6 دقائق قراءة

من “كان” الفرنسية.. الخطيب تخلد مأساة حلب في جائزتها، وقلبها على إدلب

ما بين قصف عنيف في حلب، وتصفيق حار في فرنسا، نالت المخرجة السورية وعد الخطيب جائزة "العين الذهبية" في مهرجان "كان" لفيلمها الوثائقي "إلى سما"، الفيلم الذي وثق حياة المدنيين تحت القصف والحصار في المناطق الثائرة بمدينة حلب.


ما بين قصف عنيف في حلب، وتصفيق حار في فرنسا، نالت المخرجة السورية وعد الخطيب جائزة “العين الذهبية” في مهرجان “كان” لفيلمها الوثائقي “إلى سما”، الفيلم الذي وثق حياة المدنيين تحت القصف والحصار في المناطق الثائرة بمدينة حلب.

بدأ مهرجان كان السينمائي منذ عام 1946حاملاً اسم مدينة في جنوبي فرنسا، وهو أحد أهم المهرجانات السينمائية عبر العالم، ويقام عادة في شهر أيار/ مايو من كل عام، في قصر المهرجانات في شارع لاكروزابيت الشهير على سواحل خليج كان اللازوردية.

وتنحدر وعد الخطيب من مدينة حلب، شمال سوريا، تزوجت خلال وجودها في مناطق المعارضة السورية بمدينة حلب، وأنجبت طفلة أسمتها “سما” وحمل فيلمها الفائز بجائزة “كان” اسمها.

وكانت الخطيب واحدة من آلاف المدنيين والجرحى، الذين خرجوا من آخر الأحياء المحاصرة في شرقي حلب، إلى المخيمات في ريف حلب الغربي الواقع تحت سيطرة المعارضة، بعد أن استهداف الطيران الحربي الروسي والسوري المستمر لمناطق الثوار من محافظتي حلب وإدلب.

وآنذاك، وافق مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة بالإجماع، في كانون الأول/ ديسمبر 2016، على قرار نشر مراقبين دوليين، للإشراف على إجلاء ما يقدر بنحو 35 ألف شخص من أحياء شرقي حلب الخاضعة لسيطرة الثوار إلى مناطق المعارضة القريبة.

وقالت الخطيب لمراسل سوريا على طول محمد عبد الستار إبراهيم “خرجت من حلب بسبب التهجير.. التهجير هو آخر جريمة ارتكبوها بحقنا”.

وخلال وجودها في “كان”، قبل الإعلان عن الأفلام الفائزة، رفعت الخطيب لافتة تطالب بوقف استهداف المشافي في إدلب، في إشارة إلى التضامن مع إحدى آخر معاقل الثورة السورية، فما وثقته  عدستها في فيلم “إلى سما” قبل سنوات في حلب، يتم تكراره في إدلب، من استهداف للمشافي، و قصف للأحياء السكنية.

بدأت الخطيب مشوارها مع عدسة الكاميرا، منذ تصوير المظاهرات في جامعة حلب وداخل أحياء المدينة، وبعد انقسام المدينة إلى قسم مؤيد، وآخر معارض، انتقلت إلى القسم المعارض ووثقت عدستها معظم الأحداث حتى لحظة تهجيرها.

وكان فيلمها الفائز “إلى سما” حصيلة نشاطها الإعلامي داخل سوريا، بين عامي 2011 و 2016، وبعدها انتقلت منها إلى إدلب، ومن ثم إلى تركيا، وانتهى بها المطاف لاجئة في العاصمة البريطانية لندن.

ومنذ مغادرتها الأراضي السورية تنتظر وعد بفارغ الصبر “يوم العودة للبلد”، وتأمل “بإعادة بناء سورية الجديدة التي نحلم بها” حسب قولها.

“إلى سما” ما هو موضوع الفيلم؟ ومتى تم تصويره؟ ولم اخترت هذا الاسم؟

إلى سما” هو فيلم وثائقي سوري حيك نصه على أنه رسالة من أم إلى ابنتها، تسرد لها الظروف التي وقعت في مدينة حلب خاصة، وفي سوريا عامة.

أسرد لطفلتي “سما” الظروف التي مررنا بها، كيف اندلعت الثورة، وكيف تحولت الأمور، وكيف انتهى بنا المطاف في حلب إلى “التهجير”، أوثق من خلال عيناي كأم وكصحفية عاشت في المدينة، عدد من الأحداث والمجازر المهمة، وبين هذه الأحداث نسرد تاريخ المدينة، ونرصد حياةبعض الأشخاص الذين كانوا معنا، يعيشون نفس الظروف.. عائلة ثانية عندها 3 أطفال، وأيضاً ممرض، وطبيب.

الفيلم هو ملخص لخمس سنوات من الثورة في حلب، منذ 2011، ولكن لقطات الفيلم بدأت منذ شهر نيسان 2012، وكانت آخر اللقطات التي وثقتها عدستي في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2016، وهي اللحظات الأخيرة في مدينتي.. لحظات التهجير.

أما عن “سما”، ولدت في مشفى القدس بمدينة حلب، في المكان الذي كنت أعيش أنا وأبوها حتى لحظة تهجيرنا، عشنا في المشفى خلال هذه الفترة لفترات متقطعة، ولكن في أيام الحصار الأخيرة أصبح سكننا الدائم في المشفى.

في الفيلم سردت قصص كثيرة، بتفاصيل كثيرة، عن ماذا يعني أن يكون عندك ولد بهذه الظروف، وفي هذه المنطقة، وكم كان حجم الصمود والتحدي والقوى لدى الناس الموجودين، أيضاً بحجم هذا الصمود كم كانت قاسية لحظات الأسى والعذاب والتعب.. لحظات كانت يُمكن أن تكون الأخيرة بحياتنا.

نريد أن نعرف أكثر عن ماضيك في حلب، أصعب المواقف، أحداث ترتبط بك شخصياً وكانت جزءاً من فيلمك

لم أعمل طيلة حياتي في الإعلام، ولم يكن  عندي أي فكرة، كان عندي شغف أن أصبح مراسلة، وتحديداً مراسلة حربية، وفي تلك الفترة، قبل الثورة، كنا نرى القضية الفلسطينية فقط، وكنت أتمنى أن أصل لفلسطين وأغطّي أخبارها، وأرى الحياة هناك، ولكن هذا الشيء كان بعيد المنال.

بعد دراسة الثانوية العامة، قررت أدخل تخصص الإعلام في الجامعة، ولكن أهلي رفضوا، وكانوا يقولون: أنت بنت عنيدة وجريئة، ولا تخافين شيء، ومن أول تقرير أو عمل صحفي لي سأذهب إلى السجن، طبعاً نظرتهم لم تأت من فراغ، وإنما لأنهم يعرفون النظام السوري والوضع الأمني في سوريا.

وبدأت قصتي مع التصوير، بتصوير المظاهرات في جامعة حلب.

كنت طالبة جامعية في جامعة حلب، التي أطلقنا عليها اسم جامعة الثورة، بعد الحراك الثوري العظيم في الجامعة، وفي هذا الوقت – أي عام 2011 – قمت بالتقاط الصور.

بعد فترة انقسمت مدينة حلب لقسمين، القسم الأول تحت سيطرة الثوار، والآخر مع النظام، فانتقلت أنا إلى مناطق الثوار، وبدأت بهذه الفترة توثيق حياة الناس بشكل أكبر.

وثقت المجازر، ووثقت القصف، والدمار، الطرق البديلة التي تتبعها الناس للتأقلم مع الظروف الجديدة، عشت في المشفى، لأنه كبنت موجودة لوحدي كان أكثر مكان آمن تعيش فيه، باعتبار المكان تجمع للمرضين وأطباء وطبيبات وومرضات، كنت أبيت في المشفى وأصور داخله وخارجه، وبهذا المشفى نفسه فينا نقول أنه أصبحنا عيلة، تشاركنا مع بعض كتير لحظات.

المشفى، أو سكني، تعرض للقصف عدة مرات، كان أكبرها في نيسان 2016، تم تدمير المشفى تماماً، وخسرنا عدد من الزملاء بالمشفى، واحد منهم كان طبيب الأطفال الموجود في المدينة، وبعد فترة تأسس المشفى بمكان ثاني، واستؤنف العمل فيه.

وفي فترة الحصار الأخيرة، كنت صوّر ساعات طويلة في اليوم الواحد نهاراً وليلا، فمن خلال التصوير يكون واضح عدد المرات التي تم استهداف المشفى وما حوله فيه، وبأحد اللقطات وثقت عدستي القصف الذي طال المشفى نفسه.

متى خرجت من حلب ولماذا؟

خرجت من حلب في شهر 12 من عام 2016 بسبب التهجير.. التهجير هو آخر جريمة ارتكبوها بحقنا كسكان وأهالي حلب، اتفق النظام وروسيا مع الأمم المتحدة، بمفاوضات مع الفصائل الموجودة في حلب في ذاك الوقت، على إخراج كل الناس، من أجل سيطرة النظام على المدينة، بعدما ارتكب في جرائم ومجازر طويلة.

طلعنا بالباصات الخضراء وتوجهنا إلى إدلب، ومنها خرجت إلى تركيا، وبعد إقامة سنة ونصف في تركيا أنا لاجئة حالياً في لندن ببريطانيا، وأقيم فيها منذ سنة تقريباً.

أمام الجمهور في “كان” تضامنت مع مشافي إدلب، هل تعتقدين أنك أوصلت رسالة للمجتمع الدولي عمّا حدث في حلب، وما يحدث في إدلب؟ وما هو شعورك بأن سيناريو حلب يتكرر في إدلب؟

ما بعرف الفيلم شو ممكن يقدم، بس الفكرة باختصار أنا ما عندي أمل كبير بإحداث تغيير عظيم وجذري بحياة الناس.

في هذه الفترة اكثر ما يهمني حياة الناس الموجودين حالياً في إدلب.. المحاصرون بآخر منطقة خارج سيطرة النظام، وعم يحاول يقتلهم ويرتكب مجازر بحقهم، من أجل السيطرة على المنطقة، هذا الشيء سيء جداً لي كسورية أولاً، وكإعلامية ثانياً، والأهم هو سيء لشخص عاش نفس التجربة.. شخص بيعرف تماماً ماذا يعني الخوف على الولد، الخوف على النفس، في وقت لا يوجد مكان تذهب إليه، وليس كل مكان تزوره آمن.

مع الأسف، ما حدث في حلب كان أمام أعين كل العالم، وبعدها أعيدت التجربة مرات عديدة، مثل الغوطة، وحالياً إدلب، والعالم يراقب فقط، وأحياناً يستخدم مبررات النظام بأن هؤلاء إرهابيين، وليسوا سوريين.

لذلك فيلم “إلى سما” هو وثيقة للتاريخ، حتى تشاهد الناس كيف كانت الحياة، وأن المستهدفين سوريين ثوريين، كان حلمهم أن يغيروا من حياتهم نحو الأفضل، وكيف قُتل حلمهم بسبب إجرام كبير من النظام وروسيا، وأيضاً العالم الغربي الذي سكت عن المجازر، بذريعة الخوف من الإرهابيين ومن داعش!!.

لذلك اعتقد أن الأمل ضئيل بأن يحدث الفن تغييراً، ولكن لا بد أن يكون حاضراً، وبرأيي الشخصي أنا ما بقيت على قيد الحياة بعدما حدث بحلب دون فائدة أو دون سبب، أكيد أنا بقيت لسبب معين، وقد يكون هذا السبب أنه صورت قصص كثيرة يجب أن تُحفظ وتعرض، حتى تصل للأجيال القادمة.

وأتمنى أن يغير الفيلم وجهة نظر الناس التي ترى بأن ما يحدث في سوريا حرب أهلية، هي ليست حرب أهلية، هي ثورة، وهم ناس من حقهم الطبيعي أن يساهموا في التغيير نحو حياة أفضل.

قد يُقال، بأنك ربحت جائزة ولكن خسرت حلب، ما تعليقك؟

بالتأكيد ربحت جوائز، ولكن خسرت حلب!

لا شيء في الدنيا يعوض ما عشته في حلب، وعن البلد كبلد، أنا حالياً لاجئة، وأنتظر بفارغ الصبر يوم العودة للبلد، وأتوقع هذا سيحدث إذا سقط النظام، وتم تقديم بشار الأسد لمحاكمة دولية، ومن ثم أعدنا بناء سوريا الجديدة التي نحلم بها.

كل هي الجوائز، هي عبارة عن اعتراف صغير للناس، بأن القضية السورية مهمة، ولا تزال الناس تهتم بسماع التجربة التي مررنا بها، ولكن بالمقابل كل هذا لا يعادل لحظة واحدة عشناها في حلب تحت الحصار.

وفي الختام، لو عاد الزمن بي للوراء، سأرفض كل ما عيشه الآن، وسأعود إلى حلب، وأفضل العيش في ذلك الوضع السيء، لأنه كان عندنا قضية نعمل لأجلها، ولكن مع الأسف هذا الشيء هنا في بلاد اللجوء انتهى.

شارك هذا المقال