5 دقائق قراءة

من دون تعويض: سكان إدلب يدفعون ثمن الحرب على “الإرهاب”! 

بعد أحد عشر شهراً على تأجير منزل ابنه المقيم في ألمانيا، فوجئ والد قتيبة الشيخ، أن المستأجر هو زعيم تنظيم داعش، عبد الله قرداش، الذي قتل في عملية الإنزال الجوي للتحالف الدولي في منطقة أطمة شمال غرب سوريا


17 فبراير 2022

إدلب- بعد أحد عشر شهراً على تأجير منزل ابنه المقيم في ألمانيا، فوجئ والد قتيبة الشيخ، أن المستأجر هو زعيم تنظيم داعش، عبد الله قرداش، الذي قتل في عملية الإنزال الجوي للتحالف الدولي في منطقة أطمة شمال غرب سوريا، فجر 3 شباط/فبراير الحالي.

مع بدء العملية، تناهى إلى مسامع عائلة الشيخ أن منزل ابنها المكوّن من ثلاثة طوابق “تعرض للقصف وتدور اشتباكات بين القوة المهاجمة والمستأجرين داخله”، كما قال أبو قتيبة لـ”سوريا على طول”.

وكان أبو قتيبة قد أبرم عقد إيجار “مع شخص يدعى مصطفى سيد أحمد، من ريف حلب”، مبيناً أنه “لم يعرف هوية المستأجر الحقيقية إلى حين إعلان وزارة الدفاع الأميركية عن تفاصيل العملية، وأن المستهدف زعيم داعش المطلوب دولياً”، بحسب قوله. وسبق لقيادات في تنظيم داعش أن استخدمت بطاقات شخصية (هوية) مزيفة صادرة عن المجالس المحلية التابعة للمعارضة في شمال غرب سوريا، كما في حالة القيادي السابق فايز العكال، الذي استخدم بطاقة مزيفة صادرة عن مجلس بلدة اخترين في ريف حلب الشرقي، قبل أن يقتل بطائرة مسيرة للتحالف الدولي في حزيران/ يونيو 2020.

وتتقاضى العائلة عن الشقة التي كان يسكنها قرداش “مبلغ 80 دولار شهرياً”، وفق أبو قتيبة، أي أن كامل المبلغ الذي استلمته لا يصل إلى نصف تكاليف ترميم المبنى المتضرر التي تقدّر بنحو 2000 دولار أميركي.

كان خبر مقتل قرداش في البناء الكائن بمنطقة أطمة الحدودية مع تركيا، المكتظة بالنازحين، صادماً لفاطمة العمر (اسم مستعار)، 35 عاماً، وهي نازحة من ريف حلب الغربي منذ مطلع عام 2020، إذ لم تتوقع أن يكون زعيم التنظيم جارها في نفس البناء “كلّ ما نعرفه أن جارنا في الطابق العلوي يدعى أبو أحمد ويعيش مع أخته”، قالت لـ”سوريا على طول”.

الأسوأ من مشاهد الرعب التي عاشتها العمر وحالة الهلع بين أطفالها الثلاثة “خاصة مع اقتحام القوات المهاجمة لمنزلنا وإخراجنا منه بالقوة”، أن “يظنّ الناس بأننا كنا متعاونين مع داعش”، وهي تبحث الآن “عن منزل جديد نسكن فيه أو سننتقل للعيش في أحد المخيمات القريبة”.

التخفي بين النازحين

تحتضن المناطق الحدودية مع تركيا، بما في ذلك منطقة أطمة، العدد الأكبر من النازحين إلى شمال غرب سوريا، التي يعيش في عمومها أكثر من أربعة ملايين نسمة نصفهم نازحون، وينتشر بين النازحين السوريين عشرات العائلات العربية والأجنبية.

لذلك “يجد قادة داعش الأجانب في هذه المنطقة ملجأ للتواري عن الأنظار، مستغلين قدرتهم على الاستئجار عن طريق العائلات الأجنبية النازحة”، بحسب الباحث في الجماعات الجهادية، عرابي عرابي، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “أماكن تجمع النازحين أقل خطراً بالنسبة لداعش، ويمكن للوافد الجديد فيها أن يضيع بين النازحين”.

ويتيح القانون الدولي الإنساني في أوقات الحروب “استهداف منشآت وأشخاص إرهابيين ضمن مناطق المدنيين شريطة ألا تؤدي إلى خسائر في صفوف المدنيين، على أن يكون هناك تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”، فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

ورغم أن “تخفي الشخصيات الإرهابية من تنظيم داعش في أماكن تجمع المدنيين، خاصة في إدلب، التي اعتبرها التنظيم منطقة أعداء وأذاقها الويلات، يعد انتهاكاً واضحاً من الناحية القانونية كونه يعرض المدنيين للخطر”، إلا أن ذلك “لا يعفي القوات المهاجمة من مسؤولية الحرص على حياة المدنيين وممتلكاتهم أو تعويضهم في حال الضرر”، كما أضاف عبد الغني.

وتتنوع أساليب عمليات التحالف الدولي في استهداف الشخصيات المطلوبة، لكن أكثرها استخداماً في إدلب “توجيه ضربات دقيقة باستخدام الطائرات المسيرة، وغالباً ما ينحصر ضررها على الشخصية المستهدفة”، بحسب عرابي عرابي، مشيراً إلى أن “استخدام أساليب أخرى قد تزيد من نسبة إلحاق الضرر بالمدنيين تفرضه عدة اعتبارات خاصة بالتحالف”.

ففي حالة الإنزال الجوي التي انتهت بمقتل قرداش، ومن قبلها عملية مقتل البغدادي، كان “هدف التحالف إلقاء القبض على الشخص المستهدف حياً، لأن ذلك من شأنه أن يحقق نصراً أمنياً وعسكرياً للولايات المتحدة”، وفقاً لعرابي، عدا عن أنه لو تحقق “تمسك [الولايات المتحدة] بكل أسرار التنظيم”. 

أيضاً، فإن استخدام الطيران المسير في عمليات التحالف الدولي ضد قادة الصف الأول في تنظيم داعش “لا تعطي التحالف دليلاً قاطعاً على مقتل الشخصية المستهدفة على الأرض، ولا يتيح لهم أخذ الجثة والعينات للتأكد من صاحبها مخبرياً”، بحسب عرابي.

اعتداء على المدنيين

“ما حدث انتهاك لحقوق ملكيتنا، والقوة المهاجمة لم تراعي هذا الحق كونها ألحقت أضراراً بالبناء”، قال والد قتيبة الشيخ، مستنكراً أن تكون منطقة أطمة، المكتظة بالنازحين، مسرحاً لعملية التحالف الدولي، من دون “اتخاذ إجراءات خاصة للحفاظ على حياتهم في مثل هذه العمليات العسكرية”.

ولم تبد هيئة تحرير الشام أي ردة فعل على عملية اغتيال قرداش، التي وقعت في مناطق نفوذها، وعلى بعد 500 متراً عن حاجز دير بلوط، وهو أكبر حواجز الهيئة في المنطقة، الذي تم إخلاؤه بالتزامن مع عملية التحالف. إلا بإصدار بيان، في السادس من شباط/فبراير الحالي، نفت فيه علمها المسبق بعملية اغتيال “قرداش”.

وعدا عن الأضرار المادية التي لحقت في المكان المستهدف، أسفرت عملية اغتيال قرداش عن مقتل 13 شخصاً بينهم 6 أطفال و4 نساء، بحسب بيان صادر عن الدفاع المدني السوري، ، لكن “لم يتضح ما إذا كان الضحايا سقطوا نتيجة القصف أو تفجير أحد الملاحقين لنفسه”، كما قال فضل عبد الغني، معتبراً أنهم يندرجون “تحت مسمى مدنيين طالما لم يتم التأكد من أنهم حملوا السلاح أو لا”.

لذلك، تطالب الشبكة السورية التحالف الدولي “بفتح تحقيقات دقيقة لتحديد سبب مقتل الأطفال والنساء وكيفية مقتلهم”، وفق عبد الغني، معتبراً أن “الإثبات يقع على عاتق التحالف على اعتبار أن عملياته محاطة بالسرية، وإلا سنكون أمام انتهاك بحق المدنيين”.

ولم تكن عملية استهداف تنظيم داعش، هي الأولى التي تطال مدنيين في سوريا أو تلحق أضراراً مادية بممتلكاتهم، فالتحالف الدولي أقر، في أيار/مايو 2019، بمقتل حوالي 1300 مدني “دون قصد” خلال عملياته ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق منذ بدء عملياته في عام 2014. وكان التحالف الدولي نفذ عملية مشابهة ضد الزعيم الأول لداعش، أبو بكر البغدادي، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، في قرية باريشا بريف إدلب، الواقعة تحت نفوذ سيطرة هيئة تحرير الشام أيضاً.

وإذا اقتصرت الأضرار على الجانب النفسي بالنسبة لفاطمة العمر وأطفالها، فإن استهداف طائرة مسيرة، تابعة للتحالف الدولي، لدراجة نارية على طريق أريحا-إدلب، في كانون الأول/ ديسمبر 2019، تسببت بإصابة زوجة أحمد محمد القسوم، 45 عاماً وأطفاله، النازح من بلدة كفربطيخ بريف إدلب والمقيم حالياً في مدينة عفرين في ريف حلب.

وكان القسوم يستقلّ سيارته مع عائلته على الطريق الواصل بين مدينتي أريحا وإدلب، في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2019 عندما مرّ بجوار الدراجة المستهدفة، وقد أعلنت القيادة المركزية الأمريكية آنذاك عن احتمالية إصابة مدنيين بالغارة الجوية التي نفذتها طائرة مسيرة من طراز MQ-9 مستهدفة “قيادياً في تنظيم القاعدة”.

ومن الشائع بين المدنيين “أن عمليات التحالف الدولي تمتاز بالدقة”، وفقاً للقسوم، لكن مع ذلك “كانت الحادثة سبباً في حاجة ابني محمود، ذو العشرة سنوات، لعملية ترميم جمجمة بتكلفة 1500 دولار أميركي، ولم تًجرى له حتى الآن، ومنذئذ نعطيه مضاد اختلاج بشكل دائم”، فيما خسرت زوجته “جزءاً من كعب قدمها المثبت بجهاز تثبيت وبحاجة إلى مزيد من العمليات الجراحية”.

ورغم وقوع ضحايا وأضرار بين صفوف المدنيين في عمليات الاستهداف ضد مطلوبين للتحالف الدولي في إدلب، “إلا أن التحالف الدولي لم يعوض ذوي الضحايا أو المتضررين”، وفقاً لعرابي عرابي، مشيراً إلى أن “الكونغرس الأميركي خصص في قانون تفويض الدفاع للبنتاغون، عام 2020، 3 ملايين دولار لتعويض المدنيين المتضررين من عمليات واشنطن العسكرية في الخارج، لكن لم يًصرف أي دولار من هذه الميزانية، وردّ المبلغ إلى وزارة الخزانة”.

ومن جهتها، لم تعوض حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام، باعتبارها سلطة أمر واقع في المنطقة، المدنيين المتضررين من عمليات التحالف الدولي، وحاول “سوريا على طول” الحصول على تصريح من حكومة الإنقاذ لكنه لم يتلقى رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير.

ويُترك ذوو الضحايا وحدهم أمام تداعيات عمليات الاستهداف هذه، كما قال القسوم، مشدداً على حق عائلته “في الحصول على العلاج الكامل، إلى جانب تعويض عادل لنا”، مختتماً حديثه “لا ذنب لنا سوى أننا كنا في طريقنا لزيارة جدّ أولادي لحظة استهداف الدراجة النارية من طائرة مسيرة”.

شارك هذا المقال