4 دقائق قراءة

معركة عين عيسى: هل تقع “قسد” في الفخ الروسي مجدداً؟

تتسم عين عيسى بموقع استراتيجي على طريق حلب-الحسكة (ضمن طريق حلب-اللاذقية الدولي المعروف باسم "M4") والمعروف محلياً باسم طريق "رودكو"، ما يعزز من أهمية المدينة بالنسبة لتركيا والفصائل المدعومة منها.


24 ديسمبر 2020

عمان- في 20 كانون الأول/ديسمبر الحالي، أعلن الفيلق الأول التابع للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا،  بدء العمليات العسكرية باتجاه مدينة عين عيسى في ريف محافظة الرقة الشمالي، والواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

في إطار العملية العسكرية، سيطر الجيش الوطني على عدد من المناطق الاستراتيجية، منها قرية المشيرفة، على بعد كيلومترين شمال شرق عين عيسى. كما أدى التصعيد إلى نزوح نحو 5,000 نسمة من عين عيسى والقرى المحيطة بها باتجاه الجنوب، بحسب ما ذكرت مصادر عدة لـ”سوريا على طول”. في سياق ذلك، أطلقت “قسد” حملة تجنيد إجباري في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وتركزت العمليات العسكرية للجيش الوطني على ثلاثة محاور رئيسة: شمالاً على بعد كيلومتر واحد من عين عيسى، عند قرية صيدا؛ وعلى بعد 1.8 كيلومتر شمال شرقها، عند قرية الجهبل؛ وعلى بعد كيلومترين إلى شمال غرب عند قرية المعلق.

الاشتباكات على محاور المدينة لم تتوقف منذ بدء علمية “نبع السلام” العسكرية، التي أطلقها الجيش الوطني بدعم تركي، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، ما يشير إلى إمكانية تصاعد العمليات العسكرية ضد “قسد” بهدف السيطرة على المدينة.

أهمية ورمزية

تتسم عين عيسى بموقع استراتيجي على طريق حلب-الحسكة (ضمن طريق حلب-اللاذقية الدولي المعروف باسم “M4”) والمعروف محلياً باسم طريق “رودكو”، ما يعزز من أهمية المدينة بالنسبة لتركيا والفصائل المدعومة منها. وربما يكون بالأهمية ذاتها أن عين عيسى تعدّ عاصمة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي يهيمن عليها الأكراد، وإمكانية حدوث تبدّل في السياسة الأميركية تجاه شمال شرق سوريا مع تولي جو بايدن الحكم، بما يمثل عاملين إضافيين للسيطرة على المدينة، وتالياً دفع القوى المتصارعة إلى رسم خريطة سيطرة جديدة في سوريا.

تقع مدينة عين عيسى على بعد 55 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من مدينة الرقة، وعلى بعد 50 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، والتي سيطر عليها الجيش الوطني في عملية “نبع السلام” المدعومة من تركيا في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وتسكن المدينة عشائر: عنزة، البوعساف، بني قيس (جيس)، إلى جانب عائلات من المكون الكردي والتركماني.

وتتبع المدينة إدارياً لمنطقة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقة، بحسب التقسيمات الإداريّة السورية. لكن بعد سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، التي تمثل أهم أركان “قسد”، ولواء ثوار الرقة على المدينة، في حزيران/يونيو 2015، ضمن عملية “بركان الفرات” ضد تنظيم “داعش”، ضمّت الإدارة الذاتية مدينتا عين عيسى وتل أبيض إلى إقليم الفرات (كوباني)، بحسب التقسيم الإداري الخاص بها في شمال وشرق سوريا.

مع إعلان تأسيس “قسد” في تشرين الأول/أكتوبر 2015، تحولت عين عيسى إلى منطقة استراتيجية، خصوصاً بعد إنشاء التحالف الدولي لمحاربة “داعش” قاعدة عسكرية فيها. كذلك افتتح مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الذراع السياسية لـ”قسد”، مقره الرسمي فيها. تالياً، في نيسان/أبريل 2017، بعد طرد “داعش” من مدينة الرقة، تم تشكيل مجلس الرقة المدني الذي عقد مؤتمره التأسيسي في عين عيسى، واتخذ منها مقراً له.

أخيراً، في أيلول/سبتمبر 2018، أعلن عن  تأسيس الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، والتي اتخذت أيضاً من عين عيسى عاصمة سياسية وإدارية لها.

روسيا ليست خياراً

كما فعلت سابقاً إبان عملية “نبع السلام”، لجأت “قسد” إلى القوات الروسية وقوات النظام لوقف العملية العسكرية الحالية ضد عين عيسى. إذ عقدت مؤخراً اتفاقاً تسمح بموجبه بدخول القوات الحكومية السورية والدوريات الروسية إلى عين عيسى ورفع علم النظام فيها، مع إبقاء مربع أمني لـ”قسد”. كذلك، نص الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة لـ”قسد” وقوات النظام في ثلاثة محاور على الطريق الدولي “M4″، وعودة مؤسسات الحكومة السورية للمدينة.

هذه الصيغة قد تتناسب مع الرؤية التركية في المنطقة، والتي تقوم على إنهاء تواجد “قسد” في شمال شرق سوريا بمعزل عن الجهة التي تحلّ مكانها. أيضاً، قد تلبي طموحات “قسد” بالحيلولة دون سيطرة الأتراك على عاصمتهم. لكن الاتفاق، من جهة أخرى، يزيد من قوة روسيا في شمال شرق سوريا، ويفتح مجالاً أمام قوات النظام للسيطرة على مزيد من المناطق مستقبلاً.

هكذا، وفيما تم بالفعل رفِع الأعلام السورية والروسية على العديد من المباني الحكومية في عين عيسى، فإن هذا الواقع لم يدم كثيراً. إذ سرعان ما انسحبت القوات الروسيّة والسوريّة من المدينة، وتم تعطيل الاتفاق لعدم التزام “قسد” ببنوده، وفق تصريحات عضو هيئة المصالحة الوطنية التابعة للنظام، عمر رحمون، لوكالة سبوتنيك الروسية.

ورغم أن الاتفاق الأخير ليس الأول من نوعه بين “قسد” والقوات الروسية والنظام السوري، لاسيما عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من شمال شرق الفرات العام الماضي قبل أن يتراجع عن القرار، فإن عدم التزام “قسد” بالاتفاق الأخير له بواعث عدة، أهمها عدم رغبة “قسد” في إحداث شرخ في العلاقة مع الإدارة الأميركية، بحكم أن حدوث هذا النوع من الاتفاقات يتنافى مع السياسة الأميركية التي تهدف إلى تقويض وجود قوات الأسد في المنطقة. ومن المعلوم أن “قسد” هي الشريك الأساسي والاستراتيجي للإدارة الأميركية في المنطقة وبالتالي ستكون حريصة كل الحرص على عدم حدوث أي خلل في هذه العلاقة.

“ترغب قسد بتسليم المنطقة للنظام السوري وحليفته روسيا، إلا أنّ هذا الخيار سلاح ذو حدين عليها، لربما يخرجها من دائرة الصراع مع تركيا، إلا أنّه سيحمل في طياته عدم رضا أميركي على قسد  حيال هذه الخطوة”، كان ما قال لـ”سوريا على طول” القاضي السوري المنشق جمعة دبيس العنزي، والذي يشغل منصب المنسق السياسي للهيئة السياسية لمحافظة الرقة. وهو يؤكد على أن الأهم لدى “قسد” هو الحفاظ على علاقتها مع الإدارة الأميركية بوصفها اللاعب الأكبر في المنطقة. كما إن البنود التي نص عليها الاتفاق، والتي تفضي بإنهاء التواجد الفعليّ لـ”قسد” في المنطقة والاحتفاظ به شكليّاَ، تعتبر إجحافاً من وجهة نظر الأخيرة وخسارةً إضافية لأوراق ضغطها في المنطقة، ما سيدفعها لمواجهة التصعيد الحالي لعدميّة الخيارات المتاحة أمامها.

شارك هذا المقال