6 دقائق قراءة

مع تجاهل أو تواطؤ الأجهزة الأمنية.. عمليات الخطف تخنق السويداء أمنياً واجتماعياً واقتصادياً

عمان - بموقعها في أقصى الجنوب السوري، قريباً من محافظة درعا، لا تبدو محافظة السويداء استثناء في صراعها مع حالة الفوضى والفلتان الأمني التي صارت سمة مميزة للمنطقة الجنوبية ككل، رغم مرور أكثر من عام على استعادة حكومة دمشق، وحليفتها روسيا، السيطرة عليها.


25 يوليو 2019

عمان – بموقعها في أقصى الجنوب السوري، قريباً من محافظة درعا، لا تبدو محافظة السويداء استثناء في صراعها مع حالة الفوضى والفلتان الأمني التي صارت سمة مميزة للمنطقة الجنوبية ككل، رغم مرور أكثر من عام على استعادة حكومة دمشق، وحليفتها روسيا، السيطرة عليها.

لكن على النقيض من محافظة درعا التي تُعرف باسم “مهد الثورة السورية”، بقيت السويداء خاضعة رسمياً لسيطرة الحكومة منذ العام 2011.

في الوقت، ذاته أيضاً، التزمت السويداء التي يشكل المواطنون الدروز نحو 90% من سكانها، بحسب تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في العام 2010، الحياد على امتداد سنوات الثورة، إلى الحد الذي جعلها أقرب إلى كيان متمتع “بحكم ذاتي”. إذ ركزت القيادة السياسية الدرزية في المحافظة على الشؤون الداخلية، كما اقتصرت مهمة الفصائل العسكرية المحلية هناك على الدفاع عن مناطقها في مواجهة أي هجوم خارجي.

فلتان أمني في زمن السيطرة الحكومية-الروسية

حتى في فترة ما قبل الثورة، عرفت المنطقة الجنوبية، لاسيما القريبة من البادية إلى الشرق، جرائم خطف هدفها المال غالباً. لكن ما يميز الفترة الحالية، خصوصاً عقب سيطرة القوات الحكومية على المنطقة، هو تحول الخطف إلى “قضية داخل حدود الجبل[السويداء]”، كما قال لـ”سوريا على طول” دحام أبو وحيد (اسم مستعار،) أحد وجهاء الدروز في المحافظة.

أحد آخر الحوادث كان يوم الأربعاء الماضي، حين لاحقت سيارة لا تحمل “لوحة مرورية” الشباب عمر كاسم حسابا ووالده في قرية الدور غرب السويداء، بينما كانا يستقلان دراجة نارية متوجهين إلى أرضهم الزراعية القريبة من المكان. بعد صدم دراجتهم، حاول المسلحون في السيارة اختطاف الشاب العشريني ووالده، ولم يفشلوا في ذلك إلا بسبب تنبه نسوة في القرية للأمر وشروعهن بالصراخ، ما دفع الخاطفين إلى الهرب عقب إطلاق النار على الشباب ووالده ما أدى إلى إصابتهما بجروح متوسطة،  بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية.

قبل أيام من ذلك، تعرض تاجر ألبسة من محافظة حلب للاختطاف على يد “عصابة محلية” على الطريق الواصلة بين مدينتي صلخد والسويداء. ولاحقاً، أرسل الخاطفون صوراً “قاسية” لزوجة التاجر، عبر الهاتف المحمول، تُظهر تعرضه للضرب والتعذيب، مع التهديد بقتله في حال لم تدفع العائلة فدية مالية قدرها مليونا ليرة سورية.

بعد يومين من المفاوضات وتدخل وسطاء ووجهاء من المحافظة، تم إطلاق سراح التاجر مقابل مليون ليرة سورية، ونقل إلى المشفى لتلقي العلاج نتيجة الضرب الذي تعرض له، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”، ريان معروف، عضو “شبكة السويداء 24″، وهي مؤسسة إعلامية محلية تعمل في السويداء.

المظهر الآخر للفلتان الأمني تجلى في التفجير الذي هزّ مركزاً حيوياً في مدينة السويداء في 4 تموز/يوليو الحالي، مودياً بحياة ثلاثة مدنيين وإصابة ثمانية آخرين. واستهدف التفجير الذي تم بدراجة نارية مفخخة “منطقة قريبة من إحدى الكنائس، مكتظة بالسكان، وتضم سلسلة من المطاعم والفنادق”، بحسب ما ذكرت الناشطة الإعلامية نورا الباشا لـ”سوريا على طول” يومها.

وقد جاء هذا التفجير بالتزامن مع ذكرى الحادثة الأكثر دموية في السويداء في السنوات الماضية، حين شن مقاتلو تنظيم “داعش”، في تموز/يوليو العام الماضي، هجوماً على عدة قرى في ريف السويداء الشرقي، أعقبه ما لا يقل عن تفجيرين نفذهما انتحاريان في مركز مدينة السويداء. وهو ما أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وإصابة 300 آخرين، من مدنيين وعسكريين، إضافة إلى اختطاف قرابة 40 امرأة وطفلاً، وفقاً لتقارير نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان وشبكة السويداء 24.

تجاهل وتواطؤ الأجهزة الأمنية

يتراوح عدد عمليات الخطف في محافظة السويداء بين 15-35 حالة شهرياً، كما قال الناشط الإعلامي ريان معروف. 

ورأى الوجيه أبو وحيد أن السبب الرئيس لعمليات الاختطاف هو “كثرة السلاح”، وأن من يقوم بذلك “مزعرة [أشخاص فاسدون وخارجون عن القانون] بدها مصاري حتى تحشش وتعربد [تؤذي السكان]”. مضيفاً أن انتشار السلاح والفوضى القائمة نتجت عن “تورط الأجهزة [الأمنية] في بداية الحرب بتسليح الكثير من الناس، حتى أصبح السلاح منتشراً في الشوارع. واليوم فقدت [الاجهزة] السيطرة على ذلك”.

ويؤكد ثلاثة مصادر من المحافظة، تم التحدث إليهم لغرض إعداد هذا التقرير، أن غالبية عصابات الخطف معروفة للأهالي، بعض منها ينشط على طريق دمشق-السويداء، والطرق المؤدية إلى بلدة عريقة شمال غرب السويداء، وداخل مدينة السويداء، وعلى طريق السويداء-صلخد.

إذ يؤكد ريان معروف أن “غالبية [العصابات] من أبناء المنطقة. [وهم] مسلحون بعضهم يتبع لفصائل محلية، وقسم منهم كان متعاقداً مع الأفرع الأمنية”. لكن على الرغم من ذلك، تبقى “الأجهزة الأمنية عاجزة عن فعل شيء” وفقاً لأبو وحيد.

فعقب وقوع كل عملية خطف، كما روى معروف، يسارع ذوو المختطف إلى إبلاغ الشرطة والأجهزة الأمنية، التي تكتفي بـ”تحديد آخر مكان لتغطية جوال [الهاتف المحمول] المخطوف، أو تقديم معلومات لذويه عن الجهة التي خطفته في حال معرفتها، دون اتخاذ أي اجراءات أخرى، وكأن [قوات الأمن] تقول للناس: اقلعوا شوككم بأيديكم”.

ووسط مشاهد التفجيرات وهجمات التنظيم المتشدد والخطف يبدو الأمر وكأن الخيوط تحاك لإقحام الدروز في الحرب السورية وفقاً لما يرويه اثنان من مصادر “سوريا على طول”.

ثمن الحياد في الحرب؟

إضافة إلى الدوافع الإجرامية المرتبطة بطلب فدية، اتهم مصدران من الفصائل العسكرية المحلية في السويداء، تحدثت إليهما “سوريا على طول”، “الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية بالوقوف وراء عمليات الخطف والفوضى المنتشرة في المحافظة”.

إذ بحسب مصدر في الجناح الإعلامي لحركة “رجال الكرامة”، فإنه “ليس خافيا على أحد دور بعض الفاسدين في الأجهزة الأمنية بدعم العصابات والتغطية عليهم، [بالإضافة إلى] المسؤولية التقصيرية للأجهزة الأمنية وعدم قيامها بمهامها المناطة بها من ضبط الأمن وملاحقة العصابات، [إذ] تعتبر الأجهزة الأمنية والعسكرية مقصرة جداً في مهامها تقصيراً يثير الريبة”.

أكثر من ذلك، كما ذهب مصدر إعلامي من “قوات شهبا الكرامة”، فإن “الأجهزة الأمنية وفصائل تابعة لها في الجبل تعمل على خراب المحافظة وتدمير النسيج الاجتماعي”، بهدف “التضييق على الشباب للالتحاق بالجيش والميليشيات الموالية [الرديفة للقوات الحكومية] بحجة الدفاع عن المحافظة التي فشلت الفصائل المحلية في الحفاظ على أمنها واستقرارها”. محذراً من أن “النظام لن يلتزم بذلك وسيقوم بسحب شبابنا إلى جبهات إدلب وريف حماة”. 

ومنذ العام 2011، ظهر عشرات الفصائل والمليشيات المحلية في السويداء، تبنى الكثير منها مهمة الدفاع عن المحافظة والحفاظ على الأمن والاستقرار فيها، فيما ارتبطت فصائل أخرى بالقوات الحكومية، وشاركت إلى جانبها في عمليات عسكرية ضد فصائل المعارضة. وطيلة السنوات الماضية أيضاً غضت الحكومة الطرف عن أبناء المحافظة المتخلفين عن الخدمة العسكرية والفصائل المحلية التي تعمل بشكل مستقل عن القوات الحكومية.

لكن في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبمناسبة تحرير النساء والأطفال الذي كان تنظيم “داعش” قد اختطفهم في وقت سابق، دعا بشار الأسد أبناء السويداء للالتحاق بالخدمة العسكرية.

إذ قال أثناء اجتماعه بوفد من المحررين وعائلاتهم، مشيراً إلى الفصائل المحلية التي حصرت مهامها  في الدفاع عن السويداء: “لا أحد منا يُدافع عن قريته ومحافظته … ندافع عن سوريا أو لا ندافع”.

ويوم الأحد الماضي، زار وفد روسي مبنى المحافظة في السويداء، في محاولة جديدة لضم شباب المحافظة المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية إلى صفوف القوات الحكومية، إضافة إلى بحث ملفات أخرى تتعلق “بقضية المصالحات في المنطقة الجنوبية”، بحسب “شبكة السويداء 24”.

تضييق اجتماعي-اقتصادي 

تنطوي عمليات الاختطاف في جنوب سوريا على مخاطر إثارة فتنة طائفية بين أهالي سهل حوران (درعا) وجبل العرب (السويداء)، والتي تم تفاديها مراراً في السابق بفضل تدخل وجهاء المنطقتين اللتين تربطهما إضافة إلى الجغرافيا، علاقات راسخة من بينها مقاومتهما المشتركة للاحتلال الفرنسي إبان القرن الماضي.

أيضاً، تحكم المواطنين الدروز، كغيرهم من أبناء المجتمعات الريفية في سوريا، مجموعة ضوابط دينية وعادات وتقاليد عربية أصيلة. لذلك، تعد عمليات الخطف والاغتيال خرقاً للأعراف العشائرية والتقليدية بالنسبة لسكان الجبل، لا سيما حين تستهدف ضيوفهم وزوارهم.

تعليقاً على ذلك، قال الوجيه أبو وحيد: “زعران السويدا بدهن يحرموا اهل السويدا يطلعو براتها لأنهن رح يتبهدلوا، رح يجيبوا إلنا عار”. 

إذ مع تصاعد الفوضى والتوتر الأمني في المحافظة، قرر كثير من النازحين إليها المغادرة تخوفاً من تعرضهم للخطف، لاسيما وأنهم الضحية الأكبر للعصابات التي تنشط في هذه الجرائم، وفقاً لريان معروف. مضيفاً أنه “بين الحين والآخر تحدث خلافات بين الفصائل أو العائلات في المحافظة، ويتم تطويقها على الفور، [عبر] تدخل الهيئات الدينية والاجتماعية”.

من ناحية أخرى، قرر كثير من التجار من خارج المحافظة عدم المجيء إليها والعمل فيها، بعد تعرض شاحنات للسلب وتجار للخطف على يد العصابات. ما يؤدي، بحسب معروف، إلى “تدهور اقتصادي متزايد [في] المحافظة، من ارتفاع الأسعار وقلة الاستثمارات، بالرغم أن السويداء كانت من أكثر المحافظات الآمنة خلال سنوات الحرب في سوريا”.

وفيما شدد المصدر التابع للجناح الإعلامي لحركة “رجال الكرامة”، على أن “جميع الشرفاء في المحافظة من مختلف مشاربهم يتعاونون للقبض على أفراد تلك العصابات وملاحقتها”، يواصل أهال دفع أموالهم الخاصة فديةً لأرواحهم. 

وتقدر قيمة المبالغ المدفوعة للشخص الواحد بين مليون وعشرة ملايين ليرة سورية، بل ووصلت في بعض الأحيان إلى 50 مليون ليرة، بحسب “الوضع المادي للشخص المخطوف وعائلته” كما قال الناشط معروف.

شارك هذا المقال