8 دقائق قراءة

مجموعات افتراضية لمطاردة عناصر تنظيم الدولة المشتبه بهم في سوريا

يستيقظ أغيد الخضر مبكراً قبل شروق الشمس ليبدأ عمله، في […]


25 يناير 2018

يستيقظ أغيد الخضر مبكراً قبل شروق الشمس ليبدأ عمله، في بيته الكائن في مكان لا يريد أن يكشف عنه في ألمانيا، حيث يجلس على مدار 15 ساعة يومياً ملتصقاً بهاتفه المحمول، ليغربل الصور والتسجيلات الصوتية التي تم نشرها في مجموعة سرية على تطبيق الواتساب.

والصور الموجودة على شاشة هاتفه هي صور لوجوه شباب ورجال ومسافرين من النازحين الذين يعبرون نقاط التفتيش في شمال سوريا تاركين الأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة في الأونة الأخيرة، وبعضهم ممن يفرون هرباً من المعارك الجارية شرق سوريا في  المناطق المتبقة لتنظيم الدولة، أما الرسائل الصوتية فهي مختصرة وتحتوي على الإسم، العمر، الانتماء العشائري، والمهنة.

والجدير بالذكر، أن الشاب البالغ من العمر 27 عاماً هو جزء من شبكة تواصل تضم مئات المدنيين والنشطاء غير المأجورين ومقاتلين من الجيش السوري الحر من المناطق الشرقية التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة، وهم يعملون من أماكن تواجدهم الحالية حول العالم ليتعرفوا على عناصر تنظيم الدولة.

إلى ذلك، قال الخضر ” هؤلاء العناصر مجرمين بحقنا ونكلوا بأهلنا وقتلوا أقربائنا وأعز أصدقائنا”.

وينحدر الخضر من مدينة دير الزور، التي كانت في غالبها تحت سيطرة تنظيم الدولة لأكثر من ثلاث سنوات، كما كان واحداً من الأعضاء المؤسسين لحملة ” الرقة تذبح بصمت” قبل مغادرة سوريا، وهي حملة اعلامية مناهضة لتنظيم الدولة وعمل كناشط إعلامي مناهض لتنظيم الدولة منذ سنوات.

وفي عام 2015، فر الخضر من منزله القائم في دير الزور بعد أن داهمه تنظيم الدولة واستقر في نهاية المطاف في ألمانيا، ويعمل حالياً مديراً في مؤسسة “صوت وصورة”.

وفي العام الماضي، لاحظ الخضر من منزله الجديد ارتفاع وتيرة الهجمات المنفصلة التي شنتها القوات المدعومة من قبل الولايات المتحدة وحكومة الأسد ضد تنظيم الدولة في سوريا، بالإضافة إلى ازدياد العنف مما أدى إلى نزوج جماعي على نطاق واسع.

وبحلول نهاية عام 2017، فقد تنظيم الدولة الغالبية العظمى من أراضيه، ونزح أكثر من نصف مليون شخص.

وقال الخضر، أنه كلما ازداد أعداد الناس الفارين، كلما ازداد قلقه هو و زملائه النشطاء السوريين من تخفي عناصر التنظيم  بين حشود المدنيين الفارين من العنف من خلال إصدار هويات جديدة أو مزورة والتسلل بينهم، وأدت تلك المخاوف إلى إنشاء شبكة جماعية منظمة للتعرف عليهم.

مبنى مهجور تابع لتنظيم الدولة في مدينة الميادين شرق سوريا، تشرين الأول 2017. الصورة من AFP.

ويشرح الخضر الطريقة التي يعمل بها قائلاً:  عندما يريد أحد النازحين عبور أحد عشرات نقاط التفتيش الموجودة في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري الحر في طريقه إلى غرب إدلب أو تركيا، يأخذ أفراد الجيش السوري الحر صورهم وتسجيل صوتي لهم يعلنون فيه عن هويتهم و مسقط رأسهم، و يتم نشر هذه الصور والتسجيلات الصوتية على عدة مجموعات سرية (مجموعتان على الوتساب وواحدة على تطبيق تلغرام).

بعدها يقوم متطوعون، مثلما يفعل الخضر، بقضاء ساعات على تلك الملفات محاولين التعرف على عناصر التنظيم إن أمكنهم ذلك، حيث يمررون الصور والتسجيلات الصوتية إلى الناشطين والمدنيين والأصدقاء وأفراد الأسر، التي قال كل شخص أنه يتنمي إليها، من أجل التعرف عليه.

كما يقوم بعض الأشخاص ممن يتواجدون بالوقت الحالي داخل أراضي تنظيم الدولة شرق سوريا، بتزويدهم بمعلومات اضافية.

وأضاف الخضر أن المجموعات استطاعت التعرف على 2500 عنصر يشتبه بإنتمائهم لتنظيم الدولة خلال العام الماضي.

وصرح متحدث باسم الجيش السوري الحر، عضو في إحدى المجموعات، لسوريا على طول أنه تم إلقاء القبض على ألف عنصر تقريباً في أحد نقاط التفتيش الرئيسية في شمال حلب وحدها، ولم تتمكن سوريا على طول من التأكيد من صحة هذه الأرقام بشكل مستقل، ولكنها تحدثت مع ثلاثة مصادر يعملون مع المجموعات قدموا أرقاماً مماثلة.

وأضاف الخضر “لقد ساعدتنا طبيعة المجتمع العشائري في دير الزور والرقة كثيراً، حيث كان من السهل نسبياً معرفة من هو الشخص وخلفيته وأقاربه”.

وتضم كل مجموعة من المجموعات الثلاث ما بين 120 إلى 290 عضواً، فضلا عن عدد من المجموعات الفرعية المقسمة حسب التخصصات لتسهيل العمل، فيقوم مدراء المجموعات بتقسيم المهام الفردية بين أفراد الجيش السوري الحر والناشطين. واطلعت سوريا على طول على إحدى المجموعات على الواتساب وشاهدت الصور والتسجيلات الصوتية والمناقشات بين الأعضاء.

وبعد سنوات من العمل كصحفي في دير الزور وخارجها، أصبح الخضر خبيراً  في فديوهات تنظيم الدولة وإصداراتها المرئية، حيث يتم إرسال المواضيع المتعلقة بالتنظيم عن طريقه.

وروى الخضر أنه “كان هناك أحد الأشخاص التابعين للتنظيم يعرف باسم “أبو حسام” من الطبقة وهي بلدة في محافظة الرقة “استخدم هوية مدنية لشخص آخر عند مروره عبر الحاجز ولكنني استطعت أن أتعرف عليه لأنه ظهر بإصدار قديم لتنظيم الدولة في عام 2015”.

وحينها أرسل الخضر صور الرجل للناشطين الآخرين والمدنيين من الطبقة للتأكد من الموضوع قبل إبلاغ قوات الجيش الحر على الحاجز بإعتقاله.

وبما أن المئات من العاملين في هذه المجموعات مطلوبين من قبل تنظيم الدولة، فهم يتشاركون نفس المخاوف من القصاص أو الإغتيال في حين تم الكشف عن أسمائهم أو مواقعهم، وقد لجأ بعضهم إلى تركيا أو أوروبا، والبعض الآخر لا يزال داخل سوريا.

وكان الخضر، وهو الشخص الرئيسي الذي تواصلت معه سوريا على طول من أجل هذا التقرير، يستخدم اسمه الحقيقي لأنه معروف ومطلوب من قبل تنظيم الدولة.

” نبذل كل ما في وسعنا “

يتعين على جميع النازحين الذين يرغبون في السفر إلى شمال غرب سوريا، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، من الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية أو تنظيم الدولة شرقاً، عبور سلسلة من نقاط التفتيش التي تديرها كتائب الجيش السوري الحر المدعومة من قبل تركيا في شمال حلب.

ومن أهم هذه الحواجز حاجز العون الواقع جنوب جرابلس على بعد 100 كيلو متراً تقريباً شمال شرق مدينة حلب.

وفي ذروة المعارك التي جرت في الرقة ودير الزور، عندما شرد القتال أكثر من نصف مليون نازح من المدينتين، كان يعبر مايقارب 1500 شخص من نقطة تفتيش مثل حاجز العون في أيام الذروة، وفقا لما قاله الخضر، ولكن اليوم يعبر عشر هذا العدد تقريباً.

وأكد المتحدث باسم لواء الشمال ، الذي يدير حاجز العون، لسوريا على طول أن نشر الصور والتسجيلات الصوتية في مجموعات المراسلة الخاصة مازال مستمراً، كما أن مقاتلوا الجيش السوري الحر الذين ينحدرون من الأساس من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة لايزالون متمركزين على حاجز التفتيش أيضاً.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية “يتم القبض على أربعة أو خمسة دواعش بشكل يومي” وفقاً لما قاله عمر الشمالي، ولم تتمكن سوريا على طول التأكد من ذلك بشكل مستقل.

وفي تشرين الأول 2017، ألقى القبض على 300 عنصر من عناصر تنظيم الدولة من مقاتلين وعمال في حقول النفط ورجال دين عند حاجز العون، وفقا لما ذكرته سمارت نيوز التابعة للمعارضة في ذلك الوقت.

وعلى حاجز التفتيش لا يتم تصوير سوى الرجال والفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 12 سنة وما فوق كما يتم تسجيل مقاطع صوتيه لهم، ولا يقومون بتصوير النساء لتجنب الصراع مع السكان المحافظين كما أنه من الصعب تحديد هوية إناث التنظيم، وفقاً لما أكده الخضر .

حيث أنه في ظل تنظيم الدولة، كان يفرض على جميع النساء، بما في ذلك النساء اللواتي يعملن مع الشرطة النسائية التابعة للواء الخنساء، ارتداء النقاب الذي يغطي الوجه، ونتيجة لذلك “نحن لا نعرف أشكالهن ” على حد قول الخضر.

وأضاف الخضر، أن معظم مقاتلي التنظيم الذين كشفتهم المجموعات هم من السكان المحليين، ومن جهته صرح الشمالي الناطق باسم الجيش السوري الحر أنه يتم القبض على السوريين وغير السوريين، إلا أنه لم يوضح أو يعطي أي تفاصيل.

شاب في المركز السوري لمحاربة الفكر المتطرف في حلب، تشرين الثاني 2017. تصوير نزير الخطيب.

وأضاف الشمالي، أنه بالرغم من اعتقال المشتبه بهم من قبل العاملين على نقاط التفتيش، إلا أن هناك العديد من عناصر التنظيم يتمكنون من العبور مع المدنيين، مشيراً إلى عناصر التنظيم الذين يختبئون بين المدنيين.

وأضاف الشمالي أن العناصر الذين يتم اعتقالهم ” يتم التحقيق معهم بشكل أولي ليتم التأكد بأنهم دواعش ثم يتم تحويلهم إلى محاكم في مدينة جرابلس”، وبعدها يتم تحويلهم إلى سجون في شمال حلب وإدلب.

وليس واضحاً ما هي الأحكام التي يتم فرضها على الأشخاص المشتبه بإنتمائهم لعناصر التنظيم أو الإجراءات القانونية التي يتم اتخاذها، إلا أن عناصر التنظيم السابقين “الذين لم تثبت بحقهم أي جريمة” يسجنون “لفترة قصيرة”، وذلك وفقاً لما قاله مسؤول في لواء الشمال لسمارت نيوز في تشرين الأول.

ويتم إرسال بعض العناصر السابقين الذين يقضون عقوبتهم بالسجن إلى المركز السوري لمحاربة الفكر المتطرف، وهو مركز لإعادة تأهيل المتعاطفين مع تنظيم الدولة والمنشقين والأعضاء السابقين، الذي بدأ عمله في شمال حلب في تشرين الأول عام 2017، ويخضع المقيمون في المركز لدورات إلزامية في الشريعة المعتدلة، ويحظى الخريجون المتفوقون على تخفيف وقت عقوبتهم.

وبما أن المجموعات تعمل من خلال كتائب الجيش السوري الحر المدعومة من قبل أنقرة، فإن المعلومات تمرر بإنتظام إلى قوات الأمن التركية، وفقاً لما ذكره كلاً من الخضر والشمالي. وتعتقل القوات التركية أي شخص يشتبه بتورطه في هجمات في ذلك البلد أو أوروبا، أو أنها تدخل سوريا أيضاً من أجل استجوابه.

وذكر الخضر لسوريا على طول “أننا نبذل كل ما في وسعنا لتحويل هؤلاء الأشخاص إلى المحكمة”.

أشباح في كل مكان

على الرغم من عمليات التفتيش الأمنية ووجود مجموعات من الأشخاص الذين يعملون على كشف عناصر التنظيم، إلا أنه لا يزال لدى عناصر التنظيم طرق للعبور من خلال نقاط لم يتم الوصول إليها، أو أنهم يتجنبون نقاط التفتيش بشكل كلي ويتجهون إلى شمال غرب سوريا أو تركيا.

وذكر الشمالي ” هناك عمليات تهريب يقوم بها بعض المهربين و يتمكنون من الفرار، والسبب أنه لا يمكن رصد كل تلك المسافة الطويلة”.

وقال المسؤول الإعلامي لهيئة تحرير الشام المسيطرة على الساحة العسكرية والسياسية في مدينة ادلب لسوريا على طول، يوم الأربعاء، أن قوات الأمن هناك “ألقت القبض على أكثر من 100” عنصر من عناصر التنظيم حتى الآن.

وأكد نور الدين الإبراهيم أن الجهود المبذولة لإلقاء القبض على عناصر التنظيم الآخرين “ماتزال مستمرة” دون إعطاء تفاصيل أخرى.

كما أن نقاط التفتيش في إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام لا تعمل مع المجموعات المشكلة من نشطاء وعناصر من الجيش السوري الحر والتي يعمل فيها الخضر، إلا أن أعضاء المجموعات ممن يقطنون في هذه المناطق “يعيشون في حالة من الرعب والخوف”، حسبما أكده أحد النشطاء.

وأضاف الناشط “هم مقتنعون بأن عناصر التنظيم في كل مكان ويمكنهم الوصول إليهم”.

وفي مدينة إدلب التي تتصف بالطبيعة العشائرية نفسها، فإن جهود تحديد الهوية تصبح خطراً عندما يجد نشطاء من أماكن مثل الرقة أنفسهم يعيشون على مقربة من عناصر تنظيم الدولة، “في النهاية لا يمكن السيطرة على هذه المسألة بشكل كامل” حسبما أكده الخضر.

ولا يعمل أبو عبد الله البالغ من العمر35 عاماً مع مجموعات الكشف على عناصر التنظيم، لكنه عمل لفترة من الزمن كناشط مناهض لتنظيم الدولة في مدينة الرقة، ثم انتقل إلى بلدة حارم في إدلب في أواخر عام 2017 مع عائلته.

وعندما كان أبو عبد الله في الرقة، ألقي القبض على صديقه الذي كان يعمل ناشطاً أيضاً، واختفى في عام 2015، وقال أبو عبد الله ” تم الاشتباه بي وسجنت لمدة شهرومن ثم افرجوا عني لأنهم لم يتمكنوا من إثبات أي شيء ضدي”، وأضاف “بعد ذلك تركت العمل كناشط بسبب الخوف”.

وبعد مغادرة الرقة واستقراره في إدلب، اعتقد الناشط أبو عبدالله أنه سيكون قادراً على بناء حياة جديدة ونسيان الماضي وراءه، إلا أن ظنونه تغيرت بعد يوم واحد من وصوله، وقال “كنت في السوق أشتري بعض الخضار عندما رأيت عناصر من التنظيم يتجولون في السوق وكأنهم مدنيين عاديين، يومها عدت للمنزل بالكاد التقط انفاسي”.

ومنذ ذلك الحين، كان خائفاً من مغادرة منزله والبحث عن عمل بسبب ” شبح الخوف من التنظيم”.

وأضاف “ظل التنظيم يرافقني حتى بعد خروجي من الرقة”.

وأعرب أبو عبد الله عن خوفه من إبلاغ سلطات الفصائل المحلية خشيةً من امكانية التنظيم معرفة هويته وتعريض نفسه لعمليات الإغتيال أو الإنتقام.

وتابع “نحن نراهم أشباحاً في كل مكان”.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال