4 دقائق قراءة

مدينة الباب في مرمى قصف النظام: مخاوف تبددها مصالح أنقرة وموسكو المشتركة

الناس في مدينة الباب بريف حلب المشالي متخوفة، وخصوصاً على المناطق الجنوبية للمدينة، بحكم قربها من طريق M4 الدولي [حلب-اللاذقية]"، إذ يكثر الحديث عن "عمل عسكري محتمل للنظام بهدف تأمين هذا الطريق"


بقلم عمر نور

10 مارس 2021

اسطنبول- في الخامس من آذار/مارس الحالي، استهدفت قوات النظام السوري وحليفته روسيا بسبعة صواريخ أرض-أرض محملة بقنابل عنقودية سوقاً للمحروقات في قرية الحمران وحرّاقات تكرير نفط بدائية في قرية ترحين، الواقعتين شمال شرق مدينة الباب بريف حلب الشمالي، ما أدى إلى مقتل 4 مدنيين بينهم متطوع من الدفاع المدني السوري، وإصابة 42 آخرين بجروح.

جاءت هذه الحادثة في إطار سياسة تصعيد ينتهجها النظام السوري على مدينة الباب، الواقعة ضمن منطقة “درع الفرات” بريف حلب الشمالي، والتي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم من تركيا. 

إذ سبق وتعرضت قرية ترحين، التي تكثر فيها حراقات النفط، في 9 شباط/فبراير الماضي لقصف مصدره قوات النظام المتمركزة في مدرسة المدفعية بالراموسة في حلب، كما قال قيادي عسكري في غرفة عمليات الباب التابعة للجيش الوطني لـ”سوريا على طول”، كما في منتصف الشهر ذاته شهدت الأطراف الجنوبية لمدينة الباب حشوداً عسكرية للفيلق الخامس التابع للنظام السوري والمدعوم من روسيا، بحسب القيادي، الذي اعتبر هدف وصول تلك القوات إلى أطراف الباب “لإنشاء وحماية قاعدة عسكرية في منطقة تل عيشة على أطراف المدينة”.

تخوف من استمرار التصعيد

لطالما كان أبو الوفا الخطيب، أحد سكان مدينة الباب، يشعر بالأمان في المنطقة باعتبارها ضمن مناطق النفوذ التركي، ما يجعلها خارج خارطة استهداف النظام السوري وروسيا، لكن مع تكرار عمليات القصف بدأ يشعر “بالخوف، إلى درجة صرت أفكر بالانتقال من المدينة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وأضاف أبو الوفا “الناس هنا متخوفة، وخصوصاً على المناطق الجنوبية للمدينة، بحكم قربها من طريق M4 الدولي [حلب-اللاذقية]”، إذ يكثر الحديث عن “عمل عسكري محتمل للنظام بهدف تأمين هذا الطريق” كما قال.

كذلك يعبّر ابن مدينة الباب مجد اسماعيل عن تخوفه من عمل عسكري أو تصعيد على مدينة الباب، على اعتبار أن “أي منطقة في سوريا صارت سلعة يمكن تباع وتشترى وفق تفاهمات إقليمية ودولية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، معتبراً أن “الثقة بالضامن التركي تزعزعت، خاصة بعد سيطرة النظام على مناطق واسعة في ريف إدلب الجنوبي” رغم وجود اتفاق تركي-روسي بوقف إطلاق النار.

وعدا عن حالة “الخوف والهلع بين سكان المدينة بسبب القصف”، فإن تكرار مثل تلك الحوادث “تقلل حركة الوافدين إلى الباب” بحسب اسماعيل.

من جانبه، نفى مصدر من المجلس المحلي لمدينة الباب ما يتم تداوله من “إشاعات حول أي عملية عسكرية”، معتبراً أن “الفصائل العسكرية جاهزة للرد على أي عمل عسكري قد يحدث”. وقد حاول “سوريا على طول” الحصول على تعليق من الناطق باسم الجيش الوطني، الرائد يوسف حمود، لكن لم يتسنّ ذلك حتى لحظة نشر التقرير. 

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”سوريا على طول”، بأن “الخدمات التي يقدمها المجلس المحلي، وكذلك خدمات المؤسسات الصحية والتعليمية مستمرة، ولم تتأثر خدمات المجلس بالقصف أو بالإشاعات عن وجود عمل عسكري محتمل”، لافتاً إلى أن المجلس يخدم  175,160 نسمة، وهم إجمالي عدد السكان المسجلين في المدينة، 95,360 منهم نازحون للمدينة.

ماذا يريد النظام في الباب؟

في شباط/فبراير 2017، سيطرت فصائل المعارضة السورية على مدينة الباب، ضمن عملية “درع الفرات” العسكرية، التي أطلقتها تلك الفصائل بدعم تركي في 24 آب/أغسطس 2016 لطرد تنظيم داعش من ريف حلب الشمالي، ومنذئذ تشهد المنطقة الواقعة ضمن النفوذ التركي استقراراً في الخدمات والتعليم والصحة بفعل دعم أنقرة لتلك المنطقة.

ورغم أن مناطق النفوذ التركي آمنة من قصف النظام، إلا أن “الممارسات الأخيرة للنظام ومن ورائه روسيا هي محاولات لتغيير المسارات السياسية أو الضغط على مباحثات آستانة واجتماعات اللجنة الدستورية”، كما قال المحلل العسكري والاستراتيجي العقيد أحمد حمادة لـ”سوريا على طول”، معتبراً أن التركيز على مدينة الباب دون غيرها، بسبب “موقعها الجغرافي المميز، إذ تقع على حدود الطريق الدولي M4، وقربها من مدينة حلب التي تبعد عنها 35 كيلومتراً”.

وبما أن مدينة الباب “خارج التفاهمات العسكرية والسياسية التركية-الروسية في الشمال السوري”، كما قال المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو لـ”سوريا على طول”، فإن “أسباب التصعيد يشير إلى عدد من السيناريوهات، منها: محاولة الروس الحصول على تنازلات من تركيا في مواقع أخرى بسوريا”،  أو أن “النظام والروس يحاولون لفت الأنظار إلى ملفات ثانوية، مقابل إشغال المجتمع الدولي عن قضايا أساسية مهمة من قبيل الانتقال السياسي والمفاوضات”.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي السوري محمد علي الصابوني، أن تحركات النظام في مدينة الباب “لا تعدو أكثر من مناورة عسكرية تحمل رسائل سياسية موجهة لتركيا”، مشدداً في حديثه إلى “سوريا على طول” على أن “تركيا لن تتخلى عن مدينة الباب، التي تقع في منطقة تعدّ عمقاً استراتيجاً لها”.

وأضاف الصابوني “يمكن لتركيا أن تفاوض على أي شيء يخدم مصلحتها كدولة، لكنها لا يمكن بحال من الأحوال أن تفرط بهذه المناطق الحدودية مع بلادها، إذ هي بالنسبة لتركيا خارج نطاق التفاوض”.

تصعيد لا يفسد العلاقات التركية الروسية

يستبعد الأكاديمي والمحلل السياسي السوري د.محمود الحمزة، المقيم في موسكو، أن يتطور التصعيد العسكري في مدينة الباب إلى عملية عسكرية تؤدي إلى تغيير في خارطة السيطرة العسكرية، معتبراً أن “روسيا تراعي المصالح والمخاوف الأمنية التركية”. كذلك كما قال لـ”سوريا على طول”، فإن موسكو “لن تقدم على أي خطوة من شأنها أن تدعم مصالح قسد [قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا] على حساب الأتراك”.

ويعود ذلك بحسب الحمزة إلى “وجود مصالح مشتركة كبيرة بين روسيا وتركيا، على أكثر من صعيد وداخل سوريا وخارجها، من قبيل الاستثمارات والسياحة وفي المجالات العسكرية والسياسية”. ومنذ تحالف موسكو وأنقرة في 2016 حققت الدولتان، كما قال الحمزة، “نتائج كبيرة في سوريا، لذلك لن تفسد روسيا علاقاتها مع تركيا في الباب أو في مناطق درع الفرات”.

واعتبر الحمزة أن ما يجري في مدينة الباب هدفه “البحث عن تفاهمات وتقاطع مصالح”، لذلك “لن تدخل الدولتان [وهما الضامنتان إلى جانب إيران لمباحثات أستانة] في صراعات تفسد مصالحهما”.

في المقابل، فإن “الرؤية التركية تتمثل في أن أي تغيير في خارطة السيطرة شمال سوريا لن تكون على حساب المعارضة السورية المدعومة من أنقرة”، كما قال المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو، معتبراً أن “تركيا تسعى للحفاظ على التفاهمات مع روسيا في مناطق خفض التصعيد، ولن تسمح للنظام في قضم مساحات جديدة من الأراضي”. مع ضغطها “للتعجيل في تفعيل عمل اللجنة الدستورية للبدء في عملية الانتقال السياسي”.

شارك هذا المقال