6 دقائق قراءة

معتقل سابق في صيدنايا: الحرب قصفت مستقبل الشباب وقتلت البهجة في سوريا

كانت الساعة الثالثة فجراً، عندما اقتحمت قوات الأمن غرفة نوم […]


3 أغسطس 2016

كانت الساعة الثالثة فجراً، عندما اقتحمت قوات الأمن غرفة نوم أيهم السعد، مهندس معماري من مدينة دمشق، وسحبته من سريره وقيدت يديه واقتادته إلى شعبة الإستخبارات العسكرية فرع فلسطين، ذات السمعة السيئة، في دمشق.

ووضع السعد في سجن صيدنايا، حيث يوجد المتهمين بالإرهاب والمتآمرين ضد الدولة، والذي يعتبر رمزاً للخوف بالنسبة للكثير من السوريين. وألقي القبض عليه في نيسان عام 2012، واختفى لمدة أربع سنوات.

إلى ذلك، قال أيهم السعد، لمراسلة سوريا على طول بهيرة الزرير، “قبل سجني كنت اعتبر بأن كل الذين كانوا في هذا السجن هم مجرمين ويستحقون سوء المعاملة التي يلاقونها، ولكن عندما دخلت إليه علمت بأن كل شبر في هذا السجن، تحكي عن قصة سجين تم سجنه ظلماً ودون أي جرم”، حيث تم توثيق الإنتهاكات بسجن صيدنايا جيداً.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن 117 ألف شخص على الأقل تم اعتقالهم بشكل تعسفي منذ بداية انتفاضة عام 2011، ويعتقد أن الآلاف منهم قد لقوا حتفهم أثناء الإحتجاز، وآلاف آخرين في عداد المفقودين.

واستطاع والد السعد بعد أربع سنوات من التواصل مع ضابط مستعد للإفراج عن ابنه، ولكن فقط مقابل 10 ملايين ليرة سورية.

كتب على أحد جدران دمشق “نريد زملائنا المعتقلين بيننا”. حقوق نشر الصورة:  للذاكرة الإبداعية.

وبعد خروجه من السجن، منذ آواخر شهر حزيران، يحاول أيهم مغادرة سوريا، قائلاً “لا يوجد مستقبل بالحرب لأي شاب في سوريا”. وأضاف “إلى الآن ونحن  نعيش بخوف وإرباك عند مرورنا من عند أي حاجز”.

عندما خرجت  من السجن هل وجدت أصدقائك وعائلتك مازالوا في سوريا؟  

عندما خرجت من السجن كان أخي قد هاجر عبر البحر إلى أوروبا، والعديد من أبناء عائلتنا مع زوجاتهم وأبنائهم خرجوا خارج سوريا بعد اعتقالي بسنة تقريباً كما أن أهلي وزوجتي، وأغلبهم استقروا في تركيا، والبعض منهم هاجر إلى الدول الأوروبية.

كيف كان أثر غياب الناس الذين كنت  تعرفهم عليك؟

تأثرت كثيراً خصوصا على أخي الذي خرج من سوريا خوفاً من الإعتقال، وعلى ابني الذي عندما ولد لم أره ولم أكن أعرف أنه موجود حتى. لما خرجت من السجن كان ابني بلغ حوالي الثالثة وأنا لا أعرفه.

عندما خرجت  من السجن هل لاحظت أي تغير في الحي؟ وما الذي  تغير؟

تغيرت البلد كلها وتم حذف أحياء من البلد بسبب خروجها عن سيطرة النظام، الناس قد ملت من الحرب ويتمنون لو أن الثورة لم تحصل، وهناك العديد من العائلات التي هاجرت كجيراننا.

هل تغيرت دمشق؟

تغيرت دمشق كثيراً، لم يعد هناك فرح ولا طعم بأي شيء وكلنا نعيش بخوف وإرباك عند مرورنا من عند أي حاجز. وغلاء معيشي واكتظاظ في الحدائق والساحات ونزوح العديد من الأهالي المحافظات الأخرى إلى دمشق بسبب ما يجري في بلداتهم.

كيف كنتم تعرفون الأخبار وأنتم داخل السجن؟

كنا نعرف الأخبار من خلال السجناء الجدد الذين كانوا يسجنون لدينا في المهجع، و كل ما آتانا أحد جديد نكون متشوقين لنعرف ماذا يحصل بخارج هذا السجن.

ما أكثر ما كان يصدمك وأنت داخل السجن؟

أكتر شيء كان يصدمني هو إلقاء القبض على شباب بعمر 18 سنة، والتهمة تكون تأمرهم على أمن الدولة، أو تشابه أسماء بين شخص وشخص، فهذا التشابه كفيل أن يبقى الشخص طوال عمره بالسجن ويخسر مستقبله.

وكنا نصدم عندما نعرف بالتقسيم الحاصل بالفصائل وتعدد أسماء الفصائل.

حدثنا عن تفاصيل اعتقالك، وما التهم التي وجهت إليك؟

تم اعتقالي في 12 نيسان من منزلي في حي الميدان بدمشق، قاموا بمداهمة منزلي عند الساعة الثالثة فجراً، قاموا بإقتحام المنزل والدخول إلى غرفة نومي ولم أرهم إلا وهم فوق رأسي.

ساقوني بملابس النوم إلى السيارة وكنت غير مستوعب ماذا يجري وأفكر بأني ما زلت نائماً أحلم، وكانوا يضربونني بأيديهم على رأسي، وأنا أقول لهم: لم أفعل شيئا والله لم أفعل شيء، وحتى وأنا بالسيارة كانوا يقولون لي: ياكلب تريدون أن تخربوا البلد، وكانوا يضربونني ويشتمون عائلتي.

وعندما وصلت ادخلوني إلى فرع فلسطين، ودخلت إلى غرفة الإحتجاز كان هناك عشرات المحتجزين في غرفة صغيرة ،لا مكان لي أن أجلس كنت أقف وأرى العديد من الشباب الذين لايتجاوزون الـ18 يبكون من الخوف وأنا كنت ارتجف من الخوف، وبقيت على هذا الحال حتى الساعة 12 حتى نادى السجان اسمي وتم اقتيادي إلى المحقق، وأنا في الطريق لغرفة المحقق أيضاً كانوا يشتمونني ولا يسمحون لي بالكلام، وعندما دخلت قال لي: أهلاً وسهلاً تريدون أن تخربوا البلد يا كلاب، قلت له: لم أفعل شيئا، رد الضابط قائلاً: اسكت يا كلب كنت تخرج  مظاهرات تريد حرية وتتأمر على أمن البلد يا حقير.

وقال لهم: خدوه لم يتكلم ولم يحقق معي. وأخر شيء فهمته أن تهمتي هي أني إرهابي معارض ومتآمر على بلدي.

حدثني عن يومياتك في السجن؟

كنا كل يوم نستيقظ على صراخ السجان، الذي لا نستطيع أن نتكلم معه كلمة واحدة، وكأننا عبيد أو بهائم ويجب علينا السمع والطاعة، وكلامه لنا  كل يوم يختلف عن اليوم الذي قبله حسب مزاج السجان حتى الطعام على مزاجه،  فإذا كان مزاجه جيدا يصل الأكل لنا دون أن يرمى على الأرض، ونقوم بجمع البرغل من الأرض والوجبة لـ25 شخصا بالأصل هي لا تكفي إلا خمس أشخاص، والأكل لاطعم له ولكن نأكله لكي لانموت جوعاً.

السجن قذر، تنتشر فيه الحشرات بكثرة. نعاني من نقص المياه التي تنقطع لأيام، ونكاد نموت من العطش، وأنا الأن بمجرد أن أتذكر ما مررت به، أشعر في هذه اللحظات بالألم والقهر لما حصل معي.

كيف استطعت أن تحافظ على صحتك العقلية؟

الذي كنت أراه في سجن لا يمكن لعقل أن يتحمله، فعندما أرى السجناء يموتون أمامي كل يوم الجثث أمام عيني يتم نقلها دون أن نعرف ما سيكون مصير هذه الجثة، وأين ستدفن؟

ففي بداية سجني كانت أول حالة وفاة حدثت أمامي انهارت أعصابي، أصرخ وأبكي وارتجف من الخوف والجميع كانوا ينظرون لما يجري وكأنه أمر طبيعي، وكنت مستغربا، بقيت بحالة من الذهول لبضعة أيام، ارى ما حصل في أحلامي، ولكن السجناء الذين معي كنت أسالهم لماذا لم تتحركوا وتساعدوا هذا المريض قالوا لي لقد اعتدنا على هذا الأمر، وكانوا يقولون لي في هذا السجن سترى العجائب، ويجب أن تعتاد على هذا المنظر، وبقيت كل وقتي بالسجن أبكي على ما حل بي حتى اعتدت على الامر، وتكررت حالات الموت أمامي دون أن أقدم له المساعدة.

واستطعت أن أتغلب على ما يجري معي داخل السجن، أني كنت أتخيل أطفالي وأهلي وزجتي بأنهم بأفضل حال ومتشوقين  لوجودي معهم، وكنت أحافظ على صحتي وأهتم بنفسي لأجلهم فقط لأني كنت على أمل بأنه بالنهاية سيفرج عني أو سأموت.

كيف غيرتك تجربتك؟

تغيرت شخصيتي ونظرتي لأنني قبل سجني، كنت اعتبر بأن كل الذين كانوا في هذا السجن هم مجرمين ويستحقون سوء المعاملة التي يلاقونها، ولكن عندما دخلت اليه علمت بأن كل شبر في هذا السجن، تحكي عن قصة سجين تم سجنه ظلماً ودون أي جرم، ويجب علينا أن لانفقد الأمل بالله وبالقدر، ويجب أن نتمسك بالحياة ونكون أقوى من الظروف التي تحيط بنا دائماً، وحتى نحن في أسوأ حال يجب أن نتحدى حتى لو بقينا على الأمل فقط.

هل أثرت الصدمة النفسية التي أصابتك في السجن على حياتك خارجه؟

السجن يعلم الصبر، وأي شخص عليه أن يشكر الله على نعمة الأشياء التي يمتلكها، ويجعلنا نتعلم أن لا نفقد الأمل بالله لأنه قادر على كل شيء.

كيف استطعت أن تعيش في ذاك السجن دون أن تفقد الأمل؟

في بداية سجني فقدت الأمل في كل شيئ، لأن كل الذين يدخلون هذا السجن مستحيل أن يخرجوا منه أحياء، وكنت أشعر بالقهر والالم بسبب الوضع الذي نعانيه داخل السجن، ولكن كما ذكرت لك سابقاً ارادتي وأملي لن ينتهي رغم تردي الأوضاع في السجن، بأنني سأعيش وأعود الى أهلي وزوجتي.

بعد خروجك من السجن ماذا تأمل من المستقبل؟

مستقبل! عن أي مستقبل لم يبق في بلدي أي مستقبل لنا، لا يوجد مستقبل بالحرب لأي شاب في سوريا وأنا حالياً أعمل على الخروج خارج سوريا كلها، لكي ارتاح نفسياً من ذكريات السجن القاسية التي حصلت معي، وادعوا الله تعالى أن يخرج كل السجناء من ذلك السجن المميت.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال