4 دقائق قراءة

منبج: “قسد” تسعى إلى احتواء احتجاجات المدينة منعاً من استغلالها لصالح أطراف أخرى

بعد يومين من الاحتجاجات الشعبية، توصل المجلس العسكري لمدينة منبج، التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى اتفاق مع وجهاء وشيوخ العشائر في المدينة، يقضي بوقف العمل بقانون التجنيد الإجباري الذي شكل السبب المباشر لاندلاع التظاهرات.


2 يونيو 2021

عمان- بعد يومين من الاحتجاجات الشعبية، توصل المجلس العسكري لمدينة منبج، التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، اليوم الأربعاء، إلى اتفاق مع وجهاء وشيوخ العشائر في المدينة، يقضي بوقف العمل بقانون التجنيد الإجباري الذي شكل السبب المباشر لاندلاع التظاهرات.

وكان أهالي منبج وقرى تابعة لها قد نظّموا احتجاجات شعبية رافقها إضراب عام، في 31 أيار/مايو الماضي، رفضاً لسياسية التجنيد الإجباري التي تفرضها “قسد” في مناطق سيطرتها تحت قانون “الدفاع الذاتي”. ونتيجة مقتل اثنين من المتظاهرين في قرية الهدهود (خمسة كيلومترات شرق منبج) برصاص “قسد”، واصل المتظاهرون احتجاجهم حتى مساء أمس الثلاثاء، رغم حظر التجوال الذي فرضته “قسد” اعتباراً من 1 حزيران/ يونيو لمدة 48 ساعة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة متظاهرين آخرين.

ورغم ما يبدو من عودة نسبية للهدوء إلى المدينة عقب توقيع اتفاق اليوم، فإن ذلك لا يعني بالضرورة تجاوز الأزمة، برأي ابن المنطقة المحلل السياسي قحطان الشرقي. مرجحاً في حديث لـ”سوريا على طول” من مكان إقامته الحالي في تركيا، أن يكون “هدوء المدينة سببه انشغال الأهالي بتشييع جثامين قتلاهم”، إضافة إلى “عدم جدية “قسد” في التهدئة واستمرارها في ارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين”.

“قسد” تتبرأ 

على النقيض من رواية أهالي منبج، أصدرت الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها، التابعة لـ”قسد” من خلال الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بياناً، في 31 أيار/مايو الماضي، يُحمِل مسؤولية مقتل وجرح متظاهرين في قرية الهدهود لقوات نظام الأسد أثناء مرورها بالقرية، بحسب البيان.

لكن إفادات مصادر محلية لـ”سوريا على طول” أكدت أن مصدر إطلاق النار على المتظاهرين هو عناصر في صفوف “قسد”. إذ بحسب أحد سكان القرية، طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، “كانت قسد وراء إطلاق النار بشكل مباشر على المتظاهرين السلميين”.

يعزز هذه الرواية ما جاء في الإعلان عن الاتفاق بين المجلس العسكري والإدارة المدنية لمنبج وبين وجهاء وشيوخ عشائر المدينة. إذ تعهد المجلس التابع لـ”قسد” بالتحقيق في حوادث إطلاق النار، متوعداً المتورطين بالمحاسبة. بالإضافة إلى تعهّد بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها مدينة منبج وريفها خلال اليومين الماضيين.

وتسعى “قسد” من خلال الاتفاق إلى “احتواء الاحتجاجات خوفاً من تطورها، خشية على مشروعها في المنطقة ذات التركيبة العشائرية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، د. عبد الكريم الجاسم، المنحدر من منبج والمقيم حالياً في تركيا.

أبعد من التجنيد

بعد منتصف أيار/مايو الماضي، شهدت قرى وبلدات في ريف محافظتي الحسكة ودير الزور موجة احتجاجات ضد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على خلفية إصدار الأخيرة قراراً يقضي رفع أسعار المحروقات في المنطقة.

وفي سيناريو مشابه لما حدث في منبج خلال اليومين الماضيين، واجهت “قسد” الاحتجاجات السابقة بإطلاق النار على المتظاهرين، ما أدى إلى وقوع عدد من القتلى، ولتحاول الإدارة الذاتية التهدئة خوفاً من تأزم الوضع، على نحو ما فعلته الإدارة المدنية والمجلس العسكري في منبج.

ومع أن التجنيد الإجباري “كان شرارة الاحتجاجات في منبج، إلا أن سبب الاحتجاجات أبعد من [ذلك]”، بحسب الكاتب السوري حسن النيفي. موضحاً في حديث لـ”سوريا على طول” أن “السياسات العسكرية والأمنية والاقتصادية لـ”قسد” في المنطقة، وتسليم زمام إدارتها لشخصيات غير مؤهلة وتتبع لحزب العمال الكردستاني [التركي]، من قبيل المدعو جاهد، وهو كردي إيراني، تسببت في هذا الاحتقان”.

تأكيداً على ذلك، لفت سليمان العلي، أحد تجار منبج، إلى الجذور الاقتصادية للاحتقان الشعبي حالياً. إذ يعاني أهالي منبج “من تضييق اقتصادي”، ضمن مشهد أوسع يشمل مناطق سيطرة “قسد” في شمال شرق سوريا عموماً، والتي تشهد ارتفاعاً في أسعار بعض المواد الأساسية، بحسب العلي. موضحاً لـ”سوريا على طول” أن “سعر طن الإسمنت في مناطق الإدارة الذاتية 160 دولاراً أميركياً، مقارنة بـ57 دولاراً في مناطق نبع السلام [الواقعة تحت النفوذ التركي والجيش الوطني السوري، شمال شرق سوريا]”. 

لكن هذا لا ينفي استياء أهالي منبج من فرض التجنيد الإجباري، إضافة إلى السياسة الجديدة التي اتبعتها “قسد” لسوق المطلوبين. إذ “بدلاً من احتجاز المطلوبين خلال عبورهم على حواجز “قسد” لسوقهم للتجنيد، اقتحمت “قسد” منازل هؤلاء في منبج، ما اعتبره الأهالي انتهاكاً لحرمة منازلهم”، قال خليل العلي (اسم مستعار)، من منبج، لـ”سوريا على طول”.

الخوف على المدينة الاستراتيجية

مع اندلاع احتجاجات منبج، ذات الغالبية العربية، عبّر مواطنون سوريون، لاسيما في مناطق سيطرة  المعارضة شمال غرب البلاد، عن تضامنهم مع أهالي المدينة ضد انتهاكات “قسد”.

من جانبها، استشعرت الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج خطورة استغلال الاحتجاجات لتحقيق أهداف أطراف أخرى، من قبيل الجانب التركي، خاصة وأن الأخير شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة خروج “قسد” من المدينة. ومن ذلك مطالبة الرئيس رجب طيب أردوغان، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تسليم منبج  “إلى أصحابها”.

في هذا السياق، قال مصدر في مجلس منبج العسكري لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، إن “قسد” تتخوف من “أي تصعيد قد يفسح المجال أمام أطراف خارجية لاستثمار الوضع الحالي”. مشيراً إلى أن “الروس والأتراك حاولوا خلال السنوات الماضية إيجاد موطئ قدم لهم في منبج”.

ويحاول نظام الأسد أيضاَ، عبر شخصيات مقربة منه، توظيف الاحتجاجات لصالحه، كما قالت مصادر محلية لـ”سوريا على طول”. وقد عبّر ناشطون من منبج عن تخوفهم من تسليم “قسد” المنطقة إلى النظام على خلفية الاحتجاجات فيها.

وعدا عن الأهمية التجارية تاريخياً لمدينة منبج، بحكم موقعها على امتداد الطريق الدولي الحسكة – حلب – اللاذقية، المعروف باسم M4، وكونها عقدة مواصلات بين مناطق شرق الفرات وغربه عبر “جسر قراقوزاق”، تُعد المدينة حالياً ممراً تجارياً بين قوى الصراع الثلاث المتواجدة في شمال شرق سوريا: “قسد”، والجيش الوطني المدعوم من تركيا، ونظام الأسد وحلفائه.

وتعد منبج منفذاً تجارياً لـ”قسد” مع نظام الأسد عبر “معبر التايهة”. كما للمدينة معبران تجاريان، هما “عون الدادات وأم جلود” ، يربطان مناطق “قسد” بالمعارضة المدعومة من تركيا. وهو ما يزيد من أهميتها الاقتصادية بالنسبة لـ”قسد” ويدفعها إلى التمسك بها.

لكن هذه الأهمية لا تنعكس على سكان المدينة بحسب سليمان العلي. ذلك أن “فرض ضرائب جمركية كبيرة، تسبب بعزوف العديد من تجار المنطقة عن العمل في التجارة لعدم جدواها اقتصادياً”، كما أوضح، و”ليتسبب ذلك بركود كبير”.

لذلك، قد يكون اتفاق العام 2018 الذي تم توقيعه بين أميركا وتركيا بخصوص منبج، وينص على خروج وحدات حماية الشعب الكردية، المكون العسكري الأكبر في “قسد”، وتنصيب إدارة جديدة بعد سيطرة القوات التركية والأميركية على المنطقة، مخرجاً لأهالي المنطقة، كما ذهب المحلل السياسي قحطان الشرقي. معتبراً في هذا الاتفاق يمثل “الطريق الأمثل لتهدئة الوضع في المنطقة”، والأهم من ذلك أنه “يقطع الطريق أمام أي محاولات لدخول النظام أو القوات الروسية إلى منبج”.

شارك هذا المقال