4 دقائق قراءة

مجزرة التضامن: ما أهمية نشر فيديوهات الفظائع الجماعية؟

يحق للجمهور المشاركة في صنع القرار، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياتهم، وقد يسهم حجب مقاطع الفيديو التي توثق الفظائع الجماعية لحكوماتهم في تضليل الناس، وفي اتخاذهم قرارات خاطئة، من قبيل اختيار ممثليهم السياسيين. 


18 مايو 2022

منذ آذار 2011 وحتى اليوم، استطاعت المنظمات الحقوقية توثيق اعتقال واختفاء وفقدان عشرات الآلاف في سوريا، لكن العدد الحقيقي أكبر من ذلك. تصرخ عائلات هؤلاء الضحايا، منذ سنوات، وتنتظر ليلا نهاراً، مطالبة بمعرفة مصير أحبائها أو معرفة أي معلومة عنهم، بينما يصرّ نظام الأسد على حرمان هذه العائلات من حق المعرفة، ومعرفة الحقيقة حق مصان للعائلات في القانون الدولي.

إن تسريب مقاطع فيديو لمسؤولين حكوميين يرتكبون جريمة، هو إبلاغ عن انتهاكات حكومية. وعليه، فإن المعلومات المقدمة من قبل المبلغين أو من مصادر أخرى ليست ملكية خاصة، ويجب إتاحتها للعموم، فالمواطن السوري لديه الحق في معرفة كل جريمة ارتكبتها حكومته، وعلى وسائل الإعلام الحرة ضمان هذه المعرفة.

يحق للجمهور المشاركة في صنع القرار، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياتهم، وقد يسهم حجب مقاطع الفيديو التي توثق الفظائع الجماعية لحكوماتهم في تضليل الناس، وفي اتخاذهم قرارات خاطئة، من قبيل اختيار ممثليهم السياسيين. 

ومثال ذلك، عندما يريد اللاجئون العودة إلى بلادهم في ظل حكومة معينة، يحق لهم معرفة نطاق سلوكها المحتمل. يتعين على اللاجئين أن يعرفوا ويفهموا تماماً إلى أي مدى تذهب حكوماتهم في قتل مواطنيها، أو ما إذا كانت حكوماتهم تحاسب أكثر مسؤوليها إجراماً.

في 27 نيسان، نشرت مجلة الجمهورية وصحيفة الغارديان البريطانية تحقيقاً عن مجزرة ارتكبها جنود نظام الأسد في حي التضامن، أو ما تعرف بـ”مجزرة التضامن”، أعده البروفيسور أوغور أنجور والأكاديمية أنصار شحود. تضمن تحقيق الغارديان مقطع فيديو يظهر أجزاء من المجزرة مع تغطية وجوه الضحايا. 

بعد ساعات انتشر الفيديو الكامل، غير المُحرَّر، ومدته أكثر من ست دقائق يظهر وجوه الضحايا. بعد أيام تعرفت عائلة صيام، على ابنهم وسيم، الخباز السوري الفلسطيني من مخيم اليرموك، وهو أول ضحية في مجزرة التضامن يتم التعرف عليها.

قالت والدة وسيم: “لما فقدت الأمل بالبحث قلت الأيام كفيلة، ورب العالمين انشالله بساعدنا”، مشددة على ضرورة تحقيق العدالة، وتستذكر أم وسيم ابنها، في رسالتها عبر فيديو نشره موقع العربي الجديد: “صورته لما وقّف عباب الدار وفتحتله وفات وطلع قدامي، بعدها الصورة قدامي، انا مش رح انساها لموت”. فيما قال والده: “أهل المخيم بيعرفو أنو ولادهن راحت ما رجعت، ولا حدا طلع”، “بدي حق الولاد”.

نحن مدينون للضحايا بمعرفة ظروفهم، مدينون للرجال والنساء والأطفال الذين قُتلوا بوحشية، بما فيه القتل تحت التعذيب، ويجب على الأقل أن نعرف معاناتهم في الدقائق الأخيرة من حياتهم، وأن نكون شهوداً على هذه الجرائم.

في المقابل، كل شخص له خيار عدم النقر على رابط مقطع فيديو لمشاهدته. لكن، إذا اختارت العائلات المشاهدة، فهذا حقها المطلق، ولا ينبغي حرمانها من حقها الأصيل في معرفة الحقيقة، ومعرفة كل تفاصيل الدقائق الأخيرة من حياة أحبائها. بعد تعرف العائلات على أحبائهم من حقهم طلب حجب صورهم إن أرادوا ذلك.

في حالة وجود فيديو لضحايا يمكن التعرف عليهم، يجب اتخاذ الخطوات التالية على الأقل، ويمكن للمنظمات والمتخصصين السوريين والدوليين ووسائل الإعلام السورية مناقشة وتطوير هذه الخطوات لاتباعها منهجاً في التعامل مع ظهور أي فيديو أو صور جديدة، تظهر متورطين وضحايا جرائم وإعدامات، أو تظهر معتقلين أو مفقودين محتملين المحفوظة مسبقاً لدى مراكز التوثيق والجهات الحقوقية أو الأفراد، إضافة للمقاطع الـ 26 غير المنشورة لمجزرة التضامن:

  1.   التحقق من صحة الفيديو.
  2.   تحديد مكان الفيديو وزمانه إن أمكن.
  3. تحديد المكان والزمان المحتملين لاعتقال أو احتجاز الضحايا، والمنطقة المحتملة التي ينتمي إليها الضحايا، والمكان المحتمل لاحتجازهم.
  4. إذا ثبت أن نشر الفيديو يشكل تهديداً خطيراً لقيمته القانونية كدليل، فإن البديل الضروري هو استخراج صور للضحايا تظهر الوجه والجسد والملابس وأي علامة تساعد في التعرف على الضحايا. وهنا، لا ينبغي التذرع بالتهديد الخطير لأسباب غامضة أو عامة، بل يجب إثبات أن الخطر يتجاوز أهمية وفائدة تعرف العائلات على أحبائهم، وفي هذه الحالة النادرة يجب تقييم مخاطر التأثير على القيمة القانونية من قبل خبراء قانونيين، إذ من غير المنطقي وغير المقبول حجب مقاطع الفيديو، أو على الأقل الصور المستخرجة منها، بذريعة استخدام الفيديوهات في محاكمات مستقبلية محتملة، وإنما يجب أن تكون هناك محاكمة سارية لتبرير حظر فيديو أو صورة، على أن يكون الحظر لفترة محددة ومحدودة.
  1. يجب نشر هذه الفيديوهات، أو على الأقل الصور المستخرجة منها، أو الإعلان عن وجودها في حالة وجود تفاصيل مكتوبة كافية ومؤكدة عن الضحايا في الفيديو أو الصور، وتعميمها في موقع إلكتروني خاص، أو بالتعاون مع روابط الضحايا السورية، وجماعات حقوق الإنسان السورية، التي لديها الخبرة في عملية التعرف على الضحايا والتواصل مع العائلات بالطريقة الأنسب التي تحفظ الكرامة والمشاعر.
  2. يحق للعائلات طلب مشاهدة الفيديوهات الكاملة التي قد تظهر أحبائهم، ومن واجب الجماعة أو الأفراد الذين يحتفظون بالفيديو تلبية طلب العائلات.
  3. لا يحق لأحد حجب فيديوهات وصور الفظائع في سوريا عن العائلات والرأي العام والصحافة وصناع القرار والمنظمات الحقوقية السورية والدولية والأكاديميين والباحثين. هذه الفيديوهات ليست ملكية خاصة، وحجبها دون مبررات مفهومة صادرة عن متخصصين يمكن اعتباره تواطؤ في إخفاء الجريمة وإطالة معاناة العائلات.
  4. تسري هذه القواعد على مقاطع الفيديو أو الصور التي قد تظهر المعتقلين والمفقودين والمختفين لدى النظام السوري وداعش وكافة أطراف النزاع في سوريا.

 

شارك هذا المقال