10 دقائق قراءة

من دمشق إلى بلنسية: سوريون يؤسسون لحياة جديدة في إسبانيا

أعاد برنامج تجريبي في منطقة بلنسية الإسبانية توطين خمس عائلات سورية من لبنان. وهم من ضمن اللاجئين السوريين القلة نسبياً، الذين استقروا في إسبانيا مقارنة بغيرها.


1 أغسطس 2022

الأقواس- أفرغت شمس تموز/يوليو الحارقة شوارع قرية الأقواس، وحوّلتها إلى منطقة شبه مهجورة إلا من ضجيج حانة “إل أتينو” المحلية، يلعب فيها عدد من المسنّين لعبة الدومينو على أنغام موسيقى تصويرية، وعلى الطاولة المجاورة يجلس أفراد عائلة يونس مع ماريا فرير ويحتسون القهوة.

معين شيخ يونس وزوجته وجيهة وأطفالهما الثلاثة: كوثر وعدي وقصي، إحدى العائلات السورية الخمس، التي أعيد توطينها من لبنان إلى بلنسية، شرق إسبانيا، عام 2022، في إطار برنامج إعادة توطين تجريبي. أما ماريا، فهي امرأة متقاعدة، تنحدر أصولها من بلدة الأقواس (الأكواس)، تطوعت لمساعدة العائلة في إدارة شؤون حياتها بإسبانيا.

ما بين رشفات القهوة وتجاذب أطراف الحديث عن بعض القصص المحلية، تعرّف ماريا العائلة السورية بكيفية الحصول على الكتب المدرسية لابنتهم كوثر، ذات الخمسة عشر ربيعاً، ويدخلون بعد ذلك في حديث آخر بخصوص المراكز الصيفية لصغيرهم قصي، الذي يملّ حديثهم ويبدأ في استعراض مهارة الوقوف على يديه.

عائلة معين، هي العائلة السورية الوحيدة في قرية الأقواس، البالغ تعداد سكانها 29 ألف نسمة، وتبعد سبعة كيلومترات غرب مدينة بلنسية، ويرجع اسمها إلى العربية، ربما في إشارة إلى الجسر القوسي الممتد فوق قناة ري مجاورة بنيت في العصر الإسلامي الأندلسي  (711م- 1492م).

رحبّت إسبانيا بعدد قليل من السوريين مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية، ناهيك عن أن الكثير من طالبي اللجوء يميلون إلى الاستقرار في دول أوروبا الشمالية، مثل ألمانيا والسويد، نظراً لقوة الاقتصاد هناك، ووجود مجموعة أكبر من الأطر السياسية الداعمة للاجئين مقارنة بدول أوروبا الجنوبية مثل إسبانيا، إلا أنّ هنالك مبادرات لدعم استقرار السوريين القادمين إليها ومساعدتهم في الانخراط بالمجتمع الجديد، من قبيل برنامج رعاية المجتمع في بلنسية.


برنامج بلنسية التجريبي

برنامج رعاية المجتمع هو برنامج تجريبي لإعادة التوطين في إسبانيا، مستوحى من النموذج الكندي، وتم طرحه في عام 2019 للترحيب بالعائلات القادمة، من خلال مشاركة متطوعين محليين. في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، اختارت مفوضية شؤون اللاجئين خمس عائلات سورية مقيمة في لبنان -22 فرداً- لإعادة توطينها في خمس مناطق ببلنسية وضواحيها: بلنسية، الأقواس، المنصورة، كالب، كوكينتاينا.

“أنشأنا مجموعة محلية من المتطوعين لمرافقة في زيارة الأطباء، أو في تعبئة طلبات ورقية، إضافة إلى النشاطات الترفيهية في نهاية الأسبوع”، كما قالت كارمن ألونسو، منسقة في الهيئة اليسوعية لخدمة المجاهرين، وهي الجهة المعنية بتنفيذ البرنامج ودعم العائلات السورية في مدينة بلنسية والأقواس، موضحة لـ”سوريا على طول” أن الهدف “تكوين العائلات شبكة علاقات داعمة لها في نهاية البرنامج “.

يخصص البرنامج للعائلات المُعاد توطينها دعماً مادياً شهرياً ، لمدة تتراوح بين 18 و24 شهراً، واستطاعت اثنتان من العائلات الخمس الاعتماد على نفسها اقتصادياً في أقل من سنتين من توطينها، إذ تعهدت الهيئة اليسوعية بتقديم السكن لعائلة يونس في بلنسية فور وصولهم، وبعد ذلك تمكنت العائلة من استئجار شقة متواضعة في الأقواس وانتقلت إليها.

تشترك الحكومتان الإقليميتان الإسبانية والبلنسية في تمويل برنامج إعادة التوطين، الذي طُرح لأول مرة في إقليم الباسك شمال إسبانيا عام 2019، وشمل منطقة بلنسية في عام 2020، ليصل إلى منطقة  نافارا في عام 2021.

يعمل البرنامج بديلاً عن البرنامج الوطني لإعادة التوطين، الذي يترتب على طالبي اللجوء المستفيدين منه الانتظار حتى إتمام دراسة ملفاتهم، بحيث يُستضافون مراكز إيواء مؤقتة، ومن ثم في مساكن مشتركة، إلى أن يتسنى للعائلة العثور على منزلها الخاص، لكن بموجب برنامج إعادة التوطين المجتمعي “لا يتعين على العائلات خوض كل تلك المراحل، فهم يتمتعون بحماية دولية منذ وصولهم، وتتم استضافتهم من جهة ما”، كما أوضحت ألونسو.

أرقام هزيلة لأعداد اللاجئين المعاد توطينهم            

منذ عام 2012، أُعيد توطين 4,036 لاجئاً، منهم 3,628 سوريون، من خلال البرنامج الوطني الإسباني لإعادة التوطين، من بينهم 650 لاجئاً سورياً أعيد توطينهم في أسبانيا منذ بداية عام 2022، وفق المكتب الإعلامي لوزارة الهجرة.

“من الواضح أنّ أرقام إعادة التوطين في إسبانيا متدنية وغير كافية”، بحسب جاومي دورا، رئيس الفريق القانوني في اللجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين (CEAR). مضيفاً لـ”سوريا على طول” أن “إعادة التوطين هي طريقة قانونية وآمنة [لهجرة اللاجئين] وينبغي تعزيزها لأنها تحمي من المخاطر التي تكتنف رحلة المجيء إلى إسبانيا”. 

في عام 2021، كان هناك 12 شخصاً يموتون يومياً أثناء محاولتهم العبور من البحر الأبيض المتوسط إلى شمال أفريقيا ليصلوا الشواطئ الإسبانية، وفقاً لتقرير صادر عن كاميناندو فرونتيراس، منظمة غير حكومية إسبانية تُناصر حقوق المهاجرين.

أرقام إعادة التوطين هزيلة في جميع أنحاء العالم. ففي عام 2021، أُعيد توطين 4 % فقط من أصل نحو 1.4 مليون لاجئ بحاجة إلى إعادة التوطين، إذ تشير بيانات الأمم المتحدة، إلى إعادة توطين 182,668 سورياً عالمياً منذ بداية الحرب السورية.

نسبياً، قلة من السوريين حصلوا على اللجوء أو أعيد توطينهم في إسبانيا مقارنةً بغيرها من الدول الأوروبية مثل ألمانيا، التي تأوي نحو 600 ألف سوري. وهي أرقام ضئيلة جداً مقارنة بأعداد اللاجئين في الدول المجاورة لسوريا: تركيا، لبنان، والأردن، التي تأوي نحو 75% من إجمالي اللاجئين السوريين البالغ عددهم 6.8 مليون نسمة. وبلغ أعداد السوريين الحاصلين على الحماية الدولية، سواء لاجئ أو حماية مؤقتة، الذروة في عام 2016، بقبول 6.124 طلب لجوء.

 


في إسبانيا، تمنح صفة اللجوء أو الحماية الإنسانية للمستفيدين منها إقامة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد وتصريح عمل. تُعطى الحماية للأفراد المعرضين للخطر العام حال عودتهم إلى بلدهم الأصلي، ولم يتمكنوا من إثبات مخاوفهم من الاضطهاد الفردي، لكن بحسب دورا “ليس هناك فرقاً كبيراً بين وضع اللجوء والحماية المؤقتة”.

الإجراءات المطوّلة هي إحدى المشاكل البنيوية في نظام اللجوء بإسبانيا، وفقاً لدورا، مشيراً إلى أن “نظام اللجوء في حالة انهيار، فقد يستغرق حصولك على موعد عامان”، وبعد الموعد الأولي، “تستغرق دراسة الملفات وقتاً طويلاً، فيما معدلات قبول الملفات متدنية”.

يبلغ معدل الطلبات التي أُقرّ فيها بحق الحماية الدولية في إسبانيا 10.5%، مقابل 35% في الاتحاد الأوروبي، ويحظى اللاجئون السوريون حالياً بأعلى معدلات الموافقة بخصوص طلبات الحماية، بنسبة 84.73 % مقارنة بغيرهم من طالبي اللجوء.

رحلة نجّار من ريف دمشق إلى الأقواس

معين شيخ يونس على شرفة منزله في الأقواس ببلنسية، 21/ 07/ 2022 (أليثيا، مدينا/سوريا على طول)

في الأيام الأولى للثورة السورية ترك معين شيخ يونس ووجيهة منزلهما في ريف دمشق وفروا إلى لبنان بحثاً عن الأمان، عاش الزوجان مع أطفالهما هناك في قرية قريبة من مدينة صيدا الساحلية، وكان معين يجني قوت يومه من عمله في النجارة.

“في السنوات الأخيرة، ضربت الأزمة الاقتصادية لبنان بشدة، وبدأت المعاملة تجاه السوريين تتغير”، بحسب معين. إذ علت وتيرة الخطاب المعادي للسوريين في لبنان، البلد الذي يستضيف 1.5 مليون لاجئ سوري بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان عام 2019.

خلافاً للبنان، يملك معين في إسبانيا تصريح إقامة، “نعم أنا لاجئ، لكني أملك الحقوق التي يملكها المواطن الإسباني، بما في ذلك الرعاية الصحية”، وفقاُ لمعين، مشيراً إلى أنه “في لبنان، ليس لنا حقوق. تتعرض للتنمر في الشارع، وتسمع تعليقات عنصرية ضد السوريين”.

كان عرض مفوضية شؤون اللاجئين على عائلة معين فرصة التوطين في بلنسية، عام 2019، مفاجئاً “لأننا لا نعلم شيئاً عن إسبانيا”، قالت وجيهة، وتابع معين “معظم الناس من حولنا أعيد توطينهم في السويد، كندا أو النرويج”.

بدأت العائلة بالبحث عن إسبانيا على محرك البحث “جوجل”، وتواصلت مع لاجئين سوريين فيها، لم تكن حياة اللجوء في إسبانيا تروق لهم كثيراً، مشيرين إلى أنّ هناك دعمٌ أكبر وفرص عملٍ أفضل في الدول الأوروبية الأخرى، وفقاً لمعين. يُذكر أنّ معدلات البطالة في إسبانيا هي الأعلى على صعيد أوروبا بنسبة تبلغ 13.3 %.

وصلت عائلة يونس إلى الأقواس في أيلول/ سبتمبر 2020، لتلاحظ “اختلافاً كبيراً في الثقافة بين إسبانيا وسوريا”، قالت وجيهة، وضربت مثالاً على سبيل المزاح “هنا حينما يقولون خمسة ركاب في السيارة، فهم يعنونها، كنا نصعد ثمانية في السيارة”، قالتها وهي تضحك. 

ما لبثت أن تبددت هواجس العائلة، وبعد مرور عامين على إقامتهم في الأقواس، اعتادوا على البلدة واعتادت البلدة عليهم، “الآن حينما ندخل إلى مقهى خوسيه [يقدم وجبات إسبانية خفيفة]، يعلمون سلفاً أننا لا نأكل لحم الخنزير. يقولون لنا مباشرةً: تريدون تناول السمك وطبق الكاليماري؟”،  بحسب معين، وتابعت وجيهة بسرور “بعض أصدقائي تعلموا قول شكراً بالعربية”.

كان تعلم اللغة الإسبانية أحد التحدّيات الرئيسة التي واجهتم بمجرد وصولهم، لكن “الأمر المهم الذي ساعدنا على الاندماج هو أننا بدأنا بتعلم الإسبانية، و[الآن] يمكننا مُحادثة الناس في الشارع”، وفق معين.

أخذت كوثر موضوع اللغة على محمل الجد، لدرجة أنها كانت تمضي “خمس ساعات يومياً وأنا أشاهد مقاطع على اليوتيوب بالإسبانية، وكنت أجري الحوارات مع نفسي، أسأل وأجيب”، كما قالت. في أيلول، ستعود إلى المدرسة لتكمل آخر سنتين دراسيتين في الثانوية العامة، وتحلم بأن تصبح طبيبة أو قاضية.

في لبنان، اعتادت كوثر أن تكون الأولى في صفها، فاصطدمت عند وصولها قبل عامين بأن “الدراسة صعبة جداً، ومع ذلك حصلت على علامات جيدة، كانت أفضل من علامات بعض زملائي الإسبان”، قالت وابتسامة الثقة ترتسم على محياها.

في آذار/ مارس الماضي، حصل معين على وظيفة في النجارة بدوامٍ كامل، “جاءتني هذه الفرصة من خلال ماريا، شقيقها يعرف المدير ورتب لي مقابلة معه”، بحسب قوله.

ساهم المتطوعون مثل ماريا بتيسير إدارة شؤون حياة عائلة معين يونس في موطنهم الجديد، و”كانوا يرافقوننا إلى المركز الصحي، كون لغتنا ضعيفة، وإن كان لدينا موعد في فالينسيا يأتون معنا”، بحسب معين.

صارت العلاقة بين عائلة معين وبعض المتطوعين قوية، منهم على سبيل المثال أجستين وزوجته “نتواصل يومياً. أصبحنا أصدقاء وعائلة أيضاً، لا ينسون أعياد ميلادنا أبداً”، قالت وجيهة. واستفاضت في الحديث “في إحدى الليالي، أصيب ابني بأزمة تنفسية ليلاً، فاستجاب وقال بأنه سيكون في منزلنا خلال دقائق”.

“حينما وصلنا إلى هنا كنا نفتقد عائلتنا، لكن بوجود أجستين وزوجته شعرنا كما لو أننا عائلة واحدة”، أضاف معين، الذي لم ير عائلته في سوريا منذ عقد من الزمن. ورغم أنّ عائلة وجيهة في لبنان، إلا أنّها لا تستطيع زيارتهم، إذ ختمت السلطات اللبنانية على جواز سفرها “ختم منع” عندما غادرت في عام 2020، كما يفعلون مع سائر اللاجئين السوريين الذي يغادرون لبنان، قائلة “حرماني من رؤية عائلتي هو أصعب شيءٍ بالنسبة لي”.

في الوقت الراهن ترى العائلة مستقبلها في إسبانيا، وتبددت آمالهم بالعودة إلى سوريا، بدأت وجيهة كلامها “إن انتهت الحرب في سوريا واستتب…”، فقاطعها معين مباشرة “لا أظن ذلك، لا أتوقع أن أعيش وزوجتي لنرى ذلك”.

انطلاقة جديدة في الحياة

حسام الزين في بلدة الأقواس بضواحي بلنسية، 21/ 07/ 2022 (أليثيا مدينا/سوريا على طول).

كان حسام الزين في الحادية عشر من عمره عندما اندلعت شرارة الثورة السورية، التي تحولت إلى حرب. اضطرت عائلته النزوح عن منزلهم في ريف دمشق جرّاء القصف العنيف، كما قال لـ”سوريا على طول”، وهو جالس في حانة ببلدة الأقواس، مستذكرا مشهد قصف الطائرة “على بعد 300 متر من منزلنا”.

اعتُقل والده لعشرة أيام على يد النظام السوري في الأيام الأولى للثورة، وكان ذلك “عن طريق الخطأ كما جرى مع كثيرين غير أبي، لكن أبي كان محظوظاً على عكس الكثير من المعتقلين الذين لم يخرجوا حتى الآن”، وفق حسام، ذو 21 عاماً، مضيفاً أنّ عائلته غير “صُحبة” مع كل الأطراف في سوريا “فالمعارضة قتلت عمتي والنظام السوري قتل عمي”.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، فرّت عائلة حسام إلى محافظة جبل لبنان، إلا أنّ الحياة هناك غير مستقرة وتكتنفها المخاطر، كما أوضح حسام، إذ “طيلة تسع سنين في لبنان، ولم نتمكن من الحصول على الإقامة”.

تبلغ نسبة السوريين الذين لا يملكون إقامة قانونية في لبنان 84 %، وفقاً للأمم المتحدة، ما يجعلهم مُستضعفين في البلد، “ذات يوم هدد رجلٌ لبناني والدي بالاتصال مع الأمن العام، الأمر الذي يعني الاعتقال والترحيل إلى سوريا، لذا أخذنا متاعنا وانتقلنا إلى طرابلس”، هذا واحد من المواقف التي استذكرها حسام.

في عام 2019، قدّمت مفوضية شؤون اللاجئين للعائلة فرصة السفر في إطار البرنامج التجريبي الإسباني، وفي العام التالي وصل حسام رفقة والديه وأخويه إلى مدينة بلنسية، وحصلوا على الإقامة في غضون شهرين.

“هنا، يمكنني الذهاب إلى برشلونة أو مدريد أو إشبيلية أو زيارة إسبانيا في كل أنحائها أو حتى الذهاب إلى فرنسا. بينما في لبنان كنت أواجه صعوبة في الذهاب من بيروت إلى جبل لبنان” وهي مسافة لا تتعدى 70 كيلومتراً تقريباً، بحسب قوله. غالباً ما يتحاشى السوريون، الذين لا يحملون تصاريح إقامة، المرور عبر نقاط التفتيش التابعة للجيش اللبناني خشية احتجازهم ولذلك فهم يقتصرون على  التنقلات الضرورية.

صحيحٌ أن إسبانيا تقدِّم انطلاقة جديدة في الحياة إلا أنّها تفرض تحدياتها الخاصة أيضاً، ففي حالة حسام الذي ترعرع في لبنان، وبدأ العمل في سن الثالثة عشرة بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، دخول المدرسة في موطنه الجديد أمر معقد، كونه وصل إسبانيا بعد سن الثامنة عشرة، لذلك خياراته الدراسية محدودة، لأنه يحتاج الدراسة لأربع سنوات في الثانوية حتى تتاح له فرصة خوض التدريب المهني أو دخول الجامعة، يعني “سأكون في الخامسة والعشرين حينما أتمكن من دخول الجامعة، وهذا لا يناسبني”، كما قال. 

انفصل والداه عقب وصولهما إلى إسبانيا، لذلك يبحث حسام عن عمل لإعالة والدته وشقيقيته، اللذين يعيشون في المنزل المقدّم من قبل برنامج إعادة التوطين. يحاول الشاب العثور على وظيفة غير أن “أرباب العمل لا يثقون أنّ شاباً مثلي يملك الخبرة”، كما قال، موضحاً أنه عمل في لبنان “في سوبر ماركت وفي مجال الكهرباء وقصاباً، ومن ثم تخصصت في النجارة وتركيب المطابخ”، لذلك اليوم “أريد أن أصبح نجاراً”.

لا يتخيل حسام أن يعود إلى سوريا، “إن عدت ستكون للزيارة وليس للاستقرار. هذه ليست سوريا التي عرفناها قبل 2011، لم تعد أبداً كما عهدناها”.

خلافاً لمعين ووجيهة، يجد حسام أن هناك بعض الشبه بين العادات السورية والإسبانية “تفاجأت بأنّ الثقافة هنا هي الأقرب لنا من أي بلدٍ أوروبي آخر، فهم يهتمون بالعائلة، وبالعموم الناس هنا اجتماعيون للغاية”.

يتكلم حسام الإسبانية بمستوى متوسط، ويأخذ دروساً لتطويرها، لكنه لا يمارسها كثيراً “نظراً لعدم وجود أصدقاء”، مضيفاً “أنا خجول، لذلك كنت أعاني من ذلك حتى في سوريا ولبنان”. من وقتٍ لآخر، يذهب حسام مع صديق واحد إلى الشاطئ في بلنسية، ولكن “ليس كثيراً”، لأنه “مكتظٌ بالناس، ولا يمكنك إيجاد مكان للجلوس هناك”.

كما كثيرٌ من الإسبان، أمضى حسام موجة الحر الصيفية الأخيرة مستلقياً طوال اليوم “في جوٍ كهذا، لا أفعل شيئاً سوى الجلوس في غرفتي. القيلولة هي حياتي”، قالها مبتسماً قبل أن يغادر متجهاً إلى درس الإسبانية، وهو يشق طريقه ظهراً وسط أشعة بلنسية الساطعة. 

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية سلام الأمين

شارك هذا المقال