ”سوريا على طول” سلوى قيدان، المديرة الفنية لمعرض “مجد سوري”.

صورة تُظهر تفاصيل التطريز على سترة (جاكيت) رجالية، 10/ 2/ 2021 (سوريا على طول)

قبل دخول الحياكة الآلية والبدء باستيراد الأزياء الجاهزة من الخارج، مثلت المنسوجات السورية أساس الخياطة في بلاد الشام. وكان الحرير الذي تستخدمه النساء في فلسطين والأردن يُستورد من سوريا التي كان لها باع طويل في تطوير تقنيات فريدة من نوعها للحياكة والصباغة.

فستان مزخرف بتقنية “بلانجي” أو الصباغة بعقد القماش، والتي اشتهرت بها محافظة حماة وسط سوريا، 10/ 2/ 2021 (سوريا على طول)

وتأسف كل من قعوار وقيدان على ضياع هذا التراث الثقافي الفريد بسبب التأثيرات المتضافرة للحداثة والعولمة، كما الحرب على امتداد العقد الماضي. إذ إن “ما يُنتج في سوريا لم يعد بذات النوعية السابقة. هي غالباً أشياء بسيطة، كتان عادي”، بحسب قيدان. مضيفة أن “التراث المعرفي يتبدد. فالسوريون أنفسهم غالباً لا يدرون ما هي الغرز”.   

الغرز المعقدة هي سمة مشتركة بين الأثواب التقليدية في جميع أنحاء بلاد الشام، حيث طورت كل منطقة نمطاً وأسلوباً خاصين بها للتطريز، 10/ 2/ 2021 (سوريا على طول)

“مجد سوري” اسم قوي لتكريم الحرفيين السوريين الذين قدموا إسهامات هائلة في التراث الثقافي للمنطقة. وبحسب قعوار، فإن “كل شيء جيد في منازلنا سوري”، مشيرة إلى الأثاث الخشبي المصقول والسجاد الغزول بإتقان والستائر السميكة التي تكسو غرفة معيشتها، ومستذكرة أيضاً أيام ما قبل الحرب الحالية حين كان الأردنيون يترددون على دمشق بسياراتهم لشراء الأثاث والطعام. يومها كانت المسافة بين عمان ودمشق لا تستغرق سوى بضع ساعات، فيما اليوم تبدوان وكأن عوالم تفصل بينهما.  

“نشعر بالاستياء أن تركيا تريد حصة، وإيران تريد حصة. نخشى جميعاً من يومٍ لا وجود لسوريا فيه”، كما قالت قعوار. 

سترة (جاكيت) نسائية مطرزة معروضة في مركز طراز، 10/ 2/ 2021 (سوريا على طول)

يُشيد “مجد سوري”، الذي ربما يُقدَّر له يوماً أن يجول العالم أسوة بمقتنيات أخرى في مجموعة قعوار،  بالإرث الثقافي السوري العريق. وهو يمثل جهداً لا غنى عنه في حماية تراثٍ يحظى بمكانة عالمية من الاندثار في خضم الحرب الجارية.

“أردنا القول: أوقفوا هذه الحرب”، تقول قيدان”. لقد “كانت سوريا تحظى بـ[الحرفية] الأفضل؛ فأين هي الآن؟ ومن سيحميها؟”.

 

*تم إنجاز هذا التقرير ضمن مشروع “تعزيز ترسيخ النوع الاجتماعي”، والذي ينفذه “سوريا على طول” بدعم من الصندوق الكندي للمبادرات المحلية، من خلال السفارة الكندية في عمان.

وقد نُشر أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال