5 دقائق قراءة

نازح من حمص يعرض كلتيه للبيع: ضاقت الدنيا في عيني

  في تشرين الماضي، داهمت قوات النظام قرية في ريف […]


9 أغسطس 2016

 

في تشرين الماضي، داهمت قوات النظام قرية في ريف حمص الشرقي لطرد عناصر تنظيم الدولة منها، فغادر فادي السلامة، وعمره 35 عاما، بلدته مهين وتوجه وعائلته 160 كم جنوبا  إلى دمشق.

وحين وصل العاصمة، بدأ فادي يعمل في مطعم للوجبات السريعة في فترة الليل. وبعد أربعة شهور، أُوقِف على أحد الحواجز ليلا، وتم التحقيق معه واستجوابه. وخشية على حياته، ترك فادي عمله.     

وحين تعذر عليه إيجاد عمل، ونفد كل ما جمعه ووفره وهو ما يقدر بـ400 ألف ليرة سورية (نحو 2000 دولار)، هدده صاحب البيت بطرده وزوجه وأطفاله الثلاثة من المنزل.

وبعد أن يأس من الأمر وخاف أن ينتهي به الحال وعائلته في الشارع، فكر فادي ببيع ما يمكن بيعه آلا وهي كليته بمبلغ 4000 دولار.   

وذهب فادي إلى مستشفى قريب، وهناك أجرى فحوصات الكلى واختبار نوع الأنسجة. وسجل رقمه مع الطبيب ليتواصل معه في حال وافقت أنسجته ودمه مريضاً يحتاج لكلية.

وفي 20 حزيران، تلقى فادي اتصالاً هاتفياً من امرآة دمشقية في عقدها الخمسين، وتعاني قصوراً كلوياً، وهي خالة لبهيرة الزرير، مراسلة في سوريا على طول، وطلبت عدم نشر اسمها.

وقالت المرآة، بعد عشرين عاماً من القصور الكلوي، أخبرها طبيبها أن الغسل الكلوي الأسبوعي لم يعد فعالاً.

وحين ذكر لها الطبيب أن نسبة التطابق 100% “كانت السعادة لاتكاد توسعني من شدة الفرح”. وأضافت “ولكن بالوقت ذاته شعرت بالذنب لأنني سأخذ كلية شخص محتاج للمال” .

وفي وقت المقابلة، كان فادي والمرأة ما يزالان ينتظران أن يحدد لهما الطبيب موعد إجراء العملية

 

فادي السلامة، نزح من حمص عام 2015 يعرض كليته للبيع مقابل مبلغ 4000 آلاف دولار.

ما الذي اضطرك للتفكير بيبيع كليتك؟

كان لدي محل في بلدة مهين ولكن بعد تعرض البلدة لقصف النظام، تم نزوح كامل أهالي البلدة، منهم من لجأ الى المخيمات الحدودية، وأنا اتجهت الى العاصمة دمشق وعائلتي، لأنني لا أريد أن أخرج أطفالي وأسكنهم في خيمة .

وبعد أن سيطر النظام على مهين، أحرق منازل الأهالي فيها.

وبعد خروجي من بلدتي وخسارتي لمحل الألبسة بكل ما يحتويه من بضاعة توجهت وأسرتي إلى دمشق، وكنت أملك حوالي 400 ألف سوري، بالإضافة إلى بعض قطع الذهب لزوجتي، جلست لمدة شهر عند أحد أقاربي وبعدها استأجرت منزلاً في منطقة المهاجرين بـ25 ألف شهرياً وكان مفروشاً وبقيت لمدة شهرين عاطلاً عن العمل، وكنت أبحث عن عمل ولم أجد، ثم اشتغلت لمدة أربعة شهور عاملاً في مطعم، كل يوم بـ450 ل.س وكنت أعود الساعة 3 صباحاً إلى البيت، دوامي ليلي، ولكن كان هناك تدقيق علي على الحواجز عند عودتي ليلاً، وكانوا يحققون معي أين كنت ومن أين أتيت ويكثرون السؤال فخفت وتوقفت وبعدها بقيت أبحث عن عمل ولم أجد، والمال والذهب الذي كان معنا تم صرفه، وأنا الآن بلا عمل وصاحب المنزل يريد إيجار بيته وإلا سيطردني وأطفالي خارجاً، وأطفالي صغارٌ، وأكبرهم عمره 6 سنوات، لا أعمل ولم تقدم لنا أي جمعية خيرية مساعدة مادية بما إني صغير السن وقادر على العمل وإننا في حرب وأنا لدي عائلة وبحاجة المأكل والمشرب واللبس، وواجبي كأب أن أقدم لهم ما يلزمهم  فمثلاً ابني عمره 9 أشهر وبحاجة حليب، وأنا بلا عمل وغلاء وفي خوف بكل دقيقة من اعتقالي وأن أترك أطفالي، أو أن اموت في تفجير؛ فضاقت الدنيا في عيني حتى سمعت أن أحد الناس بحاجة كلية ويدفع مقابل ذلك مبلغا محترما.

حي المهاجرين في دمشق حيث يعيش فادي، حقوق نشر الصورة لعدسة شاب دمشقي

ماهي ردة فعل عائلتك على قرارك في بيع كليتك؟

زوجتي رفضت بشدة وصارت تبكي، وقالت لي نعيش في الشارع ولا تبيع كليتك والصحة أهم من المال، ولكنني مصرٌ على بيعها، لأننا سنموت، سنموت لا محالة، إما من الجوع أو في تفجير ما أو في قصف أو أنهم يعتقلوننا لنخدم في الجيش أو بتهمة يتم تلبيسها لنا.

 

ما هو المبلغ الذي طلبته؟ وكم شخص اتصل بك قبل أن تتواصل معك المرأة الأخيرة؟

طلبت مبلغ 4000 ألاف دولار، لأن الليرة السورية بهبوط دائماً. نعم تواصل معي أكثر من شخص ودفع أحدهم 2000 دولار وآخر 2800  دولار، بالإضافة إلى أن الإثنين عرضا دفع ثمن تحليل الأنسجة الذي كنت قد أجريته قبل فترة لمعرفة تطابق الانسجة بيني وبين الذي بحاجة الكلية .

آلا تخف أن يحدث لك مكروهاً ما وأنت تجري عملية نقل الكلى؟

بلا شك أخاف، لكن من يعيش بهذا البلد، لا يبالي بشيء، فكل شيء تريد أن تعمله يحتاج ألف حساب لأن أي خطأ صغير يفقدنا حياتنا، لهذا تشعر أننا موتى، موتى، وما كتبه الله  سيحدث، سيحدث، فإن مت أكون أمنت مبلغاً من المال للأولاد أفضل من أن أموت بالمجان .

عندما تفكر أنك ستعيش بكلية واحدة باقي حياتك آلا تتراجع عن قرارك في البيع؟

الأمر عادي، كثيرٌ من الناس عاشت بكلية واحدة ولم يؤثر عليها ذلك بشيء، الحرب كرهتنا الدنيا كلها ولم يبق طعمٌ لشيء والمواطن هو أرخص ما في البلد، أرخص من البندورة، هناك تقنين في كل شيء بالكهرباء والماء التي تأتينا أيضاً بأوقات محددة.

وإيجار البيت وغلاء كل شيء والعائلة والأولاد وتقولي لي أتراجع!! سامحك الله.

لماذا لم تغادر؟

إلى أين سأذهب، للمخيمات مثلاً، نعيش بخيمة بالصحراء بذل وقهر، لا أبداً، أبيع كليتي وكل أعضائي وأموت ولا أرى أولادي يعيشون في ذل ومهانين في الصحراء.

بيع الأعضاء هو جريمة يحاسب عليها القانون آلا تخشى أن تلاحق قضائياً؟

قانون!! أي قانون هذا أمام أولادي حين يصبحون في الشارع لأننا لم ندفع الإيجار، أين هو القانون حين نموت جوعاً، وهل بقي قانون في سوريا. في سوريا لم يبق شيء غير الموت والحزن والآسى، تعالوا وانظروا  كيف الناس مآسيها أكبر من أني أبيع كليتي.

القانون لاشك موجود إنما بالكتب، ومستحيل أن  يكون موجوداً في سوريا.

 

أم جمال، امرأة من دمشق عمرها حوالي 50 عاما تعاني من مرض الكلى منذ 20 عاما .

 

في حزيران، تواصلت مع فادي من خلال طبيبها بعد اكتشاف أن التطابق بين أنسجتهم هو 100%

 

أخبريني عن مرضك وحاجتك إلى الكلية؟

مؤخراً، تدهورت حالتي الصحية، فكنت أغسل كلى كل أسبوع مرتين، ومنذ حوالي الشهر، قال لي الطبيب أنه لم يعد بالإمكان أن أغسل كلى، وأنها ستتوقف عن العمل، وأني بحاجة شديدة إلى كلية جديدة بسبب سوء حالتي الصحية .

وكل أبنائي أنسجتهم غير متطابقة، فاضطررت أن أبحث عن شخص لشراء كلية لي، فسألت الطبيب المشرف على حالتي فقال لي أنه هناك العديد من الأشخاص الذين يريدون بيع إحدى كليتيهم، ويقومون بإجراء فحوصات طبية لتطابق الأنسجة ويبقون أرقامهم في المشفى ليتم التواصل معهم .

فهكذا إذن تواصلت مع فادي؟

حصلت على رقمه من المستشفى مع عدد كبير من الأرقام الذين يعرضون بيع كلية، وبعد أن عرضنا تقرير الأنسجة على الطبيب، ذكر الطبيب أن نسبة التطابق 100% وكانت السعادة لاتكاد توسعني من شدة الفرح، لأنني اتصلت مع كثيرين من الذين يعرضون بيع كلية وكانت والنتيجة سلبية  دائماً، ولكن بالوقت ذاته شعرت بالذنب لأنني سأخذ كلية شخص مقابل المال .

فهل اتفقتم على السعر؟

فادي كان قد طلب مبلغ 4000 آلاف دولار لبيع كليته مع دفع تكاليف تحليل الأنسجة الذي قام به، ويطلب المال بالدولار بسبب هبوط سعر الليرة السورية بين اليوم والآخر .

وأنا طلبت منه أن يخفض لي السعر ولكنه لم يرغب وأنا مضطرة إلى الكلية وحق له أن يطلب هذا المبلغ لكليته .

آلا تخافين من مضاعفات جراء العملية؟

توقفت كليتي عن العمل وإذا لم أجري العملية سأموت، فالموت هو مصيري في نهاية الأمر، إتكالي على الله وحده .

وبالنسبة للمضاعفات أكون قد فعلت الذي علي والباقي على الله .

 

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال