6 دقائق قراءة

مقاتل من قدسيا: آثرنا الحفاظ على المدينة والأهالي من الدمار والتشريد والقتل.. وكلي أمل بالعودة إليها

يعيش محمد الشامي، مقاتل في المعارضة، في مخيم للثوار النازحين […]


8 نوفمبر 2016

يعيش محمد الشامي، مقاتل في المعارضة، في مخيم للثوار النازحين في إدلب، على أمل أن يجري الطبيب عملية لأوتار يده اليسرى المحطمة، قبل حلول الشتاء.

وحمل الصحفي وعضو المجلس المحلي السابق السلاح، لأول مرة من أجل “حماية ” مسقط رأسه، قدسيا، من تقدم دبابات النظام.

وشارك الشامي في معركة واحدة فقط، في أيلول الماضي، والتي أدت إلى “القبول بهدنة النظام والخروج إلى إدلب”، وفقا لما قاله الشامي، لمراسلة سوريا على طول آلاء نصار.

وحاليا فإن “شعوري محزن. ولكن آثرنا الحفاظ على المدينة والأهالي من الدمار والتشريد والقتل”، بحسب ما يوضحه المقاتل الجريح، متحدثا عن 1296 مقاتلا في المعارضة ممن غادروا قدسيا والهامة، تبعا للهدنة التي جاءت بعد حصار للبلدتين استمر منذ تموز 2015.

ويضيف الشامي “اضطررنا إلى القبول بهدنة النظام والخروج إلى إدلب مقابل عدم إحراق المدينة كما وعد وهدد”.

وفي الأشهر الأخيرة، خضعت بلدتي داريا والمعضمية، في ريف دمشق، لضغوطات النظام ووقعت كل منهما اتفاقية مع حكومته. ونصت الاتفاقيات، كما هو الحال في قدسيا والهامة، على تخلي الثوار عن أسلحتهم أو خروجهم باتجاه مناطق سيطرة المعارضة، شمال سوريا.

والتزم النظام حتى الآن بالهدنة في قدسيا والهامة، حيث يقول الشامي أن الأوضاع تحسنت بالنسبة لمن بقي هناك، بمن فيهم عائلة الشامي.

ويقول الشامي، الذي يتواصل على الدوام مع عائلته في قدسيا “عادت المدينة للوضع الذي كانت عليه في عام 2011، ولا يوجد أي مضايقات للمدنيين”.

ولكن بعد سنوات من الحرب والحصار، من الصعب استعادة الثقة بالنظام، “فنحن ما زلنا نتخوف من غدر النظام ولعبه على وتر التهجير القسري فيما بعد، بينما ينتهي من تهجير سكان المناطق الأخرى”، حسب الشامي.

كيف كانت بداياتك مع الثورة وانضمام قدسيا للمناطق الثائرة؟

انضممت للحراك السلمي من بداية الثورة، كنا نترقب أحداث مصر وتونس، وخرجنا في أول مظاهرة بتاريخ 20/5/2011، وبدأنا بعدها بالتنظيم للمظاهرات داخل قدسيا، وكان السبب القريب الذي خرجنا لأجله تصرفات الأمن مع أهالي درعا من ظلم وقتل واعتقال.

أما السبب البعيد فهو هيمنة نظام الأسد والبعث على الحكم، وتهميش باقي الفئات في المجتمع من الوصول إلى مناصب الحكم، إضافة إلى الاعتقالات طويلة الأمد، واستملاك الدولة للأراضي وتخصيصها لفئته واستقرارهم بها، بالمختصر كانت ثورتنا انفجارا على  أخطاء النظام الأمني على مدى عقود طويلة من القمع وغيره.

استمرت المظاهرات في قدسيا وبدأت الأعداد بالتزايد للمطالبة بالعدل والمحاسبة والمساواة بين شرائح المجتمع، وإلغاء عدة قوانين منها قانون الطوارئ والمادة الثامنة من الدستور وحرية الإعلام.

(عرفت سوريا قانون الطوارئ في عام 1963 عندما وصل حزب البعث إلى السلطة، حيث أعطى الحكومة السلطة بالتحقيق واعتقال المشتبه بهم ممن يشكلون خطرا على الأمن القومي. وتم إنهاء حالة الطوارئ في عام 2011 بعد 48 عاما. وقبل تعديله في عام 2011، نصت المادة 8 من الدستور السوري على أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع).  

مدخل قدسيا في 13 تشرين الأول. تصوير: دمشق الآن.

كيف كانت ردة فعل النظام على خروج المظاهرات في المدينة؟

بدأ النظام الأمني بتفرقة المظاهرات، وحملات الإعتقال والتغييب في أقبية الأفرع والسجون والاختفاء للناشطين.

وقد كنت من بينهم، ففي شهر 9 من عام 2011 تمت ملاحقتي وإطلاق النار باتجاهي، وبعدها تم سوقي إلى أماكن لا تصل إليها الشمس، كما صور معتقلات غوانتانامو التي كنا نشاهدها، لتمضي بعدها فترة اعتقالي وفترة المجهول في أفرع النظام، ذلك كوني أدرس الإعلام فكانت المعاملة تختلف عن البقية.

لماذا انضممت إلى الثوار وحملت السلاح؟ متى كان ذلك؟ وما هي المعارك التي شاركت بها؟

انضممت إلى الثوار منذ بداية عام 2016 لأكون بجانبهم، كون المنطقة تحتاج إلى ثوار لحمايتها، وكانت المعركة الوحيدة قبل خروجنا وعلى إثرها تمت الهدنة وخرجنا إلى إدلب.

(الشامي يشير إلى الاشتباكات التي وقعت في 27 أيلول، عندما حاولت قوات النظام اقتحام قدسيا والهامة. تصدى الثوار في البلدتين لتقدم الدبابات، وبعد ذلك مباشرة تم الاتفاق على الهدنة، وفقا لما ذكرته سوريا على طول، الشهر الماض).

ما الذي قادكم للموافقة على وقف إطلاق النار؟

غادرنا بعد أن أمطر النظام مدينتي قدسيا والهامة بالعديد من البراميل وصواريخ أرض أرض (الفيل)  والعديد من القذائف الأخرى، مما جعل الضغط علينا أكبر كون المدينة محاصرة من تاريخ  21 / 7/ 2015، وعدم سماح النظام بخروج الناس للضغط علينا.

ومع تزايد الضغط والقصف اضطررنا إلى القبول بهدنة النظام والخروج إلى إدلب مقابل عدم إحراق المدينة كما وعد وهدد.                        

وقد كان أمر خروجنا وإبادة المدينة في حال الرفض موجها من العميد قيس الفروة ضابط الحرس الجمهوري بعد أن حاول النظام اقتحام البلدة عدة مرات ولم يستطع بسبب المقاومة الشرسة له، وتكبد حينها خسائر عديدة.

لماذا قررت مغادرة قدسيا باتجاه إدلب؟ لماذا لم تبق في المدينة؟

أحد أهم الأسباب لقبولي بالخروج إصابتي بشظية دبابة في يدي اليسرى أدت إلى تفتت العظم وتكسره، خلال الحملة الشرسة التي شنها النظام على مشفى شام الأمل المدينة، عندما كنت أقوم بتوثيق انتهاكات النظام.

ولم يكن بالإمكان أن أعالج داخل المدينة، بسبب ضعف الإمكانيات الطبية فيها، واقتصر الأمر على بعض الإسعافات الأولية.

(في 5 تشرين الأول، سقطت قذيفة دبابة على المستشفى الوحيد في قدسيا. وفي اليوم نفسه، ضرب برميلان متفجران المستشفى الوحيد في مدينة الهامة المجاورة لها، وفقا لسوريا على طول).

 وكوني مصاب خرجت وحدي دون عائلتي إلى إدلب كي أنتقل للعلاج في تركيا فيما بعد وقد شجعتني عائلتي على ذلك لأعالج إصابتي التي كانت بيدي، ووجدت أن بقاءهم في قدسيا أفضل لهم من “الشنططة” في مخيمات اللجوء.

وهناك سبب آخر لخروجي وهو أن النظام وضع لائحة أسماء سوداء، كانت تضم 104 أسماء، وهم الأشخاص غير المرغوب بهم أبدا ولن تتم تسوية أوضاعهم ويجب خروجهم إلى إدلب، وكنت أنا من بينهم.

هل شهدتم أي مضايقات خلال رحلتكم إلى إدلب؟

خرج من قدسيا والهامة 1297 شخصا من المنشقين والمطلوبين والراغبين بالخروج إلى تركيا، ولم نشهد أي نوع من المضايقات على الطريق، واستغرق القدوم الى إدلب مدة  10 ساعات.

ولما وصلنا إلى إدلب كانت محطة الوصول هي قلعة المضيق، حيث وجدنا بعض المنظمات والفصائل التي كانت تعلم بوصولنا وتم تأمين سيارات نقل وباصات لتقلّنا إلى مراكز الإيواء وأماكن تجمعات للمهجرين، كمدارس ومخيمات كما تم تأمين العديد منا في بيوت سكنية قامت بتجهيزها وتأمينها المنظمات والفصائل والمجالس المحلية، وتأمين ما يلزم لنا، وما زلت أقيم حتى اللحظة  بمخيمات اللجوء التي توزع بها ثوار بلدتي في إدلب، والتي لم تهدأ بسبب قصف الطيران الحربي لمناطق بالقرب منها.

هل تلقيت أي علاج طبي من أجل يدك المصابة؟

عقب وصولي تم توزيعنا بين مصابين وسليمين ولم أكن المصاب الوحيد، السليم نقل إلى خيمته والمصاب إلى المشافي الميدانية المحيطة، وتم نقلي مع المصابين، وشخّص الأطباء إصابتي، وركبوا لي جهاز تثبيت للعظم لأنه كانت متكسرا ومتفتتا، كما أنني بحاجة أيضا لعملية وصل أوتار فيما بعد وعملية تطعيم أو زرع لحم، وطلبت منهم نقلي إلى مشافي تركيا بناء على رغبتي، وعدم وجود جو مناسب للاستشفاء كوني متواجد بمخيم، تزامنا مع دخول فصل الشتاء، ولا يوجد أحد معي سوى صديقي. 

أليس لديك أي تخوفات على عائلتك كونها بقيت داخل قدسيا؟ وماهو وضع المدينة حاليا عقب خروجكم؟

طبعا عندي تخوف، وأنا على تواصل دائم معهم، ولكن الأمر تم مسبقا وهناك تجارب سابقة لهدن مع النظام بعام 2012.

(مرت قدسيا و الهامة بفترات حصار منذ بداية الحرب. وأنهت المفاوضات حصارين سابقين في عام 2013. بينما أنهت هدنة تشرين الأول الحصار الثالث والذي بدأ في تموز عام 2015).

 الآن بعد خروجنا فُك الحصار عن قدسيا ودخلت المواد الغذائية والأدوية وتوقف القصف ولايوجد أي مضايقات للمدنيين، وتمت تسوية أوضاع من تبقى من شبابها، وعادت المدينة للوضع الذي كانت عليه في عام 2011، ولكن في المقابل النظام يدخلها بين الفينة والأخرى مع لجنة المصالحة لتفتيش أماكن المقرات، ووضع حواجز له على أطراف المدينة.

وما زلنا نتخوف من غدر النظام ولعبه على وتر التهجير القسري فيما بعد بينما ينتهي من تهجير سكان المناطق الأخرى، رغم أن قدسيا تحوي أعدادا كبيرة من المدنيين، وأغلبهم ممن ظلوا بالمدينة يؤيدونه.

هل قابلت أشخاصا كانت لديهم الرغبة بالخروج من قدسيا ولكنهم لم يستطيعوا؟

نعم هناك العديد من الشبان كانت لديهم الرغبة في الخروج إلى إدلب ولكن أسرهم منعتهم من ذلك، ومنهم من كانت ظروفه صعبة ممن لديهم أولاد كثر، ومنهم من تراجع لخوفه بأنه سيذهب إلى المجهول حبث أنه لا يعلم كيف سيكون وضعه المعيشي في إدلب.

ماهو شعورك عقب خروجك من مدينتك التي تحدت النظام لسنوات؟ وهل تتوقع العودة لها مستقبلا؟ وماهي أمنياتك؟

شعوري محزن ولكن آثرنا الحفاظ على المدينة والأهالي من الدمار والتشريد والقتل، وكلي أمل بأنني سأعود لها بإذن الله.

أمنيتي بالفرج على عموم سوريا وإيقاف القتل والقصف ومحاسبة المسؤولين وكل من شارك في قتلنا وتهجيرنا.

ترجمة: سما محمد

شارك هذا المقال