6 دقائق قراءة

مفاوض في المعارضة يتحدث عن خفض التصعيد بعد معركة درعا “أخذوا فكرة وقف إطلاق النار وشوهوها”

حافلات الحكومة تتجمع في درعا في صورة التقطت في ١٥ […]


24 يوليو 2018

حافلات الحكومة تتجمع في درعا في صورة التقطت في ١٥ تموز. تصوير: نبأ.

 

كان يحيى العريضي حاضراً في المفاوضات لأول مرة في أوائل التسعينات، عندما عمل مع الفريق الإعلامي التابع للحكومة السورية خلال محادثات السلام السورية – الإسرائيلية.

والآن وبعد مرور ٣٠ عاماً على ذلك تقريباً ، أصبح العريضي المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية، وهي الهيئة التي تمثل أكبر كتلة للمعارضة في سوريا في محادثات السلام مع الحكومة.

وبدلاً من العمل جنباً إلى جنب مع مفاوضي الحكومة السورية، يتخلى العريضي، الذي انشق عن الحكومة عام ٢٠١٣، عنهم ليجلس مع الطرف الآخر على طاولة المفاوضات.

يقول العريضي لمراسلي سوريا على طول آلاء نصار وجستن كلارك “كنت قريباً من كلا الطرفين”.

وأسفرت المفاوضات بين المعارضة والحكومة السورية عن نتائج مختلطة، حيث تقلصت مناطق سيطرة المعارضة بشكل كبير بعد الحملات العسكرية التي قادتها الحكومة في جميع أنحاء البلاد، وأحكم الجيش السوري وحلفاؤه السيطرة على معظم أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق التي تم إدراجها سابقاً على أنها مناطق وقف إطلاق نار معترف بها دولياً، أو مناطق “خفض التصعيد”.

وفي جنوب غرب سوريا، انهارت اتفاقية خفض تصعيد تم التفاوض عليها برعاية دولية، والتي ساهمت في خفض وتيرة العنف إلى حد كبير هناك في الشهر الماضي، عندما سقط واحد من آخر معاقل المعارضة المتبقية، في غضون أسابيع، جراء هجوم جوي وآخر بري قادته الحكومة.

يقول العريضي، لسوريا على طول “لم يقل أحد لا للنظام، لم يعترض أحد على مثل هذه الاستراتيجية الإجرامية المخبأة في إطار وقف إطلاق النار”.

ويتابع العريضي، إذا استعادت الحكومة السورية شمال غرب البلاد “قد يقول البعض أن النظام وأنصاره يسيطرون على كامل سوريا… فما هو الدور أو المنصب الذي قد يشغله شخص مثلي هناك؟”.

استعادت الحكومة السورية السيطرة على كامل درعا وجنوب غرب سوريا تقريباً، بعد حملة عسكرية وحشية، ومع ذلك، كانت تلك المنطقة الوحيدة في سوريا خلال العام الماضي التي صمد فيها الحل السياسي نوعاً ما، ما رأيك بانهيار اتفاق خفض التصعيد؟

منذ البداية، كان هناك قرارات لمجلس الأمن بشأن الوضع.

كان من المفترض أن هناك هدفين أساسيين لأستانة، هدف عسكري وآخر إنساني، الهدف العسكري هو وقف إطلاق النار أو خفض التصعيد في بعض المناطق، بينما تضمن الهدف الإنساني إطلاق سراح المعتقلين في سجون الأسد، ورفع الحصار من قبل ميليشيات النظام وروسيا، وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، لم يتحقق أي من الأهداف، ذلك لأن نوايا روسيا وحلفائها كانت مغايرة.

خلال عدة جولات من هذه المفاوضات، كانت روسيا تعمل بتوافق مع الاستراتيجية والنهج الرئيسي للنظام في سوريا: فكرة “إما أن نحكمهم، أو ندمرهم”.

ومع خفض التصعيد، أخذوا فكرة وقف إطلاق النار وشوهوها في اجتماعات أستانا.

في أستانا، كانت هناك مناطق خفض تصعيد متفق عليها بين روسيا وتركيا، وفي وقت لاحق وقعت إيران على الاتفاقيات كضامن لها، وفي تلك الأثناء، انضمت فصائل المعارضة إلى اتفاقيات خفض التصعيد هذه على أمل ألا تكون هناك أية عوائق.

لكن اتضح أن ما كانت تفكر فيه روسيا – إلى جانب إيران والنظام – هو أن مناطق خفض التصعيد هذه ستسكت المعارضة، مما يسمح لهم بالانقلاب على المعارضة ومهاجمة المناطق في وقت لاحق، وفعلياً ثبت أن هذه هي استراتيجيتهم، لم يقل أحد لا للنظام، لم يعترض أحد على مثل هذه الاستراتيجية الإجرامية المخبأة في إطار وقف إطلاق النار.

جرت آخر العمليات العسكرية في جنوب غرب سوريا، وكي يحدث هذا، لعبت إسرائيل دوراً، ثم لعبت الولايات المتحدة دورها أيضاً، طلبت الولايات المتحدة من المعارضة في الجنوب عدم إعطاء الروس أو النظام أي ذريعة لمهاجمة الجنوب وذلك عندما قرر أهل الجنوب مساعدة الغوطة، قالوا لهم: “لا، ابقوا صامتين، لا تقدموا لهم ذريعة لمهاجمة الجنوب”، لكن عندما بدأ الهجوم، لم يفعلوا شيئاً.

وأخيراً عندما قرر النظام، المدعوم من سوخوي بوتين والميليشيات الإيرانية، مهاجمة الجنوب، قال الأمريكيون أنهم لن يتدخلوا ولا علاقة لهم بالأمر.

يضع الأسد أمام عينيه الآن آخر المناطق المتبقية التابعة للمعارضة في البلاد. إذا حدث هذا، كيف ترى دورك كمفاوض؟

لم تتم تسوية قضية إدلب حتى الآن، هناك الكثير من الأشياء في المشهد: تركيا جزء من اللعبة، لقد أوضحت أن إدلب ستكون مختلفة (عن المناطق الأخرى التي يهاجمها النظام)، وإذا أقدمت روسيا على فعل أي شيء فإنهم سيتدخلون لأن ذلك سيكون انتهاك لأستانا.

وبعد قول ذلك، إذا وقع [هجوم إدلب] – ولا نعرف بعد ما إذا كان ذلك سيحدث – قد يقول البعض أن النظام وأنصاره يسيطرون على كامل سوريا، إذاً ما هو الدور أو المنصب الذي قد يشغله شخص مثلي هناك، كمنشق؟

لقد تركت النظام لأنه معتدي ومجرم، لقد وقفت إلى جانب شعبي وأدرت ظهري لـ ٣٠ عاماً من العمل الشاق، ألقيت بتلك السنوات الثلاثين من العمل الشاق لأنني لم أستطع تقبل فكرة أن أعمل لصالح معتدي ومجرم.

عندما بدأت الأحداث في عام ٢٠١١، لم يكن لدى أي شخص يسيطر على شبر واحد من الأرض، حتى بيوت الناس لم تكن لهم، فقد يطرق بابك عنصر في المخابرات ويطلب منك أن تأتي معه لتناول فنجان من القهوة، ثم تختفي لمدة ١٠ سنوات أو أكثر، وتتدمر عائلتك بأكملها بسبب معاملة المخابرات العدوانية للناس هناك.

بدأ الناس بهذه الطريقة ولم يكن لديهم سيطرة على شبر واحد من أراضيهم أو منازلهم، هذه الثورة جزء من رغبتهم وطموحهم الحقيقيين ليكونوا أحراراً، أن يكون لهم دولة ديمقراطية تمنحهم الحق بأن يثبتوا أنفسهم كسوريين مبدعين.

نحن نرى هذا في اللاجئين، عندما يحصلون على حريتهم ولا يتعرضون للظلم والعدوان فهم يثبتون أنفسهم ويتفوقونK لكن في سوريا، يتم منعهم لأنه لا يسمح لهم بالحصول على الحرية الموجودة في العالم الخارجي.

لم تكن هذه الحرب عسكرية أبداً، لم يكن لدينا خيار، لم يكن حمل السلاح خيارنا، [الثورة] كانت سلمية ورفعنا ببساطة أصواتنا قبل أن يقابلنا النظام الوحشي بالرصاص.  

وفي اللحظة التي يتجه فيها النظام نحو حل سياسي، يعني ذلك أنه قد وصل إلى نهايته، وأن هذه الوحشية تقترب من نهايتها.

لكن العالم للأسف خذلنا فيما يتعلق بتلك النقطة، كان لدينا أنصار – ما يسمى بأصدقاء سوريا- ولكن للأسف لم يكونوا أصدقاءً حقيقيين في الواقع. لو كانوا أصدقاء حقيقيين، لكان بإمكاننا مواجهة إيران، لكان بإمكاننا مواجهة روسيا، كلاهما مجرمان كالنظام نفسه، هذه هي مواجهتنا الحقيقية، نحن نؤمن بحقوقنا وسنواصل مواجهة هذه الوحشية، لأن السوريين أناس طيبون ويستحقون الحرية.

قاتلوا كل هذه السنين لينالوا حريتهم، وأعتقد أنهم سيحققون ذلك في نهاية المطاف.

كيف ترى نفسك تتفاوض مباشرة مع الحكومة السورية، دون دعم دولي ودون سيطرة على الأرض في البلاد، إذا بقيت في موقعها الحالي؟

المهم أن نعرف ما هي طبيعة معركتنا مع هذا النظام، المعركة بالنسبة لنا ليست عسكرية، النظام قوي عسكرياً ويكسب المعركة عسكرياً، ليس بفعله وإنما يكسبها بفعل عسكري غاشم احتلالي روسي إيراني وليس بقوته.

من جانب آخر المعركة كما ذكرت سابقاً سلمية سياسية حقوقية، حتى في المعركة السياسية إذا كان النظام بحماية روسيا فإنه يعطّل الشرعية الدولية، يعطل القرارات الدولية هذا الأمر لن يجلب للروس حل وهم أصلاً لا يريدون حلاً.

يجب أن تكون الحكومة هي من يدعو إلى مؤتمر وطني ينتج عنه لجنة وطنية مسؤولة عن صياغة دستور جديد، من أجل الدعوة لإجراء انتخابات.

في نهاية المطاف، هذه هي الطريقة الوحيدة لإيجاد حل في سوريا، وليس وفق تكتيكات الأسد وإيران وروسيا.

أمضيت ٣٠ عاماً في العمل مع الحكومة السورية. بعد ذلك، أعلنت انشقاقك و- كما قلت – ألقيت بتلك السنوات لتجلس على طاولة المفاوضات إلى جانب المعارضة؟

هل تعطيك خبرتك في العمل مع أجهزة الإعلام التابعة للحكومة أي رؤية تحسن قدرتك على العمل في المفاوضات؟ فبعد كل شيء، كنت قريبا من كلا الطرفين.

نعم، كنت قريباً من كلا الطرفين، عندما حصلت على درجة الدكتوراه عام ١٩٨٦، بدأت العمل في جامعة دمشق كأستاذ.

في مرحلة ما، اقترب مني بشار الأسد، كنت أعدّ برنامجاً مع كلية التربية حول تنمية الشباب، وطلب مني إعداد مشروع معين للشباب في سوريا – وهو شيء أطلقنا عليه اسم “برلمان الشباب”.

أمضيت ستة أشهر في العمل على البرنامج إلى جانبه، جمعنا معلومات من طلاب الجامعات الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٥ عاماً، وراجعنا الاستبيانات، بعد ستة أشهر من العمل على المشروع قرر- بسبب الضغط من الآخرين، حيث كان والده في السلطة آنذاك- أننا سنتوقف.

أدركت في ذلك الوقت أن هذا التردد في الدفع من أجل التغيير كان إشارة سيئة لمستقبل سوريا، لفترة من الوقت كنت أعتقد أن التغيير يمكن أن يحدث، ولكن في وقت لاحق بدأت أشك في ذلك.

عندما بدأت الثورة في عام ٢٠١١، أدركت أن الوقت قد حان لتعود سوريا إلى الحياة، وللشعب السوري -بذكائه وإبداعه – ليساهم بشكل فعلي وبكامل حريته في بناء الحضارة الإنسانية.

لسوء الحظ، قوبل المتظاهرون بالرصاص، حاولت خلال الأشهر الخمسة الأولى أن أعمل من موقعي داخل الحكومة لثنيهم عن الرد على المسيرات السلمية بالرصاص، لكني فشلت، لم يسمعني أحد.

 

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال