6 دقائق قراءة

من الموصل إلى الحسكة: عائلة عراقية تهرب من تنظيم الدولة لتجد “الموت البطيء” في سوريا

بعد أكثر من عامين على مكوثه في منزله في الموصل، […]


7 مارس 2017

بعد أكثر من عامين على مكوثه في منزله في الموصل، تحت حكم تنظيم الدولة، اتخذ محمد الجاسم قراره بالرحيل، أمام  تهديد غارات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

وفي تشرين الأول 2016، وبعد أسبوع واحد من إعلان القوات العراقية وحلفائها حملتهم لاستعادة السيطرة على المدينة الواقعة شمالاً، باع الجاسم وزوجه من ممتلكاتهم ما يمكنهم من دفع تكلفة رحلتهم إلى شمال شرق سورية.

وتنقلت به الرحلة والتي تبلغ نحو 200 كم غرباً، وأطفاله الثلاثة، عبر كل من جبهات تنظيم الدولة والأكراد. وكان مصيرهم الإعدام فيما لو أمسكت بهم قوات تنظيم الدولة التي “تقتل الهاربين دونما رحمة”، وفقا لما قاله محمد ذو السادسة والعشرين عاما بعد عودته إلى العراق، لمراسلة سوريا على طول، نيفين الكردي.

وبعد أيام من وصول العائلة إلى رجم الصليبي، حاجز حدودي يسيطر عليه الأكراد، وهو آمن نسبياً، أقامت قرابة أسبوع إلى أن نقلتها سلطات  YPGالكردية إلى مخيم الهول المجاور، في الريف الشرقي النائي لمحافظة الحسكة.

وهناك  احتجزت من قبل  YPGحتى إجراء الفحوصات الأمنية، مع الآلاف من العائلات الأخرى في المخيمات العشوائية التي تحيط بالحاجز وقاست “ظروفا إنسانية رهيبة”، وفق ما جاء في بيان المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في تشرين الماضي؛ فلا ماء يكفي ولا طعام أو مأوى هناك لآلاف اللاجئين الهاربين من تنظيم الدولة في الموصل وشرقي سورية.

وقال الجاسم “رجم الصليبي عبارة عن موت بطيء للإنسان، مكان يخلو من أي شيء يمت للحياة بصلة”.

وكانت ابنة جاسم، ذات الستة أعوام، مصابة بالحمى في ذلك الوقت، وعانت من اضطراب في الأعصاب. وخلال الشهرين اللذين قضتهما الأسرة في مخيم الهول، تدهورت الحالة الصحية للطفلة، بسبب عدم توافر الرعاية الصحية اللازمة.

 

امرأة من الموصل في مخيم الهول، في سوريا، 29 كانون الثاني، 2017. تصوير: دليل سليمان.

ووفقا للجاسم “لم يستطع أطباء المخيم أن يعالجوها، حتى تفاقم الأمر إلى التناظر الكلوي ومن ثم شلل في الدماغ”.

وفي الوقت الذي قامت به السلطات العراقية بنقل الجاسم وعائلته إلى مخيم آخر، أفضل حالا، في محافظة صلاح الدين في العراق، كان الوقت قد تأخر، وخسرت العائلة طفلتها.  

كيف تغيرت مدينتك وحياتك اليومية بعد وصول تنظيم الدولة؟ وما الذي كنت تشاهده أو تتعرض له كل يوم؟

تنظيم الدولة (داعش) دمروا المدينة بكل نواحيها الحضارية والاجتماعية. قاموا بتفجير الأماكن السياحية ومصادرة المنازل العائدة للطوائف والأقليات وللأشخاص الذين هربوا، كما قاموا بتفجير بعض المنازل التي يعمل أصحابها مع القوات الحكومية.

وخلقوا الكراهية والخوف بين الأهالي الذين لطالما عاشوا كأخوة، أصبح كل شخص ينظر للشخص الآخر المختلف عنه دينياً او طائفياً نظرة خوف اضافة الى الخوف ممن يتعارض مع فكرهم ومنهجهم.

العمل توقف وأصبح قليل بسبب الأوضاع الأمنية الحرجة، والحياة أصبحت قاسية جدا، ومنذ دخول التنظيم قام بفصل شبكات الإتصال حتى يعزل الناس عن العالم الخارجي وعن بعضهم.

ثم قاموا بالانتشار في الشوارع وفرض غرامات على كل شيء، والتدخل بالأمور الشخصية ومن بعض اسئلتهم (لماذا بنطالك طويل؟ لماذا لحيتك قصيرة؟ لماذا لا تصلي في المسجد؟ الخ)

وهذا ما حصل معي في إحدى المرات، فقد تعرضت للضرب من قبل التنظيم بعشرين جلدة، لأن بنطالي كان قصيرا قليلا، وفي مرة أخرى أيضا جلدوني عشرين جلدة لأني لم أذهب للصلاة في وقتها، كانوا يبحثون عن أي شيء يؤذون به الناس ويكرهوهم بالدين ويشوهوه، وكل هذا لا يساوي الشعور بالخوف الدائم في قلوب الناس كبيرا وصغيرا حيث سيدفعون حياتهم ثمنا لأي خطأ صغير.

مأوى مؤقت في رجم الصليبي، 15 تشرين الثاني، 2016. تصوير: راديو ألوان.

متى أدركت أنه حان وقت المغادرة؟ ما هي العوائق التي واجهتها أثناء محاولتك الهرب من الموصل؟

في البداية لم أستطع الخروج أبدا فمن يمسكون به وهو يحاول الهرب يقتل بلا رحمة، كما أني لم أكن أملك المال الكافي للهرب، هكذا حتى أصبح القصف كثيفاً على المناطق السكنية علما بأن التنظيم استخدم البيوت التي صادرها كمقرات له في وسط الأحياء السكنية، مما يدل على أنه لم يكن يأبه بحياة المدنيين.

قمت ببيع ما تملكه زوجتي من الذهب وهربت سراً من المنطقة لأنجو بحياة أسرتي، بعض العائلات أصحاب الأملاك والنقود فضلت البقاء خوفا من خسران أملاكها، فإذا هربوا سيتم مصادرة أموالهم وأملاكهم من قبل تنظيم الدولة (داعش).

في البداية خططنا للتوجه إلى مدينة ربيعة (مدينة تقع على الجانب العراقي للحدود مع سوريا، وتبعد 107 كم غرب الموصل)، بالعراق، علما بأن من يعبر من الموصل إلى ربيعة من الطريق القديم يقتل لا محالة، لذا لا يوجد معبر سوى من هذا الطريق، وفي الليل ذهبنا مشيا من قرية أبو حامض والتي تبعد عن رجم الصليبي حوالي ثمانين كيلومترا، هكذا حتى وصلنا إلى منطقة رجم الصليبي، وبقينا فيها لمدة 6 أيام.

كيف كان الوضع في رجم الصليبي؟ ومتى غادرت المنطقة؟

رجم الصليبي عبارة عن موت بطيء للانسان، مكان يخلو من أي شيء يمت للحياة بصلة.

لم يكن هناك طعام أو شراب أو مكان يأوينا من البرد، كل عائلة منا كانت تحمل معها كميات بسيطة من الطعام وتقريبا كنا كالصائمين بلا طعام لأوقات طويلة في محاولة لتوفير الطعام للأطفال.

أما بالنسبة للمياه فكانت قوات حماية الشعب الكردي تمنحنا الماء من مياه الآبار غير المعقمة، المياه العذبه لم تكن موجودة إلا بكميات قليلة، ونادرا ما كنت أحصل منهم على مياه عذبه لابنتي المريضة، فكانت حرارتها المرتفعة طيلة الوقت تشفع لها قليلاً.

بعد أربعة أيام من معاناة رجم الصليبي والنوم بما يشبه العراء موزعين على شبه خيم من الأقمشة صنعتها عائلات كانت موجودة قبلنا، قامت جهات مسؤولة على مخيم الهول باصطحاب الأطفال والنساء إلى داخل المخيم من دون الرجال، وعادت بعد يومين لتقوم باصطحاب الرجال إلى هناك.

وهذا الأمر قد يكون حصل لحسن حظنا، فبعد اصطحابنا إلى الهول زادت مدة بقاء الناس في رجم الصليبي بلا رحمة، والحجة أن أعداد النازحين بالهول أصبحت كبيرة، علما بأن العائلات كانت تدخل المخيم كل 6 أيام.


لاجئون من الموصل في مخيم الهول، 5 كانون الأول، 2016. تصوير: دليل سليمان. 

صف لي كيف كان المخيم، وكيف كانت الخدمات بداخله؟

عندما وصلنا إلى المخيم قامت القوات الكردية بتفتيشنا وأخذ جميع الإثباتات الشخصية لمنعنا من الهروب وكأننا داخلون إلى سجن ما، ومن ثم سجلنا أسمائنا بالمنظمة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) وقاموا بالتقاط صور لنا مع العائلة وإعطاء رقم تسلسلي.

كان المخيم ينقسم إلى خيم كبيرة من جهة، ومن جهة أخرى عبارة عن بيوت حجرية قديمة البناء وسقفها من الخشب والحصير والطين ولكل منها رقم معين، ولأننا من النازحين الجدد تم وضعنا في الخيم.

أما بالنسبة للخدمات الأساسية كالمواد الغذائية، ففي البداية كان هناك نقص في الماء واالغذاء فكنا نستلم منهم الخبز فقط ونشتري الخضراوات من باعة متجولين في المخيم من أموالنا، ومن ثم استلمنا قسائم شرائية بقيمة 55 ألف ليرة سورية (104.50 دولار) من المفوضية (UNHCR) وحددوا بقالة واحدة للشراء منها، وهذا المبلغ كان يوزع نفسه على الجميع بالرغم من اختلاف أعداد العائلات.

هل كانت الخدمات الصحية متوفرة بشكل كاف داخل المخيم؟

كان يوجد نقطة طبية تابعة للهلال الأحمر فيها ممرض، والأدوية غير كافية أبدا، وأكثر العلاجات كانت تجلب من العراق والبعض الآخر كانت منتهية الصلاحية، وغالبا ما يكون الازدحام على هذه النقطة كبير جدا، وفي الحالات المرضية الصعبة يتم تحويل المريض إلى مشافي الحسكة، وهذا ما حصل مع ابنتي حيث كانت تعاني من مرض الضمور الدماغي (واحد من الأمراض العصبية)، فتم تحويلها إلى مشفى داخل الحسكة لكني لم أحصل على أي علاج منهم، إلى أن أخذتها إلى طبيب خارج المشفى وأعطاني تقرير طبي للعلاج وقال لي من المحتمل أن تجد هذا العلاج في مناطق سيطرة النظام، عبرت مناطق سيطرة النظام والخوف في داخلي ومع ذلك عدت بأيد فارغة، قال لي صاحب الصيدلية بأن العلاجات المقوية لا توجد سوى في الشام، ومع الأسف الأمر أصبح شبه مستحيل.

بدأت صحة ابنتي تتدهور، على الرغم من استمراري بنقلها إلى مشافي الحسكة لكن بلا فائدة ومع الأسف خسرت ابنتي بتلقي خبر وفاتها بعد ان كشف عليها طبيب داخل العراق بعد خروجي من المخيم، موضحا أنها كانت تعاني من حمى داخلية ولم يستطع أطباء المخيم أن يعالجوها، حتى تفاقم الأمر إلى التناظر الكلوي ومن ثم شلل في الدماغ وهكذا حتى الموت.

ما هي الإجراءات التي قمت بها أثناء مغادرتك من المخيم؟

رفعنا كتبا طالبنا بها الانتقال إلى مدينة ربيعة في العراق لكنهم (السلطات الكردية) رفضوا وطالبوا بكفيل كردي، هكذا حتى طالبت الحكومة العراقية بنقل العراقيين في المخيمات السورية، وقسموا النازحين إلى دفعات، وكنت أنا ضمن الدفعة الأولى. وعندما أتى الامر كان التسجيل في وقت متأخر من الليل، ولم يكملوا توزيع الإثباتات الشخصية؛ فالبعض حصل على إثباتاته كاملة، والبعض حصل عليها ناقصة، ومنهم لم يحصل على شيء ومن ضمنهم نحن. غادرنا اليوم التالي بعد التسجيل ولم نأخذ معنا غير النسخ التي كنا نحتفظ بها. خرجنا من مخيم الهول الى فيشخابور (بلدة حدودية خاضعة لسيطرة الأكراد، في محافظة دهوك شمال العراق، على بعد 130كم شمال شرق الهول) ومن ثم نقلتنا الوزارة العراقية للهجرة والمهجرين من فيشخابور إلى صلاح الدين. وإلى الآن لا زلت أطالب بإثباتاتي الشخصية ولكن دون أي جدوى.

ترجمة: سما محمد

شارك هذا المقال