4 دقائق قراءة

من سوريا إلى مكة: قصص الحجيج في زمن الحرب

سيتوجه نحو ثلاثة مليون مسلم من جميع أنحاء العالم إلى […]


17 أغسطس 2017

سيتوجه نحو ثلاثة مليون مسلم من جميع أنحاء العالم إلى السعودية العربية في هذا الأسبوع لأداء مناسك الحج في مدينة مكة المكرمة.

والحج ركن من أركان الإسلام، ورحلة نقاء وتطهير للقلب إلى المكان الذي ولد به النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، حيث أنزل عليه القرآن ليكون بلاغاً للعالمين.  

ولكن بالنسبة لأولئك السوريين الذين يأملون بالقيام بهذه الرحلة، فيجب أن يُمنحوا أولاً تأشيرة خاصة من الحكومة السعودية، والتي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد في عام 2012. والطريقة الوحيدة للمواطنين السوريين التي تمكنهم من أداء الحج هي من خلال مكتب الائتلاف الوطني السوري المعارض المعتمد لدى السعودية.

وتستخدم الحكومة السعودية نظاماً من الحصص والفرز لتختار أولئك الذين يستطيعون أداء الحج قانونياً في كل سنة. وفي عام 2017، مُنح 15 ألف سوري تأشيرات الحج من مكاتب الائتلاف الوطني السوري في تركيا والأردن ولبنان وشمالي سوريا ومصر ودول الخليج.

ويثير الدور الذي تقوم به المعارضة السورية كحلقة وصل بين الحجاج والحكومة السعودية مسألة سياسية معقدة لأولئك الذين ما زالوا يقيمون في مناطق سوريا التي يسيطر عليها النظام. وبالنسبة للكثير من السوريين هناك، فحتى التواصل مع المعارضة السورية لأداء الحج ربما يحمل مخاوف كثيرة في ثناياه.

وقال أحد أبناء دمشق، ” أثناء عودتي من الحج، سيعرفون أين كنت، وأعتقد أن هذا سيخلق المشاكل لي”.

بالنسبة لآخرين، فإن أقرب مكتب للائتلاف الوطني السوري ربما يكون خارج المعبر الحدودي المغلق أو في منطقة لا يمكن الوصول إليها لأسباب أمنية.

الحجاج السوريون في طريقهم إلى جدة، السعودية من غازي عنتاب، الإثنين، حقوق نشر الصورة لـ لجنة الحج العليا السورية

و قالت سيدة من الحسكة إن الطريقة الوحيدة لأداء الحج بالنسبة لمعظم السوريين هي “من طريق الشام ومن ثم لبنان”. واستأنفت “لكن الطريق غير آمن”.

وتحدثت سوريا على طول مع ثلاثة سوريين ممن يتوقون للحج ويقيمون في الأردن و دمشق ومدينة الحسكة التي يسيطر عليها الأكراد مع اقتراب موسم الحج السابع منذ بداية الحرب. ولم تُمنح تأشيرة الحج سوى لواحدة منهم، وهي لاجئة سورية في الأردن.

الحسكة

حين عادت أم عبد الله، 65 سنة، وزوجها إلى ديارهم في مدينة الحسكة، أقصى شمال شرق سوريا بعد أدائهم مناسك الحج وذلك قبل عقد مضى، استُقبلوا باحتفال جميل على مرأى الحي كله.

وزينت أغصان الزيتون باب منزلهم، وطلى أهل البيت جدرانه بالأبيض وكتبوا على الجدران الخارجية عبارات هي شعائر دينية تحترم المسلمين الذين هم غالباً من المسنين الذين أتموا الحج مثل “حجاً مبروراً وسعياً مشكور وذنباً مغفوراً”.

وقالت “الإنسان يتغير من داخله ويتطهر من الخطايا، حتى أن الآخرين يختلف تعاملهم معك؛ يتعاملون معك على إنك إنسان أفضل”.

وأضافت أن “الحارة بأكملها وكل من كان يمر أمام الباب، يعرف أن في هذا البيت من جاء من الحج”.

ولكن بعد عشرة أعوام، ومع القيود التي فرضت على السفر من سوريا إلى السعودية، لم تسمع أم عبد الله “منذ زمن” عن الحجاج واستقبالهم. ورغم أنها كانت تنوي أن تقصد مكة للحج للمرة الثانية، إلا أن الحرب حالت دون ذلك، وفق ما قالت.

وذكرت “لا يوجد مكاتب حج (للتسجيل) بـ روجافا”. روجافا، هو الاسم الذي تطلقه السلطات ذات الغالبية الكردية على مناطق شمال سوريا التي تتمتع بحكم ذاتي بحكم الأمر الواقع. وأوضحت أن “الطريقة الوحيدة لأداء الحج بالنسبة لمعظم السوريين هي “من طريق الشام ومن ثم لبنان، لكن الطريق غير آمن وتركيا أغلقت حدودها” مع الحسكة.

وقالت أم عبد الله أن عيد الأضحى المبارك المرتبط بالحج فقد بهجته أيضاً، فقبل الحرب كان يلّتم أبناؤها التسعة في أول يوم بالعيد ليحتفلوا ويتبادلوا التهاني و”كنت أعطي العيديات لأحفادي”.

والآن لم يبق سوى ثلاثة من أبنائها في الحسكة، وانتشر البقية بين تركيا والنمسا وألمانيا وكردستان العراق.

وقالت “إنه لأمر مؤسف وحزين جداً، أشتاق للجميع، أشتاق أن نلتم معاً على عشاء ليوم واحد فقط. حتى الأهل والأقارب والجيران، لا بيت يخلو من الحزن”.

دمشق

أبو عبدو، 60عاماً، موظف حكومي سابقاً يعيش وزوجه في أحياء دمشق الخاضعة لسيطرة النظام. أبناؤه الثلاثة متزوجون ويعيشون في الخارج، فيما يعيش أبو عبدو على راتبه التقاعدي في العاصمة السورية.

قبل الحرب بعامين، تقدم أبو عبدو للتسجيل لأداء مناسك الحج، ورفض في المرتين.

وقال أبو عبدو لسوريا على طول، “في المرة الأولى، كان عمري أقل مما هو مقبول، وبعد الحرب، أصبح التسجيل صعباً، ولا سيما لأولئك الذين يعيشون في دمشق”.

ويخشى أبو عبدو أن أداء الحج سيكون رحلة باتجاه واحد. فكونه من أبناء العاصمة السورية، لابد وأن يتقدم بطلب تأشيرة للحج من الائتلاف الوطني السوري الذي شكلته المعارضة، وهي الإجراءات التي يخاف أبو عبدو أن تؤثر على وضعه مع نظام الأسد.

وبدوره، يؤكد الائتلاف الوطني أن مكتب الحج ليس تابعاً لأي طرف في الحرب السورية وهو  يتصرف كمجرد وسيط ليس إلا.

وقال أبو عبدو “أثناء عودتي من الحج، سيعرفون أين كنت وأني ذهبت من خلال المعارضة، وأعتقد أن هذا سيخلق المشاكل لي”.

عمان، الأردن

تحيا أم نديم، 49 عاماً، في العاصمة الأردنية كلاجئة مع زوجها وأطفالها الثلاثة. وبعد ست سنوات من هروبها من موطنها في مدينة حمص، قُدر لها أن تكون واحدة من 2000 حاج سوري سيقصدون مكة من الأردن خلال الأيام القادمة.

وقالت لسوريا على طول “إلى الآن لا أصدق ما حدث معي…مثل الحلم”.

بعد اقتراح من صديقة لها، ذهبت أم نديم لمكتب الائتلاف الوطني في عمان لطلب تأشيرة حج بالسعودية. ويقدم الائتلاف للحجاج السوريين المقيمين في الأردن طرداً شاملاً لرحلة مكة بقيمة 2,300$ـــ وهذا يفوق استطاعة العائلة.

وقالت “في البداية رفضت بسبب الوضع المادي”، ولكن صديقتي قالت لي “سجلي، هناك أناس، هم من أهل الخير، وسيتكلفوا بكل التكاليف”.

ألحت صديقة أم نديم عليها، ورغم ترددها، إلا أنها أخيراً دفعت 5 دينار[مايقارب:7$] رسم التسجيل. وبعد أن استلمت تأشيرة الحج، دفع أهل الخير ما تبقى من أجور رحلتها.

بالنسبة لأم نديم، فإن الرحلة القادمة إلى مكة، ليست سوى خاتمة صبرها وربما دعوة من ملهوف ساعدته ومحصلة محاولاتها  قبل الحرب للحصول على تأشيرة للحج.

قبل الثورة قدمت أكثر من مرة، ورفض طلبي، مرة لأن عمري دون ماهو مسموح به، ومرةً لأنه لم يكن معي مرافقاً”. ووفقاً للشريعة، تحتاج المرأة إلى محرم يرافقها في الحج.

“والآن سأذهب برفقة زوجي”.

ترجمة: فاطمة عاشور


شارك هذا المقال