5 دقائق قراءة

مع رفض دمشق وهيئة تحرير الشام.. هل يصمد وقف إطلاق النار شمال غرب سوريا؟

مستقبل هيئة تحرير الشام محسوم، لكنه مرتبط بملفات أخرى، من قبيل الحل السياسي في سوريا، ومصالح تركيا شرق الفرات، والتي تشمل "إخراج المنظمات الإرهابية كافة من سوريا، بما فيها المليشيات الإيرانية وتنظيم (ب ي د)، والهيئة".


16 أبريل 2020

عمان- بعد فضّ ما سمّي بـ”اعتصام الكرامة” على طريق اللاذقية-حلب الدولي (M4)، يوم الإثنين الماضي، بإطلاق القوات التركية الغاز المسيل للدموع على المعتصمين، تم أمس الأربعاء تسيير دورية عسكرية تركية-روسية مشتركة بين قرية ترنبة وبلدة النيرب على تلك الطريق في ريف إدلب الجنوبي. وتعد هذه الدورية المشتركة الرابعة التي تم تسييرها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا الذي تم التوصل إليه بين أنقرة وموسكو في 5 آذار/مارس الماضي، “ثلاثة منها لم تكن ناجحة”، كما قال آيدن سيزر، وهو باحث تركي مستقل لـ”سوريا على طول”، “نتيجة احتجاجات مدنيين ومسلحين على وجود عناصر من القوات الروسية”.

ومن ناحية، يصطدم تسيير الدوريات المشتركة مع مطالب أهالي ريف إدلب الجنوبي الراغبين في العودة إلى مناطقهم التي سيطرت عليها القوات الحكومية خلال حملتها العسكرية الأخيرة التي سبقت اتفاق وقف إطلاق النار. إذ تدلل هذه الدوريات على “تثبيت نقاط السيطرة وفرض الأمر الواقع، وذلك على العكس مما كان متوقعاً من الاتفاق؛ بأن يعيد لنا مناطقنا التي تقدم إليها النظام”، كما قال لـ”سوريا على طول” محمد شعبان (اسم مستعار)، من ريف إدلب الجنوبي، طالباً عدم الكشف عن هويته. 

وتخدم مطالب المدنيين هذه وإحباطهم، من ناحية أخرى، مصالح هيئة تحرير الشام التي تقضي الاتفاقات التركية الروسية منذ بدء محادثات أستانة بعزلها والقضاء عليها، إذ عملت الهيئة، بحسب المصدر ذاته، على “استغلال الوضع وتجيير الاعتصامات لصالحها”. 

وفي إطار التوترات الأخيرة الحاصلة على الطريق الدولي “M4″، اعتقلت هيئة تحرير الشام، الاثنين الماضي، عبر حواجز أمنية نصبتها في ريف إدلب الشرقي، عناصر من الجبهة الوطنية للتحرير المدعومة من تركيا، بينهم القيادي أبو علي ديوب، المعروف بـ”أبي علي جرجناز”، و”المسؤول عن محاور الرباط والتحصين في المنطقة، قبل أن يتم الإفراج عنه مع بقية المعتقلين في وقت متأخر من ليل الاثنين بتنسيق من فيلق الشام” المنضوي في الجبهة، كما قال لـ”سوريا على طول” سيف رعد، مدير المكتب الإعلامي في الفيلق.

ومع أن “أسباب الاعتقال ما تزال مجهولة” بحسب رعد، نافياً ما تم تداوله عن أن اعتقال ديوب جاء “نتيجة تهديده المعتصمين على الطريق الدولي”، قد تبدو الحادثة مؤشراً على استياء هيئة تحرير الشام من الجبهة التي تشارك في تسهيل الدوريات التركية-الروسية على “M4”. كما إنها محاولة للتأكيد على نفوذ الهيئة في المنطقة.

كذلك، تهدف الهيئة من إشراك عناصرها في الاعتصامات تحت ستار المدنيين إلى “إظهار تركيا في موقع المواجهة مع الشعب السوري لا مع هيئة تحرير الشام”، كما قال الباحث السوري المتخصص بالجماعات الإسلامية عباس شريفة. مؤكداً لـ”سوريا على طول” وجود “مجموعات أمنية من الهيئة وموظفين في حكومة الإنقاذ التابعة لها في الاعتصامات”.

خروقات وتحشيدات

الهدوء النسبي الذي يشهده شمال غرب سوريا، منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار الأخير حيز النفاذ في آذار/مارس الماضي، لا ينفي حقيقة “استمرار خرق الاتفاق من قبل النظام والمليشيات المساندة له”، كما قال لـ”سوريا على طول” وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات في تركيا. إذ تم “تسجيل أكثر من 109 انتهاكات للاتفاق منذ سريانه”.

أيضاً، تواصل قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها استقدام تعزيزات عسكرية باتجاه سراقب في ريف إدلب الشرقي، وكفرنبل في ريفها الجنوبي، وفوق ذلك محاولتها اقتحام مناطق سيطرة فصائل المعارضة من عدة محاور، كما حدث في قرية كفرتعال في ريف حلب، وقرى سفوهن والفطيرة البارة في ريف إدلب الجنوبي، بحسب علوان. 

في المقابل، أرسلت تركيا إلى شمال غرب سوريا، منذ إعلان وقف إطلاق النار، 2545 آلية عسكرية، ليصل مجموع الآليات منذ شباط/فبراير الماضي إلى أكثر من 5950 آلية، إضافة إلى انتشار 10,300 جندي تركي، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا.

كذلك، لفت رعد إلى “وجود تحرك غير اعتيادي للقوات الإيرانية وحزب الله على مختلف الجبهات في شمال غرب سوريا”. محذراً من أن “النظام وحلفاءه قد ينقضون الاتفاق في أي وقت، كما هي عادتهم في الاتفاقيات السابقة”.

وتتزامن تحركات قوات النظام والمليشيات المتحالفة معه، مع إطلاق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، نداء لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم ضمن جهود التصدي لتفشي وباء فيروس كورونا المستجد. محذراً من أن “من يدفع أبهظ الأثمان لهذه النزاعات هم الأكثر ضعفاً؛ النساء والأطفال والأشخاص ذوو الإعاقة والمهمشون والمشردون، وهم يواجهون أيضاً خطر التعرض لخسائر مدمرة بسبب فيروس كوفيد 19”. 

لكن مثل هذه الدعوات لا تؤثر في “أنظمة شمولية مثل إيران والعراق والنظام السوري، لأن النظام ومن يعمل معه من هذه الأطراف غير معنيين ولا مكترثين بالجانب الإنساني” بحسب علوان. يضاف إلى ذلك أن “النظام غير قادر على إيقاف تحركات المليشيات القادمة من العراق وإيران، كونها مستقلة في قرارها”، كما قال. مستدلاً على ذلك بقرار “عزل السيدة زينب. إذ هو قرار شكلي”.

في السياق ذاته، ذهب الباحث سيزر إلى أن انتشار فيروس كورونا حدّ من وتيرة العمليات العسكرية في شمال غرب سوريا، لكن “الحكومة السورية تستفيد من هذا الوضع لمحاربة ما يسمى بالإرهاب”.

مستقبل اتفاق “وقف إطلاق النار” 

على الرغم من أن التحركات على الأرض تشير إلى كون “النظام غير قانع باتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين تركيا وروسيا، فإنه غير قادر، في الوقت نفسه، على خرقه بشكل واسع”، برأي علوان، “لأن ذلك يتعارض مع تفاهمات تركيا وروسيا اللتان تسعيان إلى الحفاظ، ولو بالحد الأدنى، على وقف إطلاق النار”. يعزز ذلك اجتماع بشار الأسد مع وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في 23 آذار/مارس الماضي، والذي تم تفسيره بأنه تضمن رسالة لدمشق بضرورة استمرار التهدئة. 

على الطرف الآخر، تبدو أنقرة أيضاً ملتزمة بالاتفاق ومحاولة تثبيته، من خلال “تعزيز إمكانية تسيير دوريات عسكرية تركية-روسية مشتركة”، بحسب ما قال عمر أوزكيزيليك، الباحث في مؤسسة  “سيتا” للدراسات في أنقرة، والمقربة من الحكومة التركية. مضيفاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن “الحشود العسكرية للجيش التركي على طول “M4″ يجب النظر إليها على أنها تعزيز لأوراق الضغط الدبلوماسية التركية في سوريا في مواجهة روسيا”.

وإضافة إلى خشية تركيا من موجة نزوح جديدة نحو حدودها، فإن من غير المرجح مبادرتها إلى تصعيد جديد ضد قوات النظام ومليشياته، على نحو ما فعلت خلال عملية درع الربيع مطلع آذار/مارس الماضي،  في ظل تفشي فيروس كورونا، كون ذلك سيفاقم خطر الوباء الذي تعاني تركيا أصلاً من تداعياته بشدة.

مع ذلك، يظل الجزء المهم في اتفاق وقف إطلاق النار التركي-الروسي هو ذلك المتعلق بمصير هيئة تحرير الشام. ففيما تطالب روسيا باستئصال الهيئة بشكل تام، تفضل تركيا إحداث تغيير جذري فيها عبر تمكين “التيار البراغماتي” لقيادتها، بحسب أوزكيزيليك، وتقبلها “حقيقة أنهم لم يعودوا أصحاب القرار في إدلب”. معتبراً أن “أفضل ما يمكن [لقيادة] الهيئة فعله هو إعلان حلّ أنفسهم”.

هذا الأمر أكد عليه أيضاً الباحث شريفة، معتبراً أن هيئة تحرير الشام “تدرك أن دورها شارف على النهاية، خصوصاً وأنها فقدت المبرر الشرعي للحكم والسيطرة الذي يتمثل في ادعاء حماية المناطق المحررة، والتي باتت محمية من الجيش التركي”. يضاف إلى ذلك “رغبة تركيا في الإمساك بالملف الأمني في المنطقة وعدم تركه بيد الهيئة من أجل حماية حدودها”.

كل ذلك يشير إلى أن مستقبل الهيئة صار محسوماً، من وجهة نظر شريفة، لكنه مرتبط بملفات أخرى، من قبيل الحال السياسي للحرب في سوريا، ومصالح تركيا شرق الفرات، والتي تشمل “إخراج المنظمات الإرهابية كافة من سوريا، بما فيها المليشيات الإيرانية وتنظيم [حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)] PYD، إضافة إلى الهيئة”.

شارك هذا المقال