4 دقائق قراءة

مخيم الركبان: النسيان يعمق الحصار الطبي بعد الغذائي

يضم "الركبان" نقطتين طبيتين يشرف عليهما ممرضون، وتقدمان الخدمات الإسعافية كما تجرى فيهما الولادات الطبيعية. أما "نقطة اليونيسيف" التي تقع داخل الأراضي الأردنية، فكانت المركز الوحيد الذي يجري عمليات جراحية.


24 يونيو 2021

عمان- “ابني يصارع الموت بين يدي ولا أستطع فعل شيء له”. هكذا بدأت السيدة أم ماهر المقيمة في مخيم الركبان، قرب الحدود السورية-الأردنية، حديثها لـ”سوريا على طول”. إذ يعاني الطفل ذو السنة وثلاثة أشهر، من “فتق في إحدى خصيتيه تحول إلى تورم كبير فيها، يرافقه إقياء وارتفاع في الحرارة”، كما أوضحت الأم.

حالة ماهر الصحية ليست الوحيدة في المخيم التي تحتاج عملاً جراحياً فورياً؛ إذ هناك “ثلاثة أطفال آخرين يعانون فتق الخصية”، بحسب مدير نقطة تدمر الطبية في المخيم، الممرض شكري شهاب، “إضافة لسيدتين حالتاهما حرجتان أيضاً. إذ تعانيان وجود ألياف في رحميهما، وتفاقمت حالتاهما لنزف مستمر في الرحم”.

وكانت هيئة العلاقات العامة والسياسية للبادية السورية في مخيم الركبان، ناشدت في بيان لها في 11 حزيران/يونيو الحالي، العاهل الأردني عبدالله الثاني السماح للمرضى ذوي “الحالات الحرجة من الأطفال والنساء التي تتطلب إجراء عمل جراحي” الدخول إلى المستشفيات الأردنية. 

إذ إن عدم توفر فرصة دخول المرضى إلى مستشفيات الأردن يعني اضطرارهم “للذهاب الى مناطق النظام مرغمين”، كما أوضح البيان، “مهددين بالاعتقال أو أعمال الانتقام التي يمارسه هذا النظام بحق كل من تضطره الظروف الصحية للتوجه إلى تلك المناطق”.

مشافي النظام، “مسالخ بشرية”، “هذا إن استطعت الوصول إليها من دون أن تعتقل أو تقتل”.

حصار طبي

في العام 2016، أغلق الأردن حدوده مع “الركبان” على خلفية هجوم إرهابي لتنظيم “داعش” استهدف القوات المسلحة الأردنية في المنطقة. وهو ما وضع المخيم الذي يضم حالياً 12,700 إنسان، في حالة حصار غذائي نتيجة إصرار نظام الأسد وروسيا على عدم إيصال مساعدات غذائية للمخيم عبر الأراضي السورية. إذ يعود تاريخ دخول آخر قافلة إغاثة تابعة للأمم المتحدة الركبان عبر الأراضي السورية إلى العام 2019.

مع تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، أضيف إلى الحصار السابق حصار طبي، نتيجة إغلاق النقطة الطبية التابعة لمنظمة اليونيسيف على الجانب الأردني من الحدود منذ 18 آذار/مارس 2020، كأحد الإجراءات الاحترازية الأردنية لمواجهة تفشي الوباء. علماً أن آخر كمية مواد طبية دخلت المخيم، ضمن قافلة مساعدات إنسانية مشتركة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري، كانت في شباط/فبراير 2020، وضمت مواداً طبية أساسية.

ويضم “الركبان” نقطتين طبيتين يشرف عليهما ممرضون، وتقدمان الخدمات الإسعافية وبعض الأدوية وتجرى فيهما الولادات الطبيعية. أما “نقطة اليونيسيف” التي تبعد خمسة كيلومترات داخل الأراضي الأردنية، فكانت المركز الوحيد الذي يجري عمليات جراحية و يقدم معاينات طبية عبر أطباء، ويحول الحالات الحرجة إلى المستشفيات الأردنية.

ومنذ ولادته بعملية قيصرية، عانى ماهر من مشكلات صحية تمثلت “بوجود سوائل على رئتيه، أدت إلى صعوبة في التنفس، واضطرته للبقاء في الخداج بمستشفى الحنان في الأردن”، بحسب أم ماهر. مضيفة: “اكتشفنا فتق الخصية بعد شهر من ولادته. وأخبرني الطبيب في نقطة [اليونيسيف] أنه لا يتم إجراء عمل جراحي للأطفال قبل عمر السنة. لكن عندما بلغ طفلي عامه الأول كانت النقطة الطبية قد أغلقت”.

أما مريم، البالغة 26 عاماً، فرغم قلقها على حياتها، كونها تعاني “نزفاً مستمراً في الرحم منذ شهرين نتيجة وجود ألياف فيه”، كما ذكرت لـ”سوريا على طول”، و”بحاجة لعملية جراحية مستعجلة لاستئصال الألياف”، يظل قلقها الأكبر على طفلها محمود البالغ 7 أعوام، ويعاني الصرع.

قبل سنتين، بدأت أعراض الصرع عند محمود “بوهن عام في الجسم وعدم القدرة على الحركة، تطورت إلى حالات إغماء تستمر لثلاثين ثانية”، كما روى والده. 

والد الطفل محمود يروي المعاناة الطبية للعائلة داخل المخيم الصحراوي

وبعد معاناة امتدت أشهراً، كون حالته “لا تعد من الحالات الحرجة (برغم أنه صار يفقد الوعي لساعات)، تم نقله للمشافي الأردنية، وأجريت له الفحوصات العصبية، وصرفت له أدوية عصبية، تحسن عليها كثيراً وتوقفت نوبات الصرع لديه”، كما أضاف الأب. 

لكن بعد إغلاق النقطة الطبية “توقف صرف الأدوية العصبية لطفلي، وصرت أخفض جرعة الدواء له كي يكفيه أطول فترة ممكنة”. 

ومع استمرار إغلاق نقطة اليونيسيف، اضطر والد محمود إلى التواصل مع طبيب يقيم شمال غرب سوريا ليصف لولده دواءاً بديلاً عن الدواء الذي نفد، “خاصة وأن الدواء الموصوف لمحمود سابقاً من المشافي الأردنية، لا تبيعه الصيدليات في مناطق النظام إلا بوصفة طبية من طبيب يقيم في مناطق سيطرتها حصراً”، بحسب أبو محمود.

وقد استطاع الأب، من خلال أحد المهربين، جلب دواء بديل من مناطق سيطرة النظام لا يحتاج وصفة طبية، إلا أنه لم يكن ذي فعالية على محمود، إذ “عادت له نوبات [الصرع] بشكل أكبر لتصل إلى 14 مرة في اليوم، يفقد فيها الوعي لثلاثين ثانية، أشعر فيها بأني فقدت طفلي تماماً”.

عالقون في المعاناة

“ليست هناك أي معلومات حول ما إذا كانت ستستأنف “نقطة اليونيسيف” عملها مجدداً أم لا”، بحسب ما قالت مديرة التواصل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باليونيسف، جولييت توما، لـ”سوريا على طول”. إذ يتعلق الأمر “بقرارات الحكومة الأردنية، ولا شأن لنا فيه”.

وفيما لم يتمكن “سوريا على طول” من الحصول على رد من الحكومة الأردنية بهذا الشأن، فقد كان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، جدد في تغريدة له على تويتر، في 20 نيسان/ أبريل 2020، الموقف الأردني بأن مخيم الركبان “ليس مسؤولية الأردن”، وأنه يمكن تلبية احتياجات المخيم “من داخل سوريا”، مؤكداً أن أولوية الأردن صحة مواطنيه، إذ “نحن نحارب كورونا، ولن نخاطر بها بالسماح بدخول أي شخص من المخيم”. 

ورغم أن المعطيات المتوفرة لا تشير إلى قرب فتح النقطة الطبية على الجانب الأردني، أو تحويل الحالات الحرجة في “الركبان” إلى المشافي الأردنية في وقت قريب، فإن مريم وأبو محمود وأم ماهر يجمعون على أن العلاج في مشافي النظام ليس ضمن خياراتهم. إذ “لا آمن على نفسي في مناطق سيطرة النظام”، كما قالت أم ماهر التي عملت متطوعة في المخيم ضمن الفريق المنسق مع نقطة اليونيسف الطبية، لأن “كثيرين ذهبوا هناك لعلاج ذويهم وتعرضوا إما للاعتقال أو المساءلة، وأنا لا أريد خسارة نفسي وطفلي معاً”.

في السياق نفسه، عبر أبو محمود عن رفضه إرسال طفله محمود وزوجته مريم إلى مشافي النظام، لأنها “مسالخ بشرية”، على حد وصفه، “هذا إن استطعت الوصول إليها من دون أن تعتقل أو تقتل”.

وسبق أن قام نظام الأسد باعتقال 174 شخصاً عائداً من مخيم الركبان إلى مراكز الإيواء في محافظة حمص، بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية في شباط/ فبراير 2019، فتحها معابر تابعة لها في محيط المخيم لاستقبال ومساعدة من يريدون مغادرته إلى مناطق النظام.

ولا يزال أبو محمود يأمل السماح لطفله وزوجته دخول المستشفيات الأردنية. إذ “لا أعلم ما الذي فعلناه للعالم حتى يتم نفينا وحصارنا بهذه الطريقة”، كما قال.

شارك هذا المقال