4 دقائق قراءة

مخيمات إدلب تسجل إصابات بـ”الكوليرا”: وباء جديد يحل على سوريا وسط بيئة صحية هشة

سجلت مخيمات كفرلوسين في ريف إدلب الشمالي أول ثلاث إصابات بمرض الكوليرا، وبذلك انتشر الوباء في كل مناطق الصراع في سوريا، في ظل بيئة صحية هشة


26 سبتمبر 2022

عمان- سجلت مخيمات كفرلوسين بريف إدلب الشمالي، الواقعة ضمن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، اليوم الإثنين، أول ثلاث إصابات بمرض “الكوليرا”، وفقاً لمديرية صحة إدلب، وبذلك ينتشر الوباء في كل مناطق الصراع بسوريا، بعد تسجيل إصابات في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومناطق سيطرة النظام، ومناطق سيطرة الجيش الوطني (المعارض) في ريف حلب الشمالي.

وثق برنامج الإنذار المبكر في وحدة تنسيق الدعم، وهي منظمة غير حكومية، تسجيل 4100 إصابة بـ”الكوليرا”، حتى 25 أيلول/ سبتمبر الحالي، في شمال شرق سوريا وشمالها الغربي، غالبيتها في مناطق سيطرة “قسد”، التي سجلت 4,017 إصابة، منهم 17 حالة وفاة. فيما بلغ عدد الإصابات بحسب أرقام وزارة صحة دمشق 338 إصابة، غالبيتها في محافظة حلب، التي سجلت 230 إصابة، فيما بلغ عدد الوفيات 29 حالة، 25 منها في حلب.

بعد تفشي مرض “كوليرا” في ريف دير الزور الغربي، وهي أكثر المناطق تسجيلاً للإصابة في سوريا، انضم عماد الأحمد، وهو صيدلاني من ريف دير الزور الغربي، إلى مجموعة من المتطوعين الشباب “لتوعية أهالي المنطقة بخطورة الوباء وآلية مواجهته لكسر سلسلة العدوى”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشدداً على أهمية التوعية في ظل تدهور القطاع الصحي في سوريا.

وشكلت لجنة الصحة التابعة للإدارة الذاتية في محافظة الحسكة، اليوم الإثنين، خلية أزمة لمواجهة ورصد حالات الاشتباه بـ”الكوليرا”، التي ظهرت في الحسكة وريفها، بالتنسيق مع البلدية ومؤسسة المياه ومنظمات المجتمع المدني.

أسباب تفشي الكوليرا

بالتزامن مع مؤتمر الصحة العالمية في دمشق، عقدت هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا مؤتمراً صحفياً، في 21 أيلول/ سبتمبر الحالي، بمدينة القامشلي، كشفت فيه عن واقع الإصابات في مناطق نفوذها، وأشار الرئيس المشترك لهيئة الصحة في الإدارة الذاتية، الدكتور جوان مصطفى، خلال المؤتمر إلى أن “التحاليل أثبتت وجود ضمة الهيضة المسؤولة عن المرض في نهر الفرات”.

وعزا ذلك إلى انحسار مياه الفرات “وتحوّله في كثير من المناطق لمستنقعات، فضلاً عن تلوث الخضروات المروية بمياه النهر”.

تأكيداً على ذلك، قال الدكتور حسن أمين، عضو الهلال الأحمر الكردي لـ”سوريا على طول”، إن “انحسار مياه نهر الفرات وأنهار أخرى، مثل جقجق والخابور في محافظة الحسكة، أدى إلى تشكل المستنقعات، وتحولها إلى أماكن تجمع الأوساخ، وبالتالي تسببت بتلوث البيئة والمياه”.

وكذلك، دفع القطع المتكرر لفصائل الجيش الوطني في رأس العين مياه محطة علوك، التي تغذي أجزاء من محافظة الحسكة، “الكثير من الناس إلى شرب مياه غير صالحة للشرب”، بحسب أمين، ناهيك عن “سقي المزروعات بمياه ملوثة مصدرها الصرف الصحي في نصيبين”، وهي مدينة تركية في الطرف المقابل للقامشلي.

وتعود الإصابات بـ”الكوليرا” في دير الزور إلى “وجود كم كبير من قنوات الصرف الصحي التي تصب في نهر الفرات”، وفقاً للصيدلاني الأحمد، يعزز ذلك “توقف أغلب محطات المياه والتنقية عن العمل بسبب سوء خطوط المياه والاعتماد على الآبار العشوائية أو مياه الصهاريج غير المعقمة”.

من جهته، عزا الدكتور محمد صالح تسجيل الإصابات بـ”الكوليرا” في أنحاء سوريا، بما في ذلك مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال سوريا إلى “اشتراك مصادر المياه بين المناطق”.

بيئة هشة

يستذكر الصيدلاني عماد الأحمد وباء الكوليرا الذي شهدته سوريا في عامي 2008 و2009، حيث كان مرافقاً آنذاك لمريض مصاب بـ”الكوليرا” في أحد المشافي، مشيراً إلى أن “الوضع كان كارثياً والمشافي مكتظة”، لكن هذا لا يقلل من خطورة تفشي المرض حالياً، لأن “الظروف مهيأة والقطاع الطبي غير مستعد لمواجهة الوباء”.

ويخشى الأحمد من أن يكون تفشي مرض “الكوليرا” بمثابة الضربة القاضية بالنسبة للقطاع الصحي الذي “خرج لتوه من أزمة كورونا، وما تزال المنطقة تشهد وفيات يومية بسببه حتى اليوم”، كما أوضح، متسائلاً: “ماذا سيكون الوضع الصحي في المنطقة أمام الوباء الجديد؟!”، معبراً عن استيائه من استجابة الإدارة الذاتية للوباء الجديد.

منذ إعلان تفشي الوباء رسمياً في مناطق “قسد”، لم تقدم المؤسسات التابعة لها إلا على “تعقيم مصادر المياه العشوائية بهدف تعقيمها”، بحسب الأحمد، محذراً أن المشكلة ليست بشدة الأعراض، كون “غالبية الحالات تعاني من إسهال روتيني”، وإنما تكمن الخطورة “بعدم جاهزية البنية التحتية للتعامل مع الوباء”، على حد وصفه.

ورغم ارتفاع أعداد الإصابات بمرض “الكوليرا” في دير الزور، أعلنت هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية عن رفد مستشفى الكسرة بـ”14 سريراً، 18 حامل سيروم، و20 ستارة طبية خاصة بمرضى الكوليرا”، في مؤشر على ضعف الاستجابة.

ومع أن أعداد الإصابة بـ”الكوليرا” في شمال غرب سوريا قليلة مقارنة بشمال شرق سوريا، إلا أن تسجيل إصابات في منطقة يقطنها نحو أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، ينذر بكارثة إنسانية، خاصة في ظل “ضعف البنية التحتية، وشح المياه الصالحة للشرب، والتجمعات السكانية الكبيرة في المخيمات”، وفقاً للدكتور محمد صالح، مسؤول في مركز الإنذار المبكر، وهي “عوامل تؤهب للانتشار”.

وحتى اليوم “لا توجد مراكز طبية مخصصة لاستقبال المصابين بالكوليرا” في شمال غرب سوريا، كما قال صالح لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أنه “يتم العمل لتأهيل بنية تحتية طبية خاصة”.

من جهته، كشف الدكتور حسن أمين عن تنظيم فرق الهلال الأحمر الكردي في شمال شرق سوريا لـ”حملات توعية بين الناس، وإجراء زيارت ميدانية إلى المدارس وتوعية المدرسين الذين يقومون بدورهم في توعية طلابهم”، كما قال، إضافة إلى “عمليات تعقيم خزانات المياه في المدارس والدوائر الرسمية”.

ومع تأكيده على ضرورة الاستجابة لمواجهة الوباء الجديد، والتنسيق المستمر مع هيئة الصحة في الإدارة الذاتية ومنظمة أطباء بلا حدود ومنظمة الصحة العالمية، وهو ما يقوم به الهلال الأحمر الكردي حالياً، شدّد أمين على أن “التوعية أهم سلاح لوقف الوباء”، مشيراً إلى أن “النظافة الشخصية، وشرب مياه نظيفة، أو غلي الماء قبل شربه، وغسل الخضروات، وتعقيم خزانات بمادة الكلور من التدابير التي تحدّ من تفشي الكوليرا”.

أثناء جولاته الميدانية، لاحظ الصيدلاني الأحمد “استجابة الناس في دير الزور لفرق التوعية، حيث بدأت بشراء أقراص تعقيم المياه من الصيدليات”، لكنه يتخوف من أن السوريين عموماً لم يعودوا يكترثوا للمخاطر والأوبئة، لأنه على حد قوله “لم تعد تصدمنا أي فاجعة”.

شارك هذا المقال