4 دقائق قراءة

معرة النعمان في أيامها الأخيرة: قصة تمسك بالوطن والثورة

رغم أن معركة الدفاع عن المعرة بدت خاسرة بالنظر إلى ميزان القوة العسكرية، فإن "حبّ الديار ومكانتها أجبرانا على الصمود والدفاع" عنه، بحسب الشاب حسن الشيخ


12 فبراير 2020

عمان- على أطلال “مدينتي [معرة النعمان] التي كنت أدافع عنها قبل أيام، أرابط اليوم على إحدى جبهات جبل الزاوية، أرمي عليها وترميني بالنيران”، يصف الشاب حسن الشيخ حاله اليوم لـ”سوريا على طول”.

الشيخ، البالغ 22 عاماً، كان على جبهات ريف حلب الغربي ضمن فصيل “جيش إدلب الحر” إلى حين التحاقه بجبهات الدفاع عن معرة النعمان مع أولى أيام حملة القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها على المدينة، بغطاء جوي روسي في 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. كما كان آخر المنسحبين منها رفقة مجموعة من أبناء المدينة الذين دافعوا عنها حتى اللحظات الأخيرة رغم القصف الذي “يفوق الخيال”، كما يقول، إذ “كان يتساقط 20 إلى 30 صاروخاً في الدقيقة، إضافة إلى البراميل المتفجرة”.

ورغم أن معركة الدفاع عن المعرة بدت خاسرة بالنظر إلى ميزان القوة العسكرية، لا سيما مع “انسحاب هيئة تحرير الشام قبل أسبوع من سقوط [المدينة]، بسلاحها الثقيل وعناصرها وقاداتها”، كما يضيف الشيخ، فإن “حبّ الديار ومكانتها أجبرانا على الصمود والدفاع” عنها. موضحاً أنه “في الأسبوع الأخير كان عددنا 50 مقاتلاً تقريباً من أبناء المدينة، وكان قتالنا من دون خطط أو توجيهات من قادة عسكريين، وبسلاحنا الخفيف فقط”.

مع ذلك، وفيما كانت القوات الحكومية على مسافة كيلومترين فقط من المدينة، “تتقدم على حرش المعرة، عقب سيطرتها على كفروما [في 17 كانون الثاني/يناير الماضي]، ولم يكن لدينا تواصل مع العالم الخارجي، ولا حتى الجبهات المحيطة”، كما يقول الشيخ، فقد حاول ومجموعته “إيهام [قوات] النظام بأن أعدادنا كبيرة. فصرنا نتوزع على عدة محاور، ونطلق الرصاص بوقت واحد، لنوهمهم بكثرتنا وانتشارنا، وندب الرعب في قلوبهم”.

لكن ليس المقاتلون وحدهم من حاولوا التمسك بمدينتهم رغم سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها القوات الحكومية والطيران الروسي، بل كذلك فعل مدنيون، من مثل عائلة الناشط الإعلامي رامي المعري، ظلوا “متمسكين بما تبقى من أمل بأن تزول أيام الشدة ويهدأ القصف ولا نضطر للنزوح”، كما يقول المعريّ لـ”سوريا على طول”. لكن “الواقع كان عكس أمنياتنا. إذ اشتد القصف أكثر فأكثر إلى أن اضطررت أن أخرج عائلتي تحت وابل من قذائف الطيران الحربي السوري والروسي، والبراميل المتفجرة”. أما هو فقد واصل توثيق أحداث المدينة إلى ما “قبل أيام من سقوطها”.

كذلك كان حال عائلة المقاتل الشيخ؛ إذ مع بداية تصعيد القوات الحكومية وحلفائها “أخرجت إخوتي الصغار وأبناء أخي الشهيد إلى مدينة إدلب، فيما بقي والداي معي”. لكن تقدم القوات الحكومية وتكثيف القصف جعله يتخذ قراراً بإخراجهما في آخر دفعة نزوح من معرة النعمان. إذ كما يستذكر: “عند صلاة الفجر، أوصلت والديّ إلى أطراف المدينة، وتركتهما يتابعون طريقهما عبر دراجة نارية إلى إدلب. كان ذلك بعد ليلة قصف شديدة”.

في ذروة أيام النزوح، عملت فرق الدفاع المدني السوري والذي يعرف أيضاً باسم “الخوذ البيضاء”، على إجلاء المدنيين من المدينة، إذ “استنفرنا بكامل طاقاتنا”، كما يروي لـ”سوريا على طول” عبادة الذكري، قائد قطاع الدفاع المدني في معرة النعمان، “وطلبنا تعزيزات من فرقنا في القطاعات الأخرى لنتمكن من تلبية الناس التي لا تملك وسائل نقل للنزوح، أو لا تملك مالاً من أجل ذلك”. لافتاً إلى أن “فرقنا كانت تعمل على مدار 24 ساعة رغم كثافة الطيران الذي يعيق حركتنا، إلى أن تم إخلاء المدينة بالكامل”.

وكان الدفاع المدني قد خسر أحد عناصره، المتطوع مهند الشعار، أثناء إجلاء عائلة من معرة النعمان، في 30 كانون الأول/ديسمبر 2019. إذ طال قصف الطيران منزل العائلة، ولم يكن ممكناً المسارعة إلى إنقاذهم “إلا بعد 45 دقيقة، بسبب تحليق الطيران الحربي و[طيران] الاستطلاع” كما يستذكر الذكري. مضيفاً أنه “بعد سبع ساعات من العمل تمكنّا من إنقاذ الزوج والزوجة، فيما فشلنا في إنقاذ زميلنا الذي خرج جثة هامدة مع طفل العائلة”.

افتقاد كل شيء

كما أفرغت معرة النعمان من سكانها في الأيام الأخيرة، فإنها افتقدت كل مقومات الحياة. فقد صارت “المراكز الطبية مدمرة ولا كوادر فيها، وأقرب نقطة طبية تبعد عن المعرة 40 كيلومتر”، بحسب الشيخ. والأمر ذاته بشأن الطعام، إذ كانت “أقرب قرية يمكن أن نحصل منها على الطعام تبعد مسافة 30 أو 35 كيلومتراً”.

أهم من ذلك، ولربما العامل الحاسم بما انتهت إليه المدينة كان افتقاد المؤازرة “بعد انسحاب الجميع، بمن فيهم هيئة تحرير الشام”، بحيث لم يبق أمام مجموعة المقاتلين المتبقين سوى الانسحاب، كما يقول الشيخ. 

ففي صبيحة 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، دخلت القوات الحكومية معرة النعمان، ولم يبق سوى مخرج واحد منها، و”كنا خمسة شباب مرابطين في المدينة، فانسحبنا عبر دراجات نارية من طريق الحرش-مسايا، ووصلنا إلى قرى جبل الزاوية”. 

وفيما اعتقد الشيخ أنه ومجموعته آخر من صمدوا في المدينة، فقد تبين لهم لاحقاً أن “مجموعة أخرى كانت خلفهم. استشهد منها أحمد الحصري أثناء الانسحاب، فيما لا يزال شخصان في عداد المفقودين”، كما يروي.

الوداع!

وفي 28 كانون الثاني/يناير الماضي، طوت معرة النعمان، ثاني أكبر مدينة في محافظة إدلب بعد إدلب المدينة، سبع سنوات من سيطرة المعارضة السورية عليها، عقب قصف استمر لمدة 40 يوماً متواصلة من قبل القوات الحكومية والطيران الروسي. 

ويشبه الناشط الإعلامي رامي المعري لحظة وداع مدينته “بيوم وداع الشخص لأمه التي لا يعرف متى يلتقي بها. كنا نودع ذكريات طفولتنا والأماكن التي كبرنا فيها، ومن ثم خرجنا”.

أما بالنسبة للشاب حسن الشيخ، فقد تشكل وعيه متزامناً تقريباً لاندلاع الثورة السورية في 2011، كما يذكر، إذ كان يبلغ من العمر حينها 13 عاماً. وهو يبدو مصراً حتى اللحظة على أن يحمي ما يقول إنه “حلمي وحلم كل سوري بأن تنتصر الثورة ويسقط بشار الأسد”.

شارك هذا المقال