5 دقائق قراءة

مصابو الأمراض النفسية في إدلب يعانون من وصمة العار ونقص الأطباء النفسيين

أزالت سعاد ناجي جميع صور زوجها وابنتها المتوفيين عن جدران […]


أزالت سعاد ناجي جميع صور زوجها وابنتها المتوفيين عن جدران منزلها في إدلب قبل عام، وتركت الصور وكل ماتملكه وانتقلت إلى منزل جديد على الجانب الآخر من المدينة على أمل أن تساعد بداية حياة جديدة ابنيها الناجيين في تخطي صدمة ما خسروه.

لم تضع الصور مجدداً.

توفي زوج الناجي وابنتها البالغة من العمر ست سنوات في هجوم بغاز السارين في شهر نيسان عام 2017، الذي أسفر عن مقتل 90 شخصاً في خان شيخون، وهي بلدة تقع على الطريق السريع في جنوب محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

وبالنسبة لعبد الكريم، ابن سعاد ناجي الكبير البالغ من العمر 12 سنة، فإن فقدان والده وشقيقته كان صدمة كبيرة بالنسبة له ولايزال يكافح لأكثر من عام من أجل تجاوزها.

وبعد وقت قصير من الهجوم بغاز السارين، بدأ عبد الكريم يعاني من الأهوال الليلية، حيث كان يستيقظ ليلاً ويصرخ “أنا اختنق” أو “ساعدوني” على حد قول والدته.

وقال طبيب في المدينة لناجي أن ابنها يعاني على الأرجح من الإكتئاب، ولكن مع عدم وجود أي تدريب على العلاج النفسي في بلدتها، لم يكن لدى الطاقم الطبي هناك المهارات اللازمة لعلاجه.

مواطن من خان شيخون في المقبرة في 12 تموز، بعد الذكرى السنوية الأولى للهجوم الكيماوي على المدينة، الصورة من عمر حاج قدور.

وبناء على اقتراح من الطبيب نفسه، انتقلت الناجي وأولادها إلى منطقة أخرى من المدينة لتبدأ حياة جديدة، لكن الأعراض التي يعاني منها عبد الكريم لم تخفّ أبداً بل “أصبح أسوأ من قبل” وفقاً لما قالته الناجي لسوريا على طول.

وكانت معلمة المدرسة الإبتدائية في خان شيخون، الناجي، معتادة على القضايا السلوكية للأطفال، إلا أن الكلام الغير مفهوم ونوبات الصراخ التي أصابت عبد الكريم في الأشهر التي أعقبت الهجوم بالغاز المميت جعلتها في “صدمة كبيرة”.

والعلاج الوحيد الذي يتلقاه عبد الكريم، اليوم، هو المهدئات التي يصفها له الطبيب المحلي، وتقول والدته أنه لم يعد يذهب إلى المدرسة بعد أن بدأ معلميه “يشتكون من سلوكه”.

وفي محافظة إدلب الريفية إلى حد كبير في سوريا، فإن علاج الأمراض النفسية لم يكن متوفراً بكثرة حتى من قبل أن تبدأ الحرب، واليوم، فإن توفير العلاج المناسب للسكان الذين يعانون من الاكتئاب والقلق والأمراض النفسية الأخرى بعد سنوات من العيش في ظل القصف يعتبر مهمة كبيرة للمسؤولين الصحيين المحليين الذين يسعون لمساعدة الأهالي الذين تعرضوا للصدمات بسبب الحرب.

وقبل عام 2011، كانت سوريا موطنا ل 70 طبيباً نفسياً فقط، أطباء معتمدون لوصف الأدوية، و “عدد محدود” من الأخصائيين النفسيين لتقديم المشورة والعلاج ل22 مليون نسمة من السكان، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

وكان ذلك العلاج القليل المتاح متواجداً إلى حد كبير في دمشق وحلب، أكبر مدينتين في البلاد.

وفي محافظة إدلب الزراعية، يوجد طبيب نفسي مرخص وحيد يعمل خارج عيادته الخاصة وخدم أكثر من مليون شخص قبل الحرب، وفقاً لما صرح به الدكتور منذر خليل، رئيس مديرية صحة إدلب التابعة للمعارضة لسوريا على طول. 

وقال خليل “لم تقدم السلطات الصحية الحكومية أي خدمات دعم نفسي [عامة]” في محافظة إدلب.

عيادة اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية (UOSSM) للأمراض العقلية والنفسية الحادة في سرمدا، إدلب في نيسان. الصورة من صفحة بوابة إدلب.

ولكن اليوم، بعد أكثر من سبع سنوات من اندلاع الحرب الأهلية العنيفة، أصبحت الحاجة إلى العلاج النفسي في محافظة إدلب شيئاً ضرورياً أكثر من أي وقت سابق، في حين لا تزال خدمات الأمراض العقلية نادرة، بحسب ما أكده مسؤولو الخدمات الصحية على الأرض.

وقال الدكتور محمد ساطو، وهو طبيب أخصائي بالأمراض النفسية يدير عيادة طوارئ في محافظة إدلب الشمالية “أن الصدمات المتكررة والضغط النفسي الشديد وعدم الإستقرار والشعور بالخوف الدائم كل هذا يؤدي إلى زيادة الأمراض العقلية والنفسية” و يعد ساطو واحداً مما يقدر ب25 طبيباً نفسياً لا يزالون متواجدين في سوريا.

“وصمة عار”

لايزال محمد أبو قاسم، وهو من سكان مدينة إدلب، مع صراع داخلي مع الأفكار الإنتحارية منذ مقتل زوجته وأطفاله الثلاثة في غارة جوية استهدفت منزلهم قبل عام.

وقال أبو القاسم، البالغ من العمر 30 عاماً، “لم أستطع النهوض أو مغادرة غرفتي” وكان كلما نام يستيقظ فزعاً وهو يصيح بأسماء أبنائه، مضيفاً “حاولت الإنتحار أكثر من مرة، كرهت كل الدنيا”.

وبعد الغارة الجوية المميتة، توقف أبو القاسم عن العمل في محل للتمديدات الصحية لأكثر من ستة أشهر، وبعدها تمكن من العودة إلى عمله ولكن “بشكل متقطع” على حد قوله.

وذكر “أعمل يوماً واحداً ثم أبقى 10 أيام دون عمل بسبب الضغط والتوتر” مضيفاً “كلما اسمع صوت طائرة تحلق بالجو، أبدأ بالصراخ وارتجف من الصوت”.

وأضاف “من الصعب أن أعيش حياة طبيعية بعد ماحدث”.

وحاول شقيق أبو القاسم عرضه على طبيب محلي لمساعدته بعد عدة أشهر من وفاة زوجته وأطفاله، لكن أبو القاسم رفض ذلك وقال “أنا لست مجنوناً لأذهب إلى طبيب نفسي”.

ويخشى أبو القاسم وصمة العار الإجتماعية من الذهاب إلى الطبيب النفسي وقال “إذا ذهبت لرؤية طبيب نفسي فهذا يعني أنني مجنون”.

ولا تزال معالجة الأمراض النفسية من وصمة عار إجتماعية في معظم محافظة إدلب الريفية، وأشار الدكتور ساطو، الطبيب النفسي في إدلب، أن هناك بعض المرضى ممن هم بحاجة إلى العلاج النفسي، إلا أنهم يطلبون المساعدة من الشيوخ أو المعالجين التقليديين خوفاً من ردة فعل المجتمع.

وقال ساطو “هناك وصمة العار تلاحق الأشخاص الذين يذهبون إلى عيادات الطبيب النفسي”.

وذكرت أم ناجي “هذا مجتمعنا، لا أحد يتقبل فكرة المرض النفسي”.

“لا أعلم ماذا أفعل”

في مواجهة الحاجة المتزايدة ، يقوم مسؤولو صحة إدلب والمنظمات الدولية بتكثيف الجهود لتدريب الأطباء المحليين على العلاج النفسي، حيث عقدت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، في وقت سابق من هذا العام، جلسات تدريبية عن بعد لأكثر من عشرين شخصاً من أطباء إدلب، الذين أصبحوا الآن معتمدين لتقديم العلاج النفسي ووصف بعض الأدوية، وفقاً لما ذكره الدكتور الخليل رئيس مديرية الصحة في إدلب.

وفي بلدة سرمدا شمال إدلب، الواقعة على بعد 10 كيلومترات تقريباً شرق الحدود التركية، تدير أحدى المنظمات غير الحكومية الدولية الآن أول عيادة داخلية عامة في المحافظةة لتقديم العلاج  النفسي.

و مرضى العيادة، بما فيهم الأشخاص الذين حاولوا الإنتحار، يعانون من انفصام بالشخصية أو لديهم مشاكل نفسية أخرى “حادة”، وففاً لما أكده الدكتور رضوان الخياط، رئيس قسم الصحة النفسية في اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية (UOSSM) التي تدعم العيادة. كما يقوم الاتحاد بتمويل أربع “عيادات متنقلة” لرعاية المرضى في البلدات المحيطة، بحسب الخياط.

وأفادت ساطو، أن عيادة سرمدا وأكثر من عشر مراكز صغيرة أخرى للعلاج النفسي مدعومة من قبل اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية في إدلب “تقدم خدماتها” لما يقارب 3000 مريض، إلا أنه ليس كل من هو بحاجة إلى العلاج النفسي يعلم بأن تلك الخدمات المدعومة من(UOSSM) موجودة.

وفي خان شيخون، الواقعة على بعد حوالي 100 كيلومتراً جنوب عيادة سرمدا، فوجئت الناجي لسماعها من مراسلة سوريا على طول هذا الشهر بوجود عيادة داخلية يمكنها أن تعالج ابنها البالغ من العمر 12 عاماً.

وعلى الرغم من ذلك، فإن عيادة سرمدا تقع على مسافة 90 كيلومتراً شمال منزل الناجي في خان شيخون عبر المناطق التابعة للمعارضة، وهي رحلة ستكون مخيفة بالنسبة لإمراة لوحدها لا تملك وسيلة نقل، وقالت “أنا لا أعرف أحد في سرمدا” مضيفةً “يجب أن أذهب إلى هناك وأعود إلى المنزل في نفس اليوم”.

وأثناء ذلك، تشعر الناجي أنه ليس بإمكانها أن تفعل شيئاً سوى الاستمرار في إعطاء المهدئات لعبد الكريم وتأمل أن “يتفهم الناس” مرضه النفسي.

وفي معظم الأيام تشاهد الناجي ابنها يجلس لساعات وحده في غرفة نومه دون أن يصدر أي صوت.

وختمت “لم أعد أعلم ماذا أفعل”.

ترجمة: بتول حجار

 

شارك هذا المقال