5 دقائق قراءة

مع أفول شمس داعش، هروب عائلة ليلاً من الضفة الغربية لنهر الفرات بحثاً عن الأمان

في بلدة العشارة، على الضفة الغربية من نهر الفرات، في […]


29 أكتوبر 2017

في بلدة العشارة، على الضفة الغربية من نهر الفرات، في محافظة دير الزور، ولدت سامية أم محمد قبل ثمانية وثلاثين عاماً.. ترعرعت هناك وعلى الضفاف تموجت أجمل ضحكاتها، وارتسمت ملامح صباها ودرست وعملت معلمة للصفوف الابتدائية، تزوجت ضابطاً في الجيش وربت أطفالها الأربعة.

ومن ثم بدأت حكاية الثورة السورية، في البدء سيطر الثوار على العشارة، وفي منتصف عام 2014، بدأت عينا أم محمد تشهد الأعلام السوداء وهي تعتلي الشوارع التي لطالما سطرت خطواتها وحاورت أثوابها، وحاز مقاتلو تنظيم الدولة على السيطرة، وكل شيء تبدل.

اعتقل التنظيم زوجها وقتلوه بتهمة دعمه للنظام السوري، رغم أنه كان قد انشق عن الجيش بعد بدء الثورة بوقت قصير، ومرّ على مرأى أطفالها مشاهد ما كان ينبغي أبداً أن يروها، كانت القذائف تتساقط، والأقارب يُقتلون الواحد تلو الآخر أو يتوارون بعيداً عن المدينة.

وآخيراً، وفي هذه السنة، باتت قوات تنظيم الدولة تخسر الأراضي باستمرار أمام الحملتين المتزامنتين لكل من القوات الكردية والنظام، وأخبر عناصر من التنظيم أم محمد أن على ابنها البالغ من العمر 16عاماً، الانضمام إليهم والقتال معهم في ما تبقى لهم من الأراضي في سوريا، والتي تنكمش شيئاً فشيئاً.

لأجل هذا، غادرت أم محمد ليلاً في طريق صحراوي بسيارة شحن مع أطفالها وأخيها وعائلته، قبل ثلاثة أسابيع، وتركت كل شيء وراءها في بلدتها العشارة.

النازحون السوريون من مدينة دير الزور إلى محافظة الرقة في 11تشرين الأول. حقوق نشر الصورة لـ Bulent Kilic/AFP.

وقالت أم محمد لـ بهيرة الزرير، مراسلة سوريا على طول،  أن “العشارة بلدي التي عشت فيها لكن داعش لم تدع لنا ما نذكره إلا الموت والظلم والقصف”

وتوقفت أم محمد وعائلتها خلال رحلتهم في مخيم  السد في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد شمالاً، ومن ثم اتجهوا إلى الباب في شمالي حلب، الواقعة تحت سيطرة قوات الجيش السوري الحر التي يدعمها الأكراد، ليجتمعوا مع من نجا من الأقارب.

اليوم وفي قبو مبنى في مدينة الباب، بدأت أم محمد حياتها الجديدة وعائلتها، وقالت “هل تصدقين أن القبو أحلى من العشارة لأن داعش دمرونا هناك وجعلونا منبوذين من كل العالم”.

حدثينا عن أوضاع العشارة قبل خروجك منها؟ وعن أسباب خروجك منها؟ كيف كان وضع التنظيم في ظل خساراته في دير الزور ؟

يخشى تنظيم الدولة في العشارة الآن كثيراً من تقدمات النظام والأكراد[قوات سوريا الديمقراطية]، والقصف وأخذهم للكثير من المناطق التي كان يسيطر عليها. وضعفت داعش بعد ماخسر الرقة والميادين.

وهناك في العشارة خوف كبير بين المدنيين من داعش، والوضع الطبي سيء جداً، وأنا خرجت لأجل أن أحافظ على أولادي، لأن الدول كلها تحارب التنظيم وتريد أن تحرر الدير منهم. وسينتهي التنظيم ولن يصمد أمام الدول المحاربة. وخفت على الأولاد، فابني محمد صار عمره 16سنة وداعش تريد أن تأخذه ليحارب معها وأبلغونا أنه ينبغي عليه الانضمام إليهم.

خوفي الكبير من القصف والطيران فإذا نجينا من الطيران، لن ننجو من مجازر داعش لأن داعش تفش غلها وحقدها بالمدنية، والتنظيم منهار ولن يستمر سيقضى عليه إن شاء الله.

حدثينا كيف استطعت مغادرة بلدتك؟

خرجت من المدينة في الساعة الواحدة ليلاً، في الخامس من تشرين الأول، أنا وأولادي واخي وزوجه وأولادهما بسيارة شحن مع أحد معارف اخي من السائقين، خرجنا بالليل دون أن نخبر أحد الجيران أو الأقارب، لأنه لم يبق لي أقارب غير أي هذا، فمنهم من مات بالقصف أو قتلوا بكلاب داعش ومنهم من هرب إلى تركيا وكثير من الناس تهرب حالياً من الدير لأن داعش في طريقها للنهاية والناس تخشى على نفسها.

خرجنا من العشارة باتجاه البادية بين دير الزور والحسكة، بقينا على الطريق حوالي 6ساعات إلى أن وصلنا للحاجز الأول لـ( PKK) وأخذ منا السائق 700 دولار، كنا خائفين ونعيش على أعصابنا وجعلنا الأولاد ينامون حتى لا  يصدروا أي صوت، أعطيت ابني الأصغر الذي يبلغ الرابعة شيئاً لينام لأنه كان يبكي كثيراً، وكانت السيارة تمشي وتتوقف لأننا كنا خائفين كثيراً ونخشى أن ننكشف.

[تشير أم محمد خلال المقابلة إلى قوات سوريا الديمقراطية بمسمى PKK. إذ أن المكون الأساسي لـ قسد، حزب الاتحاد الديمقراطي ، له ارتباطات أيدولوجية مع حزب العمال الكردستاني(PKK)، ويستخدم السوريين هذه المسميات في الإشارة لبعضها الآخر.

وبعد وصولنا حاجز( PKK) ، كان لابد أن يكون معنا كفيل كردي ليقبلوا بدخولنا إلى المخيمات، أو واسطة كبيرة، ويريدون أوراقنا الثبوتية ليطلعوا عليها لأننا أتينا من مناطق التنظيم، كان أخي يعرف صديقاً كرديا وقال أننا سنقصده.

أدخلونا على مخيم السد، لم نعطهم أنا وأخوي ورقة الهوية وقلنا لهم أن داعش صادرها، لأننا لا نريد أن نبقى بالحسكة وخبينا الأوراق وأخرجت فقط صورة لبيان عائلة لي ولأولادي وأعطاهم أخي شهادة سواقة وبيان عائلة لأولاده.

دخلنا المخيم وأقمنا فيه لأسبوع، وخرجنا منه مع مهرب ووصلنا للباب، كان الطريق طويل جداً، بقينا حوالي 10 ساعات إلى أن وصلنا الباب، ولم يكن معنا لا ماء ولا طعام وكان الأولاد يبكون جوعاً، لكن الطريق من السد للباب كان أرحم بكثير من طريق العشارة للمخيمات فمناطق الجيش الحر لا تخيف مثل مناطق داعش.

استغرقنا 10 أيام من العشارة لمخيم السد، للباب.

لماذا لم تبقي في مناطق سيطرة الأكراد في مخيم السد؟

هربنا من مخيم السد لأننا نسعى لحياة آمنة للأولاد، آلا يكفيهم ما رؤوه عند الدواعش، أصبحوا يحتاجون طبيباً نفسي، أتينا إلى مدينة الباب لأننا نريد أن نستقر، وأقاربنا الذين سبقونا إليها أخبرونا أن الوضع هنا ممتاز ، إذا بقينا في مناطق الأكراد سنعيش بالمخيم و[ربما]نموت من الأمراض، وإذا ذهبنا لمناطق النظام أخاف على ابني أن يتهموه بالانتماء لداعش.

ماهي أوضاعكم المعيشية الآن في مدينة الباب؟

وصلنا الباب من الأحد الماضي، ونحن نعيش بقبو، الآن لا نريد شيئاً سوى العيش بدون الخوف بكل دقيقة من الدواعش ومن القصف وأخي يبحث عن دار للإ يجار وعن عمل، ماذا عسانا نفعل، هذه إرادة الله.  هل تصدقين أن القبو أحلى من العشارة لأن داعش دمرونا هناك وجعلونا منبوذين من كل العالم.

كيف ترين مستقبل أبنائك في مدينة الباب؟ وهل لديكِ أمل بالعودة لمدينتك في حال تحررت من داعش؟

أريد لأولادي أن يدرسون ويعيشون بدون خوف من القصف دون أن يفرض عليهم شيء ويعيشوا حياة طبيعية مثل كل البشر، بعيدا عن القصف والدواعش لأن دواعش في أي مكان يحلون به يخربونه.

بالنسبة للعودة للعشارة لا أدري؟ العشارة بلدي عشت فيها لكن داعش لم تدع لنا مانذكره إلا الموت والظلم والقصف واذا حررها النظام سيرونا فيها دواعش، الأمل بالله وحده، ولا أدري إن كنا سنعود أم لا.

 

ترجمة: فاطمة عاشور

 

شارك هذا المقال