4 دقائق قراءة

مضايا: وفاة ثالث مريض بالفشل الكلوي بعد شهور من معاناة وصلت حد الهذيان

توفيعلي غصن، ووزنه  فقط  40 كغ في صباح يوم الإثنين […]


7 فبراير 2017

توفيعلي غصن، ووزنه  فقط  40 كغ في صباح يوم الإثنين بسبب الفشل الكلوي.

وبعد شهور من سوء التغذية، وغياب العناية الطبية اللازمة وهو محاصر في بلدته مضايا، دخل الشاب، 31 عاماً، والذي كان صاحب محل ألبسة يوماً، بحالة من الهذيان، وأصبح هزيلاً، وبات وزنه كصبي في العاشرة في العمر.

وقال الدكتور محمد درويش، طالب طب أسنان سابق، وآخر المتخصصين الطبيين الباقين في مضايا، لسوريا على طول، الإثنين، “بحسب تشخيصنا لحالة علي الصحية فإن الكلية المتبقية  لديه كانت تعمل بنسبة 25% فقط، في أيامه الأخيرة”.

ويعاني 22شخصا آخرين من فشل كلوي حاد، وهم في حاجة ماسة لعملية غسيل كلوي غير متوفرة في مضايا.

ومع حصار النظام وقوات حزب الله للبلدة الواقعة في ريف دمشق، لأكثر من سنة، فإنه بالكاد يُسمح بإدخال بعض المواد الغالية، وفقط بترخيص من النظام.

علي غصن، صباح الإثنين، قبل موته بقليل. حقوق نشر الصورة لـ مضايا.

ولم يخرج أي من مرضى الفشل الكلوي من البلدة للعلاج، رغم أن درويش وآخرين داخل مضايا ناشدوا النظام السوري لإخراجه.

وقال درويش إن “حالة علي منذ إصابته، والتي لم يتم تشخيصها إلا بعد أسبوع من السماح لآخر الحالات الطبية بالإخلاء في آب 2016 لم تتوقف عن التدهور بشكل يومي، رغم مقاومة جسده للمرض خلال الفترة الماضية، ولكن هذه الفترة كانت من أحرج الفترات في مرضه”.

إلى ذلك، قالت رولا غصن شقيقة علي لمراسلة سوريا على طول، آلاء نصار، قبل يوم واحد من وفاته “أحيانا أعجز عن الكلام معه والغصة في قلبي، وهو ما زال يأمل بإجراء غسيل قريب”. فيما يلي نص المقابلة التي أٌجريت الأحد.

هل لك أن تحدثيني عن علي وأسباب تدهور حالته الصحية في الفترة الأخيرة؟ وماذا أخبركم الأطباء عن حالته؟

كان علي شابا نشيطاً وجميلاً جداً، بدأ المرض مع علي منذ سنة تقريبا، بنوبات ألم قوية في الرأس وارتفاع بالضغط، وكان الأطباء يقومون بإعطائه أدوية للضغط ومسكنات ولكن بعد 6 أشهر طال الأمر وقررنا إجراء تحاليل لنعرف ماهو وضعه، فاكتشفنا أن نسب الكريتين واليوريا عالية جدا، وأرسلنا التحاليل لأطباء مختصين فشخصوا الحالة بفشل الكلوي، وبحسب آخر تحليل أصبح هناك احتمال كبير باستئصال إحدى الكليتين بسبب فشلها تماما، بالرغم من أن علي لم يكن يعاني من أي مرض قبل تشخيص هذا المرض معه، وهذا ما أثار دهشتنا.  

وقد كان تشخيص الحالة بحسب التحاليل منذ 4 أشهر، وأخبرونا بأنه بحاجة غسيل كلوي عاجل، ولم تستجب لنا أية جهة لإخراجه مع انعدام وجود جلسات لغسيل الكلى داخل مضايا.

ومنذ 20 يوما، أصبح علي عاجزاً تماما بعدما كان يستطيع سابقاً النهوض، وذلك بعد أن بدأت عضلاته بالضمور، وامتنع عن الأكل نتيجة إصابته بحالة من الهذيان المزمن والذي يأتيه على هيئة نوبات بسبب تجمع مادة الكرياتين في المعدة وتحولها لغاز النشادر، ومن ثم وصوله للدماغ نتيجة عدم غسل الكلى لفترات طويلة، إضافة إلى حالة استفراغ مستمرة، حيث وصل وزنه إلى 40 كيلو فقط، مع العلم أن إحدى كليتي علي متوقفة عن العمل تماما والأخرى تعمل بنسبة 25% فقط.

الأطباء هنا عاجزون عن تقديم أي شيء له، فهو يحتاج لغسيل كلى سريع، وهذا غير متوفر، وقد أخبرونا بأن أمثاله لو كانوا بنفس وضعه الصحي لكانوا ماتوا ولكن علي يقاوم المرض ولديه رغبة في الحياة، حتى أن الاطباء توقعوا إصابته بحالة الهذيان نتيجة كمية السموم الهائلة في جسمه منذ فترة أطول من ذلك ولكن جسم علي كان يقاوم المرض.

كان سابقا يتحدث إلينا، كانت همساته جميلة جدا في المنزل، ولكن الآن نادرا ما يتكلم، أصبحت أشعر بأنه لم يعد يرغب بالحديث عن أي شيء، مع كبر حجم المعاناة في قلبه، وما زاد الوضع سوءاً حالات القصف المستمرة على البلدة، والتي تجعله في حالة توتر عصبي  نتيجة العجز الذي يعانيه فهو لا يستطيع المشي أو الاختباء بسرعة مثل باقي الناس، حيث أنه يحتاج لمساعدة شخصين حتى يستطيعا حمله ونقله.

في الوقت الحالي ما يتناوله علي الماء أو كأس من الحليب أو ملعقة عسل فقط لاغير، بسبب تزايد نسبة الكرياتين وهذا زاد من سوء حالته الصحية.

حالة علي الصحية حولت حياتنا إلى جحيم لا يطاق، وأصبحنا  نشعر بأنه سيفارق الحياة بأي لحظة.

هل أخبرت علي بتدهور حالته الصحية وما قاله الأطباء عن وضعه، وماذا يقول لسان حاله؟

بعد أن تأتيه حالة الهذيان وتذهب يستيقظ ويسألني ماذا قلت وكيف تحدثت، بالنسبة لي أنا أخبرته بأنه يعاني من ضعف في جسده كونه يعايش وضعه فلا أستطيع الكذب عليه ولكنني لا أضعه بكامل الحقيقة في محاولة مني لرفع معنوياته، وبأنه بمجرد أن يجري عملية الغسيل للكلى سيعود جسده لوضعه الطبيعي.

لا أخفيكم سراً أحياناً أستطيع إخباره بوضعه وأحيانا أعجز عن الكلام معه والغصة في قلبي، وهو ما زال يأمل بإجراء غسيل قريب، ونحن لم نترك وسيلة وحاولنا بكل الطرق لإخراجه ولكن عجزنا، وأنا بكل صراحة استنفذت كل ما بداخلي من أمل بشفائه أو معالجته.           

ماهي مطالبك وما الذي تطلبينه الآن؟

أتمنى أن يفك الحصار عن كل إنسان مريض محاصر في كل أنحاء سوريا، فشعورك لا يوصف عند رؤيتك لفلذة كبدك تنصهر أمامك ببطء، وأن تحل “معضلة” البلدات الأربعة بأن يتم تحييد المدنيين عن أي تصفيات سياسية مهما كانت، لأن المدنيين ليس لهم ذنب بكل ذلك، هذه أكبر أمنياتي.

أتمنى أن يصل صوتنا إلى كل العالم، صوت الأناس الأبرياء دون النظر إلى دينهم أو مذهبهم أو توجهاتهم السياسية أيا كان نوعها، لأن مأساتنا تجاوزت قضية معونة أو معالجة مريض، قضيتنا قضية إنسان يموت وكل ما في داخله يشعر بالحياة.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال