4 دقائق قراءة

مقال رأي: مشروع العودة الطوعية يلقي بظله الثقيل على اللاجئين

كل عودة قبل إنجاز الحل السياسي الشامل وبناء سلطة انتقالية تضمن للناس أمنهم وسلامتهم وكرامتهم وعودتهم إلى مدنهم وبلداتهم الأصلية، وتلجم العصابات والميليشيات وتنزع سلاحها


20 مايو 2022

كان صادماً خبر إعادة مليون لاجئ سوري من تركيا إلى مناطق المعارضة، شمال غرب سوريا، بالنسبة لجميع السوريين المقيمين على أراضيها، ومنذ الإعلان رسمياً عن عزم الحكومة التركية تنفيذ خطتها يعيش اللاجئ في حيرة من أمره، متسائلاً إن كان مع أسرته بين جموع المرحّلين، وهل تنطبق المعايير التي تحكم العملية عليه، إن كان هناك معايير أصلاً.

إشارات الاستفهام تلك، تعكس حجم الحيرة والصدمة لدى اللاجئين السوريين، ومحاولاتهم في تلمّس ملامح مستقبل لا يبدو أنه يحمل أي بوادر استقرار.

منذ 2019، يشعر السوريون باستياء المجتمع التركي من وجودهم، وأخذوا يلمسون تبدلاً في السياسة المعمول بها تجاههم، وشهد هذا العام أولى حملات الترحيل الاعتباطي بحقهم، ضمن ما سمي سياسة تنظيم الأوضاع القانونية وضبطها. ومع كونها ضرورة ملحّة لكلا المجتمعين: التركي واللاجئين السوريين، إلا أنها لم تخلُ من تجاوزات وتعسّف في إعمال موجباتها في كثير من الأحيان.

سنوات العسل انقضت، وثمة مليون سوري الآن تعمل السلطات الرسمية التركية على إجراءات نقلهم إلى مناطق نفوذ الجيش الوطني (المعارض) ضمن مشروع “العودة الطوعية”، ولكن ماذا يعني أن تنتزع مليون إنسان من مكان لجوئهم الآمن وإلقائهم في بلادهم التي فرّوا منها التماساً للحماية وبحثاً عن ملجأ آمن؟ هل تقتصر آثار ذلك على هؤلاء أم سيكون هناك تداعيات لهذا المشروع على بقية اللاجئين في تركيا، ممن لم يشملهم القرار، أو على الأقل لم تشملهم المرحلة الأولى منه؟

وكذلك، هل ثمة تأثير للخطة التركية على بقية اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري، كلبنان والعراق والأردن، وحتى بعض الدول الأوروبية ؟

صحيحٌ أن مبدأ سيادة الدولة على إقليمها تتيح لها أن تقرر من السياسات والإجراءات القانونية التي تخدم بها شعبها وترتقي بأوضاعه، لكن تلك السيادة لا تكون مطلقة بعد أن تلزم الدولة نفسها -صاحبة السيادة- وبإرادتها الحرة باتفاقيات ومواثيق والتزامات قانونية دولية، عندها يتقيد حق الدولة بالتصرف ضمن نطاق ماألزمت نفسها به، ويصير واجباً عليها احترام تلك المواثيق والاتفاقيات والعهود التي يفترض أيضا أنها صارت جزءاً من بنيانها القانوني الوطني.

ضمن هذا السياق يمكن تقييم الرؤية والموقف من مشروع “العودة الطوعية” الذي أطلقته الحكومة التركية مؤخراً ، ومقاربته من التزامات الدولة التركية القانونية، والنظر فيما إذا كان متسقاً مع تلك الالتزامات أو مخالفاً لها.

الدولة التركية ملتزمة باتفاقية حقوق اللاجئين لعام 1951 وموقعة عليها، لكنها تحفّظت على النطاق الجغرافي للاتفاقية، الذي توافقت الدول على إزالته في بروتوكول عام 1967، وهذا أتاح لها عدم منح صفة لاجئ بالمعنى القانوني إلا لمن جاء إليها من أوروبا طالباً اللجوء.

لكن مجرد توقيع أنقرة على الاتفاقية يحملها مسؤولية منح الحماية لكل طالب لها، والالتزام بما يترتب على ذلك، من قبيل احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في المادتين 32 و 33 من الاتفاقية.

وكذلك، فإن قانون الحماية المؤقتة الذي يحكم الوجود القانوني للسوريين على الأراضي التركية يحظر الإعادة القسرية لمن هم تحت الحماية، إذ تنص المادة 6 منه على “عدم جواز إعادة أحد من الأشخاص الذين تشملهم اللائحة إلى مكان قد يتعرضون فيه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة المهينة أو غير الإنسانية، أو المكان الذي تكون فيه حياتهم أو حريتهم مهددة بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب الرأي السياسي”.

مع أن قانون الحماية المؤقتة يفرض على المستفيد منه والخاضع له العودة إلى بلاده إذا استقرت الأوضاع وانتفت الأسباب التي دفعته إلى طلب الحماية ابتداءً، لكن هذا يتطلب استقرار الأوضاع حقيقة لا شكلاً، بمعنى أن يكون هناك اتفاق أو حل سياسي ونهائي للصراع الذي تسبب بحالة اللجوء للدول المجاورة طلباً للحماية، وليس مجرد هدنة عسكرية مؤقتة قد تنتهي أو يتم خرقها في أي وقت.

ويجب أن يكفل الاتفاق عودة آمنة للناس إلى بيوتهم وبلداتهم ومدنهم التي غادروها، وليس إلى مستوطنات مستحدثة في حيّز جغرافي محدود جداً يعجّ بالسلاح والميليشيات العسكرية، لا يأمن الناس فيه على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وليس فيه أجلاً  محدداً وواضحاً لعودة الناس إلى مساكنهم ومدنهم.

وعليه، فإن كل عودة قبل إنجاز الحل السياسي الشامل وبناء سلطة انتقالية تضمن للناس أمنهم وسلامتهم وكرامتهم وعودتهم إلى مدنهم وبلداتهم الأصلية، وتلجم العصابات والميليشيات وتنزع سلاحها، هي بالضرورة عودة غير آمنة وغير طوعية، بل هي إعادة توطين قسرية للبشر، وتتعارض مع كل القوانين والشرائع الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين خاصة، وحقوق الإنسان على نحو عام.

أبداً لن تكون آثار هذا المشروع محصورة في يطبق عليه (بتشديد الباء مع فتحها أو بكسرها لا فرق)،  بل سيكون له امتداد بالأثر على بقية اللاجئين المتبقين في تركيا، لأني لا أتصور أن يقتصر المشروع على مليونه الأول. أيضاً سيكون له ارتدادات على اللاجئين في دول الجوار: لبنان، الأردن، والعراق.

وأكاد أجزم أيضاً أنه سينعكس بآثاره على من هم تحت الحماية في بعض الدول الأوروبية ولم يحصلوا على جنسية تلك الدول بعد، إذ سترى سترى حكوماتها أن الفرصة سانحة لإنهاء تلك الحماية وإلزام حامليها بالعودة إلى بلادهم، بصرف النظر عما إذا كانت قد توصلت وفود التفاوض -التي يراد أن تكون خطواتها سلحفاتية-  إلى اتفاق أم لا.

ويجب الإشارة إلى أن انتهاك القانون أو تجاهله مرة يمثّل سابقة تشجع الآخرين على تكرار الفعل ذاته، ويدفع بحكومات تلك الدول تأسيس مطلبها بعودة اللاجئين على تلك السابقة، بدلاً من أن تصدر بشأنها تصريحات أو مواقف مستهجنة أو رافضة من أي دولة، أو مؤسسة أممية، بما فيها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ولا شقيقتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان!

كل ذلك يوحي بوجود توافق دولي على المشروع ودعمه، بصرف النظر عن سلامة السوريين وأمنهم ومستقبلهم، وبصرف النظر عما إذا كان كل ذلك يمثل سلسلة من الانتهاكات للقانون الدولي أم لا، فتلك الدول المضيفة ليست أول المنتهكين ولن تكون آخرهم بطبيعة الحال!!.

شارك هذا المقال