5 دقائق قراءة

من المسؤول عن اغتيال المتهمين بتجارة المخدرات في “المنطقة الآمنة” المفترضة جنوب سوريا؟

تشهد المنطقة الجنوبية سلسلة من الاغتيالات التي تطال متهمين بالتورط في تجارة وترويج المخدرات، بالتزامن مع قلق أردني من تنامي النشاط الإيراني على حدوده، وفي ظل تداول أخباراً عن نية دول عربية، على رأسها الأردن، إنشاء منطقة آمنة جنوب سوريا


15 يوليو 2022

باريس- في تطور لافت بما يخص ملف “المخدرات” جنوب سوريا، الذي أثار قلقاً رسمياً أردنياً، شهدت المنطقة الجنوبية سلسلة من الاغتيالات، للشهر الثالث على التوالي، طالت متهمين بالتورط في تجارة وترويج المخدرات.

في 12 تموز/ يوليو الحالي، اغتيل القيادي السابق في فصائل المعارضة، أحمد فيصل الصالح، برصاص مجهولين، أثناء مروره على الطريق الواصلة بين بلدتي جبا وأم باطنة بريف محافظة القنيطرة. 

حادثة مقتل الصالح، الذي يتزعم ميليشيا أمنية تعمل لصالح حزب الله اللبناني، منذ تسوية صيف 2018 جنوب البلاد، والمتهم بتجارة وترويج المواد المخدرة في القنيطرة، هي واحدة من أصل 12 محاولة وعملية اغتيال، وثقتها “سوريا على طول”، تستهدف متهمين بالتورط في تجارة وترويج المخدرات جنوب سوريا، منذ مطلع أيار/ مايو الماضي، أدت إلى مقتل 11 شخصاً.

وتعدّ عمليات الاغتيال الأخيرة جزءاً من فوضى أمنية أكبر تشهدها مناطق سيطرة المعارضة سابقاً جنوب البلاد، منذ سيطرة النظام عليها بموجب اتفاق التسوية بضمانة روسية في تموز/ يوليو 2018.

وتزامنت الاغتيالات مع تصاعد القلق الأردني من تنامي النشاط الإيراني على حدوده الشمالية مع سوريا، وتزايد عمليات تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا إلى أراضيه، وفي ظل تداول وسائل إعلام سورية معارضة أخباراً عن نية دول عربية، على رأسها الأردن، إنشاء منطقة آمنة جنوب سوريا، وهو ما نفته عمّان الأسبوع الماضي.

ملاحقة المتورطين

قبل أيام من مقتل أحمد فيصل الصالح، تعرض يعقوب زكريا الصفدي لمحاولة اغتيال على يد مجهولين بقرية العالية شمال غربي درعا، في الثامن من تموز/ يوليو الحالي، ما أدى إلى إصابته إصابة بليغة. ويعمل الصفدي لصالح فرع الأمن العسكري منذ تسوية 2018، وهو أحد المتورطين بتجارة وترويج المخدرات، وفقاً لوسائل إعلام محلية معارضة.

وفي السادس من تموز/ يوليو الحالي، قُتل معتز نعمان الراضي وولديه خالد ومحمد إضافة إلى حفيده بشار قاسم الراضي، برصاص مجموعة محلية تتبع للقيادي السابق في المعارضة، عماد أبو زريق، الذي يتزعم حالياً ميلشيا محلية تتبع للأمن العسكري، وتتخذ من قرية نصيب الحدودية مع الأردن مقراً لها.

وقعت الحادثة في مقر أبو زريق بنصيب، بعد أن تم استدعى القياديان أبو زريق وفايز الراضي القتلى إلى مكتب أبو زريق عند مدخل جمرك نصيب الحدودي، على خلفية اتهامهم بالضلوع في مقتل شخص مدني، ينحدر من عشائر البدو في نصيب، وقد عثرت على جثته الشهر الماضي بعد ثلاثة أيام على اختطافه.

لكن القضية في جوهرها ترجع إلى خلافات بين الطرفين تتعلق باتهام فايز ومجموعة أبو زريق باغتيال شقيق معتز، في نيسان/ أبريل الماضي، المتهم بتجارة المخدرات.

وفي 30 حزيران/ يونيو الماضي، عثر على جثتي محمد طه قنبر وخالد عبد الله قنبر، في الأراضي الزراعية المحيطة بمدينة داعل في ريف درعا، والقتيلان متهمان بالعمل في تجارة وترويج المخدرات في محافظة درعا.

من يقف وراء الاغتيالات؟

مع استهداف المتهمين بتجارة وترويج المخدرات في درعا بعمليات الاغتيالات، رجّح ناشطون أن يكون للأردن، الجارة الجنوبية لسوريا، دور في عمليات استهداف شبكات تهريب المخدرات عبر خلايا محلية تعمل لصالحها، خاصة أن الأردن اعتبر أن بلاده تواجهحرب مخدراتمصدرها سوريا.

وذهب قيادي عسكري سابق في حركة أحرار الشام، يقيم شمال درعا، بهذا الاتجاه، معتبراً أن “الأردن لديها خطة لكسر شبكة التهريب المحلية التي تعتمد عليها الفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني في عمليات التهريب عبر الحدود”، لذلك “هناك احتمالية أن يكون للأردن دور في دعم مجموعات محلية من الفصائل العسكرية المعارضة التي كانت تدعمها سابقاً لاستهداف الشخصيات المتورطة بتهريب المخدرات”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وبدورهما، نفى قياديان عسكريان في صفوف المعارضة سابقاً في حديثهما لـ”سوريا على طول” أي دور للأردن باستهداف تجار المخدرات، إذ رغم أن عمّان “تعاني من نفس المشكلة بسبب إيران، إلا أن ما يحدث غير مرتبط بأي أجندة خارجية”، كما قال القيادي السابق في الجبهة الجنوبية، أبو أحمد، لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.

ما يجري في جنوب سوريا “هو عمل عسكري سريّ محلي ضد تجار ومروجي المخدرات، ينفذه الثوار وعناصر المعارضة سابقاً من الشرفاء”، وفقاً للقيادي أبو أحمد، الذي يعمل ضمن مجموعة تلاحق المتورطين في تجارة المخدرات بدرعا.

وأضاف أبو أحمد: “جرى اجتماع بين مجموعات من الثوار في جنوب سوريا منتشرين في غالبية مدن وبلدات حوران، واتفقنا على ضرب التجار والمرتبطين بشبكات تهريب وترويج المخدرات”. وأوضح أن غالبية من تم استهدافهم “أشخاص مرتبطين بشبكات مخدرات عابرة للحدود، ويعملون في التهريب إلى الأردن بكميات كبيرة”، أما التجار “الصغار”، بحسب وصفه “تم توجيه لبعضهم رسائل تحذيرية لأجل ردعهم”.

تتقاطع هذه المعلومات مع ما ذكره القيادي الآخر، أبو محمد، لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن الحملة جاءت “بعد زيادة انتشار المخدرات في المجتمع المحلي بدرعا، وزيادة عدد العاملين في هذه التجارة المرتبطين بالفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني”.

المنطقة الآمنة: وهم المعارضة

خلال الأسابيع الماضية، نشرت وسائل إعلام محلية خبر حضور شخصيات عسكرية سابقة في “الجبهة الجنوبية”، المظلة التي كانت تنضوي تحتها فصائل الجيش الحر في حوران، اجتماعاً في دولة الإمارات لأجل إنشاء “منطقة آمنة” جنوب سوريا، تزامن ذلك مع الحديث عن نية عمان إعادة إحياء فصائل المعارضة جنوب سوريا، عبر دعم عربي وإسرائيلي، بهدف إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية والجولان المحتل.

وسبق أن حذرت الأردن، في أيار/ مايو الماضي، من أن تسدّ إيران ووكلاؤها الفراغ العسكري الذي ستتركه روسيا في حال انسحابها من جنوب سوريا، ما قد يؤدي “إلى تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”، كما جاء في تصريحات الملك الأردني آنذاك، في إشارة إلى دور إيران وحزب الله اللبناني في تهريب المخدرات إلى الأردن.

وقال المحامي سليمان القرفان، عضو اللجنة الدستورية ونقيب المحامين الأحرار في درعا سابقاً، أن عشرة شخصيات من درعا، وخمسة من القنيطرة، وأربعة من السويداء، حضروا الاجتماع، الشهر الماضي في الإمارات، إلى جانب ممثلين عن مصر والسعودية والأردن، رافضاً الإفصاح عن أسماء الشخصيات السورية المشاركة لأسباب أمنية.

وتمخض عن الاجتماع “الاتفاق على تشكيل منطقة آمنة بعمق 35 كيلومتراً”، كما أوضح القرفان لـ”سوريا على طول”، علماً أنه لم يحضر اجتماع الإمارات.

رداً على ذلك، نفى القيادي السابق في أحرار الشام، المقيم في شمال درعا، خروج شخصيات تمثل جنوب سوريا لحضور الاجتماع في الإمارات، من جهتها لم تعلن الإمارات عن أي تفاصيل مرتبطة بالاجتماع “المفترض”.

تعليقاً على ذلك، قال مصدر إعلامي مقرب من اللواء الثامن في بصرى الشام، أنه “لا يوجد أي تحرك على الأرض لأجل إنشاء منطقة آمنة”، نافياً وجود أي اتصال بين دول عربية واللواء الثامن، الذي تشكل في تموز/ يوليو 2018، بدعم روسي، وبقيادة أحمد العودة، قائد فرقة “شباب السنة” سابقاً، التابعة للجبهة الجنوبية، بخصوص تشكيل المنطقة الآمنة.

لكن المصدر لم يستبعد احتمالية أن تلجأ “دول الخليج العربي والأردن إلى مثل هذا الخيار”، مشيراً إلى أن ذلك ينحصر “في إطار محاربة إيران وحزب الله فقط”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

على الجانب الأردني، نفت وكالة عمون، على لسان مصدر مسؤول لم تحدد هويته الأنباء المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، “المتعلقة بإنشاء منطقة آمنة على الحدود الأردنية السورية”. 

وبدوره، استبعد الباحث الأردني المتخصص بالشأن السوري، صلاح ملكاوي، إعادة تفعيل فصائل المعارضة جنوب سوريا، معتبراً أن “الأردن مقتنع أن مشاكل اليوم لا يمكن أن تحلها أدوات الأمس”، كما قال لـ”سوريا على طول”، كون “تجربة فصائل المعارضة سابقا ثبت عدم فعاليتها”.

إضافة إلى ذلك “بعد صيف عام 2018 [الذي شهد التسوية] لا يريد الأردن تأزم المناطق الحدودية جنوب سوريا”، وفقاً لملكاوي.

وأضاف ملكاوي: “يملك الأردن خططاً وأدواتاً وتحالفات جديدة، وعنده ضوء أخضر عربي إقليمي دولي من الحلفاء”، مشيراً إلى أن بلاده ستلجأ إلى “تكثيف العمل الاستخباراتي لمواجهة عصابات وتجار المخدرات”.

وختم ملكاوي: “بعد منتصف تموز سوف تلمسون اختلافاً واضحاً من الجانب الأردني في التعامل مع كل التهديدات القادمة من جنوب سوريا”.

شارك هذا المقال