7 دقائق قراءة

محمية قطط شرقي حلب تستقطب حشدا من الممولين وتعلم كيف يكون الرفق بكل شيء

“لكل قطة قصة”، كما يقول محمد علاء الجليل، سائق سيارة […]


“لكل قطة قصة”، كما يقول محمد علاء الجليل، سائق سيارة إسعاف في مجمل وقته في مناطق شرقي حلب الخاضعة لسيطرة الثوار، ويعتني بالقطط فيما يتاح له من وقت.

قط “السيخوي” وسمي على اسم الطائرات المقاتلة الروسية لسرعته، وقط “زورو” النبيل، لأنه دافع عن قطة من هجوم القطط عليها. وأيضا القط “البغدادي” الذي يقتل القطط ويأخذ طعام الأخرين، مما جعله يحظى باسم قائد تنظيم الدولة.

جميع حقوق الصور المنشورة لـ محمد علاء الجليل

وسرد الجليل هذه الحكايات وغيرها عن 170 من القطط الأخرى، وكلبين وغيرها من الحيوانات الأخرى التي يطعمها ويأويها في محمية القطط ، الأولى من نوعها، في حي مساكن هنانو، شرقي حلب،إحدى النقاط الثورية المشتعلة في سوريا.

ولكن، كيف يدير الجليل محمية حيوانات في منطقة حرب؟. والجواب أنه ليس لوحده؛ فمعه شبكة من الداعمين حول العالم وتتبرع بآلاف الدولارات ليس فقط للحيوانات الضالة التي تتجول في شرقي حلب، وإنما أيضاً للناس الذين يعانون وطأة الحصار والقصف.

“تعرضت أطراف من المحمية للقصف ولكن بدون إصابات تذكر بين القطط ولكن حال القطط كحال البشر الكثير من الخوف والرعب”.

وفي السنة الماضية، قرأت عازفة للكمان من أصول لبنانية وناشطة إنسانية، تعيش في سيرمونا، إيطاليا، على بعد نحو 2500 كم من الجليل، تقريراً على الفيسبوك عن عمله مع القطط  واهتمامه بها.

وقالت آليساندرا عابدين، لسوريا على طول، “قررت على الفور البحث عنه والتواصل معه”.

وتواصلت مع الجليل، باللغة العربية، ومعاً أسسوا مجموعة على الفيسبوك Il gattaro d’Aleppo أو رجل القطط في حلب.

وتربط المجموعة، والتي تضم ما يقارب 4500 عضو الجليل بداعميه حول العالم في إيطاليا، نيوزيلندا، المغرب، بولندا، كوريا الجنوبية وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها من الدول، وتنسق جمع التبرعات لعمله من أجل الحيوانات والناس في حلب.

في آواخر عام 2015، وعلى أمل الدعم المالي الثابت، افتتح الجليل محمية قطط ارنيستو، والتي سميت وفاءً لقطة عابدين التي توفيت بالسرطان. وبفضل تبرعات الداعمين صمدت المحمية واستمرت وأتاحت للجليل شراء الطعام للقطط.

وفي كل يوم ينشر الجليل صوراً للقطط في المحمية، وفي بعض الأحيان ينشر صوراً عن عمله كمسعف أول. ويثني أعضاء المجموعة عليه بكثير من رسائل المحبة ويشيدون بعمله ويدعمونه والقطط.

“بعد كل أعمال الإنقاذ اليوم، بعد كل المآساة والألم ـ ما تزال القطط تأكل” علق أحد الداعمين، على صورة حديثة نشرها الجليل: “نحبك لأنك ترينا كيف الحب يكون”.

ويدعم أعضاء المجموعة عمل علاء بإرسال التبرعات لعابدين من خلال موقع تحويل المال PayPal  أو  Postepay

وتصل الأموال التي تم جمعها إلى علاء من خلال Syria Charity (سوريا الخيرية)، منظمة إغاثية فرنسية تشرف على المستشفى الذي يعمل به علاء. وتدعم هذه النقود محمية القطط بالإضافة إلى الأعمال الإنسانية الأخرى التي يقوم بها علاء في حلب.

وعلى سبيل المثال؛ فأعضاء المجموعة تبرعوا مؤخراً لمساعدة علاء في تصليح سيارة الإسعاف التي يقودها بعد أن تضررت بغارة جوية في مدينة حلب، الأسبوع الماضي. وفي الأيام الأخيرة، بلغت التبرعات الفردية لأعضاء المجموعة 800 يورو، وكان معدل التبرع نحو 40 يورو.

وما لا يعلمه الكثير من الناس، وفق ما أشارت عابدين لسوريا على طول، أنه ومن خلال محمية القطط، “جمعنا الكثير من التبرعات لمساعدة الناس في حلب على جميع المستويات”.

وخلال حصار حلب، الذي استمر لشهر من قبل قوات النظام في حزيران الماضي، قال الجليل إن “أصدقائي حول العالم مولوني بمبالغ لأشتري الطعام بها للناس والقطط”.

توزيع الحلوى لأطفال شرقي حلب في فترة  حصار تموز.

وصمدت القطط على خليط الرز والمرتديلا، “ولم ترغب به في البداية ولكنها تعودت عليه لأنها كانت جائعة”، وفق ما قال الجليل، وتلقى أهالي حلب الطعام. ووزع الجليل الحلوى للأطفال. وحين تمكن الثوار من كسر الحصار في أوائل آب، دخلت المساعدات الغذائية إلى شرقي حلب للناس وعادت القطط للحم الطازج والعظام.

وذكر الجليل أنه منذ عام 2015، وبفضل التبرعات الفردية “قمنا بافتتاح ثلاثة أبار تخدم 2000 شخص في حلب، وتم شراء سيارتي إسعاف، إلى جانب مساعدة الكثير من الناس إغاثياً”.

ومن خلال التبرعات أيضاً، أُنشئت حديقة للأطفال بجانب المحمية، وإليها تنظم منظمات الأطفال المحلية ودور الأيتام النزهات والرحلات للترفيه عن الأطفال وإبعادهم عن جو العنف والقصف الذي لا يتوقف.

وقال محمد، الذي يعمل في دار لتعليم الأطفال في حلب تنظم نشاطات وألعاب لأطفال الحي، “سمعت عن بيت القطط عن طريق شخص أخبرني عن حديقة الألعاب التي بجانبها من أجل أن أصطحب الأطفال إليها”.

وأرهقت الحرب الأطفال وأتعبتهم، “فصوت وشدة الإنفجارات في المدينة تفرض عليهم ضغطاً نفسياً”، وفق ما قال محمد، مضيفاً “ولذلك فإننا نحاول الخروج بهم إلى أماكن تخفف عنهم من وطأة الحرب”.

وفي كل يوم جمعة يتردد محمد بصحبة الأطفال الذين يرتادون دار التعليم لزيارة القطط في المحمية وحديقة الأطفال بمحاذاتها.

والأطفال عموماً يحبون الحيوانات، كما أوضح  محمد لسوريا على طول، وهو يتذكر زيارته الأولى للمحمية، “فرح الأطفال كثيراً في بيت القطط ولعبوا معها”.

والقطط التي تربت في البيوت أليفة بطبعها وعقد شريط أحمر على أعناقها، فالأطفال يستطيعون أن يميزوا أياً منها يمكنهم الاقتراب منها بآمان ومداعبتها.

ولفت محمد إلى أن الأطفال “اندهشوا برؤية جميع هذه القطط معاً بأم أعينهم، وكانوا يحملوها ويلعبون معها في الحديقة، وكانوا سعداء جداً بها وكنت سعيدا بهم أيضاً”.

“القطط الجديدة دائماً تأتي إلى المحمية، وتأتي معها قطط آخرى”

وتتألف محمية قطط ارنيستو من باحة مغلقة وارفة الظلال، يحاذيها بيت وفناء تنام به القطط خلال الشتاء، وغرف للعناية بالحيوانات الجريحة.

وقال الجليل “الدفاع المدني يحضرون لي القطط المصابة أو التي تعرضت لكسور ولست طبيب بيطري، ولكن ضمن مجال خبرتي أساعد بتجبيرها أو تقطيب الجروح”. وأشار إلى أن أحد الكلاب التي تعيش في المحمية أتى إليه برجل مكسورة وبقي بعد شفائه.

ولفت الجليل إلى أن “هناك علاقة وطيدة بين الإنسانية والرأفة بالحيوان، وبين إنقاذ إنسان مصاب وعلى وشك الموت، وبين حيوان مصاب يحتاج المساعدة”.

ويتلقى اثنين من الأشخاص المشرفين على المحمية، وهما أصدقاء للجليل، راتباً لحراسة المحمية وإطعام القطط، أثناء انشغاله بما يخلفه القصف من عواقب أو بنقل المدنيين الجرحى.

“الرفق في كل شيء”

حين امتدت الحرب إلى مدينة حلب في عام 2012، وتحولت إلى بؤرة لدوامة لا متناهية من العنف، اختار الجليل أن يبقى وراء الكواليس لينقذ ويعتني بالناس والحيوانات في المدينة على حد سواء.

وقال الجليل، وهو أب لثلاثة أطفال، وعامل كهربائي، لسوريا على طول، “كنت أعتني بالقطط منذ صغري، وعائلتي تحب القطط ولدي بعضها (…) أحممها وأجعلها تنام بجواري”.

وبعد أن غادر الأهالي هذه المنطقة بسبب القصف، لم يعد هناك مخلفات تأكل القطط منها، وفق ما قال الجليل لسوريا على طول؛ فـ”كانت القطط  تأتي لبيتي ويتجمعن حولي وأطعمهن”.

وأشار الجليل إلى أن “الرحمة لكل شيء وليس للإنسان فقط، إنما بالحيوان الذي أصيب أو الذي لايجد شيء يأكله”.

واعتاد الجليل بعد أن يمضي دوامه في سيارة الإسعاف أن يجمع بقايا الطعام ويبدأ بإطعام القطط في الشوارع المجاورة. وانتشرت صوره وهو يعتني بالقطط على النت انتشار النار في الهشيم منذ عامين، ولقب بـ”رجل القطط في حلب”. وفي نهاية المطاف وصلت إلى آليساندرا عابدين وتم تأسيس مشروع محمية القطط.

“أن تحب كل شيء”

ولأن محمية القطط فتحت أبواباً من النعم واللطف الخفي للمجتمع المحلي، وجلبت المساهمات النقدية لتمويل مشاريع مختلفة لطالما كانوا هم بأمس الحاجة والإضطرار إليها، فإن ذلك أثر على نظرة الأهالي أنفسهم للقطط التي اعتادوا رؤيتها وفق ما قال الجليل لسوريا على طول.

وأوضح الجليل “كثير من الناس شعرت أن القطط سبب أيضاً في إطعام المحتاجين ومساعدة من يحتاج مبالغ مالية فبدؤوا يرأفون  بها، وألفت الناس بيت القطط، واصبحوا يحضرون لي القطط الجائعة من الشوارع”.

وقبل مغادرة المدينة، أوكل بعض النازحين لعلاء الجليل مهمة رعاية كلب وقطط لهم في غيابهم. وهو يحاول قدر الإمكان أن تبقى هذه الحيوانات الأليفة التي اعتادت منازل أصحابها داخل المحمية بعيداً عن القصف وبرد الشتاء القادم.

إلا أن بعض القطط  فيها من الوفاء ما يمنعها عن نسيان أناس كانوا برفقتها طويلا وهجروها، وهي تلازم منازل أصحابها أملاً في أن يعودوا ذات يوم. وهذه القطط لا تأتي لزيارة المحمية إلا في أوقات الوجبات، كما بين الجليل ومن ثم تعود أدراجها إلى منازل اعتادتها في انتظار أصحابها.

ومع ذلك، وبالضبط مع عقارب الساعة، فإن هذه القطط التي تتجول في حلب، على عجل تأتي مرتين يومياً إلى محميتها وواحتها المظللة بأشجار الزيتون لتأكل.

واعترافاً بجميل عمله الإنساني، رشح الجليل لجائزة نوبل من قبل بلدية ميلانو في إيطاليا، في شهر آب الماضي، مستشهدة ًبـ”حبه واعتنائه بكل شيء حي”.

وختم الجليل “دوري كمسعف أن لا أفرق بين من يحتاج المساعدة، ومعنى أن تحب القطط الصغيرة الضعيفة هو أن تحب كل شيء”.

للمساهمة في مشروع محمية قطط ارنستو، انقر هنا على رابط الصفحة للإرشادات.

 

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال