5 دقائق قراءة

نازح من دير الزور إلى الحسكة: الوصول إلى هنا كلفنا حياتنا ووصلنا إلى مكان منبوذون فيه

ودع مثنى الحامد وعائلته المكونة من ١٠ أفراد منزلهم في […]


21 نوفمبر 2017

ودع مثنى الحامد وعائلته المكونة من ١٠ أفراد منزلهم في قرية تقع على ضفة الفرات، في محافظة دير الزور شرقي سوريا، في أيلول، بسبب المعارك الدائرة من أجل طرد تنظيم الدولة، والتي جعلت المنطقة غاية في الخطورة.

وقبل مغادرته، تواصل مثنى مع عدد من المهربين بإمكانهم نقل عائلته وثلاث عائلات أخرى شمالاً، عبر ريف دير الزور الشرقي، نحو الأراضي التي تسيطر عليها قسد (قوات سوريا الديمقراطية) المدعومة من جانب الولايات المتحدة.

وخلال الرحلة، أنفق الحامد مئات الدولارات – كل ما يملكه تقريباً – ليدفع للمهربين والرشاوى على الحواجز، وقال لسوريا على طول “كان علينا أن ندفع كل ما طلبوه منا تحت تهديد إعادتنا من حيث أتينا”.

وصل الحامد وعائلته إلى مخيم السد للنازحين، والذي تديره قسد، على بعد حوالي ٢٠ كماً جنوب مدينة الحسكة ذات الغالبية الكردية، شمال شرق سوريا.

ويُمنع النازحون من مغادرة مخيم السد دون كفيل، وبعد تواصله مع أقاربه وأصدقائه في الحسكة، قرر الحميد دفع ٣٠٠ دولار أخرى لأحد المهربين لنقله من المخيم إلى مدينة الحسكة.

مدينة الحسكة في تشرين الثاني. تصوير: بوابة الحسكة.

واليوم، يقيم الحامد وعائلته مع أقاربهم، في منزلين صغيرين في مدينة الحسكة، حيث حاول العثور على مكان ليعيش فيه، ولكن، على حسب قوله، أهالي الحسكة ليسوا على استعداد لتأجير شخص من دير الزور، كونه قادم من مناطق تنظيم الدولة وهو ما يجعله موضع شبهة.

يقول الحامد “في كل مرة كنت أذهب فيها إلى أي مكتب عقاري للاستفسار عن بيوت للإيجار كان يطرح علي السؤال نفسه “هل أنت من دير الزور؟”.

ومنذ وصوله، أي منذ أكثر من شهر تقريباً، تم رفض المثنى من قبل نحو عشرة من مالكي العقارات، على الرغم من أنه يملك المال لاستئجار منزل في الحسكة، وفقاً لما قاله لمراسلة سوريا على طول جلنار عبد الكريم، من المنزل الذي يتقاسمه مع أقاربه.

وتواصلت سوريا على طول مع عدد من المسؤولين في الإدارة الذاتية للتعليق عما يقوله الحامد، إلا أنهم رفضوا التحدث بشأن الموضوع.

يقول الحامد “إن الوصول إلى هنا كلفنا حياتنا، فقط للمجيء إلى مكان نحن منبوذون فيه، ويتم احتقارنا فيه بكل معنى الكلمة”.

حدثني عن رحلتك من دير الزور إلى مخيمات قسد؟

عندما وصلنا إلى مخيم السد للنزوح، رأينا حشوداً كبيرة من الأهالي، كان النازحون يتوافدون من دير الزور بالآلاف، نام بعضهم على الأرض دون غطاء لأنه لم يكن هناك أماكن تكفي الجميع. وكانت بعض الأسر تتشارك خيمة واحدة.

حينها كان الطقس لا يزال دافئاً، وعندما كنا في السد [في أيلول] كانت أشعة الشمس الحارقة تنعكس عن الرمال والريح تنثر الرمال على وجوهنا.

قضينا خمسة أيام هناك.

[في أواخر تشرين الأول، تحدثت سوريا على طول عن الظروف السيئة وانتشار الأمراض في مخيم السد، الذي يعد من بين أقرب مخيمات النزوح إلى محافظة دير الزور. وتسيطر قسد على المخيم].

لماذا غادرت مخيم السد؟

بالنسبة لنا، كان المخيم عبارة عن سجن واسع،  لم يكن هناك أي مقومات للحياة كالخدمات أو الكهرباء أو المياه أو الأطباء أو حتى أدوية، لذا كان عليّ أن أجد وسيلة للخروج من هناك.

تواصلت مع جميع أصدقائي وأقاربي – ومع أي شخص كنت أعرف أنه فر من دير الزور للحسكة منذ بدء الثورة [في عام ٢٠١١] -لإيجاد شخص يساعدناً على الخروج من المخيم، جميعهم قالوا إنه لا توجد وسيلة للخروج من المخيم ما لم نكن مستعدين لدفع المزيد من المال لمهرب آخر ليخرجنا من هناك.

وبعد التفاوض مع ثلاثة مهربين، توصلنا إلى اتفاق مع أحدهم على إخراجنا مقابل ١٢٥ ألف ليرة [حوالي ٢٥٠ $] للشخص الواحد، بالنسبة لعائلتي المكونة من ١٠ أفراد، هذا يعني أنه عليّ أن أدفع مبلغ مليون و ٢٥٠ ألف ليرة [حوالي ٢٥٠٠ $]. استغرقت عملية إخراجنا من المخيم ليلتين، خمسة أشخاص في كل ليلة.

وصلنا إلى مدينة الحسكة [في أواخر أيلول] وما زلنا نقيم مع أقاربنا هنا، أطفالي الثلاثة الصغار وزوجتي وأنا نقيم في منزل أختي، التي تعيش مع عائلتها، وابنتها المتزوجة وأطفالها في منزل مكون من ثلاث غرف فقط.

 

أما بقية أبنائي فيعيشون مع عائلة ابنة أخي في منزلها المكون من غرفتين، وليس بمقدور ابني الخروج من المنزل حيث تقوم قسد بسحب الرجال للالتحاق بقوات الدفاع الذاتي في مدينة الحسكة التي تحكمها الإدارة الذاتية، ولا يهم ما إذا كنت عربياً أو كردياً أو نازحاً فهذا ينطبق على جميع من يقيم هنا.

[تقوم الإدارة الذاتية، التي يقودها الأكراد، والتي تحكم مناطق الفيدرالية شمال سوريا، بتجنيد الرجال فوق سن الـ ١٨ لمدة تسعة أشهر ضمن قوات “الدفاع الذاتي”، وذلك ينطبق على جميع المواطنين السوريين والأجانب هناك]

كيف كانت بداية حياتك في مدينة الحسكة؟ وكيف كانت معاملة الناس هنا؟

بعد وصولنا، كان على عائلتي أن تبدأ في البحث عن مكان للعيش فيه حتى لا نكون عبئاً على الأقارب الذين نقيم معهم، فالجميع يعاني من سوء الوضع المادي.

ولكن في كل مرة كنت أذهب فيها إلى أي مكتب عقاري للاستفسار عن بيوت للإيجار كان يطرح علي السؤال نفسه “هل أنت من دير الزور؟” وعندما أجيب بـ “نعم” يقول مالك المكتب العقاري “لا يوجد لدينا منازل للإيجار”.

وتكرر ذلك، وكنت في كل مرة أسمع الإجابة نفسها وأرى نظرة الاشمئزاز نفسها لمجرد معرفة أنني من دير الزور، وكذلك عندما أسأل الأصدقاء والمعارف حول منازل للإيجار، أتلقى الجواب نفسه.

وفي أحد المرات وجدت الشخص الذي كان مستعداً لتأجير منزله لي – بسعر مرتفع – وقبلت على مضض لأنه لم يكن لدي خيارات أخرى، ذهبنا إلى البلدية لتوقيع العقد، إلا أن البلدية رفضت السماح للمالك بتوقيع العقد معي بحجة أن “كل الناس القادمين من دير الزور هم دواعش”.

[البلدية هي وحدة الإدارة المحلية الأساسية في النظام الفيدرالي الذي تتبعه الإدارة الذاتية. وتضم البلدية مؤسسات حاكمة محلية يتراوح حجمها من القرية إلى مئات الأسر في مدينة أكبر].

أحيانا أجلس وأفكر بما وصلنا إليه، ماذا فعلنا لنستحق هذا النوع من المعاملة؟ المخيمات، الاستغلال، الابتزاز، الكراهية والعنصرية؟

كان التمييز واضحاً بشكل مؤلم عندما ذهبت إلى السوق [بعد وصولنا بفترة وجيزة] لمحاولة العثور على محل أبيع فيه الخضروات، كما كنت أفعل في دير الزور، كان لدينا حياة مريحة في دير الزور، ولكن أموالي ذهبت تقريبا للمهربين.

وفوق ذلك، تطلب الإدارة تراخيص من أجل فتح محلات تجارية، لكنها ترفض تماماً إصدار أي تراخيص لـ”إرهابيي تنظيم الدولة ” القادمين من دير الزور، كما تسمينا.

[لم تتمكن سوريا على طول من التحقق بشكل مستقل من وجود هذه السياسة في مناطق الإدارة الذاتية، ولم تتلق تعليقا من السلطات المحلية بالرغم من التواصل معهم عدة مرات].

إذا كنا مع داعش، فلماذا نهرب منهم؟ لماذا تركنا بيوتنا وكل ما كنا نملك؟ إن الوصول إلى هنا كلفنا حياتنا، فقط للمجيء إلى مكان نحن منبوذون فيه، ويتم احتقارنا فيه بكل معنى الكلمة، حيث نتلقى أسوأ أنواع المعاملة. نحن لم ننس أننا جميعا سوريون – ولم نأتي من كوكب آخر.

هل أنت نادم على مجيئك للعيش في الحسكة؟

لو كنت أعرف أنني سأتلقى هذه المعاملة من قبل معظم الناس هنا – وخاصة الأكراد – لكنت فضلت البقاء في دير الزور، والموت بكرامة مع عائلتي، وهذا أفضل من الشعور بالإهانة في كل ثانية وكل يوم في هذه المدينة.

ساهم في إعداد هذه المقابلة جلنار عبد الكريم.

 

هذه المقابلة هي جزء من تغطية سوريا على طول عن وضع المنطقة الشمالية الخاضعة لسيطرة الأكراد والتي ستستمر لشهر بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور وفريق من مجموعة مراسلين على أرض سوريا، اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال