9 دقائق قراءة

من “المجلس” إلى “الائتلاف”: هل تحولت المعارضة السياسية السورية إلى عبء على الثورة؟

عمّان- عشر سنوات منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، […]


5 أبريل 2021

عمّان- عشر سنوات منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، حملت الكثير من المحطات المفصلية في مسيرة المعارضة السياسية التي كان يفترض أن تمثل الثائرين في مواجهة نظام بشار الأسد وأمام المجتمع الدولي. 

لكن بدءاً من أول جسم سياسي عرفته الثورة السورية، وصولاً إلى التكتلات السياسية والهيئات والمنصات الموجودة اليوم، دخلت هذه الأجسام الوليدة في دوامة النزاعات الداخلية والاستقطابات الإقليمية والدولية، ناهيك عن مفاوضات شبه عدمية. وهو ما تسبب في إطالة أمد الحرب التي أحرق نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيين من خلالها البلد بأكمله.

النشأة المتصدعة

مع اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية ربيع العام 2011، أصبح “هناك حاجة ماسة لأن يكون هناك ترجمة على صعيد سياسي لهذا الحراك الشعبي. فكل من خرج في تظاهرة كان لديه أمنية أن يكون هناك تمثيل سياسي للأصوات المطالبة بالحرية والخلاص من منظومة الاستبداد”، كما قال د. يحيى العريضي، المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية، لـ”سوريا على طول”.

وفي 30 حزيران/يونيو 2011، أي بعد ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة الشعبية، أعلنت مجموعة من الأحزاب والشخصيات السياسية من داخل العاصمة دمشق، تأسيس ما يعرف بـ”هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي”، كتحالف سياسي يجمع ما عُرف فيما بعد بـ”معارضة الداخل”.

لاحقاً، في 16 تموز/يوليو من العام ذاته، عقد ما يعرف بـ”مؤتمر الانقاذ الوطني” في مدينة اسطنبول التركية، بحضور مختلف أطياف المعارضة السورية بما فيها “هيئة التنسيق”، بعضهم عبر الإنترنت، بهدف تشكيل مجلس إنقاذ وطني لبحث مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.

استكمالاً لذلك، أعلنت مجموعة من التيارات والشخصيات السياسية المعارضة، بعد اجتماع لها في اسطنبول، تأسيس “المجلس الوطني السوري”، في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2011، كأول جسم سياسي ممثل للثورة السورية داخلياً وخارجياً، بقيادة المعارض السوري د. برهان غليون. وعلى الرغم من محاولات ضم “هيئة التنسيق”، فقد غابت عن “المجلس” نتيجة تباين المواقف بين التكتلين بشأن العديد من القضايا، لاسيما مسألة المعارضة العسكرية والدعم الخارجي. 

تالياً، بدأت معالم الانقسام إلى معارضتي “الداخل” و”الخارج” بالظهور إلى العلن بشكل واضح. وهو الانقسام الذي سيعززه لاحقاً انعقاد النسخة الثانية من مؤتمر الإنقاذ الوطني، لكن هذه المرة في العاصمة دمشق في 23 أيلول/سبتمبر 2012، بمباركة روسيا وإيران وكذلك النظام، فيما رفضته غالبية “المعارضة الخارجية” وكذلك “الجيش السوري الحر”، رغم أن البيان الختامي للمؤتمر تبنى مطالب الثورة السورية، بما فيها رحيل نظام بشار الأسد.

قبل أسابيع من ذلك، كانت الأمم المتحدة أصدرت ما يعرف بـ”بيان جنيف1″، في 30 حزيران/يونيو 2012، والذي يرسم خريطة للحل السياسي في سوريا، متضمناً ستة بنود عرفت بـ”خطة أنان”، نسبة إلى المبعوث الأممي إلى سوريا آنذاك، كوفي أنان، أهمها: وقف عسكرة الأزمة، وحل القضية بطريقة سياسية وعبر الحوار والمفاوضات فقط، وتشكيل حكومة انتقالية. متوقعاً البيان أن يحتاج حل الأزمة سنة كاملة.

لكن نتيجة للخلافات والانشقاقات التي وقعت في صفوف “المجلس الوطني”، رعت دولة قطر، بحضور دبلوماسيين عرباً وغربيين، تشكيل تحالف سياسي جديد يجمع مختلف أطياف المعارضة السورية، أعلن عنه في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، تحت مسمى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، لكن غابت عنه مرة أخرى “هيئة التنسيق”.

تالياً، دخل “الائتلاف” لسنوات في أتون حلقة مغلقة لما يسمى العملية السياسية والمفاوضات التي لم تثمر شيئاً، حتى الربع الأخير من العام 2015، حين تبنت 17 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ما عرف بـ”بيان فيينا” بعد مباحثات حول إيجاد حل سياسي للصراع في سوريا. وقد تضمن البيان العديد من البنود، أهمها: ضمان وصول المنظمات الإنسانية إلى المناطق السورية كافة، وضرورة هزيمة تنظيم الدولة (داعش)، وتشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد للبلاد، ومن ثم إجراء انتخابات.

بعد اجتماع فيينا “كلفت المملكة الأردنية بتحديد قوى معينة لها صفة الإرهاب”، كما “كلفت السعودية بجمع المعارضة وإيجاد هيئة معينة للقيام بالعملية التفاوضية من أجل تطبيق القرار الدولي 2254” الذي صدر في 18 كانون الأول/ديسمبر 2015 استناداً إلى بيان فيينا، بحسب د. العريضي.

 كثيراً ما سمع السوريون من النخب السياسية اعترافهم بضعف الخبرة وأنهم يكتسبون ذلك بالعمل ضمن المعارضة السياسية

مزيج من التناقضات

في كانون الأول/ديسمبر 2015، رعت المملكة العربية السعودية مؤتمراً موسعاً للمعارضة السورية، عرف بمؤتمر “الرياض1″، ضم أطيافاً عدة من المعارضة العسكرية والسياسية، بما في ذلك أعضاء من “هيئة التنسيق”. وقد نتج عنه التوصل إلى “وثيقة سياسية ورؤية موحدة لعملية التسوية”، وكذلك تشكيل هيئة عليا للمفاوضات لتكون مرجعية للوفد المفاوض مع النظام.

في العاشر من الشهر ذاته، شكلت “الهيئة العليا للمفاوضات السورية”، من 32 عضواً، موزعين كما يلي: تسعة من “الائتلاف”، وعشرة من فصائل المعارضة المسلحة، وخمسة من هيئة “التنسيق الوطنية”، وثمانية مستقلون.

بعد ستة أيام من ذلك، تبنى مجلس الأمن القرار 2254 الخاص بسوريا، المستند إلى بياني “جنيف1” و”فيينا”، والذي طلب من الأمم المتحدة جمع المعارضة والنظام في مفاوضات رسمية أوائل كانون الثاني/يناير 2016.

سبق ذلك تشكيل ما يعرف بمنصتي “القاهرة” و”موسكو”، في وقت سابق من العام 2014. وأعلنت المنصتان أنهما تمثلان طيفاً من المعارضة، وهو ما رفضه العديد من أطياف المعارضة الأخرى التي اتهمت المنصتين في أنهما تحابيان روسيا ونظام الأسد، وتملكان توجهات تتباين مع أولويات “هيئة التفاوض”.

لسنوات تالية عقب تشكيل المنصتين، تذرعت روسيا مراراً وتكراراً بوجود “معارضتين”، مطالبة بتوحيد صفوف المعارضة السورية لأجل استكمال العملية السياسية والتوصل إلى حل نهائي للصراع. هذه المطالبات إضافة إلى وجود أجندة سعودية، أدت إلى دعوة الرياض إلى مؤتمر ثان جمع منصتي موسكو والقاهرة بالتيارات والمنصات التي حضرت “الرياض1” لتشكيل وفد موحد إلى اجتماع “جنيف 8” الذي سيعقد لاحقاً، وكذلك توسعة هيئة التفاوض السورية.

عقد “الرياض2″، في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وسط أجواء متوترة تخللتها استقالات جماعية لأعضاء في “هيئة التفاوض”. وفيما قاطعت عشرات الشخصيات والجهات السياسية المؤتمر، انسحبت منصة موسكو من جلسات المؤتمر بسبب ما وصفه رئيسها، قدري جميل، بـ”عدم توصل اللجنة التحضيرية [للمؤتمر] إلى توافق حول الرؤية المشتركة للوفد التفاوضي الواحد”.

لكن مع انتهاء اليوم الأخير من المؤتمر، أعلن عن نسخة جديدة من الهيئة العليا للمفاوضات، بعد توسعتها لتضم 50 عضواً بإضافة 18 عضواً جديداً، توزعوا كما يلي: عشرة أعضاء للائتلاف الوطني، ستة أعضاء من هيئة التنسيق، وأربعة أعضاء من منصة القاهرة، وأربعة من منصة موسكو، وعشرة ممثلين للفصائل العسكرية، و16عضواً مستقلاً.

إذ “نتيجة لضغط روسيا التي تحدثت باستمرار عن معارضات وعن ضرورة توسيع المعارضة”، كما قال د. العريضي، “أدخلت منصتا القاهرة وموسكو إلى هيئة التفاوض”. مشيراً إلى أن “المساعي الروسية واضحة: روسيا تريد نسف مصداقية المعارضة كيفما كان”.

موسكو تقود العملية السياسية

نتيجة لفشل الأمم المتحدة في تحقيق تقدم على صعيد التوصل إلى نتائج في العملية التفاوضية، بدأت روسيا حراكاً سياسياً بالتزامن مع نشاطها العسكري في دعم النظام. ففي 23 كانون الثاني/يناير 2017 عقدت الجولة الأولى من مباحثات أستانة برعاية روسيا وإيران وتركيا، والتي عرفت بـ”الدول الضامنة”. وقد أكد البيان الختامي على الحل السياسي في سوريا، وأن تكون المفاوضات بين طرفي النزاع غير مباشرة، وفصل المعارضة المعتدلة عن هيئة تحرير الشام. كما توصلت الدول الثلاث الضامنة، إلى اتفاق على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة وقف إطلاق في سوريا.

كان المسعى الروسي باستمرار، بحسب العريضي، هو “تفريغ القرارات الدولية من مضمونها، عبر إيجاد مسارات سياسية مختلفة، كأستانة، الذي عني بالأمور العسكرية والإنسانية التي تعد جزءاً من 2254”. لكن “في المحصلة النهائية لم تكن إلا محاولة [روسية] لحرف المسار السياسي عن طريقه الأساسي في جنيف في تحقيق عملية الانتقال أو إيجاد حل سياسي”.

وعلى الرغم من إصرار المعارضة السورية حينها أن ترعى الأمم المتحدة الحل السياسي استناداً لبياني “جنيف1″ و”فيينا” وقرار مجلس الأمن 2254، إلا أن مسار أستانة شكل مساراً مستقلاً للحل السياسي في سوريا، من خلال التقاط موسكو لبنود معينة في قرار مجلس الأمن والبيانات السابقة، لاسيما المتعلقة منها بالوضع الإنساني والعمليات العسكرية، والعمل عليها في مفاوضات “جدلية” لم تثمر إلا تحقيق مصالح روسيا ونظام الأسد.

بعد أسابيع من عقد الجولة الأولى من أستانة، عقد “جنيف4″، في 3 آذار/مارس 2017، والذي يعد بمثابة الإعلان الرسمي الأول عما يعرف اليوم بـ”اللجنة الدستورية”. إذ أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا، آنذاك، ستافان ديمستورا، عن التوصل إلى سلال أربع للحل النهائي للصراع السوري. هي: إنشاء حكومة ذات مصداقية غير طائفية، البدء بعملية صوغ دستور جديد، مناقشة إجراء انتخابات حرة نزيهة، ومناقشة استراتيجية لمكافحة الإرهاب.

شكل هذا الإعلان منطلقاً روسيا لاستكمال مسارها السياسي في سوريا. فمع انعقاد الجولة الرابعة من مباحثات أستانة، في 3 أيار/مايو من العام ذاته، أعلنت روسيا إنشاء ثلاث مناطق خفض التصعيد في مناطق المعارضة السورية، إضافة منطقة رابعة في جنوب سوريا، بموجب اتفاق أميركي-روسي مستقل في تموز/يوليو 2017. إلا أن وفود المعارضة المشاركة في المفاوضات علقت مشاركتها في اليوم الأول، وانسحبت خلال إعلان البيان الختامي احتجاجاً على دعوة إيران للتوقيع.

لاحقاً، في 30 كانون الثاني/يناير 2018، ابتدعت روسيا مساراً جديداً استناداً إلى مباحثات أستانة، عرف بـ”مؤتمر سوتشي”، أو ما سمته “مؤتمر الشعوب السورية” أو “الحوار الوطني”، والذي دعت إليه، على حد زعمها، وجهاء المجتمع السوري من أبناء العائلات السورية العريقة وممثلي الطوائف والأعراق والقوميات المختلفة، وممثلي النظام والمعارضة. 

واتفق المشاركون في المؤتمر على 12 بنداً من أجل الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية. تمثل أحدها في تشكيل لجنة دستورية مؤلفة من طرفي الصراع (الحكومة والمعارضة) للإصلاح الدستوري، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254.

لكن موسكو كرست جهودها لإدخال المعارضة في حلقة مفرغة من مباحثات اللجنة الدستورية. فبعد أشهر من الخلافات والمباحثات حول آلية تشكيل “اللجنة الدستورية” والتي رعتها موسكو والمبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 أيلول/سبتمبر 2019، عن اتفاق الأطراف السوري على تشكيل لجنة لإعداد الدستور. ومنذ ذلك الحين لم يثمر عمل “اللجنة” عن شيء. 

هناك استسهال في الهجوم على المعارضة. هي ليست مثالية؛ فيها كل الأمراض المحتملة لكن عملياً هناك أسباب أخرى لامتداد المأساة

الخداع الروسي

الأهداف المعلنة لإنشاء مناطق خفض التصعيد الأربع، كانت الحد من المواجهات العسكرية بين قوات المعارضة والنظام، وإيصال المساعدات إلى المدنيين، وتأهيل مرافق البنية التحتية، وخلق الظروف المواتية لعودة اللاجئين والنازحين طوعياً إلى مناطقهم، وصولاً إلى حل سياسي دائم.

لكن مع انعقاد الجولة الثالثة عشرة من مباحثات أستانة، في الأول من آب/أغسطس 2019، كانت ثلاث من مناطق خفض التصعيد قد تحوّلت من سيطرة المعارضة إلى سيطرة حكومة دمشق والمليشيات المتحالفة معها، عدا عن زيادة تردي الظروف الإنسانية والأمنية في منطقة خفض التصعيد الأخيرة بإدلب وجوارها، والتي هجر إليها قسرياً مئات آلاف النازحين من مناطق خفض التصعيد الأخرى مع سيطرة قوات النظام عليها.

وهو ما يفسر الأهداف الحقيقية لـ”خفض التصعيد”، والتي ابتكرتها روسيا استناداً إلى التقاطها جزءاً من القرار الدولي 2254، وهو وقف إطلاق النار، و”تحويله إلى ما سمي مناطق خفض التصعيد، التي عادت وقضمتها لاحقاً”، بحسب د. العريضي.

السيناريو ذاته طبقته روسيا على صعيد سياسي. فبعد مخاض عسير استمر لسنوات، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 أيلول/سبتمبر 2019، عن النجاح في تشكيل “اللجنة الدستورية”. 

ورغم لغة غوتيريش الاحتفالية آنذاك، لم يبد حينها أن عمل اللجنة ينبئ بكونها خطوة أساسية للحل في سوريا. إذ منذ انطلاق اجتماعاتها في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2019، اتسعت أكثر الهوة التي يحاول المبعوث الدولي بيدرسون ردمها بين وفدي النظام والمعارضة.

وكانت فكرة “اللجنة الدستورية” طرحت لأول مرة، وفق العريضي، في أستانة، “ورفضت الفصائل في ذلك الوقت المقترح الروسي”. لاحقاً مع عقد موسكو مؤتمر “الشعوب السورية” عاد بوتين للتأكيد على فكرة “اللجنة”، وتم تضمينها في البيان الختامي للمؤتمر. 

وفي محاولة من هيئة التفاوض السورية لإعادة الأمور إلى ملعب الأمم المتحدة، قامت “الهيئة” وفقاً للعريضي، بـ”سحب الورقة التي أرادت روسيا أن تحتكرها لنفسها، وهي اللجنة الدستورية، وجعلتها تحت رعاية الأمم المتحدة. وهذا أغاظ روسيا كثيراً”. مضيفاً: “عملياً روسيا ليست أقل من النظام في عرقلة عمل اللجنة”.

خبرة مكتسبة بالتجربة

خلال السنوات العشر الماضية، “حاولت المعارضة السياسية دائماً تطوير أدائها السياسي”، بحسب محمد السرميني، رئيس مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا. لكن “التأخر الدائم عن الاستفادة من التجارب كان السمة الأساسية”، إذ “كثيراً ما سمع السوريون من النخب السياسية اعترافهم بضعف الخبرة وأنهم يكتسبون ذلك بالعمل ضمن المعارضة السياسية”، كما أضاف سرميني لـ”سوريا على طول”. 

هذا الأمر أكده د. العريضي بأن “المعارضة السياسية ليست بتلك الخبرة”. مستدركاً أن فيها، مع ذلك، “عناصر وطنية بامتياز ملتزمين بحقوق السوريين، ولا يزالون يتمترسون عند هذه الحقوق”. 

إلا أن ذلك لا يلغي دور “الخلافات الداخلية في صفوف المعارضة، وانفصامها عن الداخل”، بحسب سرميني. وهو ما أيده د. العريضي، مشيراً إلى “ضعف الرؤية، وعمليات الإقصاء، واعتبار البعض أن المعارضة وظيفة جديدة أو عملية بروز وظهور، وجشع البعض”. 

لكن “لا يمكن إلقاء اللوم على المعارضة كلياً”، كما استدرك د. العريضي، لافتاً إلى التدخل الخارجي، لاسيما “الالتزام القوي من قبل روسيا وإيران بدعم منظومة الاستبداد”، بينما “أصدقاء الشعب السوري الذين يدعمون المعارضة والثورة لم يكونوا بتلك السوية التي كان عليها الروس والإيرانيون بدعمهم لمنظومة الاستبداد”.

عبء على الثورة؟

حجزت المعارضة السياسية “مكان المتحدث والمفاوض باسم المناهضين لحكم الأسد. لذلك يُنظر لها نظرة المسؤولية من حيث النتائج في هذا الواقع المؤسف الذي وصلت له سوريا”، بحسب سرميني. مضيفاً: “ربما من يتهم المعارضة وينظر لها على أنها عبء لا يستطيع تقديم شيء أكثر لو كان مكانها بحكم العوامل الكثيرة الخارجية والداخلية، لكن هذا لا يعني الإعفاء من المسؤولية”، لاسيما وأن “بعض أسباب الضعف والعجز ذاتية، كما أن السكوت وعدم الحراك في مكان المسؤولية مع هذا الواقع الكارثي أمر لا يمكن تقبله”.

في المقابل، اعتبر د. العريضي أن “القضية ليست بيد المعارضة ولا النظام. الطرفان ليسا أصحاب قرار في هذا الموضوع”. موضحاً أن “النظام كان خبيثاً لدرجة أنه جعل القضية خارج إطار السوريين رغم الحديث باستمرار أن القضية هي سورية-سورية”.

وأضاف: “هناك استسهال في الهجوم على المعارضة. هي ليست مثالية؛ فيها كل الأمراض المحتملة لكن عملياً هناك أسباب أخرى لامتداد المأساة”. مستشهداً بأنه “في وقت من الأوقات قبل “الرياض2″، علقت المفاوضات من قبل هيئة التفاوض، لكن خلال فترة تزيد عن الخمسة عشر شهراً لم يلتفت أحد للقضية السورية، وانفرد الروس والإيرانيون بالأرض السورية واستعادوا الكثير من الجغرافيا التي كانت قد حررت، وسقطت حلب”. معتبراً أن “المسألة بالأشخاص، ويمكن أن تبدل الأشخاص وهو أمر وارد وضروري باستمرار لإعطاء المعارضة زخماً بأشخاص يستطيعون أن يجدوا مشروعاً فاعلاً لتحقيق الأهداف”. 

وبحسب سرميني، فإن “عمليات الإصلاح وتطور الأداء ستبقى بطيئة وفاعليتها محدودة على المدى القريب”. أما على المدى البعيد، فإن “استبدال المعارضة أو تفعيل الخامل منها أو مساعدة المعارضة الحالية لأداء أفضل يتوقف على مدى الجدية الدولية في إيجاد حل سياسي في سوريا، وإيمان الدول بضرورة تمكين العمل الحزبي السياسي الحر في سوريا”.

ومن ثم، فإنه “عندما يحقق حق الإنسان وحق سوريا في العودة إلى سكة الحياة بعد تطبيق القرارات الدولية وإيجاد حل وانتقال سياسي حقيقيين، عند ذلك يكون المستقبل الفعلي لصوت السوريين”، برأي د. العريضي.

شارك هذا المقال