3 دقائق قراءة

مقال رأي: طائفية رامي مخلوف ووطنية بشار الأسد

توجه رامي مخلوف في حديثه إلى فقراء الحاضنة الاجتماعية للنظام، محذراً بشكل واضحمن أنهم سيكونون أكبر المتضررين من تجريده من إمبراطوريته المالية، نتيجة حتمية انقطاع المساعدات والصدقات التي يقدمها لهم عبر "مؤسساته الإنسانية".


7 مايو 2020

عمان- في خضم الجدل المحتدم بشأن المفاجأة التي فجرها رامي محمد مخلوف -وهي مفاجأة لناحية كشفه عن نزاع داخل الحلقة الأضيق للنظام على الغنائم الاقتصادية، كما لناحية اكتشافه هو ذاته لوجود فساد في سوريا ومعاملة غير إنسانية لا تراعي حقوق الإنسان على يد الأجهزة الأمنية- ظهر بشار الأسد للحديث أخيراً عن وباء كورونا المستجد وتداعياته. وهو الذي لم يفعل ذلك في ذروة الذعر من الوباء، خلافاً لأغلب قادة دول العالم بمن ذلك حليفاه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني.

أحد تفسيرات ظهور الأسد الأخير والمتأخر، كانت رغبته، كما ذهب البعض، في تسخيف “زوبعة” ابن خاله وكشفه واكتشافاته. دليل ذلك أنه قرر الظهور للحديث عن موضوع هامشي وتافه بمعايير الأسد، ابناً ومن قبله أباً، وهو صحة المواطن وأحواله المعيشية. لكن اختيار الأسد للمواطن الذي سُخرت كل إمكانات النظام لإفقاره وإذلاله على مدى نصف قرن، قد ينطوي على رسالة أعمق بكثير مما قد يبدو على السطح وللوهلة الأولى.

كما أدرك كثيرون، توجه رامي مخلوف في حديثه إلى فقراء الحاضنة الاجتماعية للنظام، أي الطائفة العلوية، محذراً بشكل واضح، لاسيما في الفيديو الثاني، من أنهم سيكونون أكبر المتضررين من تجريده من إمبراطوريته المالية، أو جزء منها على الأقل، نتيجة حتمية انقطاع المساعدات والصدقات التي يقدمها لهم عبر “مؤسساته الإنسانية” وتلك المخصصة لتمويل الشبيحة وذويهم.

في مقابل طائفية رامي مخلوف، لاسيما إذا ما أضيف الاستنتاج الآخر من حديثه والمتمثل في تحذيره من انتقال الثروة إلى أسماء الأخرس المنتمية إلى الطائفة السنية أو المحسوبة عليها، فإن بشار الأسد في لقائه مع ما يسمى “المجموعة الحكومية المعنية بمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها”، كان يتحدث عن جوع وفقر وعوز المواطن السوري عموماً، كما حاجته إلى التعليم وحتى الذهاب إلى دور العبادة. ومثل هذه الوطنية -الإنشائية والكاذبة بداهة- إبان ما يفترض أنها واحدة من أخطر الأزمات التي يواجهها النظام الذي هو الأسد شخصياً، إنما تدلل على اطمئنان الأخير لتماسك الطائفة خلفه حتى وإن كان ذلك يعني خسران فقرائها الذين يشكلون الأغلبية “الفتات” الذي يقدمه مخلوف لـ”سد جوعهم”، وفق تعبير الأخير الذي يدلل على احتقار للفقراء، أو أقلها انحدار في ملكات وقدرات المتحدث.

إذ بعد أكثر من تسع سنوات من الحرب على الشعب السوري، والتي نجح الأسد في تحويلها –بمساعدة لا تقدر بثمن من “داعش” وهيئة تحرير الشام” وعدد من فصائل المعارضة- إلى حرب طائفية، فقد صار البقاء في السلطة من وجهة نظر حاضنة النظام الاجتماعية ليس أقل من صراع وجود وبقاء بالمعنى الحرفي للكلمة، بما لا يسمح بأي نزاع داخلي يؤدي إلى إضعاف الطائفة الذي يعني حتماً فناءها وفقاً للمعطيات القائمة الآن. وهي معطيات لم تنتج عن سنوات الحرب فحسب، بل تأسست خلال العقود الأسبق من حكم آل الأسد الذي استمر فقط بفضل إرهاب السوريين وتطييفهم.

هكذا، وفيما قد يعبر البعض ضمن الحاضنة الاجتماعية عن تعاطف مع رامي مخلوف وحتى غضب لأجله، يظل القاسم المشترك، منطقياً، بين أبناء هذه الحاضنة هو القلق حد الذعر من خروج الخلاف/النزاع الحالي عن السيطرة. وهو أمر إن حصل سيكون محسوماً لمصلحة الأسد، كونه البديل الوحيد المتاح، من وجهة نظر حاضنته، لاستمرار الحكم، ومنع المذبحة “المفترضة” لأسباب مفهومة طبعاً ولكنها ليست حقيقية بالضرورة ولا حتى غالباً. وبالتالي، سيكون مقبولاً التضحية برامي مخلوف، ليس بتجريده من إمبراطوريته أو جزء منها فحسب، بل وحتى تجريده من حياته (انتحاراً كما جرت العادة) إن اقتضى الأمر.

هذا الاستنتاج، الذي تؤكده مآلات محاولة رفعت الأسد الانقلاب على شقيقه حافظ في ثمانينات القرن الماضي، يعني أن أي اهتزاز وتداع حقيقيين في النظام يفضي إلى خلاص الشعب السوري منه، لن يكون ممكناً من دون تحرير الحاضنة الشعبية التي اتخذها آل الأسد رهينة منذ وصولهم إلى السلطة. وهو ما يفرض، ببداهة شديدة، وجود بديل وطني. لكنه، وبعيداً عن المكابرة والرغائبية في التحليل والاستنتاج، بديل يبدو الآن بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى، مع تهتك المعارضة السورية، لأسباب كثيرة ذاتية وخارجية، وتسيد المشهد تنظيمات وفصائل لا تقل طائفية وفساداً وإفساداً عن الأسد.

شارك هذا المقال