6 دقائق قراءة

معضمية الشام تغرق في النفايات بعد الاستسلام

حين عادت أم يزن إلى مدينتها معضمية الشام، 7 كم […]


حين عادت أم يزن إلى مدينتها معضمية الشام، 7 كم جنوب دمشق، بعد خمس سنوات من النزوح، قررت وعلى الفور أن تغادر ثانيةً؛ فما رأته كانت القمامة المتكدسة أمام منزلها، وعلى خط الشارع. وفي داخله، شظايا الهاون وركام الأنقاض. لذا فإن أم يزن اصطحبت عائلتها وغادرت مرة أخرى.

ومنذ عادت أم يزن لفترة وجيزة في ذلك اليوم في كانون الأول الماضي، لم يتغير الكثير في بلدة معضمية الشام، والتي استسلمت للنظام في تشرين الأول عام 2016.

اليوم، تنتشر الحشرات على أكوام النفايات، وشظايا المدفعية الهامدة في الأزقة وبين المباني المدمرة وتنبعث رائحة حرق القمامة الكريهة في الهواء.

وبعد أن قاسى أهالي المعضمية البالغ عددهم نحو 40 ألف نسمة سنوات من الحصار المضني، وهجمات غاز السارين وشهوراً من القصف البري والجوي، تجتاحهم الآن مشكلة جديدة: القمامة.  

منذ استعاد النظام السيطرة على البلدة في تشرين الماضي، جمعت البلدية القمامة لمرة واحدة، في الشوارع الرئيسية التي كان من المخطط أن يمر بها محافظ ريف دمشق أثناء زيارته وبعض شخصيات النظام، وفق ما قال محمد المعضماني لـ آلاء النصار وريهام توهان، مراسلتين في سوريا على طول.

وعلّق المعضماني بامتعاض “إنهم لا يستحبون رؤية القمامة منتشرة علّها تزعج أبصارهم”. وتابع المقاتل الثوري سابقاً، “أما باقي أزقة المدينة فبقي سكانها يشكون من تزايد القمامة والخوف من انتشار الأوبئة”.

 

  • محمد المعضماني،30عاماً، مقاتل في الجيش السوري الحر، وبقي في معضمية الشام بعد اتفاقية الهدنة في تشرين الأول بين النظام السوري والثوار في المدينة. وقابلته سوريا على طول في تشرين الثاني للحديث عن حياته الجديدة الآن وبعد سيطرة النظام على البلدة.

منذ متى والقمامة تتراكم في المعضمية، ولم يتم جمعها؟

أربعة أعوام من الحصار الخانق وانعدام الخدمات كانت كفيلة لنشر مشاهد القمامة بين أزقة المعضمية وشوارعها الرئيسية إلى حد يفوق الوصف.

رغم أن النظام كان قد وعد بأن معضمية الشام سوف تكون نموذجا للمصالحات الوطنية، وقال أحد مسؤولي النظام سأجعل من معضمية الشام “القرداحة الثانية”، لكنه لم يطبق شيئا مما قاله سوى التهجير.

شارع في المعضمية، أذار 2017.حقوق نشر الصورة لمحمد المعضماني

خلال الحصار مع انتشار القمامة كيف كنتم تتخلصون منها؟

المجلس المحلي هو الجهة الوحيدة التي كانت تقوم بمشاريع خدمية شاملة لكل أحياء المعضمية للتخلص من القمامة ونقلها إلى المكبات عندما يتوفر الدعم المطلوب، أما عن الأهالي فمنهم من قام بتشكيل مجموعة من كل حي بانتشال القمامة ورميها بعيداً عن أماكن السكن المكتظ ومنهم من رأى بإحراقها سبيلاً للتخلص منها ومن خطر انتشار الأمراض والأوبئة .

هل عملت أي جهة تابعة للنظام على تنظيف الحي من القمامة بعد دخول مؤسساته إليها؟

نعم لمرة واحدة فقط كانت عند الزيارة الأولى لوفد للنظام ممثلاً بمحافظ ريف دمشق عندها عمدت بلدية النظام إلى تنظيف بعض الشوارع الرئيسية والتي من المخطط أن يمر بها محافظ ريف دمشق ومعه بعض الشخصيات التي تمثل النظام حيث أنهم لا يحبون رؤية القمامة منتشرة علها تزعج أبصارهم، أما باقي أزقة المدينة بقي سكانها يشكون من تزايد القمامة وخوفهم من انتشار الأوبئة.

وكنا قد علمنا بأنه كان هناك نية لتوقيع عقد بين الأمم المتحدة والبلدية بعد تبرع الأولى بمبلغ 110  ألاف دولار لتنظيف المعضمية من النفايات والقيام بأعمالها على أكمل وجه في المدينة والتي تتحجج دائما بعدم تنفيذ خدماتها بالشكل المطلوب نظرا لفقر ميزانتها والتي كانت تجبيها من المواطنين عن الكهرباء والماء والهاتف ولم يكن متوفرا أيا منها سابقا ومتوفرة الآن بشكل ضئيل.

وقد تم إلغاء العقد قبل أن ينفذ من قبل المحافظة بحجة أن هناك مسلحين في المدينة لم يسووا أوضاعهم بعد.

وكيف يتعامل الاهالي مع النفايات في الوقت الحالي؟

يكاد لا يخلو شارع من شوارع مدينتي إلا وتتراكم به النفايات. وما من سبيل سوى إحراقها وتحمل الروائح الصادرة عن حرقها.

هل هناك امراض بين الاهالي والاطفال نتيجة الظروف غير الصحية؟

بحمد الله لم نشهد اي حالة مرضية سببها النفايات لحد الآن لكن مع انتشارها بشكل كبير وتزايدها يومياً دائماً هناك تخوف كبير لدى جميع الأهالي من مخاطر العدوى بإحدى الأمراض الوبائية.

ماهي الخدمات التي وفرها النظام منذ دخوله إلى المعضمية؟ والتي ما زالت قائمة؟

لم يتغير الشيء الكثير. الخدمات معدومة والأفران منعت من العمل، محطات الوقود لم يسمح بإعادتها إلى العمل وتزويدها بالوقود لرفع الأسعار قدر الإمكان في السوق السوداء التي يتزعمها ضباط من الفرقة الرابعة، والكهرباء شبه معدومة، المياه تكاد لا تأتي إلا مرة واحدة في الشهر

الأبنية والمدارس المدمرة على حالها، والموظفون لم يعودوا إلى وظائفهم والمعتقلون لا أثر لهم.

المشفى الطبي العامل في المعضمية تم إيقافه بسبب خروج معظم الكادر الطبي إلى الشمال السوري والنظام لم يقدم أية خدمات طبية لتصبح المعضمية خالية من أي مشفى طبي ومن يريد العلاج عليه الخروج لمشافي العاصمة دمشق.

وهناك تغافل كبير من قبل المعنيين لموضوع انتشار القمامة ودائما نطالب نحن كمدنيين يعيشون تحت حكمهم بأن يتم تنظيف الحي من القمامة حيث أن حرقها بالأساليب التقليدية سيء جدا على الأهالي ويسبب روائح كريهة دائمة في المعضمية وأيضا بقاءها من دون حرق يجمع كافة الحشرات عليها وفي الحالتين الأمر خطير على البيئة وتأثيره أخطر على المدنيين، وأنا وعائلتي لا يمر علينا يوم إلا والسعال رفيقنا.

هل تشعر الآن بالندم على بقائك داخل المعضمية وعدم مغادرتك إلى إدلب؟

المشهد من حولي لا يدعو للتفائل على الإطلاق، كلها خيارات سلبية وظلمة حالكة لكن كل أسباب الموت كانت موجودة عند اتخاذي لقرار البقاء وقبلت مستعداً لأصعب النتائج وانا ابن مدينةٍ قدمت شهداء كثرا وما زالت تقدم في معتقلات النظام والمغيبين قسريا والمآسي التي عاشتها ولا زالت، استحقت لقب مدينة الشهداء والصمود لأن فيها حلم يتجسد بين حناياها لا يكاد يغادر صغيراً ولا كبيراً هو الحرية ولقمة العيش الكريم .

 

  • أم يزن، سيدة  من معضمية الشام، نزحت من معضمية الشام، وعادت إلى المدينة في كانون الأول، وقررت أن لا تستقر في المدينة بسبب القمامة التي تراكمت في الحي الذي تسكنه وبسبب وضع منزلها. وتعيش حالياً في منطقة بريف دمشق مع أسرتها المكونة من خمسة أفراد وتدفع 150000 ليرة سورية شهرياً.

 

متى عدت إلى المعضمية؟

منذ شهرين ونصف عندما سمح النظام للأهالي بالعودة وتفقد منازلهم، قررت العودة فقد اشتقت إلى كل ركن وزواية في بيتي مع العلم أني غادرت المعضمية منذ أكثر من خمس سنوات، ولم أدخلها منذ ذلك الوقت، ومع ذلك وجدنا صعوبة بالدخول إلى الحي من الشارع الرئيسي، فدخلنا الحي من طريق الفصول الأربعة.

أمام منزل أم يزن في كانون الأول.حقوق نشر الصورة لأم يزن

كيف وجدت الوضع العام بالمعضمية عندما دخلتيها للمرة الأولى؟ وكيف كان وضع بيتك؟ هل هناك أضرار؟

كان منظر المدينة مُحزناً جداً بدت لي كأنها مدينة أشباح لا يرتادها الإ الغربان، فقد تفاجئتُ بحجم الدمار الذي حل بالمدينة والقمامة والأوساخ تملأ الشوارع والحارات، وخاصة بعد غيابي عن المدينة قرابة الخمس سنوات، شعرت حينها كأني غريبة عن مدينتي، وعندما اقتربت من حارتي كانت القمامة تسد الطريق، وفوجئت بوجود ألبوم صور لعائلتي في بداية شارع حارتنا، وبيتي قد تم نهب جميع محتوياته حتى النوافذ تمت سرقتها وسيراميك المطبخ تم اقتلاعه لم يكن هناك شيئا صالحا، وكان هناك آثار لقذيفة هاون في منزلي، بالمقابل كان وضع منزلي أفضل من غيري فهناك منازل كانت على الأرض، وقلت الحمد لله (وضع بيتي أحسن من غيري).

وضع الحي بهذا الشكل وانتشار القمامة في الحارات وفي كل زق من أزقة المدينة، ساهم بانتشار أمراض اللاشمانيا (وهي ذبابة تقرص الإنسان وتسبب له ورم بالجلد)، وقد عاينت هكذا حالات، وكذلك انتشار التهاب الكبد بسبب تلوث المياه، ولكن ليس لدي إحصائية محددة بعدد المصابين.

هل تفكرين بالعودة إلى المعضمية والاستقرار فيها؟

نعم أتمنى العودة اليوم قبل غداً ولكن صعب حالياً في ظل تردي الخدمات وعدم تنظيف الشوارع  من القمامة وإزالة آثار الدمار على الرغم من تعيين رئيس بلدية للمدينة، وبدوره صرح للأهالي بأن نظفوا بيوتكم وألقوا القمامة للخارج ونحن نتولى تنظيف الحارات وإزالة ردم المنازل، ولكن لم ينفذ شيئاً من هذه الوعود، فهناك أهالي باشروا بتنظيف بيوتهم ولكن الأوساخ ما زالت في الحارات تملأ الشوارع، مع العلم أن عملية إزالة القمامة وتنظيف الحارات والشوارع قد بوشرت في الأحياء الغربية لمدينة المعضمية التي يقطنها مواليين النظام.

هل هناك من عاد إلى معضمية الشام من أهاليها واستقروا فيها رغم هذه الظروف؟

نعم هناك نسبة قليلة لا تتجاوز 20%من الأهالي، فقد اثقلت كاهلهم الأجارات ولم يعد لديهم القدرة على دفع أجار بيوتهم، وخاصة بعد ارتفاع المعيشة. ففضلوا العودة إلى بيوتهم رغم الأضرار وقلة الخدمات بالمدينة، وهناك أيضاً أهالي أعرفهم يقومون بتنظيف بيوتهم للعودة والاستقرار في المعضمية.

شارك هذا المقال