7 دقائق قراءة

“مقيدات”: الصحفيات شمال سوريا يحلمنَ بالمشاركة في الفعاليات الخارجية

المشاركات الخارجية للصحفيات والصحفيين السوريين بمثابة "حلم"، خاصة للصحفيات المقيمات في إدلب حيث يتعاملن، إلى جانب مخاطر العمل الصحفي، مع مجموعة من التحديات الإضافية، كالتمييز الرسمي والحواجز الاجتماعية.


20 ديسمبر 2022

إدلب- في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، انطلقت فعاليات ملتقى أريج السنوي الخامس عشر، التي تنظمها شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، بمشاركة نحو ثلاثة آلاف صحفي/ـة عربي/ـة وأجنبي/ـة.

يعد الملتقى فرصة مهمة للصحفيين والصحفيات العرب في شتى البلاد العربية، لكنه بمثابة “حلم” بالنسبة للمقيمين والمقيمات في سوريا، وخصوصاً المناطق الخارجة سيطرة النظام، بما في ذلك إدلب، حيث تتعامل الصحفيات، إلى جانب مخاطر العمل الصحفي، مع مجموعة من التحديات الإضافية، كالتمييز الرسمي والحواجز الاجتماعية.

لكن، غالبية الورش والملتقيات الإعلامية “تستثني السوريات في شمال سوريا، لأن السفر عائقاً لهم”، كما قالت الصحفية أسيل الحموي (اسم مستعار)، التي تعمل كمحررة صحفية مع مؤسسات محلية.

بعد خمس سنوات من عملها الصحفي محلياً، تتوق أسيل لـ”الخروج من الصندوق المحلي والتعرف على الصحافة العربية والعالمية، لكن هذا غير متاح إلا عبر الإننرنت”، قالت أسيل لـ”سوريا على طول”، معبرة عن استيائها من “عدم تدخل الجهات الداعمة لحرية الصحافة” لإيجاد حلول تسمح لهنّ في الخروج من المكان.

أثبتت الصحفيات السوريات، شمالي سوريا، قدرتهنّ على نقل الواقع وتغطية الأحداث وتصويرها، حتى في الأماكن الخطرة، واستطعن تحدّي الظروف المحيطة، بما في ذلك نظرة المجتمع لهن.

لم يكن وصولهنّ إلى هذا المستوى إلا نتيجة تراكمات من العمل والتجربة والجد في امتلاك المعرفة اللازمة للوصول إلى صحافة مهنية حرّة، وفي إطار ذلك خضعن لورشات محلية لصقل مهاراتهن، ويتطلعن أن تتاح لهم فرصة المشاركات الخارجية لكسب مزيد من الخبرات والحصول على مزيد من الفرص.

صحفيات سوريات يحضرن ورشة تدريبية برعاية رابطة الصحفيين السوريين في مدينة إدلب، 15/ 12/ 2022 (عبد المجيد القرح)

الحرمان من المشاركات الخارجية

في عام 2020، حضرت الصحفية سلوى عبد الرحمن ورشتين تدريبتين “أونلاين” في مجال الصحافة الاستقصائية، نظمتهما شبكة أريج، وكانت تتمنى أن تشارك وجاهياً كما غيرها من المشاركين والمشاركات، إلا أن إقامتها في إدلب وعدم حيازتها على جواز سفر ساري المفعول حالا دون تحقيق أمنيتها.

وأساس المشكلة أن المدنيين في مناطق المعارضة لا يمكنهم الحصول على أوراق ثبوتية معترف بها خارج سوريا، كون الوثائق مصدرها مؤسسات النظام السوري، والوصول إليها لاستصدار الوثائق وجوازات السفر فيه مخاطرة أمنية، خصوصاً على الصحفيات والصحفيين.

ومع انطلاقة فعاليات ملتقى أريج لهذا العام، تابعت سلوى مجرياته عبر الإنترنت، وتمنّت لو أتيحت لها فرصة المشاركة كغيرها من الصحفيات العربيات، بما في ذلك السوريات، المقيمات خارج سوريا، إذ صادفت وجود اسم عدد منهنّ أمثال الصحفية السورية رقية العبادي، المقيمة في فرنسا.

يترك شعور العجز عن المشاركة لأسباب خارجة عن إرادتهن أثراً كبيراً في نفوس الصحفيات السوريات داخل سوريا، كما أوضحت غدير الشيخ، 25 عاماً، وهي طالبة في معهد الإعلام بجامعة حلب الحرة، إلى جانب عملها مع مؤسسات محلية صحفية في تصوير وكتابة التقارير والقصص الإنسانية.

تتصفح غدير منصات التواصل الاجتماعي، بشكل مستمر، بحثاً عن تدريبات صحفية لتطوير مهاراتها، ولكنها كثيراً ما تصاب بالإحباط عند قراءة إعلانات عن تدريبات أو مؤتمرات صحفية في دول عربية، كونها “فرص أحلم بها، ولكنها ستكون لغير السوريات، بسبب الظروف السياسية، التي حرمتنا من مغادرة بلدنا”، على حد قولها لـ”سوريا على طول”.

لذلك، تصف غدير الصحفيات في شمال سوريا بـ”المقيدات”، لأنهنّ حتى لو دعين إلى مؤتمر أو ورشة خارج البلاد لا يمكنهنّ السفر، كما في حالة غدير، لأنها لا تحمل جواز سفر.

وانتسبت غدير لإحدى الكيانات الصحفية، التي تشبه إلى حدّ ما النقابات الصحفية، أملاً بأن تجد عبرها “حلاً لمشكلة عدم مشاركتي الخارجية في الفعاليات الصحفية”.

“الأونلاين” حل لا يفي بالغرض

اتجهت معظم المؤسسات والمنصات الصحفية والتدريبية إلى تنظيم مؤتمرات وملتقيات “عن بعد”، أو إضافة هذا الخيار إلى مؤتمراتها وملتقياتها الوجاهية لإتاحة فرصة المشاركة لغير القادرين/ـات على الحضور  

سياسة “الأونلاين” زادت من فرص الصحفيات السوريات في شمال غرب سوريا بالمشاركة في الورش التدريبية والمؤتمرات، لكنها لا تعطيهنّ فرصاً كافية للتشبيك والتنسيق كما لو كنّ مشاركات وجاهياً.

وفي ذلك، قالت ميسا المحمود، ناشطة وصحفية مستقلة، أنها حضرت ندوتين افتراضيتين مع صحفيين وصحفيات عرب، لكن “هاتين الندوتين كانتا أشبه بمحاضرتين، اعتمدتا أسلوب الإلقاء، ولم يتم من خلالهما تبادل الأفكار أو اكتساب خبرات من الموجودين إلا بشكل طفيف”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

تصالحت نور محمد، 20 عاماً، وهي صحفية سورية تعمل مع عدة جهات محلية، مع فكرة الحضور “أونلاين”، وصارت تنظم حياتها بناء على ذلك. تعتمد على التقويم وتضبط ساعة المنبه في هاتفها المحمول حتى لا تفوتها المشاركة في اللقاءات أو الورش أو التدريبات التي تستحوذ على اهتمامها وتتناسب مع وقتها.

لكن، رهف الإدلبي، وهي صحفية مستقلة مهجّرة من جبل الزاوية إلى ريف إدلب الشمالي، لا يرضيها حلّ “الأونلاين”، مشددة على حقها في “حضور المؤتمرات العربية، لأسمَعَ وأُسمع، وأحاور وأناقش، وأبني علاقات جديدة، وهذا غير متوفر عبر الأنترنت، لأننا في الأونلاين نبقى مستمعين غير مؤثرين”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

من أصل عشرة صحفيات تحدثن لـ”سوريا على طول”، تلقت اثنتين منهما دعوات لحضور ندوات فيزيائية خارج سوريا، لكنهنّ لم يتمكنّ من الحضور بسبب عدم امتلاكهن أوراقاً ثبوتية رسمية.

فاطمة حاج موسى، خريجة معهد الإعلام التابع لجامعة إدلب، واحدة من هاتين الصحفيتين، إذ أتيحت لها فرصة حضور تدريب فيزيائي مع قناة الجزيرة في قطر “لكنني حرمت من حضوره لعدم وجود جواز سفر”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، مشيرة أن زملاءها الذكور أيضا يعانون من نفس المشكلة.

تركيا قد تكون حلاً

تشير مشكلة مشاركة الصحفيات في مناسبات خارجية إلى أزمة أوراق ثبوتية أكبر، تعاني منها مناطق المعارضة شمال غرب سوريا، التي يقطنها أكثر من أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون داخلياً.

حاولت سلطات الأمر الواقع في شمال شرقي البلاد وغربها إيجاد بدائل عن وثائق النظام، فأصدرت بطاقات شخصية (هوية)، ودفاتر عائلية، ووثائق عقارية، لكن وثيقة السفر لا يمكن الحصول عليها إلا من مؤسسات النظام المتمثلة بدائرة الهجرة في مناطقه أو سفاراته.

بعد أكثر من أحد عشر عاماً على اندلاع الثورة السورية ما يزال “جواز السفر” أحد أهم العقبات أمام السوريين في مناطق المعارضة “لأن إصدار الجوازات من القضايا السيادية، وإلى الآن لم يتم الاعتراف بالهيئات السياسية أو بشرعيتها حتى يُسمح لها بإصدار جوازات”، كما قال المحامي غسان عاكوب لـ”سوريا على طول”.

من أكثر ما يعاني منه المواطن السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بحسب عاكوب، عدم وجود شخصية اعتبارية ممثلة له ومعترف بها دولياً، يمكنها أن تقدم له أبسط حقوقه المدنية المتمثلة باستصدار شهادة ميلاد أو وفاة، أو صك زواج، أو بيان قيد مدني، معترف به خارج الحدود.

وبما أن تركيا هي الدولة الحدودية الوحيدة مع شمال سوريا، ويمكن العبور إليها في حالات استثنائية، فإنها تمثل الخيار الوحيد للصحفيات، لحضور دورات أو ورش صحفية على أراضيها.

نظرياً، يمكن للصحفيات استصدار جوازات سفر من السفارة السورية في تركيا، لكن هذا الخيار متاح فقط للاجئين السوريين المقيمين في تركيا، ويحملون إقامات صادرة عن الحكومة التركية فيها.

من ينصف الصحفيات السوريات؟

تباينت آراء الصحفيات السوريات في الرد على سؤال: من الجهة التي يتوقعن الحصول على دعم منها وتساعدهن في حضور تدريبات على المستوى العربي.

تتوقع منيرة بالوش، صحفية سورية مقيمة في شمال غرب سوريا، أن “أي جهة إعلامية خارجية تدعم النشاط الإعلامي عندها قدرة على إرسال دعوات وتقديم تسهيلات لخروجنا بالتنسيق مع الحكومات والإدارات”.

وقالت حنين السيد، صحفية سورية مقيمة في ريف حلب الشمالي، إلى “ضرورة وجود كيان صحفي واحد يمثل الصحفيين والصحفيات تمثيلاً حقيقياً، ويلعب دوره كسلطة رابعة”، معتبرة أنه بوجود هذا الكيان “يمكن أن تحصل الصحفيات على حقوقهنّ في مغادرة البلاد لمتابعة مشوارهن في التطوير المهني”.

لكن من وجهة نظر أخريات تحدثن لـ”سوريا على طول”، لا يوجد حلّ إلا عبر السلطات الحكومية، لتسهيل عبور الصحفيات للحدود السورية، ويتمثل ذلك في حالة شمال غرب سوريا بحكومة الإنقاذ والحكومة السورية المؤقتة بالإضافة إلى الحكومة التركية على الجانب الآخر من الحدود.

أمام واقعهنّ، تجد حنين السيد في فكرة “بطاقة صحفية عابرة للحدود خياراً جيداً”، بحيث “تمكن حاملتها عبور الحدود لحضور مؤتمر أو ندوة، وتحميهنّ أثناء وجود خطر يهدد حياتهنّ أو عائلاتهنّ”. لم تذهب الصحفية السورية بعيدة، واقتراحها مبني على تجارب في قطاعات أخرى، إذ “يوجد بطاقة تاجر، تخول حاملها دخول الأراضي التركية لفترة محددة في السنة، أقصاها ثلاثة أشهر مثلاً”، بحسب قولها.

نظرياً، توجد عدة كيانات صحفية في شمال غرب سوريا أو يمكنها الوصول إلى المنطقة، تحمل على عاتقها الدفاع عن الصحفيين والصحفيات، وحدة منهنّ مهتمة بالصحفيات على وجه الخصوص، وهي شبكة الصحفيات السوريات.

ومن هذه الكيانات، اتحاد الإعلاميين السوريين، الذي تأسس عام 2017، وانتسب إليه منذ تأسيسه 60 إعلامية سورية، منهنّ عضوتين في الأمانة العامة. جلال تلاوي، مدير الاتحاد، قال لـ”سوريا على طول” أنهم تمكنوا سابقاً، لا سيما في عامي 2019 و2020 إخراج بعض الصحفيين والصحفيات من شمال غرب سوريا إلى تركيا بالتنسيق مع الجانب التركي، “سواء لحضور مؤتمرات أو تدريبات، أو بغرض العلاج”.

وكشف تلاوي عن انعقاد دورة دبلوم إعلام “أونلاين” في جامعة اسطنبول الحكومية الرسمية، بدأت في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، يشارك فيها إعلاميون وإعلاميات من شمال غرب سوريا، ويتطلب تخرجهنّ، بعد ثلاثة أشهر، الحضور فيزيائياً للحصول على الشهادة، لذلك يحاول الاتحاد حالياً التنسيق مع الجانب التركي من أجل السماح للمشاركين والمشاركات دخول تركيا.

من جهته، قال معتز الخطاب، رئيس اتحاد إعلاميي حلب وريفها أن الكيان الذي يرأسه “جسم إعلامي مدني مستقل، من واجباته خلق فرص تواصل وتشبيك للإعلاميات والإعلاميين مع كل الكيانات التي تعنى بالشأن الإعلامي داخل سوريا أو خارجها”، ومع ذلك “تأمين العبور إلى تركيا ليس سهلاً على أي جسم موجود داخل سوريا”.

لذلك رشّح الاتحاد إعلاميات وإعلاميين لحضور ورشات تدريبية صحفية مع جهات دولية، لكنها كانت “أونلاين”، بسبب عدم إمكانية وصولهنّ إلى مكان التدريب في الخارج، كما أوضح الخطاب لـ”سوريا على طول”.

 

تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع “ضد التمييز”، بدعم من منظمة فري برس أنليميتد (Free Press Unlimited). لا يعكس التقرير بالضرورة آراء المنظمة الداعمة، وتتحمل “سوريا على طول” مسؤولية المعلومات الواردة فيه

شارك هذا المقال