7 دقائق قراءة

منقذ قطط حلب “إن لم نرحم الحيوانات، لا يمكن أن نكون رحماء مع بعضنا البعض”

طوال حياته، كان علاء الجليل يحلم بأن يصبح عامل إنقاذ، حيث خدم والده في فرقة إطفاء مدينة حلب لمدة 40 عامًا، وكان مصمماً على مواصلة هذا التقليد.


طوال حياته، كان علاء الجليل يحلم بأن يصبح عامل إنقاذ، حيث خدم والده في فرقة إطفاء مدينة حلب لمدة 40 عامًا، وكان مصمماً على مواصلة هذا التقليد.

إلا أن الحكومة السورية رفضت جميع الوظائف التي تقدم بها واحدة تلو الأخرى، حتى انقضت 13 سنة، وهو يعمل كهربائيًا بدلاً من قيادة سيارة إسعاف.

وفي يوم من الأيام، تحولت مدينته- أكبر مدن سوريا- إلى منطقة حرب وحشية، حيث فرّ جيرانه وآلت السيطرة للفصائل المسلحة هناك، فقامت الحكومة السورية بمعاقبة المنطقة بحصارها تدريجياً، وضربت أحياء حلب الشرقية، حيث عاش الجليل، بالقنابل والغارات الجوية.

وقال الجليل لمراسلي سوريا على طول، محمد عبد الستار ابراهيم ومادلين إدواردز “فجأة، وجدت نفسي مضطراً لاستخدام السيارة التي كنت أملكها كسيارة إنقاذ”.

وهكذا بدأ مسيرته المهنية التي صنعها بنفسه كسائق سيارة إسعاف في حلب المحاصرة، ووثقها مع المؤلفة ديانا دارك في مذكراته “الملجأ الأخير في حلب”، والتي نشرت في 7 مارس.

وسرعان ما كان الجليل، وهو أب لطفلين، يقود سيارته إلى مواقع الانفجارات لمساعدة الجرحى، ولكن بالنسبة له، كان هناك عمل آخر ينبغي القيام به أيضاً وسط جحيم الإنفجارات شرقي حلب.

وقال” كانت المنطقة تضم مئات الآلاف من السكان، وكلهم غادروا، فكم عدد الحيوانات الأليفة التي تعتقد أنها تركت خلفهم هناك؟ لقد بقيت الحيوانات عالقة في المنازل المهجورة أو تركت مشردة في الشوارع “.

لذلك قام بجمعها ووضعها في مكان أصبح فيما بعد ملاذاً مليئاً بقطط حلب المهجورة.

ويعيش الجليل الآن في منطقة بريف حلب غير المستقرة، بعد عمليات الإجلاء القسري الذي تم فرضه شرقي حلب، عندما استعادت الحكومة السورية السيطرة على المنطقة في أواخر عام 2016، ولا يزال يدير ملجأ للقطط وكذلك الكلاب والقرود والحيوانات الأخرى.

قال الجليل “الحيوانات تحتاجنا أكثر من الناس، فنحن يمكننا مساعدة بعضنا البعض كأشخاص، لكن معظمنا لا يهتم بالحيوانات”.

وأضاف “إن لم نرحم الحيوانات، لا يمكن أن نكون رحماء مع بعضنا البعض”.

كيف كانت الحياة تحت الحصار؟ ما هي أبرز الذكريات من ذلك الوقت؟

حدثت أشياء كثيرة، كنقل القطط من مكان إلى آخر. فقد نقلتهم عندما تعرضنا للقصف من منزل القطط، حيث كانوا يعيشون، إلى عدد من الأماكن عندما كنت أهرب بنفسي من القنابل.

كان هناك أطفال تحت الأنقاض ولم نتمكن من إخراجهم بسبب كثافة القنابل، ولو كنا قد واصلنا [محاولة إنقاذهم] لكنا قد متنا أيضًا بسبب القنابل. كانوا يصرخون، “نحن أحياء!” لكن لم نتمكن من إخراجهم، لأننا كنا مضطرين للفرار فالجيش كان يدخل المنطقة، وكان هناك إطلاق نار كثيف وقصف من الطائرات الحربية، لذا أجبرنا على الرحيل والهروب، لم نتمكن من المساعدة.

كانت المنطقة تضم مئات الآلاف من السكان، وكلهم غادروا، ولكن كم عدد الحيوانات الأليفة التي تعتقد أنها تركت خلفهم هناك؟ لقد بقيت الحيوانات عالقة في المنازل المهجورة أو تركت مشردة في الشوارع، لذا قمت بجمعهم في ملجئي.

لم أكن أتوقع جمع كمية الحيوانات التي انتهى بي الأمر بأخذها. أخذت 15 قطة في البداية، وكنا نطعمهم بقايا طعامنا. وكان الجزارون يقدمون لهم بقايا الطعام.

كان هناك عدد قليل من السكان ممن بقوا في المنطقة، لذلك اضطررت البقاء مع القطط وإطعامهم. لحسن الحظ، لقد تمكنت من مساعدتهم لفترة طويلة، وفي نهاية عام 2016، عندما أصبح القصف في أشده، هربت بعض القطط.

البعض منهم مات من غاز الكلور. عندما كانت هناك هجمات غازية سامة، لم تعرف القطط ما كان من المفترض القيام به، ولم نتمكن من السيطرة عليها جميعًا ونقلها إلى بر الأمان. كانوا يذهبون للاحتماء في المناطق المنخفضة، وهو أمر خطير في هجوم الغاز. رأيت أن العديد منهم ماتوا، إضافة إلى القطط  التي ماتت من الشظايا.

أربع قذائف أصابت ملجأ القطط. كنت فقط قادراً على إنقاذ 22 من القطط. واضطررت إلى نقلهم من منطقة إلى أخرى بسبب شدة القصف. في ذلك الوقت، تعرضت أحياء شرقي حلب للضرب بشكل كامل.

وتمكنت من إخراج 22 قطًاً [عندما تمت عملية الإجلاء القسري من شرق حلب في نهاية عام 2016]، وأنشأت ملجأ جديدًا للقطط في ريف حلب.

كتبت بأنك كنت تحلم كل حياتك أن تكون عامل إنقاذ في حالات الطوارئ.الحرب سمحت لك في النهاية بتلبية هذا الحلم. هل يمكنك أن تحدثنا عن هذا الجانب من عملك؟

منذ أن كنت صغيراً، كان حلمي أن أصبح عامل إنقاذ لإنقاذ الناس. وكان والدي رجل إطفاء، خدم 40 عامًا مع فرقة الإطفاء في حلب. لذلك كنت أحلم بأن أكون مثل والدي وأنقذ الناس.

و جاءت الحرب، ووجدت فرصتي لشغل هذا الدور كعامل إنقاذ. شعرت أن الوقت قد حان لتحقيق حلمي: لن يتأذى أحد، فأنا أخيراً أستطيع أن أكون شخصًا يساعد الناس.

إذا انتهت الحرب، أريد الاستمرار في هذا النوع من العمل، بصفتي متطوعًا يساعد في إنقاذ الناس.

قبل الأزمة في سوريا، كنت أتقدم للعمل في هذا المجال – كأول مستجيب أو عامل إنقاذ – وقضيت 13 عامًا في المحاولة، ولكن مضى 13 عامًا ولم أحصل على وظيفة في أي مكان كعامل إنقاذ، على الرغم من أنني كنت مستعدًا للعمل. فقط المتقدمون الذين كانوا يمتلكون [علاقات اجتماعية] كانوا يحصلون على عمل في هذا المجال. لذلك لم أتمكن من ذلك.

وعندما حدثت الحرب في سوريا، فجأة وجدت نفسي مضطراً لاستخدام السيارة التي امتلكتها كسيارة إنقاذ.

كتبت أن أحد العوامل الرئيسية في أعمال الإنقاذ هو أنك “لا تهتم بالدين بقدر ما تهتم بالناس”. كيف توصلت إلى هذا القرار؟

أنا مسلم، أتبع ديني ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. هناك أناس يتبعون أنبيائهم أيضًا، مثل المسيحيين واليهود، ليس لدي أي سوء نية تجاه أي شخص، أنا أفصل السياسة عن البشر، الناس ليس لديهم علاقات مع الحكومات، الجميع بريء من سياسة حكومته.

أعيش الآن في منطقة في ريف محافظة حلب، وتخضع لسيطرة فصائل متشددة، وهم ضد هذه الفكرة، ولكن هنا لا يمكنهم فعل أي شيء لي، لأنهم يعرفون من أكون والجميع يحترمني على نطاق واسع.

ذات مرة، جاءت إليَّ مجموعة من المتشدّدين قائلة “أنت تتواصل مع الصليبيين (إشارة إلى الأجانب المسيحيين)، والروس الذين قصفونا، والأميركيين”.

قلت لهم “أنا أعرف أكثر عن الدين مما تعرفون أنتم. إذا كانوا هم قتلة إذن أنتم كذلك، أنا أتواصل مع أشخاص ليس لديهم أي علاقة بأي شيء سيء.

لقد ذكرت أن الحرب في سوريا دمرت النسيج الاجتماعي للبلاد. ما الذي تعنيه بهذا؟ هل ترى الدمار الاجتماعي بين أصدقائك وعائلتك؟

هناك قول مأثور، أن الثورة يتم  الدعوة لها من قبل الأوغاد، ويحكمها الجبناء ويخوضها الشرفاء. الثورة عندما بدأت بالنسبة لنا كانت سلمية، ولكن في وقت لاحق، دخل المجرمون وغيروا المشهد، والمجتمع السوري المنقسم.

لم أنظر في حياتي أبداً إلى الناس كعلوي أو سني أو درزي أو مسيحي، كنا جميعنا أخوة، لكن هؤلاء المجرمون دخلوا المشهد وبدأوا بالسيطرة على الأشياء وقتلنا باسم الدين، وهم لا يفهمون الدين على الإطلاق. الدين بريء منهم.

وكان لهذا تأثيراً على الشعب السوري وعلى النسيج الاجتماعي لدينا. قبل ذلك، كنا جميعًا قلبًا واحدًا ونحب بعضنا بعضاً. صحيح أننا ثرنا ضد الحكومة، لكن هذا لم يكن بهدف القتال بين بعضنا البعض.

كتبت أنه في زمن الحرب يتغير الناس، فالبعض تغيروا للأفضل، وأرتقوا لمساعدة الآخرين، والبعض إلى الأسوأ، وأصبحوا متعصبين. كيف رأيت هذه التغييرات بين أصدقائك وعائلتك؟

الناس تغيرت كثيرا، لقد تغيرت الغالبية الساحقة منهم، لدي مثال، هناك رجل عرفته منذ فترة طويلة، اعتاد أن يشرب الكثير من الخمر و يسكر، كان يذهب للشرب ثم يعود الى المنزل في الساعة 2 صباحا.

عندما حدثت الثورة، أصبح قائد فصيل معارض، وهو يخرج للقتل وخطف الأشخاص مع مقاتليه، والآن يتحدث باسم الدين ويتحدث عن النبي.

مرة واحدة التقيت به، اعتدنا أن ندعوه “أبو علي السكير”، ولكن هذه المرة، قال لنا،” لقد تبت إلى الله”، فسألناه “إذا كنت قد تبت إلى الله، لماذا تؤذي الناس؟”.

لقد أصبح المجرم رجل دين، حتى أنه قتل باسم الدين، هذا ما حدث لسوريا.

لقد قلت إن القصف الشديد والحصار المفروض على شرق حلب زاد من “إحساسك بالحياة”. لماذا تعتقد أن الحرب جعلتك تشعر بهذه الطريقة؟

لقد واجهت الموت وجهاً لوجه أكثر من 100 مرة. كنا نستخدم أجهزة اللاسلكي. هذه الأجهزة تراقب ترددات الطائرات الحربية، وحيثما تصدر إشارة، كنت أذهب إلى نفس المنطقة التي كانوا على وشك قصفها، تخيلوا، كنت أذهب في سيارة الإنقاذ إلى مناطق الموت التي على وشك أن تقصف، من أجل إنقاذ الناس هناك.

مرت أيام كانت تضربنا البراميل المتفجرة، فضلا عن الصواريخ وإطلاق النار، ومع هذا والله شاهد على ما أقوله، لم أصب ولو إصابة صغيرة. وذات مرة سقطت قذيفة أمام السيارة، على أقل تقدير، كان من الممكن أن تملأ السيارة بالشظايا. لكن لم يحدث لي شيء، لم يقدر لي الله بأن أتعرض للإصابة.

لذلك أشعر أن الله معي، في كل مرة يحدث [نداء قريب] أشعر بأنني أقوى وأقوى.

لدي العديد من الأصدقاء العاملين في الإنقاذ الذين قتلوا أو أصيبوا، أو الذين كسرت أرجلهم، وأنا مثلهم، عامل إنقاذ لكن – الحمد لله – مازلت أسير على قدمي. وبطريقة أو بأخرى، قدر لي أن أعيش وأنا قادر على مساعدة الآخرين. أعتقد أنني ما زلت على قيد الحياة حتى أتمكن من مساعدة الآخرين.

ما أهم شيء تعلمته من العمل مع الحيوانات والقطط على وجه الخصوص؟

التعاطف والرحمة، القطط تجعلك تشعر أنهم بحاجة إليك، يأتون ويجلسون بجانبك، كما لو أنها تقول أنك المسؤول عنا، هم مثل الأطفال.

أنا شخص، إذا شعرت بالضيق أو الإنزعاج بسبب القصف، أذهب إلى ملجأ القطط وأجلس بينهم، فهم يجتمعون حولك ويجلسون معك أو يتسلقون على كتفيك، وهذا يساعد على الاسترخاء النفسي، القطط توفر الهدوء. أشعر بمسؤولية كبيرة تجاههم.

قد يجادل بعض الناس بأنه من الأهم التركيز على إنقاذ البشر أثناء الحرب. لماذا تشعر أنه من المهم أيضًا إنقاذ الحيوانات؟

هناك أشخاص ينتقدونني، ويسألونني ما إذا كان من المنطقي بالنسبة لي أن ألتفت إلى الحيوانات، في وقت تعتبر تعد فيه الأولوية للإنسان. أقول لهم أنني أعتني بالبشر.

لكن الحيوانات تحتاجنا أكثر من الناس، فنحن يمكننا مساعدة بعضنا البعض كأشخاص، لكن معظمنا لا يهتم بالحيوانات، لهذا السبب، الحيوانات هي أيضا أولوية.

هناك العديد من أقوال محمد والأنبياء حول رعاية الحيوانات، قال محمد صلى الله عليه وسلم، إن الوعاء الذي يشرب منه القط هو طاهر، ليس قذر، لأن القطة نقية ونظيفة، وهي لا توسخ الماء.

لحسن الحظ، هناك أشخاص يتفقون معي ومع العمل الذي أقوم تجاه هذه الحيوانات.

إن لم نرحم الحيوانات، لا يمكن أن نكون رحماء مع بعضنا البعض.

 

ترجمة بتول حجار

 

 

شارك هذا المقال