7 دقائق قراءة

محاولة رفع أسعار الوقود شمال شرق سوريا تكشف احتقاناً شعبياً متزايداً

لم يكن "الحراك الشعبي" عقب صدور القرار 119 سببه رفع أسعار المحروقات فقط، بل أيضا التراكمات الخانقة التي يحملها أهالي الحسكة منذ أن استلمت "قسد" إدارة المنطقة.


27 مايو 2021

عمان- بعد يومين من إصداره في 17 أيار/مايو الحالي، قرر المجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إلغاء قراره رقم 119، القاضي برفع أسعار المحروقات في المنطقة بنسب مختلفة، وصلت إلى حد ثلاثة أضعاف أسعارها السابقة. 

وقد جاء التراجع بعد موجة من الاحتجاجات شهدتها قرى وبلدات في ريف محافظتي الحسكة ودير الزور ذاتي الغالبية العربية، رافقتها حالة من الاستنكار للقرار من ناشطين كرد أيضاً. 

رغم ذلك، كشف القرار عن حالة احتقان شعبي، فاقمها مقتل سبعة أشخاص، بينهم طفلة، وإصابة عشرة آخرين، خلال يومين متتاليين من الاحتجاجات التي جوبهت بالرصاص الحي من قبل عناصر “قسد”. والضحايا جميعهم ينتمون لعشيرة البكارة، وقد قضوا باستثناء واحد قُتل في مدينة الحسكة، في “منطقة 47” وريف مدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي. 

بعد إلغاء القرار 119 أيضاً، خرجت تظاهرة في قرية عبدان بريف الشدادي جنوب الحسكة، احتجاجاً على مقتل شبان التظاهرات السابقة، وقتل خلالها شاب آخر. فيما رفض أهالي قرى الليلي والـ47 والشدادي في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، التفاوض مع وفد عشائري تابع للتحالف الدولي لتهدئة الوضع، أثناء تجمعهم لقطع طريق دير الزور-الحسكة النفطي الذي تتحرك عليه المدرعات الأميركية، “احتجاجاً على الاستهتار بدماء أبنائهم الذين قتلوا في الاحتجاجات”، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول”، محمد العكيد (اسم مستعار) أحد الناشطين الإعلاميين في محافظة الحسكة. وقد وصلت حالة الاحتقان حدّ أن أهالي الضحايا “مستعدون لمواجهة “قسد” بالسلاح في أي لحظة، إن لزم الأمر”، كما أضاف العكيد.

خلفية القرار

بحسب أحد موظفي لجنة الاقتصاد التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، طلب عدم ذكر اسمه لدواع أمنيّة، جاء صدور القرار 119 برفع أسعار المحروقات في مناطق الإدارة الذاتية “بناء على دراسة سوق أجرتها اللجنة تبيّن من خلالها أنّ سعر المحروقات لا يتناسب مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية في السوق المحليّة”. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أن “معظم السلع -حتى الخبز- شهد ارتفاعاَ في السعر متأثراً بارتفاع سعر صرف الدولار، ومن غير المنطقي بقاء سعر المحروقات ثابتاً مع ارتفاع كلف استخراجه وتكريره”. مشيراً أيضاً إلى أنّ الإدارة الذاتية “زادت رواتب العاملين لديها مرتين خلال أقل من عام بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وما رافقه من ارتفاع في السلع”.

وكما أوضح المصدر ذاته، فإن “سعر لتر المازوت المخصص للتدفئة يبلغ وفق تسعيرة الإدارة الذاتية قبل صدور القرار 75 ليرة سورية. وهذا السعر وضع منذ أكثر من عامين عندما كانت قيمة الدولار الأميركي تساوي 500 ليرة سورية”، أي ما يعادل 0.15 دولاراً، بحسب سعر صرف الليرة في السوق الموازية آنذاك، و0.025 دولار حالياً.

واستناداً إلى التسعيرة الجديدة التي أقرتها الإدارة الذاتية قبل التراجع عن القرار، يبلغ سعر ليتر المازوت الممتاز، كما أضاف المصدر، “400 ليرة سورية [0.12 دولاراً]، بعد أن كان 150 ليرة [0.04 دولار]. فيما يبلغ سعر ليتر البنزين 410 ليرات [0.13 دولاراً] بعد أن كان 200 ليرة [0.06 دولار]. أما أسطوانة الغاز فيصبح سعرها 8000 ليرة [2.50 دولاراً] بعد أن كانت تباع بـ2,500 ليرة [0.78 دولاراً]”.

وعلى الرغم من سيطرة “قسد” و”الإدارة الذاتية” على أهم حقول النفط والغاز في سوريا، وأبرزها حقل غاز كونيكو وحقول نفط الملح والتنك والعمر، تشهد المنطقة بين الحين والآخر أزمة في تأمين المحروقات. ويعود ذلك إلى “بيع “قسد” الكميات الأكبر من النفط إلى النظام وكردستان العراق، إضافة لعدم وجود محطات تصفية للنفط الخام الذي تنتجه الحقول النفطية، فالحراقات النفطية في شمال شرق سوريا محلية الصنع، ما يجبر “قسد” على دفع تكاليف إضافية لتكرير المشتقات النفطية لتصبح صالحة للاستخدام”، بحسب ما قال أحمد (اسم مستعار)، المشرف على إحدى الحراقات النفطية المحلية التابعة لـ”قسد” في مدينة الحسكة، لـ”سوريا على طول”.

ولا تكشف “الإدارة الذاتية” حجم العائدات المالية التي تحصل عليها من استثمار حقول النفط شمال شرق سوريا. وقد حاول “سوريا على طول” التواصل مع سعد العساف، رئيس مكتب النفط في الإدارة الذاتية، لكن لم يتم الحصول على رد حتى لحظة نشر التقرير.

تداعيات عميقة

وفق أحد الإداريين في مديرية محروقات الرقة (سادكوب)، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، جاء التراجع عن قرار رفع أسعار المحروقات نتيجة “موجة الرفض الشعبي الواسعة التي شهدتها معظم مناطق شمال شرق سوريا، الأمر الذي اضطر الإدارة للتهدئة خوفاً من تأزم الوضع، خصيصاً بعد حوادث قتل المتظاهرين”. لكن ذلك، كما أضاف المصدر، “لا يعني عدم حدوث زيادة مستقبلية على أسعار المحروقات”. كاشفاً عن أن “مكتب النفط في الإدارة الذاتية سيعقد في الأيام المقبلة سلسلة اجتماعات مع باقي فروع المكتب في الإدارات السبع ومديريات الزراعة التابعة لها لوضع معايير جديدة يتم وفقها تحديد سعر جديد للمحروقات في شمال شرق سوريا”. 

وأقر المصدر بأنه “لا يمكن الرهان على ردة فعل الأهالي، لاسيما وأن زراعة المنطقة تقوم بشكل أساسي على المحروقات، فضلاً عن التكاليف الإضافية التي ستطرأ على أجور النقل والمواصلات في حال تم رفع أسعارها”.

في هذا السياق، قال أبو محمد، أحد المزارعين في ريف الرقة الغربي، لـ”سوريا على طول”، إن الزيادة التي تم التراجع عنها على سعر المازوت الخاص بالزراعة، “تبلغ ثلاثة أضعاف التسعيرة السابقة، وعليه تترتب زيادة في كلفة زراعة الدونم الواحد تصل إلى 60%، لاسيما بعد انخفاض منسوب مياه نهر الفرات”. موضحاً أن انخفاض منسوب النهر “أجبرنا على زيادة عدد محركات سحب المياه للحصول على مياه أكثر أو زيادة عدد أنابيب جر المياه التي تعتمد في عملها على المازوت بشكل رئيس، وبالتسعيرة الجديدة التي فرضتها “قسد” سترفع الأعباء المالية علينا كثيراً وسيصبح عملنا وعدمه سيان”.

فوق ذلك، فإن “انتشار الفساد والمحسوبيات في دوائر المؤسسات المدنية التابعة لـ”قسد”، يحرمنا من وصول مخصصات الوقود اللازمة أساساً، ويضطرنا لشرائها على نفقتنا الخاصة”، بحسب أبو رياض، المزارع المقيم في قرية دحلة بريف دير الزور. موضحاً لـ”سوريا على طول” أن “مخصصات دير الزور من المحروقات لفئة المزارعين فقط تصل لنحو 25- 30 صهريج مازوت، لكن ما يصل منها لا يتجاوز 18 صهريجاً”. مشيراً كذلك إلى أن “برميل المازوت كان يباع بـ18 ألف ليرة [5.64 دولاراً] للمزراعين قبل رفع الأسعار، وبعد رفعها ستصل تكلفة البرميل الواحد إلى 55- 60 ألف ليرة [17.2- 18.8دولاراً]، من دون أي دعم أو تغطية من “قسد” لاحتياجاتنا، وهذا سيؤدي بنا لنكبة حقيقية سنعيشها كمزارعين ونحن نعتمد في نفقاتنا اليومية على ما نجنيه في العمل الزراعي”. 

وبحسب أبو معاذ، وهو صاحب مولد كهربائية لتوزيع الأمبيرات في مدينة الحسكة، فإن “الوضع المعيشي للأهالي هنا مزر جدا، ومستوى الفقر مرتفع بشكل كبير”. شارحاً لـ”سوريا على طول” أنه “عندما كانت تكلفة الأمبير الواحد 2,500 ليرة [0.79 دولاراً]، وارتفعت خلال العام الماضي لتتناسب مع سعر صرف الدولار إلى 8,500 ليرة [2.71 دولار]، كنت أجد تذمراً من الزبائن على سعرها المرتفع، فكيف لو طبّق القرار [الملغى] ووصل سعر الأمبير إلى 15 ألف ليرة [4.78 دولاراً]؟”.

محركات احتجاج أخرى 

لم يكن ما سماه فراس علاوي، مدير تحرير موقع الشرق نيوز المتخصص بتغطية مناطق شمال شرق سوريا، “الحراك الشعبي” عقب صدور القرار 119 سببه رفع أسعار المحروقات فقط، بل أيضا “التراكمات الخانقة التي يحملها الأهالي منذ أن استلمت “قسد” إدارة المنطقة”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، و”تتمثل في الحالة الأمنية والاقتصادية المتردية، من فوضى أمنية واعتقالات عشوائية وفساد، وعدم ترميم البنى التحتية. وفوق ذلك زادت عمليات الاغتيال المستمرة التي تستهدف وجهاء وشيوخ العشائر من حالة الاحتقان الشعبي”.

فرض تحدياً آخر “رغبة العشائر في إدارة مناطقها والاستفادة من قدراتها الاقتصادية”، أضاف علاوي. ما دفع هذه العشائر “مؤخرا إلى العمل بشكل أكثر تنسيقاً عبر تشكيل هيئة سياسية ومكتب متابعة للتحاور مع التحالف الدولي، قوامه شيوخ ووجهاء العشائر الموجودة هناك، في رسالة واضحة تبين رغبتها في استلام ملف المنطقة بدلاً عن قسد”. محذراً في هذا السياق من أن “هذا الصراع بين العشائر و”قسد” ينذر بجعل المنطقة برمتها على صفيح ساخن قابل للانفجار في أي لحظة إن لم تحسن “قسد” التصرف”. 

وعقب الاحتجاجات الأخيرة، حاولت “الإدارة الذاتية”، ومن ورائها “قسد”، امتصاص غضب الشارع. في هذا الإطار، ظهر الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، عبد حامد المهباش، في فيديو نشر على صفحة “الإدارة الذاتية” على “فيسبوك” في 19 أيار/ مايو الحالي، عبر فيه عن أسفه لما حصل خلال الاحتجاجات، ومعزياً أهالي الضحايا الذين سقطوا فيها. كما أصدرت القيادة العامة لقوى الأمن الداخلي شمال شرق سوريا بياناً بشأن ما وصفته تهديداً “للسلم الأهلي” في مناطق الإدارة الذاتية، تحدثت فيه عن استغلال بعض “المتربصين والعابثين بالأمن العام والذين لهم ارتباطات وأجندات خارجية” لتلك الاحتجاجات، لخلق حالة من “الفتنة” بين مكونات الشعب والقوى العسكرية والأمنية، وحالة من “الفوضى” بالاعتداء على المؤسسات العسكرية والمدنية، امتد على حد وصف البيان إلى “استخدام السلاح على المتظاهرين وأعضاء قواتنا”. داعياً البيان الأهالي إلى “الانتباه والحذر من هذه الأعمال”.

لكن بيانات “قسد”، برأي محمد العكيد، “تشبه إلى حد كبير بيانات النظام السوري الذي يتهم “داعش” والتنظيمات الإرهابية بدلاً من الاعتراف بجرائمه”. معتبراً أن “حيل “قسد” تلك لم تعد تنطلي على الأهالي”، لاسيما مع شروع “قسد” منذ صدور القرار 119 في “تنفيذ حملات دهم واعتقال للشبان بريف الشدادي في محافظة الحسكة بحجة أنها تحاول القبض على العابثين كما سمتهم، وكالعادة التهمة جاهزة لاعتقالهم، ألا وهي انتسابهم لخلايا داعش”.

وفسر العكيد استخدام عناصر “قسد” الرصاص الحي في مواجهة المتظاهرين، على أنه “رسالة واضحة تدلل بها على قوتها العسكرية الفارضة لسلطة الأمر الواقع وتحمل تهديداً للعشائر في حال استخدموا السلاح ضدها”.

وأردف أن “عشيرة البكارة لن تصمت على أفعال “قسد”، حتى أن مكاتب مجلس دير الزور المدني [التابع لـ”قسد”] أغلقت في منطقة المعامل من قبل عشيرة البكارة أول من أمس [الإثنين]، بسبب محاولة “قسد” اعتقال بعض رؤساء اللجان [في المجلس من عشيرة البكارة] بتهمة الفساد المالي والإداري، من دون أن تحاسب قياداتها على فسادهم الأكبر”.

بالنتيجة، فحتى لو عمدت الإدارة الذاتية إلى تخفيض نسب الرفع على أسعار المحروقات في أي قرار لاحق، فإنها “ستعوضها من جيوب المواطنين”، بحسب علاوي، “عبر فرض الضرائب وخاصة على المزارعين، أو من تهريب النفط إلى مناطق النظام، أو المعابر المائية عبر النهر”. لذا فإن “الاحتجاجات الأخيرة وإن خمدت قليلاُ، ستعود في  قادم الأيام بصورة أعنف تجاه أي قرارات مجحفة، أو ردات فعل غير مدروسة من قبل “قسد””. 

شارك هذا المقال