4 دقائق قراءة

مدنيون سوريون في ليبيا يدفعون ثمن تورط مواطنيهم مع طرفي الصراع

على الرغم من المعلومات بشأن استقدام طرفي النزاع في ليبيا لمقاتلين سوريين، بما في ذلك تصريح سابق لمبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، والذي أعلن استقالته قبل أيام، يواصل الطرفان إنكار هذا الأمر.


عمان- صبيحة يوم السبت 22 شباط/فبراير الماضي، عُثر على الشاب السوري سعيد عبيد مقتولاً رفقة مواطنين ليبيين اثنين، على مشارف مدينة ترهونة الواقعة تحت سيطرة قوات اللواء خليفة حفتر الذي ينازع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً السيطرة على العاصمة طرابلس وكامل أراضي الدولة الليبية. 

قبيل ذلك، نشرت صفحة “ترهونة 24” على موقع “فيسبوك”، تسجيلاً مصوراً يظهر شاباً سورياً مع آخر ليبي لحظة اعتقالهما من قبل اللواء التاسع مشاة، التابع لقوات اللواء حفتر في ترهونة، مشيرة إلى “القبض على مرتزق سوري واثنين من ميليشيات مصراتة” التي يقيم فيها عبيد والواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق. 

وفيما أكد مصدران يقيمان في مدينة مصراتة، مقربان من عبيد (36 عاماً) لـ”سوريا على طول” تعرض الضحية “لتعذيب شديد قبل مقتله، [بحيث وجد] وجهه مهشماً”، وأنه قتل على خلفية “اتهام جماعة حفتر له بأنه مقاتل سوري وصل إلى ليبيا للعمل إلى جانب قوات [رئيس حكومة الوفاق، فايز] السراج”، فإن صالح الشامي (اسم مستعار)، وهو صديق مقرّب من عبيد أوضح أن “سعيد لاجئ سوري وصل إلى ليبيا العام 2012، حيث عمل في مهنة الديكور الداخلي متنقلاً بين طرابلس ومصراتة، ولا علاقة له بأي عمل عسكري”.

مصير مشابه كان لقيه شاب سوري آخر وجد مقتولاً داخل سيارته في طرابلس منتصف الشهر الماضي. إذ فيما لم تتكشف ملابسات الجريمة حتى الآن، رجح شاب سوري مقيم في طرابلس تحدث إلى “سوريا على طول” أن تكون “الحادثة على خلفية كون [الضحية] سوري الجنسية”، مستدلاً على ذلك بكونه “لم يتعرض لعملية سلب ولم تسرق أياً من مقتنياته”، وأنه “يعيش في طرابلس خليط من الناس، وأنصار لطرفي الصراع [حفتر والسراج]”.

وتمثل هاتان الحادثتان أحد تداعيات زجّ مقاتلين سوريين في الصراع الليبي، والتي تطال حتى سوريين مقيمين في ليبيا منذ سنوات. إذ رغم أنه يعيش في منطقة بعيدة عن الاشتباك، في إحدى المناطق القريبة من مدينة بنغازي، قال عبادة البشير (30 عاماً)، الذي وصل إلى ليبيا مطلع العام 2013، لـ”سوريا على طول” إن “الكراهية طالتنا، والمعاملة معنا تغيرت”.

حرب الوكالة: سوريون مع طرفي النزاع

منذ مطلع العام الحالي، تواترت معلومات عن وصول مقاتلين سوريين إلى ليبيا ينتمون إلى فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، للقتال إلى جانب حكومة الوفاق. وقد جاء ذلك عقب توقيع الأخيرة اتفاقاً مع أنقرة للتعاون الأمني والعسكري.

في المقابل، كشف موقع “السويداء 24” المعارض، في شباط/فبراير الماضي، عن تورط حزب مرخص لدى حكومة دمشق في تجنيد مرتزقة من السويداء ومحافظات سوريا أخرى، لقتال إلى جانب قوات اللواء حفتر، بدعم من شركة أمنية روسية. وبحسب تسجيل صوتي منسوب لأمين فرع حزب “الشباب السوري الوطني” في السويداء، شبلي الشاعر، يتقاضى المقاتل مبلغ 1500 دولار أميركي شهرياً، فيما يتقاضى حرس المنشآت مبلغ 800 دولار. 

لكن بحسب صحيفة لوموند الفرنسية، يعود تجنيد مقاتلين سوريين لصالح حفتر إلى العام 2018، ويقدّر عددهم حالياً بنحو 1500 مقاتل. مضيفة أن هذا الأمر يتم بالتنسيق مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك.

يشار هنا إلى إعلان دمشق، في 3 آذار/مارس الحالي، عودة التمثيل الدبلوماسي بين سوريا وليبيا، باعادة افتتاح السفارة الليبية في دمشق من قبل من وصفتها الأخيرة بـ”الحكومة الشرعية في بنغازي”، في إشارة إلى الحكومة الموالية للواء حفتر.

وبحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” مصدر مقرب من قوات حفتر، يعمل في شركة طيران بمدينة بنغازي شرق ليبيا، فقد استقدم حفتر “مقاتلين سوريين إلى جانب تشاديين وفلسطينيين”، وأن “المقاتلين السوريين يتواجدون في قاعدة عسكرية بمنطقة جفرة [وسط ليبيا]، وقد وصلوا إلى مطار بنغازي عبر شركة طيران أجنحة الشام”. لكن مصدراً آخر في بنغازي أيضاً أكد لـ”سوريا على طول” وجود مقاتلين أجانب مع قوات حفتر من مثل “سودانيين ومقاتلين فاغنر [الشركة العسكرية الروسية الخاصة]”، لكنه نفى معرفته بوجود مقاتلين سوريين.

وعلى الرغم من المعلومات بشأن استقدام طرفي النزاع في ليبيا لمقاتلين سوريين، بما في ذلك تصريح سابق لمبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، والذي أعلن استقالته قبل أيام، يواصل الطرفان إنكار هذا الأمر. 

إذ إن المعلومات عن وجود سوريين إلى جانب قوات حفتر “غير صحيحة” بحسب ما قال لـ”سوريا على طول” سامي المتريح، القيادي في قوى الأمن الداخلي التابعة لقوات اللواء حفتر. كما نفى أيضاً سليم قشوط، الناطق باسم القوة الوطنية المتحركة، التابعة لحكومة الوفاق، وجود مقاتلين سوريين ضمن قوات هذه الحكومة، مؤكداً لـ”سوريا على طول” أن الأخيرة تعتمد على القوات التركية في الدعم اللوجستي فقط، ومتهماً حفتر باستقدام سوريين من “لواء فاطميون، يتمركزون في منطقة قصر بن غشير [جنوب العاصمة طرابلس]”.

كراهية تقيّد حركة اللاجئين

مع اندلاع الثورة السورية التي صادفت الذكرى التاسعة لها أول أمس، شكلت ليبيا خياراً لآلاف السوريين، كونها أحد البلاد المستقبلة للعمالة الوافدة التي كان السوريون جزءاً منها.

وقد كانت الأشهر الأولى لوصول السوريين إلى ليبيا “صعبة”، كما يصفها الشاب عارف عبد الحق (35 عاماً) في حديثه لـ”سوريا على طول”، إلى “أن تأقلمنا مع البلد وتسامح أهله معنا”. لكن استقدام مقاتلين سوريين من طرفي النزاع “أعادنا إلى نقطة البداية من حيث الصعوبة، إضافة إلى نظرات الكراهية من الشعب المضيف”، كما أضاف. وهو الأمر الذي أكد عليه أيضاً سليم محمد (50 عاماً)، والمقيم في مدينة طرابلس، بأن “المعاملة الرسمية تغيرت عموماً، والأصعب تعامل البوابات [الحواجز العسكرية] معنا”.

ولأن عائلة عبد الحق، الذي وصل إلى ليبيا العام 2011، تتوزع على مدينتي مصراتة وطرابلس الواقعتين تحت سيطرة حكومة الوفاق، فإن انعكاس وصول المقاتلين السوريين عليه كان مضاعفاً. ففيما كان الانتقال من مصراتة إلى طرابلس، حيث يقيم أهله “سهلاً ولا يحتاج أكثر من ساعتين” كما قال، فإنه اليوم يقضي “أربع ساعات مع وجود تشديد أمني ومضايقات” على الطريق الذي يقع في أجزاء منه تحت سيطرة قوات اللواء حفتر.

وبحسب عبد الحق “تفصل بين المدن الليبية بوابات بعضها يقع تحت سيطرة قوات حفتر. وعندما تخرج من بوابة مصراتة متجهاً إلى طرابلس يتغير كل شيء، إذ تزداد المضايقات على الطريق، وأحياناً نتعرض للإهانة”. مشيراً في الوقت نفسه إلى أن “تأثر السوريين على البوابات أكثر وضوحاً من تأثرهم في مكان إقامتهم داخل المدن” إذ إن “تعامل المواطنين الليبيين ما يزال جيداً مع السوريين”. 

وفيما اعتبر عبد الحق أن “تعميم مصطلح مرتزق على السوريين، بما في ذلك اللاجئون الذين لا علاقة لهم بالمقاتلين القادمين حديثاً، محزن بالنسبة لنا”، ذهب أحمد محارب، المواطن الليبي من مدينة بنغازي، في حديثه إلى “سوريا على طول” إلى أن ذلك “قد يعود سلباً على كل السوريين المقيمين في ليبيا، بأن يصبحوا غير مرغوب فيهم في البلد” معتبراً أن “الشعب الليبي كغيره من الشعوب العربية، شعب انطباعي، وصار ينظر إلى السوري بأنه مرتزق”.

شارك هذا المقال